«الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة    أمير حائل يستقبل وزير السياحة    توال و 5SKYE تعلنان عن شراكة استراتيجية لتعزيز التحول الرقمي في السعودية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعًا جديدًا من الخفافيش في المملكة    "مطار الملك فهد الدولي" يحقق المركز الأول في نسبة الالتزام بمعايير الأداء التشغيلي    رغم عدم تعليق موسكو.. أوكرانيا تتهم روسيا باستهدافها بصاروخ باليستي عابر للقارات    تفاؤل أمريكي بوقف إطلاق النار في لبنان.. خلافات بين إسرائيل وحزب الله على آلية الرقابة    اكتمال وصول الدفعة الأولى من ضيوف خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وقائد بحماس    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    "تعليم البكيرية" يحتفي باليوم الدولي للتسامح بحزمة من الفعاليات والبرامج    أمين منطقة القصيم يتسلم التقرير الختامي لمزاد الابل من رئيس مركز مدرج    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    الذهب يواصل مكاسبه مدفوعًا بتصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع الدولار    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    أكاديمية طويق شريك تدريبي معتمد ل "Google Cloud"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    حمائية فاشلة !    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    «كوكتيل» هرج    الخليج يتطلع لنهائي آسيا أمام الدحيل    البكيرية يتجاوز الجندل والعدالة يتألق أمام النجمة    البرلمان العربي يدين تهديدات كيان الاحتلال الإسرائيلي بضرب العراق    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الاتحاد يستعيد "عوار" .. وبنزيما يواصل التأهيل    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    محافظ جدة يشرف أفراح الحصيني والقفيدي    الإعراض عن الميسور    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    الدرعية تضع حجر الأساس لحي القرين الثقافي والمنطقة الشمالية    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    فيتو أميركي ضد قرار بمجلس الأمن بشأن غزة    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    إيطاليا تفرض عقوبات أشد صرامة على القيادة الخطرة    أرامكو تحصد 5 شهادات ماسية خلال حفل مستدام «أجود»    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    نواف إلى القفص الذهبي    الزميل أحمد بركات العرياني عريسا    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    سعود بن بندر يستعرض تحول التعليم في الشرقية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف "الوسط" عن "عاصفة التسعينات". الأصولية تحت مجهر ثلاثة مستشرقين من روسيا الحلقة الرابعة قسم أولى

في الحلقات الثلاث الماضية، نشرنا وجهة نظر كل من جاك بيرك، مكسيم رودنسون، دومينيك شوفالييه وبيار تييه فرنسا، هومي بابا، فرد هاليداي، روبن اوستيل وديريك هوبوود بريطانيا، فيتالي ناوومكين، الكسندر سميرنوف وآرتور سعادييف روسيا، الذين ساهموا في معالجة الظاهرة الاصولية انطلاقاً من المحاور الثلاثة الآتية:
1 - كيف تفسر الظاهرة الاصولية، وما يحدث في العالم العربي اليوم؟
2 - ما هو برأيك انعكاس هذه الظاهرة على العلاقة بالغرب، وعلى المهاجرين العرب والمسلمين؟
3 - ما الذي يميّز الحركات الأصولية بين بلد عربي وآخر، وكيف ترون الى مستقبل تلك الحركات عموماً؟
وفي هذا العدد تعطي "الوسط" الكلمة لأربعة مستشرقين من اسبانيا، ولثلاثة مستشرقين من هولندا.
بيدرو مارتينيث مونتابيث:
نجاح الحركات المتطرفة قام على اخطاء الآخرين:
أمام الاحباطات المتلاحقة استمد المد الاصولي زخمه في مواجهة الحركات القومية.
على الصعيد الاقتصادي لم تطرح الاصولية بدائل مقبولة، ولا مستقبل لها في اطار الثقافة العالمية.
- 1 -
الاصولية نتيجة حتمية لأخطاء كثيرة تتراكم منذ عقود، وهي الخيار الطبيعي - على رغم انه آيل الى الفشل اذا اعتمد في تطبيقه النهج الراديكالي - امام الاحباطات والاخفاقات السابقة. وانطلاقاً من ذلك، اعتقد بأنه ثبت الآتي:
أ - على الصعيد السياسي، تستعيد الحركات الاصولية قوة وتماسكاً، وتتقدم في مواجهة الحركات القومية، وبخاصة منها القومية العربية.
ب - على الصعيد الاجتماعي، تحمل هذه الحركات الامل والرجاء لمجموعات وافراد ما زالوا يعانون من الظلم والفوارق الصارخة، ويُحرمون من ممارسة ابسط حقوقهم الاساسية.
ج - على الصعيد العقائدي، يبدو ان الاصوليين ينطلقون مستلهمين الرسالة التي تميّز، اكثر من غيرها، المنطقة العربية، اي الاسلام. لكنهم يطرحونها في شكل خاطئ، اختزالي وسطحي في معظم الحالات.
د - على الصعيد الاقتصادي، لم تطرح الحركات الاصولية بعد أية بدائل مقبولة او حلولاً فعلية.
ه - على الصعيد الثقافي، لا أرى لها مستقبلاً في اطار الثقافة العالمية - اذا ظلت تفتقر الى القدرة على الابداع والابتكار، واستمرت على تزمتها وتعصبها.
- 2 -
ان انعكاس هذه الظاهرة على العلاقة بالغرب سلبي في الغالب. لكن المسؤولية تقع ايضاً على ما اصطلح على تسميته "الغرب". فالمجتمعات الغربية تتخبط منذ زمن في اجواء من الفوضى العقائدية التي يضاف اليها تداعي البنيان الاخلاقي والجنوح الى الملذات والاستسلام للنزوات الاستهلاكية. ان الغربيين يتمتعون بالحرية، لكنهم في الواقع لا يعرفون كيف يستخدمونها. وتعودت المجتمعات الغربية التحليل الدقيق والمفصّل لمشاكلها في سعيها الى معرفة ذاتها، لكنها في المقابل تنحو سبلاً سطحية وتبسيطية في تحليلها مشاكل الآخرين وفي مسعاها الى التعرف اليهم. انني اندهش جداً ازاء هذا التضارب في المناهج التحليلية، خصوصاً ان الغرب يمارس مع الغير نقيض ما يطبقه على ذاته، كما لو ان ذلك امر طبيعي.
بالنسبة الى العرب والمسلمين، وهذان مصطلحان غالباً ما يعجز الغرب او يعرض عن فهمهما فهماً سليماً، بما في ذلك المثقفون وأهل السياسة والفكر، فمن المحتمل جداً ان يكون الحال اسوأ بكثير، لأسباب تاريخية ومعاصرة. ان المهاجر، بالنسبة الى السواد الاعظم من الغربيين، مجرد بديل عمالي أقل شأناً وخبرة وغير جدير بالقدر نفسه من الاهتمام. وهو مرفوض ومُحارب ومُطارد. ويصعب على الغربي ان يقرّ بالخدمة التي يقدمها اليه المهاجر، وبأن هذه الخدمة تستحق، في المقابل، الاجر والاعتبار. واذا اضفنا الى ذلك الصورة المضخمة التي تروّج عن عدو خارجي خطير هو "الاصولي"، فان ردة فعل المواطن الغربي، كما هي الحال اليوم، تزداد عنفاً وتمييزاً.
ان العنصرية، وكره الاجانب وغيرها من الظواهر الرديفة، تتفشى اليوم تفشياً خطيراً في المجتمعات الغربية، وتبدو الحكومات عاجزة او ضعيفة تجاهها.
اذا لم يحصل تغيير جذري في المواقف الحالية، اعتقد بأن الآفاق ستكون قاتمة جداً في المستقبل القريب.
- 3 -
إن ما اصطلحنا على تسميته بالعالم العربي، لا يشكل وحدة اجتماعية او سياسية، ولا شك في انه ليس سائراً نحو ذلك، على رغم انه يملك طاقات وقدرات مهمة، خصوصاً في مجال الثقافة والتراث المشترك، مما يحمل على الاعتقاد بأنه قادر على مبادرات او خطوات مشتركة اكثر من تلك التي حققها حتى اليوم.
العالم العربي جزء متمايز من الانسانية، له عناصره المشتركة وسماته الخاصة التي تجعله مغايراً للمجتمعات الاخرى. واعتقد بأن هناك اوجه شبه جزئي ومجالات للمقارنة بينه وبين اميركا اللاتينية، سلباً وايجاباً، فضلاً عن ان كليهما يعيش مرحلة تاريخية تتشابه في كثير من معطياتها ومواصفاتها.
الاسلام هو المسوّغ الهيكلي والجوهري لجميع الشعوب والدول والمجتمعات العربية. لكن نسبة هذا التسويغ، ودرجته وطرائقه، تختلف، كما تختلف مناهج تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية في الادارة السياسية. ولا يزال العالم العربي يعاني، الى حد كبير، ويا للاسف، من انعكاسات الاستعمار ورفع الاستعمار. لنأخذ على سبيل المثال الفوارق الاجتماعية الجزئية بين دول كالسودان والاردن والجزائر وفلسطين ولبنان وغيرها. قد لا تكون هذه الفوارق اكبر من تلك التي نجدها بين بلدان ومجتمعات اوروبية غربية "مسيحية"، لكنها بالتأكيد ليست اقل منها في كثير من المجالات. ولا بد كذلك من ان نأخذ في الاعتبار وجود او غياب اقليات، مسلمة كانت او غير مسلمة، وبأية نسبة في كل من الحالات. ولا مناص، في المستقبل القريب، من اعطاء الاقليات الاعتبار الذي تستحق في اطار ظروفها وخصوصياتها.
المجتمعات المتجانسة كلياً غير موجودة، ولا بد من السعي دائماً الى ايجاد حلول مناسبة لمختلف الحالات. وفي هذا الصدد يبرز الشرق الادنى - قلب العالم العربي ورأسه - كمثال واضح على ما نقول. علماً بأنه ينبغي الا ننسى ابداً ان العروبة والاسلام يشكلان قاسميه المشتركين ومسوّغيْه جغرافياً وتاريخياً وثقافياً. انها، في رأيي، مسألة لا يختلف عليها اثنان: إن اي "اعادة ترتيب" لأوضاع العالم العربي لا بد من ان تنطلق من هذا الاعتبار، اللهم الا اذا تغير العالم قبل ذلك تغيراً جذرياً.
ولا شك عندي في ان "المناهج المتزمتة والراديكالية ضمن "الاصولية الاسلامية" لا معنى حقيقياً ولا مستقبل دائماً او مستقراً لها. فهي أساساً، تكاد لا تأتي بجديد، فضلاً عن انها لا تشكل ضماناً لأي حل. ان نجاح الحركات الاصولية قام في الدرجة الاولى على اخطاء الآخرين، في الداخل والخارج، ولم يكن نتيجة لما طرحته. ولكن ينبغي الا يُحاول القضاء عليها بافتعال دوّامات من العنف، او باللجوء الى ذرائع مزيفة كالدفاع عن الحريات والديموقراطية. المشكلة اعمق من ذلك بكثير، وهي تستدعي تحولاً جذرياً في العقليات والسلوك.
يعيش العالم اليوم مرحلة من التحولات والتقلبات العميقة. لكن ثمة مقولة ثابتة لم تتأثر بذلك، وهي ان العالم ما زال خاضعاً لسيطرة ومشيئة الاقوياء والكبار الذين تتعاظم قدرتهم بفضل تحكمهم بالاتصالات والعلوم المتطورة. وهذه امثولة مؤلمة اخرى لا مندوحة امام العرب من تعلمها. أمثولة، علينا ايضاً - نحن الذين نعيش بجوار العرب - ان نتعلمها، ونعرف كيف نواجهها بفاعلية.
* بيدرو مارتينيث مونتابيث من اهم المستشرقين الاسبان، ومن أنشطهم في المجال الاعلامي. شارك في كثير من البرامج الاذاعية والتلفزيونية التي حاولت القاء الضوء على الاحداث السياسية في العالم العربي.
وهو من ابرز المتخصصين في الادب العربي المعاصر. تولى رئاسة جامعة الاوتونوما بين 1978 و1982، ويشغل حالياً كرسي الادب العربي في كلية الآداب والفلسفة التابعة للجامعة نفسها.
له الكثير من الدراسات عن الادباء العرب المعاصرين، مثل: نزار قباني، محمود درويش، سميح القاسم، أمل دنقل، صلاح عبدالصبور، عبدالوهاب البياتي. وكان مونتابيث اول من ترجم أعمال نجيب محفوظ ويحيى حقّي الى الاسبانية.
من أشهر اعماله: "الاندلس - اسبانيا في الادب العربي المعاصر"، "اوروبا الاسلامية" بالاشتراك مع المستشرقة كارمن رويث.
كارمن رويث : الغرب ضئيل المعرفة بالعالم الاسلامي
- من الطبيعي رفض الوصاية العقائدية والاصولية لمجتمعات أخرى
- في الغرب ايضا هناك "أصوليات" تتعايش مع التيارات المنفتحة على الحوار
- 1 -
ان لفظة "أصولية" مشوبة ببعض الغموض. فهي احياناً يراد بها التمسك بمبادئ اخلاقية لا يجوز التخلي عنها، وأحياناً أخرى تأتي رديفة للراديكالية السياسية من حيث كونها نمطاً او شكلاً لعلاقة بين مواطنين في مجتمع واحد، او بين دولة وأخرى على الصعيد العالمي.
يبدو من الطبيعي ان تجد المجتمعات الأصولية هويتها في الأصولية، وأن ترفض الوصاية العقائدية او الاخلاقية من مجتمعات او معتقدات أخرى. في هذا السياق تكون الأصولية هي الفرع الديني الطالع من جذع الاصالة بمفهومها الحضاري العام. ولكن عندما يتحول الدفاع عن الذات الى رفض اولئك الذين يمارسون ذواتهم بصدق، عبر طرق دينية او عقائدية او فلسفية أخرى، تتخذ الاصولية طابع الراديكالية في ابشع صورها.
والراديكالية موقف غالباً ما ينسى او يتجاهل ان البشر جميعاً من طينة واحدة، وأن الثمار والبذور التي تعطيها جذور أخرى يمكن ان تنتقل وتتمازج وتتكيف في نباتات لها اصول جغرافية وتاريخية - اجتماعية مختلفة.
ان الانجازات التي حققها الفكر الاسلامي في العالم العربي منذ اواخر القرن التاسع عشر تتلخص في الآتي:
أ ان الانسان المعاصر يمكنه ان يفكر ضمن الاطار والاصول الاسلامية، مميزاً بين ما هو ثابت وما هو متحوّل.
ب ان المجتمعات والبلدان الاسلامية تعيش ظروفاً تاريخية - اقتصادية وثقافية متشابهة ومتباينة في آن، وبالتالي على الافراد ان يجتهدوا لتفسيرها.
الفكر القومي من ناحيته ساهم، الى حد كبير، في التهدئة الداخلية للمجتمعات الاسلامية عندما طوّر مفهوم التعاضد الجغرافي والاقتصادي والسياسي واللغوي، وحتى الانساني، بين مواطني بلد او منطقة ما.
وأقرّ الفكر القومي ايضاً، بالاهمية التاريخية لما قدّمه الاسلام على صعيد التسامح الذي اعتبره واحداً من اصول الاسلام. وهو ذكّر بمفهوم الوفاء والدفاع عن قضايا الاستقلال والعدالة بين المسلمين والمسيحيين وأهل العقائد الأخرى، ولاحظ ان المسلمين يرفضون الوصاية حتى من المسلمين انفسهم، بل يطمحون الى المعاملة بكرامة.
اعتقد بأن ما نشهده اليوم من ظاهرة الاصولية في العالم العربي يعطي فكرة مبسطة جداً عن الواقع للاجيال الشابة، فضلاً عن انه يخسر مكاسب تاريخية مهمة على صعيد الالفة والحوار. ولا شك في ان هذا التبسيط ناجم عن تراجع المستويات التربوية والتثقيفية في كثير من البلدان العربية اواسط هذا القرن. ان العلاقة القائمة اليوم بين السكان والتربية ضعيفة جداً: عدد السكان الى ازدياد بينما مستوى التربية الانسانية والمتكاملة يتراجع في كل انحاء العالم. ومختلف الاصوليات في العالم متأثرة بذلك.
على صعيد آخر نلاحظ ان الاصولية الراديكالية التي يشهدها العالم العربي اليوم هي ايضاً ردة فعل بدائية للدفاع عن الذات ازاء شتى اشكال العدوان والظلم الخارجيين والداخليين احياناً. في هذه الظروف تتزمت المواقف وتضعف حجج الذين ينتمون الى المناهج المنفتحة. ان التوق الى التوحد في مواجهة الخطر يؤدي الى مواقف متشددة تتعارض اصلاً مع روح الدين الاسلامي.
وأرى ان نمو الاصولية، يعود ايضاً الى البروز السياسي الذي حققه بعض البلدان الاسلامية التي تملك تجربة تاريخية معاصرة نادرة وغريبة، اذ هي نهضت بسرعة وارتبطت بالغرب المهيمن، لكنها في الوقت نفسه تسعى الى اظهار ان كل ذلك لا يؤثر في المعتقدات والتقاليد والتصرفات والمعاملة التقليدية. وعندي ان تناسي ما تستدعيه التحولات الاجتماعية والتاريخية من تطويرات "فرعية" مرنة، وضامنة للتراث والتقاليد، يشكل خطراً يتهدد الثقافة العربية والاسلامية.
- 2 -
العلاقة مع الغرب ستبقى قائمة، وستسير في اتجاهات شتى، لأن في الغرب ايضاً أصوليات تعيش بجانب تيارات فكرية منفتحة على الحوار. لكن السواد الاعظم من سكان الغرب ضئيل المعرفة بالعالم الاسلامي عموماً والعالم العربي خصوصاً، فضلاً عن انه مصاب ايضاً بداء التبسيط المتفشي في الاوساط العربية - الاسلامية.
ان صعود الحركات الراديكالية العنيفة داخل الدول العربية، أياً كانت المواقع الاجتماعية التي تتطور فيها، وسواء كان طرف السلطة السياسية او الاقتصادية او العسكرية يمارسها ينظر اليه كظاهرة عدوانية أصولية. ان الفكر الغربي يحجم عن انتقاد عنفه وتحليله بدقة وتفصيل ويسلم بكثير من السهولة بأن العرب، والمسلمين عموماً، عنيفون ومتعصبون، لكنهم على رغم ذلك ليسوا مبالين وقليلي العزيمة. كل ذلك يسهل توجيه الرأي العام، في اتجاه او آخر، من طرف الخبراء المرتبطين بمواقع السلطة.
ونلاحظ ان اعادة التوزيع الاقتصادي في هذه البلدان، تكتسي طابعاً ملحاً في المرحلة الحاضرة. وبالتالي فان الجدل في موضوع الاتجاهات العقائدية والصراع الداخلي على السلطة في هذه الدولة او تلك، يفقد اهميته وأولويته بالنسبة الى المواطن امام توزيع الثروة والموارد وفرص العمل. وذلك في اي مشروع سياسي - اجتماعي، اصولياً كان ام لا. ولا ننسى ايضاً مسألة توزيع الحريات والثقافة التي تشكل قوى فعلية في البناء الاجتماعي.
- 3 -
من المفيد جداً، على ما اعتقد، البحث في أوجه تمايز الحركات الاصولية بعضها عن بعض، بالاستناد أساساً الى الطرف الذي يمارسها: الدولة او الحكم او الجماعات. فلو اخذنا حالة اسرائيل مثلاً، لوجدنا ان اصولية الدولة لها سمات خاصة تميزها عن اصولية جماعات معينة. أصوليات الدولة تتحالف عادة مع القوى الاجنبية بقدر ملحوظ من السهولة، بينما هي متشددة جداً على الصعيد الداخلي مع الاقليات الثقافية والسياسية، رغبة منها في اعطاء صورة عن قوتها ونفوذها.
اما اصوليات الجماعات فتختلف من بلد الى آخر، وفي ما بينها ضمن بلد معيّن. ولا توجد روابط وثيقة بين هذه الجماعات، لكنها جميعاً تشعر بأن الدولة على استعداد للتضحية بها، عوضاً عن توفير الحياة الكريمة لمواطنيها. وغالباً ما تتناحر هذه الحركات في ما بينها، سعياً الى حدّ أدنى من الضمانات التي لا غنى عنها في الحاضر والمستقبل. وهي تعاني من عقدة التهميش. وعادة ما تتراجع او تنسحب اذا حققت بعض الاهداف الآنية.
لكن ما يلفت أخيراً هو قيام حركات أصولية تنشط في غير بلد. وهذه يمكنها ان تشكل قوة اجتماعية مهمة لو نشأت عن اتفاق بين حركات لها جذور حية في البلدان العربية، واذا اختارت هدفاً لها محاربة أصوليات الدولة، في الداخل والخارج. ولكن يبدو ان معظم هذه الحركات تفصّله او تفتعله، فينشط او ينحسر بسحب ما تقتضيه مصلحة هذه السلطة. ولست أرى في هذه الحركات ثمرة لتطور مجتمعات مثقفة ومنعتقة، برجالها ونسائها.
* كارمن رويث استاذة في قسم اللغة العربية في جامعة الاوتونوما. ومن أكثر الناشطين في اسبانيا على صعيد ترجمة الادب العربي. وهي صاحبة دار "كانتاربيا" للنشر، ومتخصصة في العالم العربي ترجمة ودراسات، من خلال سلسلة "ألف نص ونص". ومن أبرز ترجماتها مجموعة مختارة من كتابات جبران خليل جبران، نشرت تحت عنان "اللهب الازرق".
مرثيدس ديل آمو: احترام الآخر وحقيقته هو السلاح الفعّال لمناهضة المتطرفين
الحل في ازالة الفوارق بين الشمال والجنوب
علاقات دولية عادلة، وتوزيع عادل للثروات
- 1 -
في الازمنة المتغيرة التي كتب علينا ان نعيشها في النصف الثاني من هذا القرن، يتحول الانسان بحثاً عن شيء قوي يلوذ به من الحاضر الغامض الذي يجد نفسه فيه مهدداً. فالمستقبل يصيبه بالخوف مما يجعله يتحول الى الماضي الذي يعتقد بأنه افضل من ذلك الحاضر الغامض، من دون ان يتنبه الى ان بحثه عن الماضي قد يوقعه في فخ جديد، خصوصاً اذا لاذ الانسان بتلك الفترات التاريخية التي كانت مثار نزاع يباعد بين المجتمعات والثقافات المختلفة، بدلاً من التمسك بتلك الفترات التي قاربت بينها.
هكذا ارى التطرف، وهو ليس حكراً على العالم العربي، بل هناك ايضاً التطرف المسيحي واليهودي الذي ذكرنا به جيل كيبيل في كتابه "ثأر الله". انه التوجه الذي يركز على الصراع اكثر من التقارب، فيقدم بذلك ارضية ايديولوجية لمسار تاريخي يجعل من التعايش بين الشعوب المختلفة امراً صعباً، بل يجعل من المستحيل التعايش بين الايديولوجيات المختلفة في المجتمع الواحد.
-2-
كما اشرت من قبل فان التطرف في المجتمعات العربية والغربية خطر على حد سواء، لكن "علمنة" الدولة في المجتمع الغربي تجعل من الصعب على التطرف العودة بالمجتمع الى الماضي. الا ان الازمة الاقتصادية التي تعيشها اوروبا حالياً تجعل المهاجرين الشرقيين عموماً والمسلمين خصوصاً محط انظار بعض الجماعات المتطرفة التي تعتبرهم تهديداً للامتيازات الاقتصادية المرفهة للمواطن الغربي. وهناك من يستغل مظاهر التطرف الاسلامي في العالم العربي، بهدف ايقاظ الفكرة السائدة عن العنف العربي في اوروبا. وتلعب مشاعر العداء للغرب في العالم العربي احياناً، دوراً مهماً في تأكيد تلك الفكرة وترسيخها. وفي هذه الحالة يجد المهاجرون العرب في اوروبا انفسهم محاصرين بعداء لا مبرر له.
-3-
الفارق بين الحركات المتطرفة من بلد عربي الى آخر، يكاد لا يكون ملحوظاً لأنه يكمن في بعض الفوارق الاقليمية التي تطبع كل شعب من شعوب المنطقة. الا ان التشابه بين كل الجماعات المتطرفة في العالم العربي كبير: فكلهم يعتقدون بأنهم يملكون الحقيقة دون سواهم، وان الآخرين مخطئون كل الخطأ. ويتشابهون ايضاً في الافتقار الى التسامح الذي يدفع بهم الى خلق انظمة شمولية، وفاشية سوداء لا يمكن ان تغيب عن احد. فذكرياتها لا تزال عالقة في الاذهان، لذلك فان احترام حقيقة الآخرين هي السلاح الفعّال لمناهضة هؤلاء المتطرفين.
ولعزل هذه الجماعات والقضاء على خطرها لا يوجد سوى طريق واحد وهو القضاء على اسباب الفقر والجهل. وللأسف فان السياسيين في الدول الكبرى لا يسيرون على هذه الطريق، فهم يعملون على زيادة الفوارق بين الشمال والجنوب، اضافة الى استخدام معايير غير ثابتة في معالجة القضايا التاريخية المختلفة، ما يفتح الطريق امام الحركات النازية الجديدة والحركات العنصرية. كما ان هذه الحكومات، في ظل الازمة الاقتصادية العامة التي تكوي الجميع، تعمل على نشر ثقافة غير حقيقية. وهذا يغذي في شكل كبير الحركات المتطرفة التي ترفع راية الرفض في مواجهة الواقع الظالم. لذلك لا امل في القضاء على التطرف ما لم يعمل الجميع على اقامة علاقات دولية عادلة، والحرص على توزيع الثروة بين الاغنياء والفقراء، وفتح الطريق امام العالم الثالث للحصول على حاجته في التعليم والصحة... وهذه المهمة لا يمكن تحقيقها الا عن طريق اقامة ديموقراطيات سياسية.
* مرثيدس ديل آمو استاذة الادب العربي في كلية الآداب في جامعة غرناطة. تخصصت في اعمال نجيب محفوظ، ولها العديد من الدراسات في مجال الادب العربي المعاصر. شاركت في مؤتمرات وندوات وطاولات مستديرة كثيرة حول قضايا المهاجرين العرب والمسلمين في اوروبا. تشرف على حلقة بحث متخصصة في الادب العربي المعاصر. ترجمت ديل آمو رواية نجيب محفوظ "حب تحت المطر"، كما ترجمت مجموعة للشاعر الراحل صلاح عبدالصبور بعنوان "الناس في بلادي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.