ركزت الاحزاب المغربية في برامجها التي طرحتها على الناخبين على العامل الاقتصادي والتخصيص والبطالة ودور الدولة في تأمين الوظائف للخريجين الشباب اضافة الى ادوار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعجز الموازنة. وتناست الاحزاب القضايا القومية ومسألة العراق. يتنافس نحو 24 حزباً سياسياً مغربياً في الانتخابات الاشتراعية المقررة في 27 ايلول سبتمبر الجاري لاختيار 325 عضواً جديداً في مجلس النواب الغرفة الاولى في البرلمان الذي ستنبثق عنه الحكومة المقبلة خلفاً لحكومة الوزير الاول الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي الذي قرر عدم الاشتراك في الانتخابات واكتفى بدعم حزبه. وقال وزير الداخلية ادريس جطو ل"الحياة" ان حوالى 15 مليون شخص يُتوقع ان يشاركوا في الانتخابات المقبلة التي ستستعمل "الورقة الفريدة" للمرة الاولى في تاريخ المغرب باستخدام الرسوم والياقونات بدلاً من الالوان. وقال جطو: "ان الاقتراع احيط بكل الضمانات التي تجعل منه تجربة على طريق تعزيز الديموقراطية وسمح للمرشحين القيام بحملات متكافئة الفرص منها اعتماد شركات للدعاية والعلاقات العامة واستطلاعات الرأي كما يتم استخدام وسائل الاعلام العمومية للتعريف ببرامج الاحزاب والمرشحين الذين قدر عددهم بأكثر من ستة الف مرشح بينهم 266 امرأة. القضايا الاقتصادية وعلى عكس التجارب السابقة التي كان يطغى فيها السياسي على الاقتصادي والشخصي على الحزبي تركز برامج الاحزاب حالياً على قضايا اقتصادية واجتماعية يوليها الناخبون اهمية بالغة بالنظر الى الملفات الكثيرة التي تنتظر الحكومة المقبلة وفي مقدمها النمو في اجمالي الناتج وبطالة الشباب والرعاية الاجتماعية والتنمية الريفية والضرائب وعجز الموازنة والديون والتخصيص والتعليم ودور الدولة والقطاع الخاص في زيادة الاداء الاقتصادي. في المقابل غابت تماماً، أو كادت، القضايا العربية والاقليمية من اهتمامات الاحزاب والناخبين على السواء وظهر ان المغاربة باتوا اقل تأثراً في قضايا غيرهم حتى لو كان الامر يتعلق بفلسطين او تهديد العراق أو مضاعفات 11 ايلول على المنطقة. ويعتقد المحللون ان الخلافات العقائدية تبدو ضئيلة بين برامج مختلف الاحزاب السياسية على اهمية القضايا التي تحتاج الى حلول اكثر من غيرها وان التوجه الاكثر حضوراً يدعو الى معالجة المشاكل ضمن الالتزامات المغربية والحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد الاوروبي الشريك التجاري الأكبر للمغرب والافادة من الوضع الدولي الجديد باعتماد مزيد من الانفتاح والديموقراطية والشفافية في اسلوب الحكم . وباستثناء حزب العدالة والتنمية المعارض، الذي يطالب باعتماد مرجعية اسلامية في التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية ومعاودة النظر في قوانين البلاد وجعلها تقوم على منطلقات دينية عوض ان تكون وضعية وتطالب بربط مصير المغرب بمصير- الامة الاسلامية وكذلك بعض احزاب اقصى اليسار التي لا تزال تعتمد المرجعية الماركسية في الدعوة الى معالجة الاختلالات الاقتصادية وتدعو الى تنسيق المواقف مع التيارات الراديكالية في العالم، تميل الاحزاب الاخرى الى الدعوة الى اعتماد المنهج الليبرالي وحرية السوق وحقوق الانسان مع اختلافات بسيطة في استخدام الشعارات بالتركيز على التضامن الاجتماعي ومغازلة الشباب الاقل حماسة للمشاركة في الانتخابات. وتجمع مختلف الهيئات السياسية على ان المغرب بحاجة الى نمو لا يقل عن 6 في المئة سنوياً على مدى متواصل لامتصاص الصعوبات الحالية والاعداد لتطبيق المناطق التجارية الحرة وبنود منظمة التجارة الدولية ودخول عالم المعرفة والتكنولوجيا. 6 ملايين فقير وتشير تلك الاحزاب الى ان متوسط النمو الاقتصادي طيلة العشرين عاماً الاخيرة كان في حدود 3 في المئة من الناتج المحلي بينما ارتفع معدل السكان النشطين نحو 3,3 في المئة ما تسبب في مضاعفة اعداد الفقراء الذين يصل عددهم الى حدود ستة ملايين شخص من اصل 30 مليون نسمة، ما جعل المغرب يحقق واحداً من اقل نسب النمو الاقتصادي في مجموع منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط. وتحمل الاحزاب ذات التوجه الاشتراكي - الديموقراطي او المساندة للحكومة الحالية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مسؤولية الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب مند اكثر من عقد من وتدعي ان التطبيق الحر لاملاءات المؤسسات المالية الدولية جاء على حساب القضايا الاجتماعية وفاقم الديون الخارجية التي كانت وصلت في منتصف الثمانينات الى نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي قبل ان تتراجع الى النصف في التسعينات. كما ادى تقليص الاعتمادات في مجال التعليم والرعاية الصحية وتجميد الاجور الى ارتفاع اعداد العاطلين عن العمل وبداية مظاهر اجتماعية جديدة على المجتمع المغربي منها اطفال الشوارع. وتعيب تلك الاحزاب ربط الاقتصاد المغربي بشروط المؤسسات المالية الدولية ما اضعف القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي وزاد من عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات. وتنتقد الاحزاب الليبرالية الرهان على عائدات التخصيص لتمويل عجز الموازنة ما لم يمكن الرباط من معالجة مشاكل البطالة التي ارتفعت في المدن الى 23 في المئة بعدما كانت في حدود 15 في المئة في منتصف التسعينات كما ارتفعت نسبة الفقراء الى 19 في المئة من اصل 13 في المئة وخسرت البورصة نصف قيمة اسهمها السوقية في اقل من خمسة اعوام. وكان التخصيص امن للمغرب نحو خمسة بلايين دولار في الاعوام الاربعة الماضية. وتعتقد المصادر الاقتصادية المستقلة ان توقعات النمو الواردة في الخطة الخمسية 2000 - 2004 التي كانت تراهن على 5 في المئة من الناتج لم تتمكن من تجاوز المعدلات المسجلة سابقاً وهي نحو 2,5 و3 في المئة وهي معدلات لا يمكنها تحقيق التنمية المطلوبة التي تحتاج نمواً اعلى غير مرهون بالتقلبات المناخية التي تؤثر بنسبة 17 في المئة من الناتج القومي. كما ان استمرار الاعتماد على السياحة الدولية وتحويلات المهاجرين في معالجة ازمة عجز الميزان التجاري لم يمنح الشركات المحلية فرصة اختبار منافسة العولمة والاسواق الحرة. وعلى رغم مداخيل التخصيص واستقرار اسعار الطاقة ظلت الاستثمارات الخارجية المتدفقة الى المغرب عند معدلاتها السابقة أي نحو 500 مليون دولار خارج التخصيص وهي مبالغ لا يمكنها توفير فرص عمل كافية في القطاع الخاص في وقت يعحز القطاع العام عن توفير مناصب كافية بسبب عجزه المتواصل من جهة وضغوط البنك الدولي على الرباط لخفض كلفة الاجور في الوظائف العمومية إلى 10 في المئة من اصل 13 في المئة حالياً. وتكاد تطغى قضية البطالة على ما سواها من القضايا الاخرى في انتخابات المغرب ويحرص كل حزب على تقديم اقتراحات لمعالجتها، بعضها يقترح احالة جزء كبير من العاملين في القطاع العام على التقاعد لفتح المجال امام توظيف الشباب بينما تقترح الاحزاب الليبرالية تقليص الضرائب على الشركات لتمكينها من احداث فرص عمل جديدة تحتاجها خصوصاً في التقنيات الحديثة. وتجمع الأحزاب السياسية على ان قضية البطالة في المغرب ناتجة عن عدم تجانس التكوين التعليمي مع حاجات سوق العمل اكثر منها بمعدلات النمو الاقتصادية. وتكاد تمس البطالة كل اسرة مغربية وهي تُقدر على المستوى الوطني بنحو 13 في المئة لكنها ترتفع عند فئات الشباب خصوصاً الذين لا يحملون شهادات في التقنيات الحديثة او الذين انقطعوا عن الدراسة في وقت مبكر من العمر وقُدر مجموع عدد العاطلين بحوالى 1,9 مليون شخص وتزيد ارقام البطالة كلما حل الجفاف الذي يدفع بأعداد متزايدة من النازحين الى المدن التي باتت تنتشر حولها احياء هامشية تطغى على بعضها الجريمة والتطرف. وكان تشديد اجراءات الحصول على الفيزا حرم عشرات الالاف من الشباب من الهجرة الى دول الاتحاد الاوروبي الذي كان يستقبل في السابق اكثر من 50 الف شخص سنوياً وادى وقف العمل في الدول العربية الى تزايد الراغبين في الهجرة الى شمال القارة الاميركية. وينظر الشباب المغربي الى احداث 11 ايلول على انها كارثة اضيفت الى معاناة الباحثين عن عمل في ديار المهجر بسبب القيود التي باتت تفرض على طالبي الهجرة. ويعتقد جمهور واسع من الشباب ان التطرف الديني يُضر بفرص العمل في دول الاتحاد الاوروبي التي اصبحت تفضل عمالاً من دول اوروبا الشرقية على حساب مواطني شمال افريقيا الذين يتحملون اخطاء اشخاص توافرت لهم موارد مالية فاستغلوها لتنفيذ أهداف اجرامية عوض تسخيرها في التنمية داخل البلاد العربية.