أكد البنك الدولي مجدداً أن الدول العربية بحاجة إلى نموذج جديد للتنمية الاقتصادية يعتمد على إتاحة الفرصة للقطاع الخاص والتحول من حال الانغلاق إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وتنويع مصادر الدخل بعيداً من هيمنة النفط. وقال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي ووزير الاقتصاد التونسي الأسبق مصطفى نابلي انه لمواجهة التحدي الخاص بايجاد الوظائف لا بد من اتباع الأسلوب الشامل للإصلاح، مشيراً إلى أن قوة العمل تزداد في الوقت الراهن بمقدار 3.1 مليون عامل سنوياً مقارنة بنحو 2.5 مليون في عقد التسعينات من القرن الماضي، كما وصل معدل البطالة إلى حوالى 15 في المئة تاركاً بذلك تأثيره في أكثر من 12 مليون عامل. النظام الحالي لا يؤمن الوظائف للشباب وأكد نابلي في افتتاح مؤتمر المائدة المستديرة رفيعة المستوى الذي تنظمه وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية بالتعاون مع البنك الدولي لمدة يومين أن نموذج التنمية الحالي في المنطقة العربية لم ينجح وهو ليس قادراً على تأمين فرص العمل، خصوصاً للشباب، كما أن تنفيذ الإصلاحات في أسواق العمل إتسم بالتردد وعدم الاكتمال. وشدد نابلي الذي يشغل منصب رئيس قطاع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي أنه يتعين مضاعفة الصادرات العربية من 7 في المئة حالياً من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 30 و50 في المئة ورفع حجم الاستثمارات الخاصة من 12 في المئة إلى 25 في المئة على الأقل لتأمين فرص العمل. ولفت نابلي إلى أن مجموع الصادرات غير النفطية العربية يصل إلى 50 بليون دولار سنوياً، وتقدر قوى العمل بنحو 90 مليون عامل. غير أن بلداً مثل فنلندا التي لا يتجاوز تعداد سكانها ال 5 ملايين نسمة تزيد صادراتها غير البترولية على 50 بليون دولار. ضرورات التغييرات السياسية والاجتماعية وقال كبير خبراء البنك الدولي أنه لتحقيق تحول اقتصادي يتعين إحداث تحولات جوهرية في ثلاثة اتجاهات، منها الحد من جوانب القصور في الحكم وإدارة التنمية لضمان عنصري الشمولية والمساءلة، والدفع بالمزيد من مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية وتحسين نوعية المخرجات التعليمية لسد حاجات الاقتصاد الجديد. ويؤكد البنك الدولي أن وجود حكم أفضل مسألة لا تقبل الانتظار وأن وجود دور قوي للدولة في تحسين الإدارة العامة أمر جوهري لايجاد الظروف المواتية لنمو الاقتصاد. وهناك حاجة لإصلاح الحكم لتعزيز مناخ الاستثمار كشرط لظهور قطاع خاص حيوي وفاعل. معوقات الاصلاح وذكر نابلي أن من المهم فهم معوقات الإصلاح التي طرأت في المنطقة في الماضي ومنها القيود الخفيفة على الموازنة حيث ساهمت الإيرادات الخارجية من مردودات نفطية ودعم خارجي في التخفيف من آثار الركود، وبالتالي أتاحت للحكومات تبني إجراءات إصلاح محدودة وتأجيل اتخاذ القرارات الصعبة. وأشار البنك الدولي إلى أن الرابط بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية غاب عندما اقتصر رد فعل الحكومات على التحديات السياسية في إحياء السيطرة والهموم المرتبطة بالأمن الوطني. لهذا فإن إدارة الإصلاح من أعلى إلى أسفل حلت محل الجهود المبكرة التي سعت الى حشد التأييد للاصلاح الاقتصادي من خلال الانفتاح على الساحة السياسية. ولفت البنك الدولي إلى أن المضي قدماً بعملية الإصلاح من دول المنطقة يتطلب التحول من الأسلوب الانتقائي إلى إصلاح اقتصادي لا يتهرب من إحداث تغيير سياسي لتحقيق شرعية الإصلاحات وبروز صدقية الحكومات حيث لا تتوافر الشرعية والصدقية في شكل كاف. التحديات في اليمن من جانبه أكد نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي أحمد صوفان أن اليمن يواجه تحديات كبيرة في محاربة البطالة وتأمين فرص العمل ووقف التزايد السكاني وتمكين المرأة من المشاركة في النشاط الاقتصادي. وقال ان ما يتراوح بين 200 و 220 ألف يمني يدخلون سوق العمل سنوياً بفعل الزيادة السكانية في الوقت الذي لا تتجاوز فرص العمل المتاحة ال 110 آلاف فرصة، معتبراً أن الحل يتركز في إجراءات حكومية لتحسين الحكم الجيد ومكافحة الفساد وتحسين القضاء وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار. وذكر صوفان أن المرأة اليمنية تشكل 20 في المئة من نسبة العاملين في القطاع الحكومي وتتركز جهودها أساساً في قطاعي الصحة والتعليم. وشدد صوفان على أن التأخر أو التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في اليمن يمكن أن يجعل البلاد في عزلة ويفاقم التدهور الاقتصادي، معتبراً ذلك جريمة في حق الأجيال اليمنية القادمة. أهمية التكامل التجاري وأوضح تقرير قدمه البنك الدولي إلى المؤتمر حول التجارة والاستثمار والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن دول المنطقة تحتاج إلى الاستثمارات الخاصة من اجل تحفيز نموّ الاقتصاد وتعزيز حيويّته لتحقيق نمو أعلى والحد من الفقر وتأمين المزيد من فرص العمل، إضافة إلى تطوير مستوى المعرفة والمهارة والإنتاجية لدى القوة العاملة. وأكد التقرير أن السبيل الأفضل لمواجهة هذا التحدي يتلخص في قيام دول المنطقة بتسريع عملية تكاملها التجاري والاستثماري بمساعدة خبرائها الاقتصاديين. وذكر التقرير أن النمط القديم الذي يدار بواسطة القطاع العام ويعتمد على النفط والمساعدات الخارجية وتحويلات العاملين في المهجر لم يعد باستطاعته تأمين نمو أسرع ووظائف إضافية. وأكد البنك الدولي أن عقد التسعينات تميز بمعدلات جامدة أو متباطئة للتجارة والاستثمار الخاص، وكان الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي شهدت تراجعاً في هذه المؤشرات وهناك ضغط شديد لتوليد نتائج أفضل في هذا المجال. ولاحظ تقرير البنك الدولي أن دول المنطقة تعاني تراجعاً مطرداً في عائدات النفط للفرد وتدفق المساعدات الاستراتيجية وتحويلات العمال المهاجرين، وتزايد المنافسة في الأسواق العالمية، مما يضع مزيداً من الضغط، سواء على النشاطات التي تتطلب مهارة عالية أو تلك التي تتطلب كثافة عمل، كصناعة الملبوسات والأقمشة والتصنيع الخفيف.