"الأفغان" "والاشتراكي ثأر قديم وتصفية حسابات وجهاد عام التفجيرات استهدفت تخويف الأميركيين دفعت الأزمة السياسية في اليمن القضية الأمنية الى مقدم الاولويات، لما لهذه القضية من صفة استراتيجية، سواء في معالجة الأزمة او في عملية الاصلاح الشامل لمؤسسات الدولة، او في استئناف الحوار بين قيادتي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، قطبي الائتلاف الثلاثي الحاكم. والقضية الامنية واحدة من النقاط الپ18 التي تقدم بها الاشتراكي، موضوعاً واساساً وشرطاً للحوار مع شريكيه، المؤتمر الشعبي والتجمع اليمني للاصلاح، في اتجاه المعالجة. وهي تبدأ من نقطة تقديم المتهمين بالاغتيالات والتفجيرات وقطع الطرق، الى المحاكمة بعد تجهيز ملفاتهم، في عملية متزامنة مع تعقّب الفارّين من المتهمين والقبض عليهم لتقديمهم الى المحاكمة. وتحظى هذه القضية باهتمام سياسي وشعبي بين كل الاوساط في اليمن. وكان مجلس النواب بمبادرته للمصالحة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي والحكومة بمبادرتها في 12 من الشهر نفسه أعطيا أولوية مميّزة لهذه القضية التي لقيت تأييداً شاملاً من كل الاحزاب والمنظمات والشخصيات السياسية والوطنية والاوساط الشعبية. وصدرت في شأنها اخيراً قرارات عن مجلس الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الوزراء، ووضعت الاجهزة المختصة في الحكومة خططاً للتنفيذ. ومعروف في اليمن ان ثمة اهمية خاصة لمحاكمة المتهمين، كونها اولاً لم تعد قضية جنائية بحتة، بل ان لها جانباً سياسياً بارزاً، وبالذات ما يخص المتهمين من عناصر تنظيم "الجهاد" او "أفغان اليمن". وصرّحت مصادر مسؤولة في الحكومة اكثر من مرة بأن قوى ومراكز تتمتع بنفوذ واسع تؤوي او تحمي بعضاً من المتهمين، ولا سيما منهم الذين لم يقبض عليهم. وكذلك فان قضية الاغتيالات والتفجيرات بدأت منذ ما يزيد على عامين. ويبدأ ابرزها بمحاولة اغتيال السيد عمر الجاوي الامين العام لحزب "التجمع الوحدوي اليمني" نتج منها سقوط المهندس حسن الحريبي، احد قادة التجمع، ظهيرة يوم 10 ايلول سبتمبر. وتلتها محاولة اغتيال السيد عبدالواسع سلام، وزير العدل من الاشتراكي امام وزارة العدل في صنعاء، في نيسان ابريل 1992. من ناحية اخرى، يرى سياسيون في صنعاء، ان عملية تقديم المتهمين الى المحاكمة، هي في الوقت ذاته عملية اختبار لمدى قدرة الدولة وصدقيتها في الوفاء بوعودها والتزاماتها حيال مسؤولياتها الوطنية، ليس لتنفيذ هذه العملية فقط، بل لكل النقاط والقضايا المدرجة تحت عنوان "مهام عاجلة". ودخلت "الوسط" سجون عدن وأبين ولحج وحاورت عدداً من المعتقلين الذين اعترف بعضهم بما نسب اليه وبوجود مشروع لپ"الجهاد". في حين قال آخرون ان ما اقدموا عليه كان مجرد عملية ثأر من الاشتراكي الذي حكم المحافظاتالجنوبية ايام التشطير… ورووا كيف فرّ زملاء لهم من السجن في عملية هروب مثيرة. يستطيع المسؤولون في الحزب الاشتراكي ان يفاخروا بأن السجون التي يديرونها في المحافظاتالجنوبية من اليمن تنعم بإدارة "حضارية"، وأن أبناء هذه المحافظات على قدر كبير من الشجاعة يمكنهم من الجهر بما يعتقدونه من آراء سياسية من دون ان يخشوا لومة لائم. وأمضت "الوسط" بضعة أيام بين سجن المنصورة في عدن وسجن زنجبار في أبين وسجن محافظة لحج حيث التقت المعتقلين الذين يقول المسؤولون الاشتراكيون انهم ينتمون الى تنظيم "الجهاد". وبدا جميع المعتقلين في صحة جيدة، وعلاقتهم حسنة بالمسؤولين عن السجن، وأثنوا على حسن تعاملهم معهم. لكنهم لم يخفوا سخطهم على رجال التحقيق الذين كانوا أول من التقوهم في الأيام الأولى بعد احتجازهم. واتهموهم بتعذيبهم واهانتهم، خصوصاً في معسكر الفتح في منطقة التواهي، السجن السياسي الرئيسي في عدن الذي ادخلت اليه المجموعة التي اتهمت بقضية التفجيرات التي وقعت في كانون الأول ديسمبر من العام الماضي، وأمضت فيه ستة أشهر قاسية في زنازين انفرادية. ولم يتردد أبو بكر سعيد المعتقل في ابين من الاعتراف بمحاولة اغتيال السيد علي صالح عباد مقبل، عضو هيئة مكتب رئاسة مجلس النواب حالياً. وصرح الى "الوسط" في حضور مسؤولين أمنيين من الحزب الاشتراكي: "لقد قمت بارهاب شخص واحد مرة واحدة وهم ارهبوا شعباً كاملاً لسنوات طويلة، والآن يتهموننا بالارهاب، فمن أكثر ارهاباً؟". وبينما نظر اليه المسؤول الأمني مبتسماً اختتم أبو بكر حديثه: "يقولون عفا الله عما سلف. حسناً أنا مستعد لذلك فهل هم مستعدون لأن يعفوا عني ونقفل هذا الموضوع"؟ لكن قضية تنظيم "الجهاد" أكثر تعقيداً من أن تقفل بهذا الشكل، فهي بدأت قبل الوحدة أيار/ مايو 1990. ويرى بعض المراقبون أنها واحدة من النتائج غير المباشرة للجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفياتي في حرب معلنة وجدت دعماً عالمياً، اذ دعا بعضهم الى نقل الجهاد ضد النظام الماركسي في ما كان اليمن الجنوبي، ووقف من يخطب متسائلاً "أشيوعية حمراء بين اقحاح العرب"! المئات الى افغانستان وتوجه مئات من الشباب اليمني الى افغانستان في منتصف الثمانينات بعدما وجدوا دعماً من جهات عدة وتأييداً من الرأي العام. وفي صنعاء لم يكن وجود "مضافة للمجاهدين" بالأمر السري، فهي تلقت الدعم المباشر من شخصيات رسمية كرئيس مجلس النواب الحالي الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والسيد عبدالوهاب الديلمي النائب السابق الذي استشهد أحد ابنائه في افغانستان وأذيع النبأ في الصحف اليمنية في أجواء حماسية. وكانت الفكرة مغرية للكثير من أبناء ما كان يسمى اليمن الجنوبي، من المغتربين الذين يزيد عددهم على مليون موزعين في المحافظات الشمالية ودول الخليج. وبينما ذهب بعضهم متحمساً لنصرة الشعب الأفغاني ذهب آخرون حاملين غضبهم على "الحكام الماركسيين" في عدن. فكثير من المغتربين دفع الى الهجرة في سنوات العنف الذي أصاب ما كان اليمن الجنوبي بعد الاستقلال. وهذا ملف ضخم جديد يريد المسؤولون في الحزب الاشتراكي اغلاقه اليوم، ويأبى آخرون ان يفتحوه من جديد. تساءل ويتساءل كثيرون هل تحولت فكرة الجهاد في جنوب اليمن الى مشروع وتنظيم على أيدي المجاهدين اليمنيين في افغانستان، أم ان الفكرة ظلت بلا تنظيم أو قيادة موحدة، وترك لكل من يؤمن بها أمر تنفيذها كما يريد فأصبحت مثل رصاصة أطلقت ولا يملك أحد السيطرة عليها؟ ثمة مراقبون لا يستبعدون احتمال وجود مشروع للجهاد في اليمن الجنوبي سبق الوحدة، كانت تهيىء له جهات عدة، وجاءت الوحدة لتجهضه، وتغير العلاقات بين الجهات المعنية، فتحول المشروع مجرد حملة اغتيالات وثارات ودخل "أفغان اليمن" بعلم أو من دون علم في حلبة التنافس والضغوط المتبادلة بين القوى اليمنية المختلفة، وبعض القوى الخارجية ايضاً. وعبّر عن ذلك سياسي يمني طلب عدم ذكر اسمه، قال: "بعد الوحدة استخدم كل طرف ما يملك من أوراق للضغط على الآخر، فالاشتراكي استخدم النقابات وعلاقاته العمالية، فأثار اضطرابات الأسعار التي اندلعت من تعز العام الماضي. أما أهل الشمال، وبالتحديد المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح، فربما استخدموا أو غضوا الطرف عن نشاط الجهاد الموجه ضد الحزب الاشتراكي". "الهم الاشتراكي" وتحدثت "الوسط" في سجن لحج الى الزبير محمد شرف حسن الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وقبض عليه وفي حوزته كمية كبيرة من الأسلحة بينها صواريخ وقاذفات صواريخ "آر. بي. جي" اضافة الى رشاشات وذخيرة. فأكد أنه لم يذهب الى أفغانستان، وقال: "اشتركت معهم على أساس ان جهاداً عاماً سيعلن في اليمن يشارك فيه الجميع والعلماء". وأضاف انه لو كان يعلم "ان مشروع الجهاد سيقتصر على اغتيال أفراد" لما كان شارك "معهم". وأصر على أنه لم يكن عضواً في تنظيم، وانه لا يعرف سوى عدد محدود جداً من المشاركين لا يتجاوز الأربعة. وسواء كان المشروع "جهاداً عاماً" أو "حملة اغتيالات"، فإن سقوط 150 قتيلاً من كوادر الاشتراكي - كما يقول المسؤولون فيه - ووقوع تفجيرات في منشآت رئيسية في عدن وضبط أسلحة بكميات كبيرة، كان كافياً ان يثير قلق الحزب فادرج بند "القبض على المتهمين في حوادث الاغتيالات والتفجيرات والتقطع والارهاب وغيرها من القضايا المخلة بالأمن العام وتقديمهم الى المحاكمة الفورية والعلنية" في رأس النقاط ال 18 التي قدمها كمطالب لحل الأزمة القائمة حالياً بين الحزبين الرئيسيين في الائتلاف الثلاثي الحاكم في اليمن. واختتم الاشتراكي مطالبه التي تحدثت عن الاقتصاد والادارة بالعودة الى المسألة الأمنية: "العمل على تبني الدولة عملية صلح شاملة لمدة خمس سنوات وإشراك القوى والشخصيات السياسية والاجتماعية كافة لتحقيق هذا الهدف على أن ترصد الدولة الامكانات الكافية لحل ما بقي من قضايا الثأر تحت اشراف مجلس الوزراء". وفي هاتين النقطتين يكمن الهم الرئيس للحزب الاشتراكي، كما يقول بعض المسؤولين في المحافظات الشمالية. وعلى رغم انحسار عمليات "الجهاد" أو "الثأر" فالتفريق بينهما صعب، الا ان قلق المسؤولين لا يزال قائماً، فقبل حوالي شهرين وقعت حادثة في الخشعة في حضرموت، اذ حاولت سيارة تجاوز نقطة تفتيش فخرجت عن الخط بينما أطلق آخرون فيها النار على رجال الشرطة. أما عمليات الاغتيال التي تميزت بها المرحلة الانتقالية، بين اعلان الوحدة والانتخابات فخفت الى حد كبير. وكان الاحتكاك بين الاسلاميين والحزب الاشتراكي قديماً منذ أواخر الثمانينات، عندما ضعفت قبضة الحزب في السلطة اثر أحداث كانون الثاني يناير 1986 الدامية والتي سقط فيها عشرات الألوف من كوادر الحزب في صراع على السلطة استمر بضعة أيام. ومع بدء الحديث عن الانفتاح وبيريسترويكا في عدن بدأ الاسلاميون بالخروج الى العلن، ونشطوا في عملهم الدعوي في المساجد والمدارس. وفي ربيع 1990 بدت "اليمن الجنوبي" كأنها تشهد بدايات توتر يقوده الاسلاميون عندما تظاهر الطلاب في المكلا جنوبحضرموت احتجاجاً على استمرار المناهج الماركسية في التعليم، وأصيب رجل أمن في التظاهرة التي كان مفترضاً أن تكون سلمية. فنظم الحزب تظاهرة مضادة ل "القوى الرجعية" شارك فيها آلاف من أنصاره، وهكذا بدأ الصراع بين الاسلاميين والدولة "العلمانية الحديثة". وجاءت الوحدة ومعها التعددية الحزبية التي سمحت للاسلام السياسي بالعمل العلني في كل اليمن، فبرز أكثر من حزب اسلامي وافتتحت فروع في عدن وبقية مدن الجنوب، وصدرت الصحف التي تعبر عن آراء الاسلاميين وعادت الدروس الدينية وبعضها سياسي واجتماعي ايضاً الى المساجد. ولم تكن القوى الاسلامية التي ظهرت قادمة من الشمال فقط، وانما ظهر أيضاً اسلاميو الجنوب لكنهم لم يشكلوا أحزاباً سياسية وانما جمعيات خيرية والتفوا حول العلماء على شكل روابط صوفية خصوصاً في حضرموت، المكان الوحيد الذي يستطيع ان ينافس إيران في عدد المنتسبين الى آل البيت على رغم العدد القليل للسكان. ولا يزال ل "السادة" نفوذ واحترام كبير. ومن المفارقات ان مسؤولين كبيرين في الاشتراكي هما من السادة: نائب الرئيس الأمين العام للحزب السيد علي سالم البيض ورئيس الوزراء المهندس حيدر أبو بكر العطاس. مشروع "انتقام" وشارك بعض المستقلين الاسلاميين في الانتخابات التي اكتسحها الاشتراكيون في كل محافظاتالجنوب. ويفتخر حسن نائف وهو صحافي مقرب من الاشتراكي كان يقف أمام مسجد يلقي فيه واعظاً كلمة عن الفساد في المجتمع وسبل اصلاحه. وقال نائف: "نحن في عدن لدينا حرية كاملة فمن يريد أن يستمع الى الواعظ سيفعل بكل حرية ومن يريد ان يذهب الى المقهى سيفعل بكل حرية". وجاء مع الوحدة ايضاً من يحمل مشروع "الجهاد" واسقاط الحكومة - أو بالأحرى الشريك الجنوبي في الحكومة - بالقوة، أو على أقل تقدير الانتقام منه. ويلاحظ ان نسبة كبيرة من المعتقلين بتهم الانتماء الى "الجهاد" هي من المغتربين الذين أمضوا سنوات طويلة في الشمال وخارج البلاد. ولا يخفي الاشتراكيون قناعتهم بأن هناك قوى في الشمال تدعم "الجهاد"، ولكن في ظل الأزمة الحالية لا أحد يتحدث صراحة في هذا الموضوع. غير أن مسؤولاً يمنياً كبيراً في صنعاء صرح الى "الوسط" بأن الجانب الأمني ورغبة الاشتراكي في الحصول على ضمانات تكفل أمن كوادره هما القضية الأهم في الأزمة الحالية. وقال: "نحن العرب نتحدث وقت خلافاتنا عن كل شيء ونشير من بعيد الى المشكلة الحقيقية، في الوقت الذي يعرف كل طرف نيات الآخر". وفي عدن لمح مسؤول اشتراكي الى دور لعقيد وصفه بأنه صاحب نفوذ واسع في الشمال وبالتحديد في القوات المسلحة، مشيراً الى اعترافات مكتوبة اطلع عليها مراسل "الوسط" وفيها ان بعض الفارين الذين شاركوا في عملية اغتيال حسن الحريبي ومحاولة اغتيال عمر الجاوي كلاهما من قيادات الاشتراكي قبل ان ينفصل الجاوي بحزبه يعمل تحت امرة ضابط في الفرقة الأولى للمدرعات. لكن مسؤولاً أمنياً في صنعاء طلب هو أيضاً عدم ذكر اسمه - تفادياً لتصعيد الأزمة - قلل من هذه الاتهامات بقوله: "كذلك كان خالد الاسلامبولي قاتل السادات جندياً في الجيش المصري فهل نتهم رئيس الأركان أو وزير الدفاع المصري"؟ وأضاف: "ان الاشتراكي قلق خوفاً من أن يفقد سلطته في الجنوب في ظل دولة الوحدة ويثير هذه القضايا بحثاً عن اتفاق بعيداً عن المؤسسات الدستورية". ولا تتردد صحافة الحزب الاشتراكي في الغمز من قناة الأصولية، ولمحت مرة الى ان وزارة الداخلية رفضت التوقيع على ميثاق اقترح في المؤتمر الأخير لوزراء الداخلية العرب وينص على التعاون لمواجهة الأصولية، معتبرة ان اليمن انضمت الى السودان. وتبرز هذه الصحافة ما يتردد من أنباء عن وجود أصوليين عرب في اليمن ينعمون بحرية العمل. ويمكن اختصار موقف الحزب في رسم كاريكاتوري نشر الاسبوع الماضي في صحيفة "صوت العمال" الأوسع انتشاراً، ويضم الرسم مجموعة من المقنعين المسلحين في "هاي لوكس" ومعظم عمليات "الجهاد" نفذته عناصر استخدمت سيارات هاي لوكس تويوتا وجندي في نقطة تفتيش يقول لهم: "عملية اغتيال جديدة تفضلوا الله معاكم". ويرى مدير البحث الجنائي في لحج السيد صالح قاسم ان أهم مشكلة عملية في مواجهة "الجهاد" هي عدم وجود رؤية موحدة للتعامل مع الجماعات المتطرفة. ويقول: "نحن نرى انها تشكل خطراً كبيراً ويمكن أن تكون خطراً أكبر في المستقبل، فهؤلاء الشباب اعترفوا بأنهم ضد النظام وهدفهم هو الانقضاض على السلطة، وإذا نجحوا في ذلك سيقومون بالدور نفسه في مكان آخر، ومرة أخرى لا أحد يريد أن يقول الشمال والجنوب صراحة". ويؤكد صالح قاسم ان المتهمين اعترفوا بعلاقتهم بأحد المتمولين الخليجيين، وان "أمير" مجموعة لحج، أحمد صالح عبدالكريم، التقاه وكان يتسلم منه 15 ألف درهم مرتباً شهرياً، وان خطة التنظيم كانت تبدأ بمرحلة الدعوة الى الجهاد من خلال المساجد والدروس والاعداد بالتدريب وجمع الأسلحة. ويشير الى "لقاء عقد في المراقشة في ابين في المعسكر الذي اقامه هناك طارق الفضلي حضره 300 شخص وألقى شخص اسمه أبو مالك محاضرة عن الجهاد، غير ان أبو مالك لم تعرف هويته بعد". ويذهب وكيل محافظة لحج الى الرابط بين "الاصلاح" والجهاد فيقول "ان الطرفين اتفقا على الاعداد والتسلح، لكن الاصلاح رفض المشاركة في الاغتيالات ووافق على المشاركة في ضرب الأميركيين"، مشيراً الى تلك الفترة التي بدت كأن الأميركيين عازمون على اتخاذ عدن قاعدة خلفية لعمليتهم العسكرية في الصومال. مسؤول آخر هو عبده صالح ممثل الداخلية يقول: "أحد المشاكل حالياً هو التمييز بين الاسلاميين السياسيين وأعضاء الجهاد". الا انه أكد ان الجهات الأمنية "تتحرك لمنع كل من يستخدم العنف". في الوقت نفسه يشكو متهمون من أنهم اعتقلوا لمجرد انهم ملتحون ويملكون سلاحاً مرخصاً، مثل هاني عتيق المعتقل في سجن المنصورة... ولكن ان يمتلك شاب عمره 22 عاماً مسدساً، وان كان مرخصاً، أمر يثير الشكوك حتى في بلاد كاليمن يتزين رجالها بالسلاح. سجن المنصورة يضم سجن المنصورة في عدن، وهو أكبر السجون اليمنية متحفاً لتخليد ذكرى مناضلي حرب الاستقلال ضد بريطانيا الذين أمضوا وقتاً قصيراً فيه، ذلك ان البريطانيين بنوه قبل عامين فقط من جلائهم عن الجنوب. الأكثر اثارة في السجن ثمانية معتقلين متهمين بالانتماء الى تنظيم "الجهاد". انهم يقيمون في زنزانة تكاد لا تتسع لهم، بجوار إدارة السجن. ويقول نائب مدير السجن النقيب علي محمد سعيد مازحاً: "انهم يهموني كثيراً لذلك أردتهم قريباً مني حتى استطيع أن أزورهم وأطمئن اليهم أكثر من مرة في اليوم الواحد". لكن هناك سبباً آخر لهذا الاهتمام بهم اذ استطاع ستة من زملائهم كانوا يقيمون معهم في عنبر عادي كسائر المساجين الفرار، ليسجلوا أول حالة فرار في تاريخ السجن وأكثرها اثارة. وجاء فرار المتهمين الستة، وهم الأكثر خطورة أيضاً، في حزيران يونيو الماضي، ليثير اسئلة مهمة عن القوة المتنفذة خلف المعتقلين، وعجل ذلك بدخول تنظيم "الجهاد" في الصراع السياسي الدائر في اليمن. غير أن النقيب سعيد يؤكد انه لا يزال يتعامل مع المعتقلين الباقين كمتهمين في قضية جنائية وليست سياسية. ويقول انه لا يوجد سجناء رأي في أي من سجون عدن "نحن لا نقبل سوى من تحيله علينا النيابة العامة أو القضاء، ولا نتعامل مع هؤلاء الشباب كسجناء سياسيين. فبناء على اتفاقات الوحدة لا يسجن أحد في اليمن بسبب آرائه". ويتحدث المعتقلون الذين التقتهم "الوسط" برضا عن ادارة السجن، ولا يشكون الا من ضيق المكان وعدم كفاية ساعة الرياضة المسموح لهم بها... وأهم من ذلك تأخير المحاكمات. ويؤكد نائب مدير السجن ان اعتقالهم قانوني على رغم تأخر المحاكمة لنحو عام، اذ اعتقل معظمهم اثر التفجيرات التي وقعت في فندق "غولد مور" السياحي في مدينة التواهي عدن، ما أدى الى مقتل سائح نمسوي وعامل يمني، وتفجير آخر لم يسفر عن ضحايا في حديقة فندق "عدن موفنبيك" واطلاق قذيفة "آر. بي. جي" لم تنفجر على مطار عدن. وجرت كل هذه الحوادث في نهاية كانون الأول ديسمبر من العام الماضي. واعترف المعتقلون بأنهم استهدفوا القوات الأميركية التي أرادت استخدام عدن نقطة خلفية لعملها في الصومال. وبالفعل أدت هذه الحوادث، فضلاً عن أسباب أخرى، الى تغيير الأميركيين رأيهم والابتعاد عن المدينة. ويضيف النقيب سعيد ان النيابة العامة تجدد أمر حجزهم كل أسبوع وبذلك تستوفى الاجراءات القانونية لاحتجازهم في انتظار المحاكمة. أما النائب العام لمدينة عدن السيد خالد الأعجم فيعزو التأخير الى عدم تسليم الشيخ طارق الفضلي الموجود حالياً رهن الاقامة الجبرية في صنعاء، والذي اعترف عدد من المعتقلين بتورطه في عمليات التفجير، وكذلك بسبب الفارين الستة الذين لم يقبض عليهم بعد. المعتقلون يطالبون بمحاكمتهم ويستعجل المعتقلون الثمانية من جهتهم المحاكمة. ويوضحون ان 500 اعتقلوا معهم في قضية التفجيرات، وأفرج عنهم جميعاً، واستثنوا هم. ويقولون في أسباب بقائهم: "ليس لنا أقارب في السلطة أو الأمن" على حد تعبير ياسر عبده حبيشي 25 عاماً الذي أضاف: "حتى الاصلاح اخرج جماعته"، مشيراً الى التجمع اليمني للاصلاح الشريك في الائتلاف الحاكم حالياً والحزب الاسلامي الرئيسي في اليمن. شهاب عبده سعيد 33 عاماً، هو أكبر المعتقلين سناً يقول انه لم توجه اليه تهمة ولا يعرف لماذا اعتقل في 15 كانون الثاني بعد اسبوعين من التفجيرات. وهو ما يكرره جميع المعتقلين الذين ينفون ما ورد في اعترافاتهم التي أدلوا بها خلال التحقيق في معسكر الفتح. ويقولون ان الاعترافات انتزعت منهم "بالتعذيب... لقد احضروا إلي ملفاً كاملاً وطلبوا مني أن أوقع على كل ما فيه واضطررت الى ذلك من دون ان أعلم ماذا في الملف". علي الكردي 24 عاماً يقول انه اعترف "تحت التعذيب" بأن المؤتمر الشعبي يساعدهم في أعمالهم. ويكرر عبدالله حسن العبادي 24 عاماً بقوله انه سئل في التحقيق عن علاقته بالمؤتمر الشعبي. وكذلك ورد في التحقيق والاعترافات حديث عن دور للاصلاح وطارق الفضلي الذي "طُلب منهم الاعتراف بأنه زعيم تنظيم الجهاد والاعتراف بعلاقتهم بأشخاص آخرين في مواقع قيادية في المؤتمر الشعبي ومقربة من الرئيس علي عبدالله صالح". وهم ينكرون الآن ما جاء في اعترافاتهم لئلا يزيد ذلك من توتر العلاقات بين المؤتمر والاشتراكي. ويقول مصدر مقرب من الحزب الاشتراكي طلب عدم ذكر اسمه: "بسبب الضجة الاعلامية التي يمكن ان تثيرها محاكمة أفراد التنظيم وما سيرد من أسماء مهمة أثناء المحاكمة، يتوقع ان يقفل ملف هذه القضايا بعيداً عن أروقة القضاء خصوصاً ان المتهم الرئيسي في قضية المتفجرات جمال النهدي، نجح في الفرار". وبين المعتقلين الثمانية خمسة جاهدوا في افغانستان، مثل شهاب سعيد الذي توجه الى افغانستان بعد اطلاقه عام 1988، إذ اعتقل وقتذاك لفترة قصيرة ولم يذكر سبب احتجازه. أما علي الكردي فأمضى عامين ونصف عام في أفغانستان وهو أكثر الشباب حماسة وغضباً، ويقول: "إذا استمر اعتقالي هكذا من دون محاكمة سأشكل تنظيماً على غرار "الجهاد" في الخارج، انتقاماً من الذين يحاربون الدين وينهكون الحريات حتى لو بقيت هنا 20 عاماً". غير أن المتهمين الآخرين سارعوا الى القول انه يعبر عن رأيه الخاص فقط. الأكثر فصاحة وأمضى مراد عبده الحبشي وشقيقه ياسر في أفغانستان حوالي عام ونصف عام واغتربا في الخليج. ويقول ياسر انه اعتقل في صنعاء حيث ضرب هناك ثم نقل الى سجن الفتح، ويصر على أنه لا يعرف سبباً لاعتقاله. عبدالله العبادي أكثر "الأفغان الخمسة" فصاحة، ألقى كلمة بأسلوب خطابي قال فيها: "نحن نفخر بأننا ذهبنا الى أفغانستان لنصرة اخواننا المسلمين هناك فلماذا يتهمونا بذلك؟ نحن لم نذهب خلسة اذ ذهب قادة الدولة كالشيخ الزنداني والأحمر الى هناك وهم الذين شجعونا وفتحوا لنا المراكز وساعدونا، لقد أرسل الحزب الاشتراكي شباباً له أيضاً الى افغانستان فلماذا لا يحاسبونهم. لقد أرسلوا 2000 ليناصروا الظلم وكذلك فعلوا في أثيوبيا حيث أرسلوا أبناء اليمن ليقاتلوا المسلمين". ومن المفارقات ان العبادي كان يوماً عضواً في "أشيد" أي منظمة الشباب اليمني وهي المؤسسة الشبابية الذي أسسها الحزب الاشتراكي، وتحول في وقت لاحق الى خطيب وداعية في قريته قبل أن يتوجه الى افغانستان. وعن رأيه في الأحزاب السياسية الاسلامية في اليمن، قال: "نحن سلفيون نوالي عموم المسلمين ونرفض الحزبية"... ثم تطوع للحديث عن إيران كأنه وجدها فرصة للرد على ما ينشر عنهم في صحف الاشتراكي، قال: "يتهموننا بأننا على علاقة بإيران وهي دولة شيعية تضرب الاسلامي باسم الاسلام كيف تكون لنا علاقة بها؟". وينفي المعتقلون وجود علاقة تنظيمية بينهم، فيقول علي الكردي ان المتورط الوحيد بينهم كان جمال النهدي الذي أصيب في عملية تفجيرات عدن وبترت احدى يديه. وهو واحد من الستة الفارين. وكان واضحاً اختلاف مشاربهم، فهاني عتيق يؤكد انه "لا يدين بالديموقراطية التي لا تتفق مع الاسلام"، فيرد عليه آخرون ان هذا رأيه وحده. أما الكردي فلم يجد من يتفق معه عندما قال انه مستعد لتشكيل تنظيم الجهاد إذا استمر اعتقاله. صناديق للتدفئة! وبين المعتقلين ثلاثة قبض عليهم معاً بينما كانوا يسيرون نحو شبوه، وفي صندوق سيارتهم "الهاي لوكس - تويوتا" صناديق فارغة كان يستخدمها الروس لنقل المتفجرات أثناء عملهم في التنقيب عن النفط، قبل ان يحل الأميركيون والفرنسيون محلهم. ويقول مراد الحبيشي انهم كانوا متجهين الى شبوه للبحث عن عمل لدى شركات النفط هناك، "لكن وجود الصناديق المهترئة التي كانت تستخدم لنقل المتفجرات" أثار ريبة رجال الأمن فقبضوا عليهم وحققوا معهم، واعترفوا بأنهم كانوا ينوون تفجير آبار النفط، كما نشر في بعض الصحف الحزبية، وكما قال أيضاً جميل علي محمد 25 عاماً الذي كان معهم ايضاً. واضافة الى الكردي وجميل والحبيشي، كان بصحبتهم شخص يدعى عبدالغني يقود السيارة، وهو "ملازم اول في الأمن المركزي واثنان من اخوته عقيدان في الامن المركزي لذلك اطلق سراحه"، حسب ما صرح الكردي الذي اشار الى رفيق السفر اسمه قصي "اطلق لأن والده قيادي في جبهة التحرير" احد الاحزاب التاريخية في المحافظاتالجنوبية. وتدخل آخر ليقول ان والد قصي مستشار للرئيس! ويبرر المعتقلون نقلهم صناديق المتفجرات القديمة من صحراء مأرب وشبوه بأنهم كانوا "يريدون خشباً للتدفئة فيما لو ضلوا الطريق". وهذا ما وجده ممثل النيابة مدعاة للشك فأثار اسئلة عدة: "لماذا يذهبون الى شبوه بحثاً عن وظيفة بينما مكاتب التوظيف في العاصمة وفي عدن؟ ولماذا يجمعون صناديق متفجرات للتدفئة؟ ولماذا يقدرون انهم سيضلون الطريق"؟