«الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    تشكيل النصر المتوقع أمام ضمك    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    "هيئة النقل" تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    الاستدامة المالية    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع "نهر صدام" هدفه ضرب المعارضة الجنوبية وتجفيف الاهوار واستغلال حقول نفطية ضخمة . "الوسط" تكشف خطة صدام حسين للسيطرة على جنوب العراق
نشر في الحياة يوم 25 - 01 - 1993

في الوقت الذي يفرض المجتمع الدولي حصاراً على العراق وتواصل دول التحالف تطبيق سياسة الحزم مع النظام العراقي، يقوم الرئيس صدام حسين بتنفيذ مشروع في الجنوب العراقي على جانب كبير من الاهمية والخطورة. هذا المشروع يحمل اسم "نهر صدام" وهو يهدف الى احكام السيطرة التامة على الجنوب والقضاء على المعارضة واستغلال حقول نفطية ضخمة هناك. "الوسط" حصلت على معلومات خاصة وجديدة تتعلق بمشروع "نهر صدام"، كما اطلعت على الخرائط العراقية السرية المتعلقة بهذا المشروع. والتحقيق الآتي يسلط الاضواء على خطة صدام هذه.
هل سيكون "نهر صدام" في العراق شريان الحياة لهذا البلد أم نهراً يحمل الموت الى منطقة الاهوار ويبيد شعبها؟ لم يثر أي مشروع انشاء قناة مائية داخلية جدلاً وتكهنات كتلك التي اثارها تدشين "نهر صدام" أو "النهر الثالث" في العراق في 8 كانون الأول ديسمبر الماضي. ففي الوقت الذي وصف النظام العراقي هذا المشروع بأنه "شريان سيجدد حياة شعبنا"، اعلنت المعارضة العراقية ان انشاء هذه القناة المائية "عمل سياسي وعسكري" هدفه ضرب المقاومة ضد النظام بواسطة تجفيف مناطق الاهوار التي يحتمي فيها المعارضون في جنوب العراق. كذلك اتهم عدد من الخبراء والديبلوماسيين الاجانب، ومن بينهم مبعوث الأمم المتحدة لاستقصاء حقوق الانسان في العراق ماكس فان دير ستويل، بغداد بمحاولة السيطرة على منطقة الاهوار لتدمير معاقل المعارضين هناك تحت غطاء مشروع "النهر الثالث".
ومنذ الاعلان عن تدشين المشروع، كثفت المعارضة العراقية تحركها الاعلامي في هذا الشأن. وزار العاصمة البريطانية اخيراً وفد من "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" أحد ابرز فصائل المعارضة العراقية لاطلاع المسؤولين البريطانيين على الوثائق السرية لمشروع تجفيف الاهوار ولطلب مساعدة المجتمع الدولي في تنفيذ مشروع اغاثة تسعة ملايين شخص عراقي يعيشون في منطقة الحظر الجوي جنوب خط العرض 32. "الوسط" حاورت اثنين من اعضاء الوفد عن تفاصيل مشروع تجفيف الاهوار وابعاده وعملية الاغاثة المقترحة في جنوب العراق.
وليست هذه المرة الأولى التي يقوم بها النظام العراقي بعمليات تجفيف في منطقة الاهوار. اذ سبق ان استغل العراق الموارد المائية في هذه المنطقة اثناء حربه مع ايران عندما جفف اجزاء من المستنقعات للحد من عمليات التسلل والتخريب. كذلك سبق ان انشأ بحيرة لقطع الطريق أمام خطر اجتياح ايراني محتمل. ويقول المسؤول الاعلامي في "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" السيد احمد رمضان: "ان القوات الايرانية استطاعت الدخول الى الاهوار بشكل سريع عام 1985 مما احرج الجيش العراقي، لذلك أوكل مشروع دراسة منهج لمعارك الاهوار الى الفريق الركن عبدالجبار شنشل. وفي صيف العام نفسه، اجرى النظام مناورات داخل الاهوار وأصدر عفواً عن ابناء المنطقة الفارين من الجيش وأدخلهم ضمن تشكيلات جديدة مطلقاً عليهم اسم "فرسان الاهوار" كي يسيطر على مداخل ومخارج الاهوار. كذلك ارسل نظام صدام بعض ضباطه الى فيتنام للتدرب على عمليات حربية في المستنقعات لأنه يدرك صعوبة التحرك في هذه المنطقة. وعملية التجفيف الجارية الآن هي تقنية جديدة للسيطرة على الاهوار".
مشروع تجفيف الاهوار
ما هي تفاصيل مشروع تجفيف الاهوار؟
يوضح أحمد رمضان ان مشروع تجفيف الاهوار يهدف الى "تجفيف المستنقعات الواقعة ضمن المثلث ما بين مدن الناصرية والعمارة والبصرة في جنوب العراق. وكلف النظام أربع وزارات لتنفيذ هذا المشروع، وهي وزارة الري، ووزارة التصنيع العسكري، ووزارة الاسكان والتعمير، ووزارة النفط. وأوكل الاشراف عليه الى صهر صدام حسين زوج ابنته حسين كامل. ويهدف المشروع في الدرجة الأولى الى منع مياه نهري دجلة والفرات من ان تصب في الاهوار تمهيداً لتجفيفها. وهو يقسم الى خمس مراحل أنجزت ثلاث منها وهي كالآتي:
1 - نهر دجلة: يدخل نهر دجلة الى منطقة الاهوار شمال مدينة العمارة ويتفرع الى خمسة فروع هي العريض، والبتيرة، والمجر الكبير، والكحلاء، والمشرح. وأنشأ النظام حواجز على الفروع الثلاثة الأولى تحول المياه الى المشرح والكحلاء مما قلل منسوب المياه الآتية من دجلة الى تلك الانهر بشكل واضح. كذلك يتفرع نهر المجر الكبير الى نهرين هما الوادي والعدل. اما نهر البتيرة فيتفرع الى خمسة فروع هي انهر الكفاح والشرمخية ومسبّح وأم جدي وهدام. وأنشأ نظام صدام سدوداً ترابية على ضفاف هذه الانهر اضافة الى ضفتي نهر العريض كي لا تتسرب المياه منها بواسطة الجداول الى الاهوار. اضافة الى ذلك بنى مهندسو النظام سدين ترابيين ضخمين من منطقة الجندالة حتى منطقة أبو عجل يبلغ ارتفاع كل منهما ثمانية امتار وتفصل بينهما مسافة تتسع وتضيق وتبلغ في حدها الاقصى 2000 متر. ويتصل هذا المجرى بقناة اخرى انشأها النظام ابان الحرب العراقية - الايرانية وتمتد من منطقة ابو عجل الى منطقة بني منصور عند القرنة حيث مصب الفرات. وصارت هذه القناة الضخمة تسحب مياه الانهر والروافد المتفرعة عن نهر دجلة وتصبها في نهر الفرات عوضاً عن منطقة الاهوار. اذن باتت مياه دجلة تصب في المجرى العام الجديد النهر الثالث الذي يتصل بنهر الفرات، وتذهب المياه كلها بعد ذلك الى شط البصرة وخور عبدالله ثم البحر. وهكذا حرم منطقة الاهوار من مياه الشرب والسقي الآتية من نهر دجلة.
2 - نهر الفرات: انشأ النظام العراقي سداً ترابياً على الجهة الشرقية من نهر الفرات كي لا تتسرب المياه منه بواسطة الجداول الى منطقة الاهوار. ومن جهة اخرى، تم ربط نهر الفرات بالمجرى الجديد النهر الثالث في منطقة الفضلية التي تبعد نحو ستة كيلومترات شرق مدينة الناصرية. وصارت مياه الفرات تنتهي كلها في النهر الثالث الذي يصب في خور عبدالله. والجدير بالذكر ان المصب العام هذا يقع في موضع منخفض جنوب خور الحمّار مما أدى الى امتزاج المياه المالحة بمياه النهر الثالث الصالحة للشرب والري وذهاب كل هذه المياه الى البحر. وهكذا سيؤدي هذا المشروع الى ابادة الحياة في منطقة الاهوار من خلال حرمانها من المياه.
3 - الاحواض: أقام النظام احواضاً محاطة بسدود ترابية داخل منطقة الاهوار ووضع فيها مضخات كبيرة تسحب مياه الاهوار الى مجرى أبو عجل - بني منصور والنهر الثالث لتسريع عملية تجفيف المنطقة.
وهكذا منع نظام صدام مياه نهري دجلة والفرات من تغذية مناطق الاهوار وصار يسحب المياه الموجودة داخل المنطقة بواسطة المضخات كي يجفف المستنقعات التي تحمي المعارضين له".
وأطلع رمضان "الوسط" على خرائط المشروع الصادرة عن وزارة الزراعة والري في الجمهورية العراقية. وتظهر احدى هذه الخرائط بعنوان "مشروع انشاء السداد في اهوار الجنوب" الاراضي المقترح تجفيفها بعد انشاء السدود المقترحة اضافة الى الأراضي المجففة الآن. وصدرت هذه الخريطة بتاريخ 25/4/1992 ورقمها 694/3، وتظهر عليها اسماء المهندسين الذين قاموا بعمليات التصميم والتدقيق والتأييد والموافقة والاستنساخ مما يؤكد ان النظام العراقي جاد في المضي في عملية التجفيف. كذلك اطلعت "الوسط" على خريطة اخرى صادرة عن النظام العراقي بتاريخ 22/7/1992 تظهر تحويل المياه الى المجرى العام الجديد المسمى بالنهر الثالث.
ويؤكد رمضان ان مشروع "تجفيف الاهوار" يهدف الى "اسكات المعارضة العراقية واستئصال الوجود الشعبي للمقاومة في الاهوار التي عبرت عن رفضها للنظام خلال انتفاضة آذار مارس عام 1991. وهو مشروع سياسي وعسكري خصوصاً ان عملية التجفيف رافقها حشد لقوات النظام العراقي وعمليات قمع ضد السكان في منطقة الاهوار".
الاهداف الحقيقية
ما هي الاهداف الحقيقية لمشروع التجفيف هذا وماذا سيكون تأثيره على سكان منطقة الاهوار وبيئتها الطبيعية؟
- لخص حسين كامل حسن صهر صدام حسين ومستشاره المشرف على تنفيذ مشروع "النهر الثالث" الفوائد التي سيجنيها العراق من انشاء هذا المشروع فقال إن "القناة ستضيف الى الرقعة الزراعية في العراق نحو ثلاثة ملايين هكتار خصوصاً في منطقة الاهوار جنوب العراق وستساهم في تثبيت الأراضي والقضاء على الكثبان الرملية فضلاً عن كونها ممراً ملاحياً بين مدن جنوب العراق حتى الخليج". ويعتبر المعلق العسكري البريطاني كريستوفر بيلامي مشروع "النهر الثالث" خطوة استراتيجية قام بها العراق لتأمين منفذ مائي له على البحر ولدعم أمنه المائي الذي تعرض لتهديد كبير اثر تحويل تركيا مياه الفرات الى سد اتاتورك.
لكن بعض الخبراء العسكريين يعتقد ومن بينهم نائب مدير "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن الكولونيل مايكل ديوار، ان مشروع "النهر الثالث" يهدف الى تجفيف الاهوار بالدرجة الاولى لحرمان المقاومة هناك من الغطاء الطبيعي الذي يقيها من ضربات نظام صدام. ومما لا شك فيه ان الجيش العراقي يقوم بهجومات وعمليات قمع مستمرة ضد سكان منطقة الاهوار والمقاومين الذين لجأوا اليها بعد فشل انتفاضتهم التي قاموا بها اثر نهاية حرب الخليج. اذ تتعرض مناطق الاهوار لقصف مدفعي عنيف يودي بحياة العشرات من سكانها على رغم الاعلان عن منطقة الحظر الجوي فوق جنوب العراق في 27 آب اغسطس الماضي. كذلك تقوم قوات الجيش العراقي باحراق مساحات كبيرة من أعواد قصب السكر والبردي وأنواع الخوص التي تغطي مناطق المستنقعات ويصل طولها احياناً الى ستة امتار، لحرمان رجال المقاومة من الاختباء فيها. وتقول تقارير المعارضة العراقية ان نظام صدام عمد الى تسميم المياه داخل منطقة الاهوار كي يجبر الناس على مغادرتها، وقطع شحنات الطعام الآتية من الشمال وعمد الى تحويل الاموال من مصارف الجنوب الى بغداد. الى ذلك، يؤكد بعض قادة المعارضة ان النظام العراقي عمد الى تفريغ مدن الجنوب من المنشآت الرئيسية ونقل معظم الآلات من مصانع السكر والورق والبلاستيك والمرطبات في مدينتي العمارة والناصرية، اضافة الى قيامه بتلغيم بعض المنشآت الحكومية وآبار النفط في المنطقة.
ولكن بعض المحللين الاقتصاديين يعتبر ان انشاء "النهر الثالث" لا يهدف فقط الى ضرب المقاومة في منطقة الاهوار بل سيؤدي الى استغلال أوسع لحقول البترول في تلك المنطقة. ويؤكد خبراء نفطيون ان حقول النفط في منطقة الاهوار تستطيع انتاج 3،2 مليون برميل يومياً على الأقل، في حال تم تجفيف المستنقعات، وهذه الكمية تزيد عن ثلثي انتاج العراق النفطي في فترة ما قبل حرب الخليج. وفي منطقة الاهوار أربعة حقول نفطية ضخمة أكبرها حقل مجنون الذي يقدر مخزونه بنحو أربعة مليارات بلايين برميل من النفط، اضافة الى عدد من الحقول الصغيرة. وهكذا يرى المحللون الاقتصاديون ان تجفيف الاهوار ضروري بالنسبة الى العراق اقتصادياً على المدى الطويل.
وأياً تكن الاهداف التي يسعى النظام العراقي الى تحقيقها من وراء انشاء "النهر الثالث"، يمكن الجزم بأن هذا المشروع وما يتبعه من تجفيف واسع لمناطق الاهوار سيؤدي الى آثار سلبية على المنطقة وسكانها. وربما يجدر هنا التعريف ببيئة الاهوار الفريدة ونمط حياة سكانها المميز لفهم مدى التأثير الخطير الذي قد تتركه عملية التجفيف على الطبيعة والناس هناك.
يغطي مثلث الاهوار مساحة 70 ألف كيلومتر مربع تتسع وتضيق حسب منسوب المياه الواردة اليها. ويعيش اليوم في هذه المنطقة، التي يطلق عليها سكانها المحليون اسم "الجبايش"، نحو 50 الفاً من سكانها الاصليين الذين يتحدرون من عشائر عربية أصيلة، فهم يستعملون قواربهم الخشبية المميزة ذات الاشكال والاسماء المتعددة مثل "المشحوف" و"الفليكة" و"الطرادة" و"البلم" للتنقل بين شبكة الجداول والبحيرات والجزر والضفاف التي تشكل عالمهم الغريب. وهم يعيشون في اكواخ مصنوعة من قصب السكر تسمى "صرائف" جمع صريفة مبنية على جزر اصطناعية مكونة من القصب والبردي والطين يضيفون اليها طبقات جديدة كل عام تجنباً للبلل. وتقدم الاهوار لسكانها الاصليين كل ما يحتاجونه للعيش من الماء والغذاء ومواد البناء. اذ يصطاد أهل الاهوار الاسماك، ويربون جاموس الماء الذي يوفر لهم الحليب والزبدة والجلود اضافة الى بعض الخراف. كذلك يزرعون الرز في الأراضي التي تغمرها المياه من حولهم.
وتتميز بيئة الاهوار بأنواع الطيور الزاهية والجميلة المختلفة التي تعيش فيها اضافة الى أسراب البط والوز التي تهاجر اليها سنوياً في فصل الشتاء. وهي موطن حيوان كليب الماء اللبون النادر الذي اكتشف فيها حديثاً اضافة الى الخنازير البرية التي يهوى أهل المنطقة صيدها. من هنا فان اي عملية تجفيف للمستنقعات هناك ستؤدي الى ضرر بالغ في البيئة المحلية والى تدمير نمط حياة سكان المنطقة الاصليين الذين يعتمدون تماماً على وجود المياه. وكان مبعوث الأمم المتحدة لاستقصاء حقوق الانسان في العراق ماكس فان دير ستويل اكد العام الماضي في تقرير له ان مشروع "النهر الثالث" سيؤدي الى تدمير البيئة والحياة الفطرية والاجتماعية لهذه المنطقة التي بقيت معزولة عن العالم الخارجي لآلاف السنين.
وكانت الحكومة العراقية شجعت سكان الاهوار الاصليين على الانتقال الى الارض اليابسة المحيطة بضفاف الاهوار، ووافق المجلس الوطني العراقي على خطة لاعادة توطين اهل المنطقة في نيسان ابريل الماضي. لكن رئيس المجلس سعدي مهدي صالح اعترف للصحافيين بأن سكان الاهوار سينقلون بالقوة الى اماكن جديدة اذا لم يفعلوا ذلك طوعاً. وأضاف انه يعتقد شخصياً بأن "أهل المنطقة سيكونون سعداء بالتسهيلات التي سنقدمها لهم".
وإضافة الى سكان الاهوار الاصليين، يوجد في تلك المنطقة حالياً نحو 200 الف لاجئ عراقي اغلبيتهم من الشيعة الذين فروا الى الاهوار بعد فشل الانتفاضة التي قاموا بها في ربيع عام 1991. ويقدر عدد المقاتلين في الاهوار بنحو عشرة آلاف مقاتل مسلحين ببنادق "أ.ك - 47" كلاشينكوف وأسلحة خفيفة اخرى استولوا عليها من الجيش العراقي. ويعاني اللاجئون من وضع انساني ومعيشي صعب جداً نتيجة الحرب العسكرية والبيئية التي يشنها النظام ضدهم. وتحاول المعارضة العراقية الآن طرح مشروع اغاثة في منطقة جنوب العراق لمساعدة ابناء الشعب العراقي هناك كما يحصل في مناطق الشمال حيث تقوم الأمم المتحدة بتأمين اغاثة الاكراد العراقيين.
إغاثة الجنوبيين
طرح وفد "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" المؤلف من رئيس لجنة الاغاثة التابعة للمجلس السيد محمد طاهر الجزائري، وعضوي اللجنة السيدين علي مولائي وعلي الشهرستاني، والمسؤول الاعلامي أحمد رمضان على المسؤولين البريطانيين اثناء زيارته للندن مشروع اغاثة تسعة ملايين عراقي يعيشون جنوب خط العرض 32 بمن فيهم اللاجئون العراقيون في ايران. ويأمل اعضاء الوفد باقناع المجتمع الدولي بتنفيذ مشروع اغاثة يحظى بدعم الأمم المتحدة، سواء تم اقامة منطقة آمنة في جنوب العراق أو لم يتم ذلك. ويؤكد رمضان ان طرح الوفد لعملية اغاثة في جنوب العراق "لا يعني حرمان شعبنا في الوسط لأننا نريد اغاثة ابناء الشعب العراقي في كل مكان. ونحن نعمل لجميع ابناء العراق من شيعة وسنة وأقليات وعرب وأكراد وتركمان".
وعن تصوره للشكل الذي ستتم فيه هذه العملية يقول رمضان أن "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" لديه اقتراح بانشاء منطقة آمنة في الجنوب شبيهة بالمنطقة الآمنة في الشمال والأمر متروك للمعنيين به خصوصاً الأمم المتحدة. ويمكن استخدام أية دولة مجاورة مسرحاً لانطلاق عملية الاغاثة هذه، ونرجو ان تتعاون دول الجوار لفتح حدودها لاغاثة الشعب العراقي المظلوم. ونحن لدينا علاقات طيبة مع عدد من هذه الدول ومنها الكويت والاردن وسورية وإيران وتركيا، وأجرينا تحركات واسعة منذ فترة في سبيل تنفيذ هذا المشروع". وكان رئيس "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" السيد محمد باقر الحكيم التقى في مقر اقامته في طهران رئيس الوزراء التركي سليمان ديميريل في 26 تشرين الأول اكتوبر الماضي لبحث موضوع التعاون والتنسيق بين الدول الاقليمية المجاورة للعراق للمساعدة في انقاذ الشعب العراقي. وشارك في اللقاء وزير خارجية تركيا حكمت شيتين والسفير التركي في طهران. وفي الاطار نفسه زار وفد من المجلس الكويت ودولاً اخرى وبحث مع المسؤولين هناك آخر التطورات على الساحة العراقية اضافة الى مشروع الاغاثة المقترح. كذلك شارك عدد من اعضاء "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" في ندوة الحوار القومي الاسلامي التي انعقدت في دمشق في الشهر نفسه والتقوا نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام في 18 كانون الأول ديسمبر الماضي. وتأمل المعارضة العراقية ان يؤدي تحركها المكثف هذا الى اقناع دول المنطقة والمجتمع الدولي بدعم مشروع الاغاثة الذي تقترحه.
وفي انتظار تنفيذ هذا المشروع الكبير، تقوم لجنة الاغاثة التابعة للمجلس بتوزيع المساعدات على ابناء العراق في مناطق الاهوار والمناطق الحدودية قرب ايران. ويقول ممثل الحكيم في اللجنة السيد علي الشهرستاني ان "لجنة الاغاثة شكلت استجابة للنداء الذي وجهه السيد الحكيم بعدما فرضت قرارات مجلس الامن حصاراً اقتصادياً على العراق نتيجة غزوه للكويت. ولدى اللجنة 14 فرعاً داخل ايران و7 فروع داخل العراق في أربيل والسليمانية والبصرة والعمارة. واستطاعت اللجنة الحصول على مساعدات من عدد من المنظمات الانسانية والهيئات الدولية، أهمها معونات "المجموعة الأوروبية" التي حصلنا عليها بواسطة النائبة البريطانية أيما نيكولسون، ومواد اغاثة من منظمة "العون الاسلامي" في لندن، ومنظمة "هيلب" الألمانية، كذلك قدمت لنا فرنسا بعض المساعدات بواسطة سفارتها في طهران وساعدتنا منظمات اخرى ايطالية وكندية وهولندية ودانمركية. وأرسلت لنا سورية شحنتي مواد غذائية وحصلنا على مساعدات من بعض الجمعيات الانسانية في الدول العربية".
وعن نشاط لجنة الاغاثة يوضح الشهرستاني ان اللجنة توزع "المواد الغذائية والطبية وترسل اموالاً نقدية لمساعدة ابناء الاهوار على شراء المواد الغذائية من المدن المحيطة بهم. ولدينا مراكز توزيع داخل الاهوار وفي مدن البصرة والناصرية والعمارة. كذلك اقمنا بعض المستوصفات في مناطق التنومة والشلامشة والعمارة والبصرة والسليمانية. وما نقوم به ضروري لأن النظام العراقي يمنع المساعدات التي تصل من بغداد الى الاهوار ويسرق الاغذية المحلية من الاهالي. ونحن نرسل مواد اغاثة الى منطقة الاهوار بواسطة الزوارق التي تجتاز الممرات المائية المعروفة من أهل المنطقة، وكثيراً ما نضطر الى ارسال مواد غذائية الى مناطق بعيدة عن الاهوار لتضليل قوات النظام، ويذهب الاهالي لاحقاً لالتقاطها وتوزيعها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.