مقتل بابلو اسكوبار ينهي الاسطورة، اما تجارة المخدرات فمستمرة. لقد تحول تشييعه الى تظاهرة سار فيها الآلاف ممن يرون فيه بطلاً شعبياً صعد من الفقر المدقع ليتربع على ثروة هائلة من غير أن ينسى اصوله الوضيعة. انه الغني، الكريم، المعطاء، المحسن، المغامر، الهارب من السجن ببراعة، المتحدي السلطات، المنفق لمليون دولار يومياً بدل الشبكة التي تحميه. تناسى المشيعون الوجه الاجرامي للرجل ومسؤوليته عن اغتيال مدع عام، ووزير عدل، وثلاثة مرشحين للرئاسة، ومئتي قاض، وعشرات الصحافيين، وألف شرطي، ناهيك عن عشرات ان لم يكن مئات الآلاف من ضحايا المخدرات التي يوصلها الى كل مكان. لم يبق منه الا الوجه الانساني: لقد قتل وهو حافي القدمين يتحدث هاتفياً، مع ابنه المراهق. لقد قتلته "نقطة الضعف" الرئيسية فيه: محبته لعائلته، وهذا صحيح بمعنى ما. لقد أمضى بابلو اسكوبار عاماً ونصف العام وهو ملاحق من قبل فرقة خاصة 1500 رجل ولم تستطع هذه تحديد مكانه، مرتين، الا عبر التقاط مكالمات له مع افراد اسرته. نجح في الفرار مرة ثم سقط في الثانية. مع اسكوبار واقرانه لم يعد التهريب جناية. اصبح تجارة دولية بمئات بلايين الدولارات. تجارة تملك بنية تحتية متكاملة: مطارات وموانئ وجيوش وأجهزة اتصال حديثة وشبكة مواصلات ومناطق زراعية واسعة ومؤسسات رعاية اجتماعية ومعسكرات تدريب وخلايا ومنظمات في عدد كبير من البلدان ومصارف وشركات لتبييض العملة… وهذه الطفرة هي التي جعلت الولاياتالمتحدة، مثلاً، تعتبر تجار المخدرات العدو الداخلي الاول، وهي التي وضعت هذا الموضوع على جدول اعمال اللقاءات الدولية الكبرى، من حلف شمال الاطلسي الى القمة السنوية للدول الصناعية السبع الكبرى. وقد وظفت الجهات المعنية اموالاً طائلة في مكافحة المخدرات. يكفي، تدليلاً على ذلك، الاشارة الى ان واشنطن خصصت قمراً صناعياً للدوران فوق كولومبيا على أمل التقاط مكالمة هاتفية من اسكوبار، وأن طائرات الاستطلاع لم تكف عن التحليق فوق ميدلين. مات اسكوبار غير ان تدفق الكوكايين لن يتوقف. هذا ما حصل، مثلاً، بعد غزو باناما والقاء القبض على نورييغا: زادت الصادرات نحو الولاياتالمتحدة وتحولت البلايين التي يدفعها مدمنون اميركيون الى عنصر من عناصر "اعادة توزيع الثروة" بين شمال القارة وجنوبها. وهناك من يقول ان قتل اسكوبار لا يعني اكثر من ازاحة عقبة من امام "كارتلات" المهربين. لقد استفاد هؤلاء من "زميلهم" في مراحله الأخيرة. ففي الوقت الذي كانت العيون متجهة اليه كانوا هم يرثونه من جهة ويستفيدون من الانشغال به من اجل تنظيم صفوفهم. وربما كانوا ينتظرون الخلاص منه من اجل الانتظام في "سوبر كارتل" ينقل الزعامة من ميدلين الى كالي ويرفع من مستوى المعركة مع اجهزة المكافحة الدولية… هذه الأجهزة التي يمكن لنجاحها في اغتيال اسكوبار ان يلعب دوراً في… تخديرها!