وصلت موجة المطالبين بالانفصال والساعين الى الاستقلال اخيراً الى تانزانيا التي تشكلت قبل 29 عاماً من اندماج زنجبار وتنجانيقا. والمطالبون بالانفصال في هذه الدولة هم الزنجباريون وغالبيتهم تتحدر من اصول عربية. وتعتمد تانزانيا، شأنها شأن الكثير من الدول الافريقية التي ركبت اخيراً موجة الديموقراطية، نظاماً ديموقراطياً يرتكز على التعددية الحزبية. وسجلت رسمياً حتى الآن ستة احزاب، وإن لم يبرز منها بعد ما يشكل تحدياً حقيقياً لپ"حزب الثورة" الحاكم تشاما تشامابي ندوزي. ومن المقرر اجراء اول انتخابات تعددية منذ 22 عاماً في البلاد السنة المقبلة. ويذكر ان حكومة الولاياتالمتحدة، في عهد الرئيس السابق ليندون جونسون عام 1964، اعربت عن قلقها ازاء الاحداث التي تلت اطاحة حكومة حزب الوطن التي كان يترأسها محمد شمتي. وكان جونسون يرى في جزيرة زنجبار "كوبا افريقية". ورغبة في كبح نفوذ العناصر الماركسية في الحكومة الثورية للجزيرة، حضت الحكومة الاميركية الرئيس التنجانيقي جوليوس نيريري وكان وقتها متعاطفاً مع الغرب على الاسراع بطيّ زنجبار تحت جناحه. وفي نيسان ابريل عام 1964 التقى نيريري في مطار زنجبار مع رئيس عبيد كرومي الذي كان يمثل الجناح المحافظ في المجلس الثوري للجزيرة، وأعلنا توحيد بلديهما. ومنذ ذلك الوقت وشرعية الاندماج لا تزال موضع جدل سياسي كبير. اما كرومي نفسه، الذي لم يكن يحظى بشعبية بين الزنجباريين بسبب ديكتاتوريته وسياساته التعسفية، ومنها اجبار الفتيات العربيات والايرانيات على الزواج من اصدقائه الأفارقة، فقد اغتيل عام 1972. وتعيش تانزانيا في ظل ادارتين، احداهما حكومة الاتحاد والثانية حكومة زنجبار التي تتمتع بقدر وافر من الاستقلال الذاتي. ومنذ اقامة اتحاد تانزانيا لم تكف الطبقة المتوسطة في زنجبار عن المطالبة بالانفصال، وهي في هذا تشير الى الكثير من مظاهر التدخل في شؤون الجزيرة. وبرز هذا المسعى الانفصالي اخيراً، في ظل ازمة دستورية نشأت عن تفاوض زنجبار سراً على الانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامي. وأجبر برلمان الاتحاد زنجبار على سحب طلبها. وعلى اثر هذه الازمة بدأ عدد من السياسيين ذوي النفوذ في البرّ التانزاني بحملة مكثفة، لا للضغط على زنجبار لحملها على التكامل اكثر وأكثر في المسار الرئيسي للسياسة التانزانية، وانما لفك الاتحاد. ومن الخطوات التي قد تتخذ على طريق تحقيق هذا الهدف، تغيير دستور البلاد، كي تصبح لتانزانيا ثلاث حكومات هي حكومة الاتحاد وحكومة تنجانيقا وحكومة زنجبار. وبذلك تكون العناصر الناهضة للاتحاد في زنجبار وجدت شركاء لها في الرأي فوق البر التانزاني نفسه. اما الرئيس التانزاني المتقاعد جوليوس نيريري الذي يعتبر نفسه راعي الاندماج التانزاني، فلا يزال يمارس نفوذاً سياسياً هائلاً، وهو مصمم بمنتهى العناد على معارضة اي تغيير في الدستور، يكون من شأنه اضعاف الاتحاد. وقال بلهجة تحذير: "اذا كان الرأي يميل الى قبول فكرة تشكيل حكومة منفصلة في تنجانيقا، فاني اتوقع لرئيس الاتحاد ان يقصى عن الحكم، مثلما حدث لميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي. ولكني اتساءل اين هو بوريس يلتسن التانزاني الذي يستطيع قيادة حكومة تنجانيقا". والاشارة الى الاتحاد السوفياتي هنا ليست من قبيل المقارنة العارضة. فمثلما كان نيريري منزعجاً قبل 29 سنة من احتمال غلبة الاتجاه الشيوعي على زنجبار، نجده الآن قلقاً ومعه بعض القادة الغربيين من احتمال تحول الجزيرة الى اعتناق التيار "الاصولي الاسلامي". وكما كان نيريري يعتقد آنذاك بنظرية "الدومينو" الاميركية التي تقول بانهيار الدول تباعاً بمجرد ان تعتنق احداها الشيوعية، فهو الآن يرى الخطر في الاصولية. ولا شك في ان نيريري كان يدرك تماماً ان البر التانزاني يعمه تيار متزايد يقوده بعض القادة المسلمين، للمطالبة بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المسيحيون في البلاد. وتفيد التقديرات أن تعداد تانزانيا يصل الى 26 مليون نسمة، بينهم 50 في المئة مسلمون و33 في المئة مسيحيون، في حين لا يدين الباقون بأي من الأديان السماوية. تهميش المسلمين ولعل الشكوى الأساسية ضد الحكومة الحالية والحكومات السابقة، هي انها عزلت المسلمين من اهل البلاد الى هوامش الحياة العامة. وأبرز مثال على ذلك هو التعليم حيث يشكل المسيحيون 78 في المئة من جميع طلاب المدارس والجامعات. وكان الافتقار الى التعليم في اوساط المسلمين مدعاة الى ابعادهم الى وظائف وضيعة، كسائقين او سعاة. وبين اعضاء مجلس الوزراء الحالي الذي يتألف من 24 وزيراً، لا يتجاوز عدد الوزراء المسلمين ثمانية. وفي اجهزة الادارة الاقليمية ذات الاهمية الكبرى لا يزيد عدد رؤساء الادارات المسلمين على ثمانية، من اصل مئة وثلاثة عشر مديراً. اما جون ماليكيلا رئيس الوزراء التانزاني فقد وصف الناشطين المسلمين بأنهم حمقى وأغبياء، وبأنهم عقدوا العزم على تعكير صفو الوئام الطويل الأمد والانسجام الأصيل بين كل اصحاب الديانات. وأعرب عن اعتقاده بعدم وجود اي توتر ديني في تانزانيا. لكن السلطات التانزانية اعتقلت في ايار مايو الماضي نحو اربعين من قادة المسلمين، منهم عدد من ائمة المساجد، للاشتباه بأنهم "يمزجون السياسة بالدين". وقد اطلق بعضهم، في حين يواجه آخرون تهماً باثارة الفتنة وتعكير الأمن. وبذا يصبح الدين للمرة الاولى احدى القضايا الكبرى في معترك السياسة التانزانية. وبدأ هذا العامل الديني يشكل ركيزة لدعاة انفصال زنجبار عن تنجانيقا. ويخشى تطور هذا العامل الى حرب انفصال طائفية. تانزانيا المساحة: 945.087 كيلومتراً مربعاً. عدد السكان: 26.4 مليون نسمة. العاصمة: دودوما. الحدود: تحيط بها أوغندا وكينيا وزائير وزامبيا ومالاوي وموزامبيق تاريخ الاستقلال: 9 كانون الأول ديسمبر 1961. الحكم: جمهوري يرأسه علي حسن موينيي. اللغة: السواحلية لغة رسمية، والانكليزية و120 لغة افريقية.