البشوت النسائية تدخل عالم الموضة وتنافس الرجالية    أول لقاء بين السيسي وأحمد الشرع    المملكة ترفُض المَساس بوحدة السودان    خيسوس حزين لخسارة لاعبين بسبب الإصابة أكثر من الهزيمة أمام باختاكور    القبض على إثيوبي في جازان لترويجه مواد مخدرة    غرامة 1,4 مليون ريال لمصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أمطار على 6 مناطق والمدينة الأعلى    بمشاركة 370 قائدًا وكشافًا.. جمعية الكشافة العربية السعودية تباشر تقديم خدماتها لزور المسجد النبوي    سماء العُلا يعود في أبريل    فعاليات ثقافية في جدة التاريخية    أحياء المدينة تستعيد تقاليدها الرمضانية    صيانة 781 مسجدا بالأحساء    عربات لتسهيل تنقل المعتمرين بالمسجد الحرام    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    تأكيد سعودي - لبناني على تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة    عقدة غياب الدون تطارد العالمي    أمير الرياض: جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن عظيمة في مضمونها ومنهجها وفي عملها    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    فيصل بن مشعل: مشروع نقل المياه (الجبيل - بريدة) يجسد حرص القيادة    سعود بن نايف يستقبل المهنئين في رمضان.. ويطلع على أعمال "الذوق العام"    سعود بن نهار يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية في الطائف الإفطار الرمضاني    أمير المدينة المنورة: منظومة متكاملة لخدمة المصلين والزوار    «وول ستريت».. السوق متوتر ومستويات القلق للمستمثرين مرتفعة    تجمع الرياض يطلق حملة "صم بصحة"    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    ليلى عوض.. الغياب الذي لم يمحُ الأثر    نيفيز ينقذ جيسوس من ورطة الظهير    وزيرة الخزانة البريطانية: سنتأثر بالرسوم الجمركية الأمريكية    جوازات منفذ الوديعة تستقبل ضيوف الرحمن القادمين للعمرة خلال شهر رمضان    8 جامعات تتنافس على لقب دوري كرة الطائرة    الكرملين: بوتين يوافق على وساطة بين واشنطن وطهران    أمريكا تدرج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية    أوروبا: «رسوم ترمب» تعطل التجارة العالمية    أفضلية طفيفة لباختاكور في أوزبكستان بعد أداء باهت من الهلال    سيميوني وأنشيلوتي.. مواجهة كسر عظم    بعد تعرضه لوعكة صحية.. أشرف زكي يطمئن جمهوره عبر «عكاظ»: إرهاق شديد سبب الأزمة    192 نقطة انخفاض للأسهم.. التداولات عند 6.4 مليار ريال    زعيم دروز سورية: مشروعنا وطني.. لن نطلب الانفصال يوماً    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل القاهرة للمشاركة في القمة العربية غير العادية    فيصل بن فهد بن مقرن يطلع على برامج جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية بحائل    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    أكبر عذاب تعيشه الأجيال ان يحكمهم الموتى    من الرياض.. جوزيف عون يعلن التزامه باتفاق الطائف وسيادة الدولة    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    تعليق الدراسة وتحويلها عن بعد في عددٍ من مناطق المملكة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" في القاهرة والخرطوم تزور حلايب . رياح المثلث تهب مجدداً على العلاقات بين القاهرة والخرطوم ، "الجبهة" تعزز سيطرتها في السودان والمهمة "الافغانية" للترابي ترجح التصعيد

هبت رياح حلايب من جديد على العلاقات المصرية - السودانية بعد سكون استغرق 4 اشهر فقط من عمر الازمة التي ولدت في شباط فبراير 1992 اثر احتجاج مصر لدى شركة بتروليوم انترناشيونال الكندية على قيامها بالتنقيب عن البترول في مثلث حلايب الامر الذي ادى الى الغاء الشركة تعاقدها مع الحكومة السودانية. وبدا قرار الرئيسين المصري حسني مبارك والسوداني عمر البشير، في لقائهما في 30 حزيران يونيو الماضي لمناسبة عقد القمة الافريقية ال 29 في القاهرة، انشاء آلية لانهاء الخلافات عبر اجتماعات دورية لوزيري خارجية البلدين اتفقا على تجميد الازمة.
فمنذ مطلع تشرين الثاني نوفمبر عادت الاوضاع وتصريحات المسؤولين في كل من الخرطوم والقاهرة الى ما كانت عليه قبل لقاء حزيران فبدأ الحديث مرة اخرى فجأة ولأول مرة منذ قمة حزيران عن عدم التفريط في السيادة على مثلث حلايب ودعم حكومة الخرطوم للجماعات الدينية المتطرفة وأعمال العنف. هذا من جانب القاهرة اما الخرطوم فعاودت الحديث عن "حلايب ارض سودانية" تكراراً لسيناريو 17 شهراً من الازمة.
وفي هذه الاجواء تجاهل وزير الخارجية المصري عمرو موسى اقتراح نظيره السوداني حسين ابو صالح عقد الاجتماع الثاني بينهما في اطار الآلية المشار اليها في الخرطوم في 14 من الشهر الجاري لاستكمال مناقشة جوانب النزاع على حلايب والتي دارت في لقائهما الاول في القاهرة في تموز يوليو الماضي وفق قرار الرئيسين تمهيداً لرفع تقرير اليهما للنظر في عقد قمة ثانية كما جدد المستشار السياسي للرئيس المصري الدكتور اسامة الباز الاتهامات الموجهة الى السودان بدعم جماعات العنف في مصر.
وزادت الازمة اشتعالاً بعد اصدار ابو صالح تصريحات قال فيها "حلايب سودانية" ساهمت في تسريع القاهرة لخطوات كانت جمدت منذ لقاء مبارك - البشير كعقد المجلس المحلي لمحافظة البحر الاحمر في مدينة شلاتين في المثلث والحديث عن استئناف تنفيذ مشروعات التنمية كرصف طرق وتدشين ميناء جديد في ابو رماد وغيرها، ما ادى - على الجانب الآخر - الى تصعيد الازمة من جديد.
ووفقاً للسيناريو القديم نفسه بدأ الحديث عن وساطات وتدخلات من جانب دمشق وطرابلس لاحتواء الازمة. وكان الرئيس المصري قال في المؤتمر الصحافي الذي اعقب لقاء البشير "كنا بنعاكس بعض" وجاء الكلام من باب الدعابة وترطيب حرارة مناخ حزيران.
هكذا فرض مثلث حلايب نفسه مرة اخرى على العلاقات بحيث اصبحت مساحته 18 الف كيلومتر مربع هي مساحة الخلاف بين البلدين الامر الذي يرجح عودة المناخ المصاحب لتقديم المذكرات الى مجلس الامن "قدمت السودان مذكرتين الاولى في كانون الاول ديسمبر والثانية في ايار مايو 1993" والشكاوى الى الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية من جانب السودان اولاً وبالرد عليها من جانب مصر ثانياً.
وهكذا في الوقت الذي كان من المرتقب عقد اجتماع وزيري الخارجية تدهور الموقف وعاد التوتر من جديد وسط محاولات احتواء، ففيما رهنت القاهرة عقد الاجتماع باجراء مناقشات حول قضايا سياسية خلافية وحسمها اولاً اعتبرت السودان تجاهل موعد 14 الشهر الجاري وعدم الرد ايجاباً او سلباً مساساً بها ودعت القاهرة الى تحديد موعد آخر لدراسة ما اذا كان مناسباً لابو صالح ام لا؟
من حلايب الى الخرطوم
على ان المراقبين للعلاقات المصرية - السودانية لاحظوا ان عودة اجواء التوتر ارتبطت بالتطورات على الساحة السياسية في الخرطوم وبما يتعلق بالسودان على الساحة الدولية فمن ناحية ترى الدوائر السياسية المصرية ان الجبهة القومية الاسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي تقوي قبضتها على البلاد بعد الغاء مجلس قيادة الثورة وتنصيب البشير نفسه رئيساً للسودان كما ان التوجه الدولي نحو ادانة حكومة السودان لممارساتها المنافية لحقوق الانسان وشبهة تورطها في نقل اسلحة ايرانية الى قوات المؤتمر الصومالي الموحد بزعامة الجنرال فرح عيديد والاحزاب ذات التوجهات الاسلامية في الصومال ربما قد يضع مصر مستقبلا في موقف شبيه بوضعها الحالي من جراء الموقف الدولي من ليبيا بسبب ازمة لوكربي.
وزادت شكوك القاهرة في امكانية حدوث تقارب مع الخرطوم بعد زيارة الدكتور حسن الترابي لافغانستان الاسبوع الماضي في محاولة للوساطة بين وزير الدفاع السابق احمد شاه مسعود ورئيس الوزراء الحالي قلب الدين حكمتيار السند الرئيسي للافغان المصريين في كابول بينما كان الرئيس الافغاني برهان الدين رباني في زيارة رسمية للقاهرة كان اهم بند على جدول اعمالها بحث عدم استخدام الاراضي الافغانية لتهديد امن مصر وهو ما تضمنه البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة فضلاً عن استكمال مناقشة امكان تسليم ما يقع تحت سيطرة السلطات هناك من الافغان المصريين الى السلطات المصرية.
وعكست وسائل الاعلام المصرية الرسمية هذه الشكوك في معالجتها لمحادثات الترابي في كابول والتي ادرجتها في اطار الاتصالات بين قوى التطرف الاسلامي ولمحت الى انها ربما استهدفت افشال نتائج زيارة رباني لمصر.
ولعل تطورات العلاقات على هذا النحو في الايام الاخيرة تنهي حالة الحيرة التي عاشتها وسائل الاعلام المصرية الرسمية طوال الشهور الاربعة الاخيرة منذ لقاء مبارك - البشير بسبب وقف الحملات الاعلامية عاشت خلالها مرحلة اقرب ما تكون الى تلك الفترة التي عاشتها عقب تولي الرئيس مبارك الحكم عام 1981 واصراره على وقف الحملات الدعائية ضد انظمة عربية.
الى ذلك دب في مثلث حلايب ولأول مرة منذ 4 شهور النشاط من جانب مصر التي استأنفت تنفيذ مشروعات التنمية والتي تتضمن استكمال عمليات توطين 6 آلاف اسرة مصرية اعتمد لتنفيذها 50 مليون جنيه مصري بصفة مبدئية ضمن خطة الدولة الخمسية الثالثة 92 - 1997 وقيد المواطنين في الجداول الانتخابية والتنقيب عن المعادن والبترول وانشاء محميات طبيعية ورصف الطرق الرابطة بين مدن المثلث حلايب وشلاتين وابو رماد وبناء مدارس ووحدات سكنية.
داخل حلايب
وبرغم ان حلايب ستكون مؤثرة في العلاقات المستقبلية بين البلدين الا ان اهل المنطقة لا يدركون انها ربما ستحدد مسار هذه العلاقات فمفاهيم الناس انقى وابعد ما تكون عن افكار السيطرة والسطوة والقتال كون لا مشكلة يمكن ان تعقد حياتهم بسبب نظام اللجوء الى شيوخ القبائل وقبول احكامهم.
والنزاعات الاهلية في المثلث محدودة وتكاد تكون نادرة فمساحة المثلث تستوعب السكان وانشطتهم لذا فلا مجال لنزاعات حادة حول ارض وان وجدت فمجلس العرف قادر على الحل، اما النزاعات فأغلبها يتعلق بالعلاقات المدنية.
وعلى ارض حلايب يتفاعل السكان مع ابناء وطنهم المصريين في مراكز السلطة والادارة المحلية، هذا التفاعل يكشف حياة منظمة ونقلة تدريجية للمثلث من حياة قبلية الى مجتمع مدني تحكمه اطر وقوانين تحترم وتنفذ من الجميع.
ففي الصباح الباكر تجد التلاميذ او العاملين في مشروعات هناك في طريقهم الى مدارس ذات فصل واحد اسستها الادارة المصرية في مشهد لم يظهر على هذا النحو من قبل، والعمالة الدائمة بدأت تحل محل العمالة الموقتة اذ اصبح الالتحاق بعمل في احد مرافق الدولة يجتذب ابناء المثلث.
وبرغم خوف يراود الشيوخ من عدم الاعتماد على الذات، وفقد الاستقلالية من خلال تدبير الاحتياجات بالاعتماد على الادارة والسلع المتوافرة القادمة من القاهرة والبحر الاحمر وقنا، وبرغم ان الاجيال الشابة ترفض هذه المخاوف وتتفهم طبيعة وضرورة التكيف والتغيير والتعامل وفق منطق مجتمع مدني متحضر الا ان الشيوخ والشباب ينظرون الى الامر باعتباره يعكس تصحيح القاهرة لموقفها من المثلث عندما تنازلت عام 1902 للسودان عن الادارة.
مشاريع وتجاوب
وتنسحب هذه النظرة على كل ما تقوم به الادارة المصرية من مشروعات سكنية وخدماتية ويظهر في المنطقة تجاوب مع التحديث فحركة الرفض للاقامة في ابنية خرسانية لن تختفي الا ان معدل التجاوب في تزايد.
وتعاطي ابناء المثلث مع ابناء الوادي المصريين اصبح سمة برغم قصر فترة الوجود المصري المكثف، فمائدة العشاء في منزل اي منهما تضم دائماً من هنا وهناك، وابناء المنطقة من البشارية او العبابدة يفتخرون بأصولهم العربية، برغم آراء شائعة حول اصول فرعونية، كون العرب فضلهم الله بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والقرآن الكريم.
والحياة هنا روتينية ومملة لمن لم يعتادها فلا اماكن ترفيهية كسينما او مسرح او كورنيش او حديقة عامة او ناد رياضي هناك خطة مصرية لانشائه والصمت المطبق يخيم على المكان بدءاً من الغروب وحتى مطلع فجر اليوم التالي لكن الاتصالات الهاتفية بدأت تتيسر مع العاصمة.
ومصادر الدخل الرئيسية لسكان المنطقة تأتي من نشاطات الرعي والزراعة المحدودة وبيع منتجات الماشية والتجارة الى جانب الاجور الثابتة من العمل في المرافق والمشاريع المقامة، ويتوقع ان تتزايد اعداد الملتحقين بالعمل في تلك المشاريع في السنوات القليلة المقبلة ازاء التوسع من جانب مصر فيها، وان تنمو حركة التجارة بعد دخول سلع وبضائع والسماح باستيرادها وبيعها في الاسواق.
والعلاقات بين ممثلي الاجهزة السيادية المصرية في المكان وشيوخ القبائل والبطون علاقات تعاون وثيقة في حل المشكلات الصغيرة والتعرف على القوانين المصرية وتنفيذها، وتبدي هذه الاجهزة خصوصاً عناصر الامن مرونة كبيرة ازاء تعاطي الاهالي مع قوانين جديدة، وارتفاع نسبة الامية ونظراً للسمات الخاصة لاهل المكان خصوصاً الثقة والرجولة والفداء يتم الاعتماد على ابناء الاقليم في حماية الحدود حيث التحق عدد بقوات حرس الحدود المصرية.
وبرغم مواكبة الاهالي لحركة التحديث والتنمية الجارية وايمانهم وتدينهم الا ان هناك بعض مظاهر الاعتقاد في قدرات خاصة لبعض الناس في شفاء المريض والحماية من الشرور حيث تنتشر صناعة الاحجبة والتمائم، هذه المظاهر لا يتوقع احد ان تختفي فهي موجودة - على سبيل المثال - في بعض الاوساط في العاصمة.
والملاحظ ان هناك توجيهات عليا من اجهزة الدولة السيادية والادارية لتسهيل امور حياة الناس وترجيح كفة العرف على كفة القانون في بعض الحالات كما انه من الثابت عدم وجود اي مظهر من مظاهر عدم الارتياح تجاه تنظيم وتقنين شؤون الحياة... ربما يعود ذلك الى ان سمة الانسان المصري "التكيف".
زائر حلايب من الجهة الاخرى يرى الصورة مختلفة خصوصاً اذا اصر على قراءة التفاصيل بعيون سودانية. يستوقفه العلم المصري يرفرف على احدى التلال اضافة الى الاسلاك الشائكة واجراءات الامن وتزايد وجود الادارة المصرية.
وكتب مراسل "الوسط" الوافد من الجهة الاخرى:
نقلتني شاحنة سودانية الى داخل مثلث حلايب، فاعتقلني رجال امن سودانيون كانوا يرافقون القافلة، ووجهوا اليّ تهمة الدخول الى معسكرات للقوات المصرية. اقتادوني في سيارة الى مدينة بورتسودان التي تبعد 350 كيلومتراً عن المنطقة، وفي مقر جهاز الامن السوداني تعرّف اليّ مدير الجهاز الذي كان سمح لي بالعبور الى حلايب، فأمر بالافراج عني.
وهكذا افسدت قوى الامن السودانية مهمتي داخل المثلث بعد رحلة شاقة استغرقت 48 ساعة للوصول الى حلايب.
وفي بورتسودان تحدثت الى نائب قائد منطقة البحر الاحمر، وهو برتبة عميد فقال: "نحن العسكريين لا نتحدث الى الصحافيين، لكنني اؤكد ان قضية حلايب تعني لنا قضية عزة وشرف وكرامة، ولن نفرط بشبر واحد من ارضنا. كلمة احتلال تعني ان تُهزم في ارض المعركة وتؤخذ ارضك بالقوة، ولكن لدينا تعليمات صارمة من مجلس قيادة الثورة تقضي بألا نطلق رصاصة واحدة على اي جندي مصري".
لبنان " قبرص = حلايب
حلايب ترقد على اقصى الحدود الشرقية الشمالية للسودان، على ساحل البحر الاحمر، وأقصى الحدود الجنوبية الشرقية لمصر المطلة على البحر الاحمر. والجزء المتنازع عليه بين البلدين مثلث قاعدته خط العرض 22 ورأسه بئر شلاتين، طول كل من ضلعيه الرقي البحري والغربي الصحراوي 200 كيلومتر. وطول قاعدة المثلث نحو 300 كيلومتر، اما مساحته التي تسيطر عليها الآن القوات المصرية فتبلغ 18.5 الف كيلومتر مربع، اي انها تتجاوز مساحة دول مثل لبنان وقبرص وغامبيا وسوازيلاند وبورتوريكو وجزر الباهاما. وتفوق حلايب مساحات ستة اقطار مجتمعة هي جزر القمر وموريشيوس وهونغ كونغ وبروناي وموناكو وترينيداد، وتناهز مساحتي لبنان وقبرص.
وبالاضافة الى مواد بترولية اكتشفت في منطقة المثلث، هناك ثروات معدنية متنوعة تشمل الذهب والحديد والمانغنيز، وكذلك رخام وحجر جيري وملح. معظم السكان ينتمي الى قبائل البجا، خصوصاً البشاريون الذين تتحدر اصولهم من جنوب حلايب حتى نهر عطبرة ومشارف القاش وستين.
عودة الى خلفيات ازمة المثلث التي تطفو على السطح كلما توترت العلاقات بين مصر والسودان، حتى باتت كأنها "ترمومتر" ما يحدث على خط القاهرة - الخرطوم: تُحشد قوات مصرية على حدود المثلث فيهرع السودان الى مجلس الامن وتتوالى مذكراته.
وفي جولة التصعيد التي سبقت لقاء الرئيسين مبارك والبشير تجاوز رد الفعل السوداني مذكرات الاحتجاج، لتدخل الازمة منعطفاً جديداً. اذ اصدر البشير قراراً ب "سودنة" المدارس الاعدادية والثانوية التابعة للبعثة التعليمية المصرية في بلاده، وعددها نحو 20 في الخرطوم والولايات السودانية، ثم صدر قرار بانشاء "جامعة النيلين" لتحل محل فرع جامعة القاهرة، وقرار ثالث عكس ذروة التصعيد باغلاق قنصليتين مصريتين في الابيض وبورتسودان. وأغلق السودان ايضاً قنصليته في الاسكندرية وأسوان، وقنّن تجارته مع مصر حين اخرج عدداً من السلع الاساسية من البروتوكول الموقع بين الجانبين، ليتحول التعامل بها الى السوق الحرة. اما الحكومة المصرية فأدرجت الطلاب السودانيين في خانة الطلاب الاجانب والزمتهم دفع رسوم الدراسة بالجنيه الاسترليني، وأشاعت تلك الاجراءات والقرارات، فضلاً عن الحملات الاعلامية، اجواء حرب باردة بين البلدين.
مصر كانت دائماً تمتص ردود فعل الانظمة التي تعاقبت على الحكم في السودان، فاحتوى عهد الرئيس جمال عبدالناصر في عقده الاول تداعيات احداث آذار مارس 1954 التي واجهت اللواء محمد نجيب في أول زيارة قام بها للسودان. وامتصت مصر السبعينات بقيادة الرئيس انور السادات الازمة الطارئة بينه وبين نظام جعفر نميري، والتي انتهت بسحب السفراء وكادت تجمد فرع جامعة القاهرة في الخرطوم.
أزمة العَلَم
ومن وجهة النظر السودانية، حشد قوات مصرية داخل حلايب يشبه الاحتلال. وكانت القاهرة طالبت الخرطوم في تشرين الثاني نوفمبر 1991 بانزال العلم السوداني الذي رفع فوق مركز شرطة شلاتين، وحسب الرواية السودانية ايضاً، هاجمت قوة مصرية مقر شرطة ابو رماد في 4 نيسان ابريل 1992 فقتل شرطيان وجرح ثلاثة آخرون، وفي 9 كانون الاول ديسمبر دخلت وحدات مصرية بكامل عتادها الى مثلث حلايب.
والنزاع على حلايب كان الخلاف الاول من نوعه بين الحكومتين المصرية والسودانية في عهد عبدالناصر، حين كان عبدالله خليل يرأس حكومة الاحزاب في الخرطوم. ففي اواخر كانون الثاني يناير 1958 بعثت القاهرة بمذكرة الى الحكومة السودانية ابلغتها ان القانون الذي اصدرته تمهيداً لانتخابات برلمانية اجريت في 27 شباط فبراير 1958، خالف اتفاق 1899 في شأن الحدود المشتركة اذ ادخل منطقة تقع شمال مدينة وادي حلفا واخرى تحيط بحلايب وشلاتين ضمن الدوائر الانتخابية السودانية. وشددت المذكرة على حق مصر في استرجاع تلك المناطق التي يديرها السودان شمال خط العرض 22، فطلبت الخرطوم عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن لمناقشة الوضع على الحدود، خصوصاً بعدما ارسلت اليها تعزيزات مصرية ضخمة. وبررت الحكومة السودانية طلب تدخل المجلس بضرورة "وقف الاعتداء الوشيك"، فدعا مندوبي البلدين للمشاركة في مناقشة المسألة.
عقد الاجتماع في 21 شباط فبراير 1958، وذكر مندوب السودان ان مصر طلبت ضم منطقتين على الحدود كانتا منذ نصف قرن جزءاً من الاراضي السودانية، وطلبت ايضاً ان يشارك سكانهما في استفتاء تصادف موعده مع اجتماع المجلس، وأرسلت اليهما لجان انتخابات. وأشار الى ان السودان كان يعد لاجراء انتخابات في 27 شباط فبراير، مؤكداً استعداد بلاده للبحث في المسألة مباشرة مع مصر بعد عملية الاقتراع.
اما مندوب مصر الذي نفى ارسال تعزيزات الى حلايب، فأعلن ان بلاده قررت تسوية موضوع الحدود بعد الانتخابات السودانية، وشدد على حقها في المنطقة المتنازع عليها مؤكداً ان حكومته لجأت دائماً الى اسلوب التفاهم مع الخرطوم.
شكلت تلك المناسبة الوحيدة منذ عرف النزاع الحدودي بين البلدين فرصة لكل منهما ليبيّن الاسس القانونية التي تستند اليها مطالبته بحق السيادة على حلايب. فالحكومة السودانية تؤكد حقها في ادراج المناطق التي وضعت تحت ادارتها منذ نحو ستين سنة، ضمن دوائرها الانتخابية، في حين تدفع الحكومة المصرية بعدم قانونية هذا المطلب وتصر على استثناء تلك المناطق من الخضوع للنظام الاداري المصري لا ينفي بقاءها ضمن سيادة مصر. ويرد السودان مصراً على ان الاراضي الواقعة شمال خط العرض 22 اصبحت جزءاً من اراضيه حسب التعديلات الادارية والاتفاق المبرم في 19 شباط فبراير 1899 الذي انشأ خط الحدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.