ما هي المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي يواجهها العالم العربي في نهاية التسعينات؟ كايو كوخ فيزر، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حاول تحديدها كالآتي: "فائض كبير من الناس يسعى وراء ثروة اضافية قليلة جداً". ويستند المسؤول الدولي الى المفارقة الآتية: ان النمو الاقتصادي في السبعينات بلغ في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حوالي 7 في المئة، في مقابل نمو سكاني اقل من 3 في المئة. وفي الثمانينات تغيرت المعادلة اذ تراجع النمو الاقتصادي الى نصف نقطة مئوية، في مقابل زيادة سكانية تجاوزت 1،3 في المئة. اما في التسعينات فثمة ميل اكثر وضوحاً الى ضبط النمو السكاني، وهو نمو يحقق معدلات تكاد تكون قياسية في معظم الدول العربية، في موازاة جهود اثبتت نجاحاً واسعاً في دول عربية عدة لزيادة وتيرة النمو الاقتصادي. انجاز مصري وفي الواقع، واستناداً الى دراسات اعدتها مؤسسات دولية، نجحت مصر في تخفيض معدلات الزيادة السكانية لديها الى 8،2 في المئة سنوياً، بعدما كانت هذه النسبة 8،3 في المئة قبل 25 سنة تقريباً. واستخدمت الحكومة المصرية مجموعة وسائل وسياسات لتحقيق مثل هذا التراجع الذي ينظر اليه على انه انجاز حقيقي في دولة مثل مصر تزيد بمقدار مليون نسمة كل 8 اشهر. فقد شجعت الحكومة المصرية على استخدام وسائل منع الحمل، عن طريق توفيرها بأسعار رمزية، الى جانب الحملات الاعلامية لتوعية الاسر على مخاطر التزايد غير المنضبط. وعلى رغم ان الحملة السكانية حققت نتائج افضل في المدن، خصوصاً في الاسكندرية والقاهرة، الا ان نتائجها بدأت بالامتداد الى الريف حيث يتنامى وعي متزايد بضرورة مراعاة النواحي الاقتصادية والاجتماعية في تحديد حجم العائلة المصرية التي هي عائلة كبيرة في الأساس. ومع ذلك، فان الانجاز الاهم على صعيد ضبط التوسع السكاني حققته تونس التي تراجعت نسبة النمو فيها الى اقل من 2 في المئة. وكان البنك الدولي اقترح خطة موقتة لملء الفراغ الحاصل بين تحقيق النمو الاقتصادي الكافي وخفض التزايد السكاني، وهي تقوم على ثلاثة عناصر: 1 - تركيز الدول التي تعاني من مشاكل حادة ناتجة عن التفاوت بين النمو الاقتصادي والتزايد السكاني على تطبيق برامج صارمة للتنظيم العائلي. 2 - توفير شبكات متكاملة من الخدمات الأساسية، مثل خدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. 3 - تحسين فاعلية اسواق العمل القائمة حالياً لمساعدتها على استيعاب اعداد اضافية من اليد العاملة غير المؤهلة، وتوفير فرص اعادة التأهيل لها. وطبقاً لتقديرات اعدتها منظمة "الاسكوا" فان استمرار النمو السكاني على وتيرته الحالية 1،3 في المئة في الشرق الاوسط يمكن ان يرفع عدد سكان المنطقة من 200 مليون نسمة في العام 1990، الى 450 مليوناً في العام 2025، ثم يتابع انفجاره وصولاً الى مستوى 700 مليون نسمة في العام 2050. ويقول تقرير وضعه البنك الدولي عن الانفجار السكاني، ان تفاقم المشكلة يدفع الى اعتماد نظام النوم بالمناوبة في بعض المناطق في الجزائر، في حين يصل معدل الولادات في اليمن الى 8 اولاد، ويرتفع في مناطق معينة الى 10 اولاد. وينتهي التقرير الى الاعتبار ان انفجاراً سكانياً من هذا النوع لا يستطيع معظم البرامج الاقتصادية استيعابه. والى جانب مشكلة العمالة وتوفير الغذاء ستطرح مشكلة التعليم وتأمين الامكنة الكافية لاستيعاب ملايين الاطفال الذين يجب ان يتوجهوا الى المدارس سنوياً. وتطرح التجربة الاندونيسية في مجال الحد من التزايد السكاني كنموذج قابل للتطبيق في دول عربية عدة، لاعتبارات كثيرة من بينها التشابه الديني وامكانات استخدام وسائل مماثلة. وبحسب احصاءات رسمية، فان نسبة استخدام وسائل منع الحمل من قبل النساء في الدول العربية لا تزيد حالياً عن 20 في المئة. الا ان منظمة "الاسكوا" تقدر ان ترتفع هذه النسبة الى 30 في المئة في العام 2000، اذا ما طبقت حملات توعية كافية. ويقترح البنك الدولي استكمال حملات التوعية باجراءات اخرى، من ابرزها جعل التعليم الابتدائي الزامياً للذكور والاناث معاً، مقدراً ان تبلغ كلفة التعليم للطفل الواحد 250 دولاراً سنوياً، في حين قد يصل متوسط كلفة الطفل لتوفير الرعاية الصحية له 30 دولاراً في السنة. وبحسب تقديرات البنك فان كلفة هذه البرامج قد لا تزيد عن واحد في المئة من الناتج القومي الاجمالي لمجموع الدول في الشرق الاوسط، اذا ما اخذت في الاعتبار البرامج التي تطبقها معظم الدول العربية حالياً لتوسيع قاعدة التعليم وتوفير الحد الادنى من الرعاية الصحية. البطالة اما على صعيد تطوير اسواق العمل، فان التقديرات المختلفة تشير الى ان عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية حالياً هو 9 ملايين شخص. الا ان هذا العدد يتزايد باستمرار، ويصل حجم الزيادة الى مليوني عاطل عن العمل سنوياً حتى نهاية العقد الحالي، الامر الذي يعني ان حجم البطالة في العالم العربي قد لا يقل في العام 2000 عن 24 مليون شخص يبحثون عن فرص عمل. ويقول البنك الدولي ان ارتفاع معدلات البطالة بهذه النسبة سيكون خطيراً الى حد انه حتى الدول التي تستطيع تحقيق نمو اقتصادي يزيد عن 6 في المئة سنوياً، ستكون عاجزة عن مواجهة مثل هذه المشكلة الخطيرة، اما الاستنتاج الاهم فهو ان السمة الاقتصادية الاجتماعية للسنوات السبع المقبلة ستكون، بلا شك، البطالة الواسعة، على رغم الاحتمالات القوية بتحقيق معدلات مرتفعة للنمو.