بعد حرب الخليج الثانية واستدعاء فرقاء النزاع العربي - الاسرائيلي الى مدريد ساد الاعتقاد بأن النظام الدولي الجديد فرض مظلته على الشرق الاوسط. وجاءت التطورات لتظهر ان قيادة العالم الجديد لا تنوي التساهل مع العصاة الذين تتسبب سياساتهم في اشعال الحرائق او زعزعة الاستقرار. واذا كانت الخطوات لضمان امن المنطقة وسلامة المنابع والممرات حققت نتائج ملموسة فانه يصعب في الوقت نفسه تجاهل النار التي لا تزال مشتعلة عند التخوم القريبة منذرة بالمزيد. عندما نزلت القوات الاميركية في الصومال في اطار عملية اعادة الأمل خيل للكثيرين ان ساعة ترتيب القرن الافريقي قد حانت. وبدا آنذاك ان العالم الجديد لن يسمح للدول الفقيرة بالذهاب بعيداً في نزاعاتها الانتحارية، خصوصاً حين يثير موقعها مخاوف من اتساع الحريق. وحين حذرت واشنطن قبل ايام من هجمات محتملة لپ"حزب الله" على الوحدات الاميركية والدولية العاملة في الصومال عادت الانظار لتتركز على القرن الافريقي. ماذا يجري في تلك الدول المطلة على الجانب الآخر من البحر الاحمر، اي على الشريان الذي يعبره النفط؟ وماذا يجري ايضاً في بعض الدول المجاورة لها؟ في البداية كان هناك من يتخوف من عجز الصومال وأثيوبيا وأريتريا والسودان وجيبوتي وكينيا وتنزانيا عن اللحاق بركب النظام الدولي الجديد. واليوم هناك من يتخوف من ان يتسبب فخ القرن الافريقي في اظهار عجز النظام الدولي الجديد عن اجتذاب الآخرين الى لغته وعن التفاهم معهم او التعايش. تحمل دول المنطقة في تركيبتها اسباباً كافية لنزاعات لا تنتهي، تبدأ بالفقر والنزاعات القبلية والاثنية وتصل الى غياب المؤسسات الديموقراطية وتنامي نهج التشدد الذي لا يتسع للآخر. لكن اخطر ما حملته تطورات الشهور الاخيرة هو احتمال تحول القرن الافريقي الى خط تماس بين فقراء المنطقة والقيادة الاميركية للعالم الجديد، وبين اصوليي القرن الافريقي والغرب، واذا اضفنا الى ذلك ما يعيشه الجار اليمني من متاعب تكتمل صورة قوس الازمات. "الوسط" تسلط الضوء على ما تعيشه منطقة القرن الافريقي التي تنزلق نحو التحول الى نموذج لتعثر سلام الداخل والخارج.