لم يكن فوز السيد طاهر المصري برئاسة مجلس النواب الأردني الجديد مفاجئاً لأحد. ولم تكن هزيمة مرشح الاسلاميين الدكتور عبدالله العكايلة أمام المصري سوى النتيجة الطبيعية لتطورات السياسة الأردنية الداخلية في مرحلتها الحالية. فطاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية الأردني لسنوات طويلة وعضو مجلس النواب ثلاث مرات متتالية اضافة الى كونه من الزعامات التقليدية للضفة الغربية نال اجماع نواب الوسط، وهم غالبية البرلمان الجديد، اضافة الى النواب اليساريين والقوميين المعارضين للاسلاميين على رغم قلتهم. على ان الأكثرية الوسطية في البرلمان الأردني لا تعني انهم فريق واحد، بل ان بينهم من الاختلافات وتقاطع المصالح ما سيؤدي الى انقسام البرلمان حول أكثر من قضية ينتظر ان تطرح أمامه خلال الأسابيع المقبلة. فمن أبرز الوجوه بين نواب الوسط المهندس عبدالهادي المجالي شقيق رئيس الوزراء والأمين العام لحزب "العهد" وسط الذي بات يقود تكتلاً نيابياً من 17 نائباً. ومنها أيضاً السيد عبدالرؤوف الروابدة الأمين العام لحزب "اليقظة" وسط، ويتزعم تكتلاً آخر من 9 أعضاء. اضافة الى ذلك تشكلت جبهة نيابية من 22 نائباً تجمع ديموقراطي وطني تضم مجموعة كبيرة من نواب الوسط المستقلين وقوميين ويساريين، ومن بين اعضائها السيد طاهر المصري. وشكل مستقلون آخرون تكتلاً جديداً من خمسة نواب، اما التكتل الأساسي والأكثر تماسكاً فهو تكتل نواب "جبهة العمل الاسلامي" الاخوان المسلمون ويضم 16 نائباً ويؤيده أربعة نواب آخرين. أما نواب الوسط فلا تجمع بينهم أو بين تكتلاتهم سوى المصلحة، ولذلك اقتضت مصالحهم انتخاب المصري رئيساً لمجلس النواب. - فالمهندس عبدالهادي المجالي دعم المصري خوفاً من مواجهة الحكومة بقيادة شقيقه الدكتور عبدالسلام لمأزق الثقة التي ستطرح بها أمام البرلمان. - وعبدالرؤوف الروابدة قاد تكتله لدعم المصري بشكل مبكر لئلا يظهر أحد من مجموعة المجالي كمرشح لرئاسة المجلس فتصبح الحكومة ومجلس النواب تحت سيطرة مجموعة واحدة. - والمستقلون والديموقراطيون دعموا المصري خشية ان يظهر مرشح للمجالي أو ان تنمو قوة الاسلاميين بشكل مبكر في البرلمان. - والاسلاميون طرحوا مرشحاً بشكل مبكر على أمل الاستفادة من تناقض نواب الوسط. وهكذا وجد السيد طاهر المصري الطريق ممهداً أمامه بسبب حرص الجميع على مصالحهم، ففاز بأغلبية 57 صوتاً مقابل 22 صوتاً نالها الدكتور عبدالله العكايلة، ووجدت ورقة واحدة في صندوق الاقتراع كتبت عليها عبارة: "لا أحد". تركيبة البرلمان الأردني المنتخب هي جزء من التغيير الذي أجري أخيراً في الأردن، ولم تظهر حياله ردود فعل كانت متوقعة لو أجري قبلها بسنتين أو أكثر. فبعيد ظهور نتائج الانتخابات النيابية أصدر الملك حسين مرسوماً بتعيين مجلس الأعيان الشق الثاني للبرلمان من عدد يوازي نصف أعضاء مجلس النواب 40 عضواً. ولوحظ عودة السيد زيد الرفاعي الى واجهة الأحداث حيث عين مع خمسة من مجموعته في المجلس الجديد بعد غيابه عن الواجهة السياسية منذ العام 1989، بعد احداث نيسان ابريل في جنوبالأردن التي تقرر بعدها اجراء اصلاحات سياسية في البلاد واجراء انتخابات عامة. وعودة الرفاعي لم تكن لتواجه بمثل هذا الصمت لو حدثت في عهد مجلس النواب السابق. ويتوقع المراقبون ان يلعب الرفاعي دوراً أكثر فاعلية خلال المرحلة المقبلة، وهو اصبح من المرشحين لتشكيل حكومة تخلف حكومة المجالي ولو بعد حين. الى ذلك عين العاهل الأردني السيد مروان القاسم وزير الخارجية السابق مستشاراً له. وهكذا أصبحت سلطات الحكم في الأردن أكثر ترابطاً وانسجاماً من السنوات الأربع الماضية، استعداداً لمرحلة سياسية متفاعلة متوقعة. وهكذا عاد جميع السياسيين الى الحكم من جديد.