سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأهوار : مستنقعات الحرب الطويلة . الجيش العراقي يطارد "الفارين" والاعتقالات تشمل الاقارب ، خطة تجفيف المياه عملية اغتيال جماعية ، أكواخ الفقر والمقاومة تنتظر "الانباء السارة"
إذا كانت الرحلة الى الأهوار منهكة فكيف يكون العيش فيها؟ انه السؤال الذي يراود "المتسلل" الى هذه المنطقة التي يعيش سكانها جملة حروب في آن. لا قسوة الجغرافيا تحتاج الى دليل ولا قسوة النظام القائم في بغداد تحتاج الى دليل. يكفي هنا ان تقرأ في عيون الأطفال لتدرك أنهم يحتاجون الى كل شيء. ويكفي ان تستعرض القلق المتجذر في وجوه الكبار لتتعرف على قسوة حروب الخبز. ويكفي ان تراقب مرور المقاتلين لتدرك حجم المعركة المفتوحة. على ضفاف المستنقعات وتحت بيوت القصب حكايات كثيرة مؤلمة. يصر النظام العراقي على اخضاع المتحصنين هناك ويصرون على المقاومة فتتحول المنطقة ميداناً لمعارك الكر والفر وهي تدور بالبنادق حيناً وبالأسلحة الثقيلة أحياناً ولا تغيب أساليب البطش. الخوف هنا زائر لا يرحل. في الليل تتوقف الحركة ويلازم السكان أماكن اقامتهم فيما ينصرف المقاتلون الى أعمال الدورية أو الرصد أو الهجوم. وبعد احتكاكات الليل يأتي الخوف من المداهمات والردود القاسية أو قذائف المدفعية الثقيلة. فضلاً عن خطة تجفيف الأهوار لتبديد سكانها. منذ أعوام ينتظر السكان "الأنباء السارة" لكنها لا تصل وتتكرر يوميات العيش الصعب. ولا يتردد بعض السكان في المجاهرة بشكواهم من ضآلة حجم الاهتمام الدولي بمحنة الأهوار وتعامل العالم مع ما يجري هناك بالأسلوب الذي طالما اعتمده في التعامل مع الحروب المزمنة أو الحروب المنسية. للوصول الى الأهوار العراقية لا بد من الحصول على موافقة السلطات الايرانية التي ترفض هذه الأيام السماح لأي صحافي باختراق الحدود الايرانية باتجاه الأهوار. وقال مسؤول ايراني ل "الوسط" ان طهران ملتزمة باتفاق وقف اطلاق النار مع بغداد الذي تم التوصل اليه بالموافقة الايرانية على القرار الدولي 598 في 8 آب اغسطس 1988 ولذلك فانها سمحت مرة واحدة العام الماضي للصحافيين بدخول الأهوار وبعد ان كثر الحديث عن محنة السكان فيها. واليوم فإن السلطات الايرانية لا توافق إلا على زيارة المسؤولين الدوليين كما فعلت مع بعثة تقصي الحقائق عن استخدام العراق الأسلحة الكيماوية ولم تسمح لهم إلا بتفقد اللاجئين من سكان الأهوار الموجودين قرب منطقة الحدود. وكذلك فإن السلطات المحلية في اقليم خوزستان، كما وزارة الداخلية في طهران توافق على ان يقوم الصحافيون بزيارة معسكر اللاجئين في "همت" لكنها لا تسمح لهم باختراق الحدود. منظمة "مجاهدو الثورة الاسلامية" ويتزعمها القائد "ابو زينب" المعروف بالحاج كاظم بدت مهتمة بتسهيل الدخول الى الأهوار لاطلاع العالم على ما يجري فيها وهكذا انجز التحقيق وأخذ طريقه الى النشر قبل وصول رد من السلطات الايرانية على طلب الزيارة. أحد قياديي حزب الدعوة، أبو مرتضى، كان قادماً للتو من الأهوار وشرح لنا كيفية اختراق منطقة الحدود دون علم السلطات الايرانية باعتباره من أبناء المنطقة. واستناداً الى نصائحه بدأت الرحلة التي استغرقت ثلاثة أيام وكانت حافلة بالمشاهدات والوقائع التي يعجز القلم عن تصويرها. فما يحدث في الأهوار أكبر من مجزرة وأفظع من مأساة. والمحنة تدفع السكان العرب هناك الى الشكوى. ويقول شيخ احدى القبائل العربية المعروفة انه اطلع على بعض كتابات الغربيين وفيها ان عرب الأهوار من بقايا السومريين وانهم لجأوا الى مناطق الأهوار هرباً من بطش القبائل العربية. وأضاف "هل يمكن ان نصدق هذه الأقاويل لكي نجد الأعذار لأخواننا العرب الذين تركونا وحدنا لهذا المصير؟". خطة العبور غادرنا الحدود الى داخل الأهوار وكان علينا كما اقترح أبو مرتضى، ذلك الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره، ان نسلك واحداً من الطرق الثلاث التالية: "محور الجرّاية" في منطقة "الزفيِّع" ويمر على هور أم النعاج ثم الى منطقة هور "الجكَّة" ومحور "همت" الذي يؤدي الى منطقة "السرداحية" والعبور عبر جزر "مجنون" الى أهوار "أم الشويج" فأهوار "الزجي" و"صِلَيِّنْ" وغيرها. وكان لا بد من التسليم بارشادات أبو مرتضى الجغرافية فاختار لنا المحور الذي من خلاله عبرنا الى "الطبر" عن طريق هور "أم النعاج" وهذا الهور الذي تبلغ مساحته ما يقرب من 20 كلم2 عبارة عن واحة مائية كبيرة جداً تتخللها ممرات كثيرة مغطاة بالأعشاب والقصب والبردى. وأم النعاج منطقة عراقية تقطعها سواتر ترابية، تتوزع على الساتر الأول مجموعات عسكرية عراقية بشكل نقاط تفصل الواحدة عن الأخرى مسافة 600 متر تقريباً وفي بعض الأحيان 500 متر. ويعتبر العراق هذا الساتر نقطته الحدودية الأمنية مع ايران لتعذر السيطرة على منطقة المياه التي تتقدم باتجاه الحدود. وبعد هذا الساتر ينتصب ساتر آخر تتركز عليه مجموعات عسكرية في نقاط تفصل الواحدة عن الأخرى مسافة كيلومتر. وبعد الساتر الأول "برقة" مائية خالية من الأعشاب والقصب أو البردى ولذلك كان علينا ان نقطعها بسرعة بالغة اذ أنها تتعرض باستمرار الى قصف مدفعي من جانب القوات الحكومية. واضطررنا الى حبس الانفاس مرات عدة عندما بدأت القذائف تتساقط لكن نصائح أبو مرتضى المجرب مكنتنا من العبور بسلام. وسيلة العبور كانت الزورق المعروف شعبياً باسم "البَكمْ" أو "المشحوف" والذي يقوم على أسلوب الغَرفْ باليد والضرب بالمجذاف واستغرقت هذه الرحلة ساعتين كاملتين حتى وصلنا الى سلف "آل بوغنام". والسلف عبارة عن تجمع سكني عائلي أو عشائري من فخذ واحد ويسكن آل أبو غنام أصحاب الجاموس عند ساتر ترابي تحيط به المياه يميناً ويساراً كان الجيش العراقي قد اقامه خلال الحرب مع ايران لاغراض عسكرية. وقد انشأ آل بوغنام منازلهم من القصب على مساحة ضيقة جداً. ويتألف سَلَفْ آل بوغنام من 150 بيتاً تقريباً وهو أول سلف صادفنا، في رحلتنا على جانب الابتر، وهو نهر يمر الى هور "العروكَه"، ومن ثم من خلال هذا النهر قطعنا نصف ساعة بالبلم الى أن واجهنا ساتراً آخر فيصبح ما رأيناه ثلاثة سواتر، ويسكن على الساتر الأخير قسم آخر من آل بوغنام وعند منطقة شط الأعمى وهو شط أو نهر كبير يُلفَظ "الاعمه" يمر الى هور العروجة وهو مساحة كبيرة من الماء حوالي 15 كلم2 مملوءة بالقصب الكثيف والبردى يلجأ اليها بعض الخارجين على النظام من "المجاهدين". نقطة انطلاق للمقاومة وقال لنا أبو مرتضى في رحلتنا أن المجاهدين باختلاف تنظيماتهم اربكوا النظام الذي عجز على السيطرة عليهم خاصة وانهم يستخدمون الأهوار كقنوات تؤدي بهم الى تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في اتجاه بغدادوالبصرة والعمارة وباقي المدن. وعندما رحلنا من منطقة "الطبر" وصلنا الى بدايات الأهوار بعد ثلاثة أرباع الساعة قطعناها بواسطة زورق صغير يعمل بالماكنة ويسمى "الشختورة"، وصلنا الى أول نقطة حدودية يسيطر عليها الجيش الايراني وهي عبارة عن مركز لتفتيش البضائع والداخلين والخارجين اللذين هم سكان الأهوار فقط وهي تمنع من لم يحصل على اذن رسمي بالدخول. ولتجاوز هذه السيطرة الايرانية دخلنا الحدود العراقية من مكان آخر طلب منا عدم ذكره. ومن هذه النقطة الحدودية دخلنا الى برقة أم النعاج بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة بالشختورة. والبرقة هي هور خال من الأعشاب بينما يمكن للهور ان يحتوي على الأعشاب وان تكون بعض المناطق فيه خالية. ويمكن أن تكون التسمية جاءت من البريق لأن الشمس تسطع على الأمواج الخالية من الأعشاب التي تمنع ذلك البريق وتلفظ بالعامية "البركة". وقال أحد الشيوخ الطاعنين في السن ممن التقيناهم في الطريق عند سلف آل بوغنام ان الانكليز سلكوا عام 1915 ببواخرهم الحربية، وذلك بعد معركة الشعيبة، برقة الحمار ووصلوا الى مجرى السفحة حيث دارت معركة "السفحة" المشهورة بين عشائر سوق الشيوخ في الناصرية والانكليز. وعندما وصلنا الى منتصف أم النعاج حيث الساتر الأول الذي سبق ذكره كان علينا أن نقطع ساعة ونصف ولكن بواسطة المشحوف لأن صوت المحرك في الشختورة يكشفنا للجنود العراقيين المتربصين على الساتر الأول. وانطلقنا بعد حلول الظلام لكي لا يرانا الجنود وحملنا البلم الى خلف الساتر على الأكف بكل هدوء وسكينة متخفين بعد أن قطعنا بالغرف بواسطة هذا البلم ثلاث ساعات كاملة ونصف الساعة تحت القصف المتفرق. ووفق تعليمات أبو مرتضى انطلقنا بهدوء آخر من الساتر الأول الى الساتر الثاني بساعة كاملة بالمشحوف الغرفي ومن الساتر الثاني الى الساتر الأخير قطعنا ساعة أخرى. عتب على وسائل الاعلام وواصلنا رحلتنا الى هور "العروكَة" بعد استراحة قصيرة جداً عند سلف آل بوغنام الذين وجهوا لوماً شديداً الى وسائل الاعلام العالمية خاصة العربية وقالوا انها لم تنقل مأساة سكان الأهوار كما ينبغي الى العالم. وبعد ساعتي غرف أخرى بالمشحوف وصلنا الى هور العروكة وداخل هذه المنطقة قمنا بجولة سبقتها جلسة استراحة قدم لنا فيها رفاق أبو مرتضى أفضل هدية عندهم وهي قرص من خبز "السِيّاحْ". وخبز السياح عبارة عن طحين التمّن أو الرز يخلط بالماء فيصبح رقراقاً كالحليب ويصب على قطع حديدية على النار ويتجمد شيئاً فشيئاً ويتحول خبزاً لذيذاً ما أطيبه خاصة وانه أُلحق بأسماك لطيفة طازجة خارجة من مواقد القصب. ويقول سكان الأهوار ان أفضل ما يقدم للضيف العزيز خبز السياح والسمك المشوي في المواقد النارية ويعتبر أفضل هدية. ويسكن السكان هنا منطقة تسمى "الجباشة" وهي القصب الذي يجمع من يمين ويسار القصب النابت ويتكسر الى الأسفل شيئاً فشيئاً ويرتفع فوق الماء ليتحول مقرات يستفيد منها المجاهدون. وأفاد السكان ان في الناصرية قضاء يسمى بقضاء "الجبايش" نسبة الى "الجباشة" التي تكثر في القضاء. والهور الذي وصلناه تابع لمحافظة العمارة حيث يقع هور "العروكَة" وسط "الكحلاء" من اليسار و"المشرح" من اليمين والى يسارها أيضاً يقع هور "الجكة" ويبلغ عدد السكان في هذه المنطقة 20 ألف نسمة. وبين الهور ومركز العمارة عشرة كيلومترات وبينه وبين كل من المشرح أو الكحلاء 8 كيلومترات. ويعيش سكان الهور على صيد الأسماك بوسائل مختلفة ويتسوقون بضاعتهم وحاجياتهم الضرورية من العمارة. وفي الهور نفسه نحو مئتي منزل أقيمت عند الساتر الترابي الثالث وعلى يمينهم منطقة السواعد وهي عشيرة عربية عريقة يقيم بعض أفرادها على ساتر آخر مواز لهذا الساتر على طريق المشرح - العمارة في 130 منزلاً. وحياتهم قروية بدائية بحتة ويمنع النظام تردد الشباب والرجال على المدينة ويفرض قيوداً مشدداً على تنقلهم بحجة احتمالات تعاونهم مع المجاهدين ولكنه يسمح للنساء بالحركة خاصة الى داخل مدينة المشرح والعمارة والكحلاء للتزود بالحاجيات الضرورية. ويشكو السكان الذين التقتهم "الوسط" من الحالة المعيشية الصعبة وقال لنا العديد انهم يكتفون باليوم الواحد بوجبة غذائية واحدة. مداهمات ومواجهات ويقول أهل المنطقة الذين يعتزون بهويتهم الاسلامية وبعروبتهم انهم عملياً في وضع المنسيين ويردون القسوة في التعامل معهم الى طبيعة انتمائهم. ويقوم الجيش بمضايقة السكان باستمرار وقد شاهدنا دون ان يعلم الجيش اننا جئنا من خارج الحدود بعض الوقائع ومنها عمليات اعتقال عشوائية شملت النساء أيضاً ومصادرة بعض الحلي والأموال قبل الافراج عن المعتقلين. وحصلت مواجهات عنيفة بين الجيش والسكان. ومن المشاهد أيضاً دخول الجيش منطقة آل بوغنام وقيامه بالتفتيش عن السلاح والمجاهدين. ويقول السكان ان عمليات التفتيش ذريعة تستخدم للسلب والنهب وفرض الخوات. وقد اعتقل الجيش في غارته هذه ثلاثة من الطاعنين في السن واستولى على أموال وجواهر. وحاولت احدى النساء الامتناع عن تسليم ما تملك من حلي فضربها الضابط بعقب بندقيته فسقطت أرضاً والدم ينزف منها. وشهدت "الوسط" حادثة أخرى اعتقل خلالها الجنود رجلاً طاعناً في السن بتهمة انتماء نجله الى "المجاهدين". جر الجنود الرجل على الأرض وألقوا به في مياه الهور من ارتفاع شاهق واخرجته النسوة في الرمق الأخير. ويقول أبو مرتضى ان هذه المشاهد تتكرر في أماكن مختلفة من الأهوار. قوانين القبيلة مجتمع الأهوار عشائري تحكمه قوانين الولاء القبلي والعشائري المتوارثة، ومنها رعاية العهد مع القبيلة ورئيسها والزواج من الأقارب واحترام الضيف، اذ تكثر في الأهوار - قبل الأزمة الحادة التي تعصف بها حالياً - المضايف. كما يضحي السكان من أجل القيم والمبادئ التي يؤمنون بها. وهذا ما يزيد في محنتهم لأنهم يرفضون ما يسمونه "الركوع للنظام والخضوع لارادته". وأكد جميع الذين التقتهم "الوسط" انهم مستعدون لتحمل كل المعاناة التي لحقت بهم بسبب إيوائهم الفارين والمعارضين. وكانت الأهوار، منذ أن عرفت، ملجأ للثوار والخارجين على سلطة الحكومة المركزية. ويذكر شيوخهم بفخر ان أجدادهم قدموا الدعم والأسناد الى ثورة الزنج التي اتخذت الأهوار قاعدة لها في البصرة في القرن التاسع للميلاد قبل ان يتمكنوا من السيطرة على مساحات واسعة من المدن المجاورة. وإبان الحكم العثماني كانت قبائل الاهوار تتمرد ضد السلطة المركزية ما عرضها لقمع الوالي الذي كان يحكم في بغداد. حرمان مزمن وبقية منطقة الاهوار اكثر مناطق العراق حرماناً، فالخدمات الصحية والتعليمية شبه معدومة. وسعى النظام الحاكم الى نسف البناء الاجتماعي القبلي وتغيير الولاءات للسيطرة على الاهالي. وخلال الحرب العراقية - الايرانية كانت الاهوار مسرحاً لعمليات عسكرية عنيفة ومتواصلة مارستها السلطة ضد الفارين من الخدمة العسكرية، وقد احرقت قرى بكاملها في أشهر تموز يوليو وآب اغسطس وأيلول سبتمبر من العام 1987. كما شهدت جزر مجنون والمناطق القريبة منها في اهوار العراق فصولاً مثيرة من المعارك قبل ان تضع الحرب اوزارها في 1988، لتبدأ عمليات الانفال الأولى التي شنتها القوات الحكومية ضد الاكراد في الشمال وعرب الاهوار في الجنوب، وارتكبت مجازر جماعية طوال عشرة أيام متتالية. وكانت اهوار العمارة تعرضت لغارات شنتها 60 طائرة مروحية طوال ساعات النهار في الأيام العشرة المتتالية مستخدمة القنابل العنقودية والنابالم. وهذا ما تكرر بضراوة اكبر كما يقول السكان بعد فشل الانتفاضة التي اندلعت في آذار مارس 1991 اثر هزيمة العراق وتحرير الكويت. وبذلك بدأت محنة سكان الاهوار عندما لجأ العسكريون الفارون اليها ومعهم مجموعات من المعارضة التي هربت من انتقام القوات الحكومية. 3 تنظيمات للمعارضة وسألت "الوسط" احد المقاتلين ويدعى "ابو زينب" عن الجماعات المعارضة العاملة في الاهوار فأجاب انها ثلاثة تنظيمات رئيسية: "مجاهدو الثورة الاسلامية" و"قوات فيلق 9 بدر" الداخل و"قوات حزب الدعوة الاسلامية". وقال مقاتل آخر يُكنّى بپ"ابو محمد" ان "مجاهدو الثورة" هو التنظيم الاكثر شمولية. بينما ذكر آخر ويدعى "أبو بلال" وهو من مؤيدي "حزب الدعوة" ان الحزب يسيطر على العمليات في الاهوار كما في المدن. ويبقى "فيلق 9 بدر" الذي يتزعمه آية الله محمد باقر الحكيم ويرأس اركان قواته المسلحة الشيخ محمد تقي المولى، وهي قوات الداخل الموجودة منذ الانتفاضة في الاهوار وقوامها بضعة آلاف ومجموعها مع القوات المتمركزة في ايران نحو 30 الف مقاتل. وجميع تلك القوات تنسّق مع ايران بأشكال ومستويات مختلفة، لكن "حزب الدعوة" يعمل باستقلال اكبر، ويدّعي مقاتلوه انهم ليسوا على وفاق مع ايران فيما يعترف انصار الحكيم بأنهم قريبون فكرياً من النهج الحاكم في طهران عبر ولاية الفقيه. ويؤكد اعضاء "مجاهدو الثورة" اهتمامهم بالنهج الايراني، لكنهم يكررون باستمرار انهم يعملون بوحي من خصوصية العراق واستقلال القرار المعارض. ويعد المركز الوثائقي لحقوق الانسان، وهو منظمة مستقلة مقرها طهران، دراسة موسعة عن الاهوار تتضمن عرضاً لأوضاعها الحالية وخلفيات انتهاكات السلطة حقوق الانسان فيها. ويقول الأمين العام للمركز ثائر الحيدري ان الدراسة على وشك الانجاز وهي تتضمن قسمين وفصلاً تمهيدياً يصف المنطقة جغرافياً وسكانياً واقتصادياً. اما القسمان فتتوزع عليهما الجوانب المختلفة لموضوع الدراسة مع بداية الانتفاضة الشعبية في آذار 1991 فالانتهاكات السابقة لهذا التاريخ، وهناك فصل خاص بعملية تجفيف الاهوار. وينتمي سكان الاهوار الى قبائل عربية معروفة ويعتز جميع الذين التقتهم "الوسط" بعروبتهم بمن فيهم المعدان ممن يعيشون على ضروع جواميسهم التي يتنقلون عليها، فليست لهؤلاء المعدان مساكن ثابتة في الاهوار". وقال لنا احد شيوخ العشائر وهو من بني تميم ان في المنطقة قبائل عربية خالصة صريحة الانتماء الى تميم ومالك وخزاعة وأسد وقيس وغيرها من القبائل المعروفة. كما ان اسماء كثير من المناطق في الاهوار تسمى باسم العشائر او باسم عمداء العائلات الكبيرة المعروفة محلياً او باسم احد الصالحين المدفونين في المنطقة. ويلاحظ ان سكن بعض العشائر والعائلات ليس ثابتاً. اذ تضطرها الظروف المعيشية الى التنقل. ولا يتجاوز عدد سكان الاهوار المليون. قامت الحكومة العراقية بتحويل أجزاء واسعة جداً من الاهوار الى يابسة حارمة السكان من المصدر الأساسي للعيش. ولاحظت "الوسط" خلال تجوالها ان بعض الاهوار "سابقاً" والتي كان الماء يرتفع فيها سبعة امتار أصبحت قاحلة جرداء يحفر السكان فيها سبعة امتار اخرى دون الحصول الا على ماء مر المذاق. ومن الاهوار التي طاولها التجفيف هور الحمار الكبير الذي يشكل مساحة كبيرة من محافظة الناصرية طولها اكثر من 50 كيلومتراً وعرضها اكثر من 20 كيلومتراً. وقد تضررت أكبر العشائر العربية في الاهوار وهي عشيرة "عباده" وعددها 15 الف نسمة. وهناك "هوسه" اي شعار، تقول "لو ضاع اصلك قل عبادي" كناية عن كبر حجم هذه العشيرة التي اضطرت الى التفرق عن مناطقها بسبب الجفاف. وصار باستطاعة السيارات التحرك في هور الحمار بعد ان كانت تتحرك فيه الوسائط المائية. ويمكن القول ان اهوار الناصرية هي المتضرر الأول من الجفاف وبالدرجة التالية اهوار العمارة فالبصرة. وقد شملت خطة التجفيف خمس عمليات اطلعت "الوسط" عليها من خلال الوثائق الرسمية بما في ذلك الخرائط الفنية ذات العلاقة. وقام احد العاملين في منظمة "مجاهدو الثورة" ويدعى ابو غالب واثنان من المتخصصين بشرح مفصل لهذه العمليات. وقد اوضح امين عام المركز الوثائقي لحقوق الانسان ومعه الدكتور محمد الانصاري وهو استاذ قانوني بشرح ابعاد عملية التجفيف وأخطارها على الانسان في الاهوار. وتشمل خطة التجفيف العمليات الخمس التالية: 1 - تكتيف الاهوار وموقعها محافظة نيسان العمارة وهي تتلخص بانشاء سدود ترابية تتراوح بين 6 و18 كيلومتراً لكل سد على جانبي الانهار الرئيسية التي تغذي اهوار العمارة وهي نهر الوادية والعدل والكفاح والشرمخية ونهر مسبح الذي يأخذ مياهه من نهر البتيرة ونهر هدام وأم جدي، ومن نتائج هذه العملية قطع المياه عن عشرات الروافد والجداول بنسبة 95$. 2 - عملية تهذيب ضفاف الانهار وموقعها في العمارة ايضاً بانشاء حاجزين ترابيين يقطعان نهايات جميع الانهار من جنوب قرية الجندالة ناحية السلام مروراً جنوب قرية ابو عشير ناحية العدل ثم مروراً بالحاجزين الترابيين اللذين اقيما اثناء الحرب العراقية - الايرانية ابتداء من منطقة ابو عجل حتى منطقة بني منصور. وشاهدت "الوسط" نتائج هذه العملية التي أدت الى قطع اكثر من 40 نهراً وجدولاً وتحويل مسارها باتجاه الشرق الى منطقة ابو عجل ثم باتجاه الجنوب لتنتهي في نهر الفرات في منطقة بني منصور غرب القرنة مما ادى الى حرمان سكان هذه المنطقة من مياه السقي والشرب وانخفاض منسوب المياه في هور العمارة الذي كانت تصب فيه. 3 - تحويل الفرات الى المصب العام في محافظة الناصرية حيث تحولت مياه نهر الفرات من مجراها ابتداء من الناصرية الى مجرى المصب العام لسحب مياه هور الحمار وتحول المجرى الطبيعي والتاريخي لنهر الفرات ابتداء من الناصرية الى القرنة الى جزل لسحب مياه اهوار العمارة التي تقع في منطقة منخفضة. 4 - تكتيف نهر الفرات. وموقعها الناصرية والبصرة بانشاء حاجز يمنع مياه الفرات من التسرب جنوباً نحو هور الحمار حيث قطعت مياه مجموعة من الانهار التي تغذي الهور وهي نهر صالح ونهر عنتر ونهر الخائرة ونهر الخرفية وروافد وجداول اخرى. 5 - تقسيم الاهوار بحواجز عدة ليسهل تجفيفها ومن نتائجها تجفيف مساحة تقدر بپ1500 كلم2. وقد تم تشريد مئات الآلاف من العائلات المستقرة منذ تاريخ قديم في هذه المناطق وبعضهم لجأ الى ايران ولكن الكثيرين لم يتمكنوا من الهجرة وهم يموتون ببطء وينتظرون مصيرهم المجهول. جغرافية الاهوار الأهوار في جنوبالعراق، ومفردها هور، منخفضات من الأرض يتجمع فيها الفائض من مياه الانهار والترع فتكون بحيرات بأعماق مختلفة. وكانت الاهوار تسمى البطائح. ويقول احد السكان ان هذه البطائح منبسطات منخفضة قليلاً عن النهر وتبدأ من ملتقى نهري دجلة والفرات في البصرة في القرنة، حتى تصل الى أعالي سوق الشيوخ في مجرى الفرات وأعالي قضاء المجر وقلعة صالح في مجرى دجلة. وتذكر الارقام ان مساحة الاهوار تصل الى 17 ألف كيلومتر مربع بينما تقدر المساحات المغمورة بالمياه في صورة مستمرة بحوالي 11500 كيلومتر مربع. وتغطي الاهوار مساحات واسعة من محافظاتالجنوبالعراقي الرئيسية وهي الناصرية ذي قار والعمارة ميسان والبصرة. وتمتد شرقاً لتلتقي بأهوار مقاطعة خوزستان الايرانية عبر هور الحويزة. وتتألف الاهوار في الجزء الجنوبي من نهري دجلة والفرات، قبل ان يلتقيا، من مستنقعات متراكمة تغطيها نباتات القصب والبردى التي يبلغ ارتفاعها في بعض الاحيان 20 قدماً وتنمو بينها نباتات اصغر مثل السعد الكوفي والاوراد الشوكية. فيما يغطي الجولان مساحات اخرى منها وسط امواج النهرين المتلاطمة. ونظراً الى اختلاف مياه دجلة والفرات من حيث اللون والطعم يمكن تحديد مجرييهما المارين عبر الاهوار المترامية الاطراف. في مياه الاهوار ثروة سمكية هائلة تضم انواعاً مختلفة من اطيب الاسماك وهي البني والقطان والحمري والسمتي والشانق والصبور... التي تعتبر المصدر الرئيسي لمعيشة السكان، اضافة الى 19 نوعاً من الطيور المائية الجميلة التي تعتبر مع الثروة الحيوانية الكبيرة من الابقار والجواميس مصدر رزق ثانياً. فيما يعتاش عدد قليل من المواطنين على صناعة البواري نوع من السجاد القصبي والحصران المصنوعة من القصب والبردي والتي يستخدمها كل سكان العراق اذ تضفي جمالاً في بيوتهم وتساعد في تبريد الطقس الحار في فصل الصيف. تتميز اهوار جنوبالعراق بخاصية جميلة جداً، اذ تتشكل اراضيها من مناطق يابسة مرتفعة تصل مساحة الواحدة منها الى ثلاثة آلاف متر او اكثر وتسمى باللهجة المحلية الدبن ومفردها الدبون، وهي جزر صغيرة طافية على الماء بمقدار البيت مصنوعة من القصب والبردي المربوط باحكام وهي تشبه الكلك والفرق بينهما ان الدبون مصنوع من القصب بينما الكلك من الجذوع او قطع الخشب. وهذه الدبون متناثرة في الاهوار ويستخدمها الاهالي لسكنهم وإيواء مواشيهم. وهناك مساحات يابسة عائمة فوق الماء تتسع لاقامة دبن واحد فوقها، وهي تتكون من تشابك الجذور وتراكم الغرين بعد ان ينبت فوقها القصب والنعناع والاعشاب الزاهية، وهي تدور مع المياه ببطء وتسمى التهلة وتستخدم للسكن ايضاً.