«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" في القاهرة والخرطوم تزور حلايب . رياح المثلث تهب مجدداً على العلاقات بين القاهرة والخرطوم ، "الجبهة" تعزز سيطرتها في السودان والمهمة "الافغانية" للترابي ترجح التصعيد

هبت رياح حلايب من جديد على العلاقات المصرية - السودانية بعد سكون استغرق 4 اشهر فقط من عمر الازمة التي ولدت في شباط فبراير 1992 اثر احتجاج مصر لدى شركة بتروليوم انترناشيونال الكندية على قيامها بالتنقيب عن البترول في مثلث حلايب الامر الذي ادى الى الغاء الشركة تعاقدها مع الحكومة السودانية. وبدا قرار الرئيسين المصري حسني مبارك والسوداني عمر البشير، في لقائهما في 30 حزيران يونيو الماضي لمناسبة عقد القمة الافريقية ال 29 في القاهرة، انشاء آلية لانهاء الخلافات عبر اجتماعات دورية لوزيري خارجية البلدين اتفقا على تجميد الازمة.
فمنذ مطلع تشرين الثاني نوفمبر عادت الاوضاع وتصريحات المسؤولين في كل من الخرطوم والقاهرة الى ما كانت عليه قبل لقاء حزيران فبدأ الحديث مرة اخرى فجأة ولأول مرة منذ قمة حزيران عن عدم التفريط في السيادة على مثلث حلايب ودعم حكومة الخرطوم للجماعات الدينية المتطرفة وأعمال العنف. هذا من جانب القاهرة اما الخرطوم فعاودت الحديث عن "حلايب ارض سودانية" تكراراً لسيناريو 17 شهراً من الازمة.
وفي هذه الاجواء تجاهل وزير الخارجية المصري عمرو موسى اقتراح نظيره السوداني حسين ابو صالح عقد الاجتماع الثاني بينهما في اطار الآلية المشار اليها في الخرطوم في 14 من الشهر الجاري لاستكمال مناقشة جوانب النزاع على حلايب والتي دارت في لقائهما الاول في القاهرة في تموز يوليو الماضي وفق قرار الرئيسين تمهيداً لرفع تقرير اليهما للنظر في عقد قمة ثانية كما جدد المستشار السياسي للرئيس المصري الدكتور اسامة الباز الاتهامات الموجهة الى السودان بدعم جماعات العنف في مصر.
وزادت الازمة اشتعالاً بعد اصدار ابو صالح تصريحات قال فيها "حلايب سودانية" ساهمت في تسريع القاهرة لخطوات كانت جمدت منذ لقاء مبارك - البشير كعقد المجلس المحلي لمحافظة البحر الاحمر في مدينة شلاتين في المثلث والحديث عن استئناف تنفيذ مشروعات التنمية كرصف طرق وتدشين ميناء جديد في ابو رماد وغيرها، ما ادى - على الجانب الآخر - الى تصعيد الازمة من جديد.
ووفقاً للسيناريو القديم نفسه بدأ الحديث عن وساطات وتدخلات من جانب دمشق وطرابلس لاحتواء الازمة. وكان الرئيس المصري قال في المؤتمر الصحافي الذي اعقب لقاء البشير "كنا بنعاكس بعض" وجاء الكلام من باب الدعابة وترطيب حرارة مناخ حزيران.
هكذا فرض مثلث حلايب نفسه مرة اخرى على العلاقات بحيث اصبحت مساحته 18 الف كيلومتر مربع هي مساحة الخلاف بين البلدين الامر الذي يرجح عودة المناخ المصاحب لتقديم المذكرات الى مجلس الامن "قدمت السودان مذكرتين الاولى في كانون الاول ديسمبر والثانية في ايار مايو 1993" والشكاوى الى الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية من جانب السودان اولاً وبالرد عليها من جانب مصر ثانياً.
وهكذا في الوقت الذي كان من المرتقب عقد اجتماع وزيري الخارجية تدهور الموقف وعاد التوتر من جديد وسط محاولات احتواء، ففيما رهنت القاهرة عقد الاجتماع باجراء مناقشات حول قضايا سياسية خلافية وحسمها اولاً اعتبرت السودان تجاهل موعد 14 الشهر الجاري وعدم الرد ايجاباً او سلباً مساساً بها ودعت القاهرة الى تحديد موعد آخر لدراسة ما اذا كان مناسباً لابو صالح ام لا؟
من حلايب الى الخرطوم
على ان المراقبين للعلاقات المصرية - السودانية لاحظوا ان عودة اجواء التوتر ارتبطت بالتطورات على الساحة السياسية في الخرطوم وبما يتعلق بالسودان على الساحة الدولية فمن ناحية ترى الدوائر السياسية المصرية ان الجبهة القومية الاسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي تقوي قبضتها على البلاد بعد الغاء مجلس قيادة الثورة وتنصيب البشير نفسه رئيساً للسودان كما ان التوجه الدولي نحو ادانة حكومة السودان لممارساتها المنافية لحقوق الانسان وشبهة تورطها في نقل اسلحة ايرانية الى قوات المؤتمر الصومالي الموحد بزعامة الجنرال فرح عيديد والاحزاب ذات التوجهات الاسلامية في الصومال ربما قد يضع مصر مستقبلا في موقف شبيه بوضعها الحالي من جراء الموقف الدولي من ليبيا بسبب ازمة لوكربي.
وزادت شكوك القاهرة في امكانية حدوث تقارب مع الخرطوم بعد زيارة الدكتور حسن الترابي لافغانستان الاسبوع الماضي في محاولة للوساطة بين وزير الدفاع السابق احمد شاه مسعود ورئيس الوزراء الحالي قلب الدين حكمتيار السند الرئيسي للافغان المصريين في كابول بينما كان الرئيس الافغاني برهان الدين رباني في زيارة رسمية للقاهرة كان اهم بند على جدول اعمالها بحث عدم استخدام الاراضي الافغانية لتهديد امن مصر وهو ما تضمنه البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة فضلاً عن استكمال مناقشة امكان تسليم ما يقع تحت سيطرة السلطات هناك من الافغان المصريين الى السلطات المصرية.
وعكست وسائل الاعلام المصرية الرسمية هذه الشكوك في معالجتها لمحادثات الترابي في كابول والتي ادرجتها في اطار الاتصالات بين قوى التطرف الاسلامي ولمحت الى انها ربما استهدفت افشال نتائج زيارة رباني لمصر.
ولعل تطورات العلاقات على هذا النحو في الايام الاخيرة تنهي حالة الحيرة التي عاشتها وسائل الاعلام المصرية الرسمية طوال الشهور الاربعة الاخيرة منذ لقاء مبارك - البشير بسبب وقف الحملات الاعلامية عاشت خلالها مرحلة اقرب ما تكون الى تلك الفترة التي عاشتها عقب تولي الرئيس مبارك الحكم عام 1981 واصراره على وقف الحملات الدعائية ضد انظمة عربية.
الى ذلك دب في مثلث حلايب ولأول مرة منذ 4 شهور النشاط من جانب مصر التي استأنفت تنفيذ مشروعات التنمية والتي تتضمن استكمال عمليات توطين 6 آلاف اسرة مصرية اعتمد لتنفيذها 50 مليون جنيه مصري بصفة مبدئية ضمن خطة الدولة الخمسية الثالثة 92 - 1997 وقيد المواطنين في الجداول الانتخابية والتنقيب عن المعادن والبترول وانشاء محميات طبيعية ورصف الطرق الرابطة بين مدن المثلث حلايب وشلاتين وابو رماد وبناء مدارس ووحدات سكنية.
داخل حلايب
وبرغم ان حلايب ستكون مؤثرة في العلاقات المستقبلية بين البلدين الا ان اهل المنطقة لا يدركون انها ربما ستحدد مسار هذه العلاقات فمفاهيم الناس انقى وابعد ما تكون عن افكار السيطرة والسطوة والقتال كون لا مشكلة يمكن ان تعقد حياتهم بسبب نظام اللجوء الى شيوخ القبائل وقبول احكامهم.
والنزاعات الاهلية في المثلث محدودة وتكاد تكون نادرة فمساحة المثلث تستوعب السكان وانشطتهم لذا فلا مجال لنزاعات حادة حول ارض وان وجدت فمجلس العرف قادر على الحل، اما النزاعات فأغلبها يتعلق بالعلاقات المدنية.
وعلى ارض حلايب يتفاعل السكان مع ابناء وطنهم المصريين في مراكز السلطة والادارة المحلية، هذا التفاعل يكشف حياة منظمة ونقلة تدريجية للمثلث من حياة قبلية الى مجتمع مدني تحكمه اطر وقوانين تحترم وتنفذ من الجميع.
ففي الصباح الباكر تجد التلاميذ او العاملين في مشروعات هناك في طريقهم الى مدارس ذات فصل واحد اسستها الادارة المصرية في مشهد لم يظهر على هذا النحو من قبل، والعمالة الدائمة بدأت تحل محل العمالة الموقتة اذ اصبح الالتحاق بعمل في احد مرافق الدولة يجتذب ابناء المثلث.
وبرغم خوف يراود الشيوخ من عدم الاعتماد على الذات، وفقد الاستقلالية من خلال تدبير الاحتياجات بالاعتماد على الادارة والسلع المتوافرة القادمة من القاهرة والبحر الاحمر وقنا، وبرغم ان الاجيال الشابة ترفض هذه المخاوف وتتفهم طبيعة وضرورة التكيف والتغيير والتعامل وفق منطق مجتمع مدني متحضر الا ان الشيوخ والشباب ينظرون الى الامر باعتباره يعكس تصحيح القاهرة لموقفها من المثلث عندما تنازلت عام 1902 للسودان عن الادارة.
مشاريع وتجاوب
وتنسحب هذه النظرة على كل ما تقوم به الادارة المصرية من مشروعات سكنية وخدماتية ويظهر في المنطقة تجاوب مع التحديث فحركة الرفض للاقامة في ابنية خرسانية لن تختفي الا ان معدل التجاوب في تزايد.
وتعاطي ابناء المثلث مع ابناء الوادي المصريين اصبح سمة برغم قصر فترة الوجود المصري المكثف، فمائدة العشاء في منزل اي منهما تضم دائماً من هنا وهناك، وابناء المنطقة من البشارية او العبابدة يفتخرون بأصولهم العربية، برغم آراء شائعة حول اصول فرعونية، كون العرب فضلهم الله بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والقرآن الكريم.
والحياة هنا روتينية ومملة لمن لم يعتادها فلا اماكن ترفيهية كسينما او مسرح او كورنيش او حديقة عامة او ناد رياضي هناك خطة مصرية لانشائه والصمت المطبق يخيم على المكان بدءاً من الغروب وحتى مطلع فجر اليوم التالي لكن الاتصالات الهاتفية بدأت تتيسر مع العاصمة.
ومصادر الدخل الرئيسية لسكان المنطقة تأتي من نشاطات الرعي والزراعة المحدودة وبيع منتجات الماشية والتجارة الى جانب الاجور الثابتة من العمل في المرافق والمشاريع المقامة، ويتوقع ان تتزايد اعداد الملتحقين بالعمل في تلك المشاريع في السنوات القليلة المقبلة ازاء التوسع من جانب مصر فيها، وان تنمو حركة التجارة بعد دخول سلع وبضائع والسماح باستيرادها وبيعها في الاسواق.
والعلاقات بين ممثلي الاجهزة السيادية المصرية في المكان وشيوخ القبائل والبطون علاقات تعاون وثيقة في حل المشكلات الصغيرة والتعرف على القوانين المصرية وتنفيذها، وتبدي هذه الاجهزة خصوصاً عناصر الامن مرونة كبيرة ازاء تعاطي الاهالي مع قوانين جديدة، وارتفاع نسبة الامية ونظراً للسمات الخاصة لاهل المكان خصوصاً الثقة والرجولة والفداء يتم الاعتماد على ابناء الاقليم في حماية الحدود حيث التحق عدد بقوات حرس الحدود المصرية.
وبرغم مواكبة الاهالي لحركة التحديث والتنمية الجارية وايمانهم وتدينهم الا ان هناك بعض مظاهر الاعتقاد في قدرات خاصة لبعض الناس في شفاء المريض والحماية من الشرور حيث تنتشر صناعة الاحجبة والتمائم، هذه المظاهر لا يتوقع احد ان تختفي فهي موجودة - على سبيل المثال - في بعض الاوساط في العاصمة.
والملاحظ ان هناك توجيهات عليا من اجهزة الدولة السيادية والادارية لتسهيل امور حياة الناس وترجيح كفة العرف على كفة القانون في بعض الحالات كما انه من الثابت عدم وجود اي مظهر من مظاهر عدم الارتياح تجاه تنظيم وتقنين شؤون الحياة... ربما يعود ذلك الى ان سمة الانسان المصري "التكيف".
زائر حلايب من الجهة الاخرى يرى الصورة مختلفة خصوصاً اذا اصر على قراءة التفاصيل بعيون سودانية. يستوقفه العلم المصري يرفرف على احدى التلال اضافة الى الاسلاك الشائكة واجراءات الامن وتزايد وجود الادارة المصرية.
وكتب مراسل "الوسط" الوافد من الجهة الاخرى:
نقلتني شاحنة سودانية الى داخل مثلث حلايب، فاعتقلني رجال امن سودانيون كانوا يرافقون القافلة، ووجهوا اليّ تهمة الدخول الى معسكرات للقوات المصرية. اقتادوني في سيارة الى مدينة بورتسودان التي تبعد 350 كيلومتراً عن المنطقة، وفي مقر جهاز الامن السوداني تعرّف اليّ مدير الجهاز الذي كان سمح لي بالعبور الى حلايب، فأمر بالافراج عني.
وهكذا افسدت قوى الامن السودانية مهمتي داخل المثلث بعد رحلة شاقة استغرقت 48 ساعة للوصول الى حلايب.
وفي بورتسودان تحدثت الى نائب قائد منطقة البحر الاحمر، وهو برتبة عميد فقال: "نحن العسكريين لا نتحدث الى الصحافيين، لكنني اؤكد ان قضية حلايب تعني لنا قضية عزة وشرف وكرامة، ولن نفرط بشبر واحد من ارضنا. كلمة احتلال تعني ان تُهزم في ارض المعركة وتؤخذ ارضك بالقوة، ولكن لدينا تعليمات صارمة من مجلس قيادة الثورة تقضي بألا نطلق رصاصة واحدة على اي جندي مصري".
لبنان " قبرص = حلايب
حلايب ترقد على اقصى الحدود الشرقية الشمالية للسودان، على ساحل البحر الاحمر، وأقصى الحدود الجنوبية الشرقية لمصر المطلة على البحر الاحمر. والجزء المتنازع عليه بين البلدين مثلث قاعدته خط العرض 22 ورأسه بئر شلاتين، طول كل من ضلعيه الرقي البحري والغربي الصحراوي 200 كيلومتر. وطول قاعدة المثلث نحو 300 كيلومتر، اما مساحته التي تسيطر عليها الآن القوات المصرية فتبلغ 18.5 الف كيلومتر مربع، اي انها تتجاوز مساحة دول مثل لبنان وقبرص وغامبيا وسوازيلاند وبورتوريكو وجزر الباهاما. وتفوق حلايب مساحات ستة اقطار مجتمعة هي جزر القمر وموريشيوس وهونغ كونغ وبروناي وموناكو وترينيداد، وتناهز مساحتي لبنان وقبرص.
وبالاضافة الى مواد بترولية اكتشفت في منطقة المثلث، هناك ثروات معدنية متنوعة تشمل الذهب والحديد والمانغنيز، وكذلك رخام وحجر جيري وملح. معظم السكان ينتمي الى قبائل البجا، خصوصاً البشاريون الذين تتحدر اصولهم من جنوب حلايب حتى نهر عطبرة ومشارف القاش وستين.
عودة الى خلفيات ازمة المثلث التي تطفو على السطح كلما توترت العلاقات بين مصر والسودان، حتى باتت كأنها "ترمومتر" ما يحدث على خط القاهرة - الخرطوم: تُحشد قوات مصرية على حدود المثلث فيهرع السودان الى مجلس الامن وتتوالى مذكراته.
وفي جولة التصعيد التي سبقت لقاء الرئيسين مبارك والبشير تجاوز رد الفعل السوداني مذكرات الاحتجاج، لتدخل الازمة منعطفاً جديداً. اذ اصدر البشير قراراً ب "سودنة" المدارس الاعدادية والثانوية التابعة للبعثة التعليمية المصرية في بلاده، وعددها نحو 20 في الخرطوم والولايات السودانية، ثم صدر قرار بانشاء "جامعة النيلين" لتحل محل فرع جامعة القاهرة، وقرار ثالث عكس ذروة التصعيد باغلاق قنصليتين مصريتين في الابيض وبورتسودان. وأغلق السودان ايضاً قنصليته في الاسكندرية وأسوان، وقنّن تجارته مع مصر حين اخرج عدداً من السلع الاساسية من البروتوكول الموقع بين الجانبين، ليتحول التعامل بها الى السوق الحرة. اما الحكومة المصرية فأدرجت الطلاب السودانيين في خانة الطلاب الاجانب والزمتهم دفع رسوم الدراسة بالجنيه الاسترليني، وأشاعت تلك الاجراءات والقرارات، فضلاً عن الحملات الاعلامية، اجواء حرب باردة بين البلدين.
مصر كانت دائماً تمتص ردود فعل الانظمة التي تعاقبت على الحكم في السودان، فاحتوى عهد الرئيس جمال عبدالناصر في عقده الاول تداعيات احداث آذار مارس 1954 التي واجهت اللواء محمد نجيب في أول زيارة قام بها للسودان. وامتصت مصر السبعينات بقيادة الرئيس انور السادات الازمة الطارئة بينه وبين نظام جعفر نميري، والتي انتهت بسحب السفراء وكادت تجمد فرع جامعة القاهرة في الخرطوم.
أزمة العَلَم
ومن وجهة النظر السودانية، حشد قوات مصرية داخل حلايب يشبه الاحتلال. وكانت القاهرة طالبت الخرطوم في تشرين الثاني نوفمبر 1991 بانزال العلم السوداني الذي رفع فوق مركز شرطة شلاتين، وحسب الرواية السودانية ايضاً، هاجمت قوة مصرية مقر شرطة ابو رماد في 4 نيسان ابريل 1992 فقتل شرطيان وجرح ثلاثة آخرون، وفي 9 كانون الاول ديسمبر دخلت وحدات مصرية بكامل عتادها الى مثلث حلايب.
والنزاع على حلايب كان الخلاف الاول من نوعه بين الحكومتين المصرية والسودانية في عهد عبدالناصر، حين كان عبدالله خليل يرأس حكومة الاحزاب في الخرطوم. ففي اواخر كانون الثاني يناير 1958 بعثت القاهرة بمذكرة الى الحكومة السودانية ابلغتها ان القانون الذي اصدرته تمهيداً لانتخابات برلمانية اجريت في 27 شباط فبراير 1958، خالف اتفاق 1899 في شأن الحدود المشتركة اذ ادخل منطقة تقع شمال مدينة وادي حلفا واخرى تحيط بحلايب وشلاتين ضمن الدوائر الانتخابية السودانية. وشددت المذكرة على حق مصر في استرجاع تلك المناطق التي يديرها السودان شمال خط العرض 22، فطلبت الخرطوم عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن لمناقشة الوضع على الحدود، خصوصاً بعدما ارسلت اليها تعزيزات مصرية ضخمة. وبررت الحكومة السودانية طلب تدخل المجلس بضرورة "وقف الاعتداء الوشيك"، فدعا مندوبي البلدين للمشاركة في مناقشة المسألة.
عقد الاجتماع في 21 شباط فبراير 1958، وذكر مندوب السودان ان مصر طلبت ضم منطقتين على الحدود كانتا منذ نصف قرن جزءاً من الاراضي السودانية، وطلبت ايضاً ان يشارك سكانهما في استفتاء تصادف موعده مع اجتماع المجلس، وأرسلت اليهما لجان انتخابات. وأشار الى ان السودان كان يعد لاجراء انتخابات في 27 شباط فبراير، مؤكداً استعداد بلاده للبحث في المسألة مباشرة مع مصر بعد عملية الاقتراع.
اما مندوب مصر الذي نفى ارسال تعزيزات الى حلايب، فأعلن ان بلاده قررت تسوية موضوع الحدود بعد الانتخابات السودانية، وشدد على حقها في المنطقة المتنازع عليها مؤكداً ان حكومته لجأت دائماً الى اسلوب التفاهم مع الخرطوم.
شكلت تلك المناسبة الوحيدة منذ عرف النزاع الحدودي بين البلدين فرصة لكل منهما ليبيّن الاسس القانونية التي تستند اليها مطالبته بحق السيادة على حلايب. فالحكومة السودانية تؤكد حقها في ادراج المناطق التي وضعت تحت ادارتها منذ نحو ستين سنة، ضمن دوائرها الانتخابية، في حين تدفع الحكومة المصرية بعدم قانونية هذا المطلب وتصر على استثناء تلك المناطق من الخضوع للنظام الاداري المصري لا ينفي بقاءها ضمن سيادة مصر. ويرد السودان مصراً على ان الاراضي الواقعة شمال خط العرض 22 اصبحت جزءاً من اراضيه حسب التعديلات الادارية والاتفاق المبرم في 19 شباط فبراير 1899 الذي انشأ خط الحدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.