كان تيري شاند رئيس جمعية تطلق على نفسها اسم "جمعية شرطة فلسطين" التي تضم عناصر سابقة من رجال الشرطة والجيش البريطانيين الذين خدموا في فلسطين على مدى 28 عاماً، هي عمر الانتداب البريطاني فيها، في مكتبه حين رن جرس الهاتف قبل عامين. وقال الهاتف الطارئ: "أنا آري اسهجي القنصل الاسرائيلي في باريس، وأزور لندن حالياً وأرغب في لقائك". وألح تيري عبثاً سؤاله عن الهدف من اللقاء، فأصر القنصل على ترك ذلك الى اللقاء الذي حدد موعده. في احد مقاهي لندن القريبة من محطة فيكتوريا للقطارات، طلب اسهجي، الذي كان يتابع البحث عن تفاصيل عملية تفجير محطة السكك الحديد في القدس عام 1946 والتي ادت الى اعدام احد اعضاء منظمة "آرغون" اليهودية ويدعى مائير فينتسيان واصدار حكم المؤبد على رفيق له يدعى ازويلا، المزيد من المعلومات عن الحادث بعدما عرض على شاند صورة له مع شرطي اخر اثناء وجودهما في منطقة الحادث لحظة بدء الشرطة البريطانية باطلاق النار على عناصر "ارغون" التي كانت تهاجم المحطة. فوجئ الشرطي البريطاني المتقاعد لدى رؤيته صورته كبيرة... لكنه فوجئ اكثر حين قال له القنصل الاسرائيلي انه كان احد افراد المجموعة التي كانت تشارك في الهجوم، وان ما يريد معرفته هو "من أفشى المعلومات للادارة البريطانية عن عزم الارغون على القيام بعملية التفجير"، والتعرف الى اسمي رجلي الشرطة اللذين تنبها الى الامر وفتحا النار على المهاجمين. وما لم يقله شاند، الذي يدير حالياً داراً للنشر وطباعة الكتب، الى محدثه ان من يبحث عنه جالس امامه، وانه والشرطي الذي كان يرافقه في الدورية اطلقا النار على العصابة بعدما تنبه صبي الى وجود متفجرة وراح يصرخ، فبادر الشرطيان باطلاق النار واصابا شخصين اعتقلا وهما يحاولان الفرار في سيارة كانت في انتظارهما قبل القبض عليهما، فيما نجح بقية افراد العصابة في الهرب. ويعترف شاند في قرارة نفسه بأنه لم يكن يعرف لحظة اطلاق النار ان "ازويلا" احد المعتقلين وهو يهودي من اصل يمني ابلغ الشرطة بالعملية قبل وقوعها، الامر الذي اراد القنصل الاسرائيلي التأكد منه بعدما صدر حكم المأبد عليه تغطية لدوره، في حين حكم على رفيقه الآخر بالاعدام. مثل هذه الواقعة وغيرها من الاحداث التي سبقت قيام دولة اسرائيل، لم يكن شاند، الشرطي الشاب ورفاقه يعرفون انهم سيواجهونها عندما تطوعوا للخدمة في ما كان يسمى "شرطة فلسطين" بعد بضعة اشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعلى رغم مرور اكثر من 44 عاماً على حل هذه "الشرطة" وعودة عدد من عناصرها الى بريطانيا وانتشار اخرين في عواصم المستعمرات البريطانية السابقة، فان "جمعية شرطة فلسطين" تواصل نشاطها، فتعقد اجتماعات دورية وتنظم حفلات ورحلات الى فلسطين لاعضائها البالغ عددهم حالياً 1400 خدموا في "الشرطة الفلسطينية" بين 1920 - 1948. من ليفربول الى جنين ويقول شاند رئيس الجمعية ل "الوسط" ان رحلات دورية الى الاراضي المحتلة تنظم لاعضاء الجمعية فيتفقدون المواقع التي خدموا فيها مثل مراكز الشرطة ومعكسرات التدريب اضافة الى زيارة الاماكن المقدسة. ويصف تجربته في فلسطين بأنها كانت مثيرة، وبدأت عندما زار وحدته العسكرية اثناء خدمته في مدينة ليفربول، احد قادة الشرطة البريطانية في فلسطين من اجل اختيار عناصر للخدمة هناك في العام 1944... "وكان الضابط يدعى كابازاتا ومركز قيادته في حيفا. وأول ما بهرني وشجعني مع زميل لي على الالتحاق بالخدمة هناك الزي العسكري الانيق الذي كان يرتديه هذا الضابط. وتزامن قبولي مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وأبحرنا الى فلسطين عن طريق مصر، وكانت جنين أول محطة لي في فلسطين. واستغرقت رحلتنا البحرية عشرة ايام، وكان عددنا 40 شخصاً في الباخرة. وكانت اقامتنا في بلدة جنين لثلاثة اشهر بمثابة دورة تدريبية على طبيعة الاعمال الواجب تأديتها. وكانت اول تجربة لي هناك، المشاركة في دروية حاولت القبض على لص شهير يدعى عبدالهادي، وقد عجز افراد الشرطة عن اعتقاله، وكنا كلما توجهنا لمحاصرة القرية التي كان يقيم فيها ينجح في الهرب او الاختفاء بفضل نباح الكلاب التي كانت تنذره بوصولنا". المعاملة بالتساوي متى كانت أول مرة سمعت فيها عن صراع بين العرب واليهود، وهل اخبرت قبل التحاقك بالخدمة عن ذلك؟ - أخبرنا الضابط الذي استجوبنا في ليفربول بأن مهمتنا خطرة، وأذكر انه قال لي "قد يطعنك احد الفلسطينيين بسكين من الخلف". وكانت هجمات كثيرة في تلك الاثناء تستهدف خطوط السكك الحديدية. ومع ذلك لم يترك حديث الضابط اي تأثير في قرارنا. ولدى وصولنا الى جنين اخبرنا بالمزيد عما يجري، وكانت التعليمات لنا ان نعامل العرب واليهود بالتساوي. ووافق جميع الشبان على ذلك. ومن جنين انتقلنا الى بلدة شفاعمرو حيث كان مركز الشرطة يقع على تلة. كان عدد العناصر العاملة فيه يومها حوالي المئتين. وكانت مهمتنا القيام بدوريات تصل حتى منطقة حيفا حيث كنا نعترض سفن الهجرة غير القانونية التي تحمل اللاجئين اليهود من مخيمات اوروبا ونفتشها. وهذه الاعداد الكبيرة من اليهود كانت تصل الى فلسطين بحجة ان الحرب في اوروبا لم تنته بعد. الوكالة انشط من الهيئة هل كانت هناك تعليمات واضحة للشرطة بالتغاضي عن وصول المهاجرين اليهود الى فلسطين؟ - عند وصول السفن المحملة بالمهاجرين، كانت دورياتنا البحرية تحاصر السفن في البحر وتفتشها وكثيراً ما كنا نعيدها الى قبرص حيث كانت هناك مخيمات خاصة بالمهاجرين تعمل على استيعابهم قبل اعادتهم ثانية الى فلسطين. وكان الهدف من ذلك استصدار اذونات لهم تسمح بدخولهم فلسطين قانونياً واخضاعهم لفحوصات طبية بعد الفترة التي امضوها في مخيمات النازين في اوروبا للحؤول دون انتشار الامراض. لقد فجرت العصابات اليهودية محطة الرادار في حيفا 1946 من اجل منع القوات البريطانية من اكتشاف السفن المحملة بالمهاجرين والتي كانت ترسو في مناطق مختلفة على الشاطئ، وبعد تفجير محطة رادار جيفات اوجا. حاولنا تعقب الارهابيين اليهود الذين نفذوا عمليات التفجير بمساعدة الكلاب البوليسية، لكنهم نجحوا في الاختفاء داخل منطقة الخضيرة على رغم محاصرة 200 شرطي وضابط لها، وأبلغنا المختار اننا سنجري عملية تفتيش دقيقة، فكان رفض المختار واصرار الشرطة على القيام بالمهمة، عاملاً ساعد الجناة على الاختفاء بعد 24 ساعة من محاصرة البلدة. واعتقلنا المختار لأنه فشل في تزويدنا المعلومات عن مكان وجودهم. وكانت الوكالة اليهودية اقوى وانشط من الهيئة العربية التي كان يرأسها الحاج امين الحسيني، لأن الوكالة صاحبة نفوذ فعال في الدوائر السياسية البريطانية وغيرها. تدريبات ... وتدريبات هل كان المهاجرون اليهود يحتلون لدى وصولهم منازل السكان العرب؟ - كانوا يذهبون للعيش في المناطق القريبة من حيفا والقرى المجاورة، وكثيراً ما كانت دورياتنا التي تجوب المناطق تلتقي جماعات "الهاغانا" و"شتيرن" التي كانت تتدرب ليلاً على استعمال السلاح في الحقول، ولم نكن نتخذ اي اجراء ضدهم لأننا كنا نعرف في المقابل ان السكان العرب يقومون بأعمال مماثلة، وان لم تكن بالتنظيم والحجم اياهما. وكان العرب يستقبلون المتطوعين من دول عربية مجاورة. وشاركت ذات مرة في عملية تفتيش عن الاسلحة في منطقة ياكوع القريبة من حيفا، وكانت مكتظة بالمهاجرين اليهود، وبعد تطويقها ثلاثة ايام وتفتيشها تفتيشاً دقيقاً، نجحنا بناء على المعلومات المتوافرة في مصادرة اسلحة ومتفجرات وقنابل من مخازن تحت الارض، عملنا ثلاثة ايام لنقلها. وأطلق قادة الهاغانا على ذلك اليوم الذي صادرنا فيه السلاح يوم الجمعة الأسود. ومن أين أتوا بالسلاح؟ - كانوا يستوردون السلاح من تشيكوسلوفاكيا في اوقات كثيرة، وكثيراً ما كانوا يسرقونه من مستودعات الشرطة البريطانية او يهربونه من دول اخرى. في المقابل كان سلاح العرب من مخلفات الاتراك. تغاضٍ بريطاني ... ومساعدة وماذا عن تغاضي المسؤولين البريطانيين عن تهريب السلاح الى اليهود؟ - حصل مثل هذا التغاضي، وفي بعض الاحيان كان هناك من يتعمد ذلك. في المقابل كان هناك بريطانيون معاطفون مع اليهود، وساعدوهم في عمليات التدريب، ومن بين هؤلاء الجنرال وين حيث الذي بدأ بتدريبهم بين 1936 و1938. واشتهر جيت لاحقاً بنشاطه في بورما. وأقامت حكومة اسرائيل، بعد اعلانها عام 1948، مركزاً ثقافياً باسمه قرب بلدة ناتانيا تقديراً له على مساعدته ابناء المستوطنات التدرب من أجل الدفاع عن انفسهم من الهجمات التي كانوا يتعرضون لها على ايدي العرب الغاضبين. هل كان جيث تابعاً للجيش البريطاني حينها؟ - نعم كان ضابطاً. هل شعرت بقوة الوكالة اليهودية وتأثيرها اثناء خدمتك؟ - كلما طالت اقامتي هناك اطلعت اكثر على تأثير الوكالة اليهودية ونفوذ قادتها الذين ما لبثوا ان تبوأوا اعلى المناصب بعد اعلان دولة اسرائيل، ومن بين هؤلاء ديفيد بن غوريون وغولدا مائير وموشي شيرتوك وآخرون. لقد كان معظم قادة الوكالة يوحون للآخرين بأنهم اصحاب آراء معتدلة، ومع ذلك كانت توجهاتهم صهيونية ويعملون على تنفيذها بما يخدم مصلحة الشعب اليهودي وان كانت هذه الخدمة على حساب شعب آخر. وفي المقابل كان لدى الكثيرين مثلي في الشرطة الانطباع بأن الحاج امين الحسيني يدعم النازيين والألمان، ومثل هذا لم يكن ليشجع التعاطف مع سياسته وبالتالي مع الفلسطينيين. ولا اخفي ان قادة الشرطة البريطانيين لم يشعروا بوجود قائد عربي بالمعني الحقيقي للقائد الا حين برز عبدالقادر الحسيني والد فيصل الحسيني. كانت الحكومة في بريطانيا في النصف الثاني من الاربعينات حكومة عمالية، وكان نشاطها السياسي يتم تحت تأثير اللوبي اليهودي، على رغم حملاته على أرنست بيغن وزير الخارجية وكرتيس جونز وزير المستعمرات. وكانت الوكالة اليهودية تتهم الحكومة العمالية بأنها مويدة للعرب الذين كانوا يتهمون البريطانيين بالعكس. اعتقلنا بن غوريون ومائير هل التقيت بشخصيات يهودية بارزة مثل بن غوريون ومائير وغيرهما من القيادات آنذاك؟ - نعم التقيتهم جميعاً، وكانت المناسبة ان اعتقلناهم وقدناهم الى معسكر اللطرون. وكان بين هؤلاء موشي شيرتوك وديفيد بن غوريون وغولدا مائير وكل اعضاء الوكالة اليهودية الذين كانوا معروفين لدينا في فلسطين. ومتى تم ذلك؟ عندما اعتقلت عصابة "الارغون" اثنين من افراد الجيش البريطاني وشنقتهما في بلدة الخضيرة بعدما فقدنا الاتصال بهما ولم نعرف مكان وجودهما. ولكن بعدما حاصرنا البلدة عثرنا على الجثتين. كيف أطلق القادة اليهود؟ - جاءتنا اوامر من لندن عبر مسؤول الادارة البريطانية في فلسطين الجنرال كننغهام بعد ستة اسابيع من سجنهم. هل كانت مسؤوليتهم واضحة في عملية القتل؟ - لم يكونوا مسؤولين مباشرة عن العمل، لكنهم كانوا يؤيدون استعمال كل وسيلة لاجبار السلطات البريطانية على الانسحاب من فلسطين. وهل شاركت شخصياً في عملية الاعتقال؟ - نعم وكان السير ريتشارد كاتلينن مسؤولاً عني. ماذا تتذكر من ذلك؟ - احتج بن غوريون ومائير على اعتقالهما وقالا انهما بريئان من عملية الاغتيال. ما الذي أثار حفيظة عصابة "ارغون"؟ - هاجم افرادها مركزاً للشرطة عام 1946، وخلال هذا الهجوم حاولوا سرقة اسلحة من المركز، فأصيب احدهم بعيار ناري واعتقل على الاثر في احد الحقول المجاورة، وبعد علاجه قدم الى المحاكمة وحكم عليه بالاعدام. وأكر الحكم الجنرال باركر قبل تنفيذه في سجن عكا. وهددت عصابة الارغون القوات البريطانية بقتل اثنين اذا نفذ الحكم وهذا ما حصل عندما خطف الجنديان عام 1947 وكانا في زيارة لمستوطنة خضيرة. وأثار هذا العمل الاجرامي سخط البريطانيين العاملين في فلسطين وكل بريطانيا ضد الارهاب اليهودي. واليوم يوجد قبران للجنديين في مدينة الرملة الفلسطينية، وزرت ضريحهما قبل حوالي شهرين. هل التقيت اسحق شامير؟ - كان شامير معتقلاً في كينيا قبل ان يلجأ الى فرنسا وبلجيكا للقيام بعمليات ارهابية ضد اهداف بريطانية. بيغن والاتجاه الواحد ومناحيم بيغن؟ - لم يلتقه اي منا لأنه كان يتنكر دائماً بزي حاخام، في حين كنا نفتش عن رجل يلبس نظارات طبية ويتطلع في اتجاه واحد وأوشكنا مرة على اعتقاله عندما عرفنا مكان وجوده في احدى مناطق تل ابيب، اذ توجهت فرقة 300 عنصر وطوقت المكان، وبعدما بدأ رجال الشرطة بالتدقيق في هويات السكان اليهود نجح بيغن في الفرار من قبضتهم بعد ان اوهمهم بأنه رجل دين يهودي. وكان ذلك عام 1947. لماذا حوصر؟ - كنا في مهمة تفتيش بحثاً عن مطلوبين في حادث تفجير فندق الملك داود. واثر مقتل ستة مظليين. لماذا اعتقل شامير؟ - لعضويته في عصابة "شيترن". كم كانت المدة التي امضاها في كينيا؟ - حوالي عام بعدما اوقف بموجب قانون يسمى "ب - 18" لأسباب امنية. ومثل هذا يعني ان لا حاجة الى البحث عن اسباب لادانته او تحديد مدة الاعتقال. ماذا تتذكر عن تفجير فندق الملك داود؟ - اتذكر كل شيء حصل ذلك اليوم. لقد كان يوماً حزيناً. كانت الجريمة من فعل عصابة "الارغون". لقد حذرونا من ان الفندق هدف محتمل لهجوم ستشنه الارغون كونه مركزاً رئيسياً للادارة البريطانية، الا ان الاجراءات التي اتخذناها لم تكن كافية. وما علمته ان العصابة ابلغت السفارة الفرنسية المجاورة للفندق انها ستفجر. وطلبت اخلاء الموظفين. ولم تصل الرسالة وعند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر ذلك اليوم وقع الانفجار الذي قتل فيه 79 شخصاً. في تلك اللحظة كنت موجوداً في "الجيرمان كولني" في القدس فهرعت الى المكان وساهمت في عمليات الانقاذ. وكانت مهمتنا صعبة في تلك الظروف، اذ كان علينا ان نقوم بمهمات رجل الشرطة العادية من ملاحقة مخالفي القانون واللصوص وغير ذلك الى التصدي لأعمال العنف والارهاب او منع الناس من بيع الدخان من دون ترخيص. كم كان يبلغ عدد افراد الشرطة يومها؟ - 4000 عنصر، في حين كان عدد سكان فلسطين مليوناً ونصف مليون بينهم 160 الف يهودي. وكانت بريطانيا منهكة بسبب الحرب العالمية الثانية، ومعظم الجنود الذين شاركوا في الحرب كانوا بعيدين عن اهلهم ويودون العودة الى بلدهم، خصوصا ان معظمهم كان في المانيا وانتقل الى فلسطين وبعض زملائي كان يتساءل: لقد ساعدنا اليهود على ترك مخيمات التعذيب في اوروبا، فلماذا يهاجموننا في فلسطين؟ هل عدت الى فلسطين بعد 1948؟ - بعدما نفذ اسحق شامير والبروفسور فريكل عملية قتل الكونت برنادوت، الوسيط الدولي وممثل الامين العام للأمم المتحدة، عين الدكتور رالف بانش خليفة له، وطلب مني ان اكون مرافقاً له فعدت الى فلسطين عام 1949، الا انه لم يسمح لي بالاقامة اكثر من بضعة اسابيع، لأنني كنت اعتبر مسؤولاً عن القبض على ارهابيين يهود ومقتل احدهم. وتلقيت تهديدات من جماعة "الارغون" بعدما عرفوا انني كنت وراء احباط الكثير من عملياتهم ولا سيما منها عملية تفجير محطة السكك الحديد. وقد حاولوا قتلي. وطلب وزير الشرطة الاسرائيلية من الاممالمتحدة ابعادي عن البلاد لأنني قد اكون سبباً في مقتل الوسيط الدولي الذي حل محل الكونت برنادوت، ذلك ان وجودي الى جانبه يعرضه للخطر. شامير والجيش الجمهوري ماذا تعرف عن العمليات التي نفذها شامير ضد اهداف بريطانية في بريطانيا؟ - لقد كان مسؤولاً عن القيام بهجمات ارهابية مشابهة لتلك التي يقوم بها حالياً الجيش الجمهوري الايرلندي. لقد ارسلت جماعته طروداً ملغومة الى مجلس العموم وحاولت قتل وزير الخارجية انطوني ايدن برسالة ملغومة، وقتلت شقيق احد زملائي الذين خدموا في الشرطة في فلسطين في منزله في مدينة كامبردج. كان رجال الجماعة يعتبرون الجنرال روي فارون، وهو شقيق الضحية روبرت فارون، مسؤولاً عن مقتل ارهابي يهودي يدعى داروفيتش بعد اعتقاله اثناء وجوده في سينما اوريدت في القدس. ويبدو ان فارون ضرب داروفيتش على رأسه ما أدى الى وفاته فوراً. وسر معرفة "ارغون" بفارون ان قبعته وقعت في مكان الحادث وكان مكتوباً عليها اسمه "ار.ايه. فارون"، فاتهم اليهود الذين تقدموا بدعوى ضد الحكومة البريطانية فارون بالمسؤولية عن قتله، فهرب الى سورية. وهناك عاش لفترة مع رجاله الذين شاركوا في العملية من قسم الوحدات الخاصة. ولكن بعد اقناعه بوجوب العودة الى القدس للمحاكمة، حضر لأيام الا انه فر من السجن الى احدى القرى العربية بعدما احتج على سجن عناصره الذين كانوا يؤدون مهمة رسمية، وخلال وجوده في القرية اقنعه الجنرال فيرغسون بأن يمثل امام محكمة على ظهر سفينة، ليصدر الحكم فتغادر السفينة وهو على متنها عائداً الى بريطانيا وهذا ما حدث. وبعد عودته الى منزله في كامبردج ارسلت الارغون تهديداً اليه، الحقته بعد شهر بطرد ملغوم ارسل باسم "ار. فارون"، وكان لروبرت شقيق يدعى ركس، فاعتقد ان الطرد له ففتحه فانفجر به وقتله. وقد غادر روبرت بريطانيا على الاثر الى جنوب افريقيا ومن هناك الى كندا حيث يعمل حالياً في الصحافة ويرأس تحرير جريدة تدعى "كاليبري". حاولنا توقيف بيغن وشامير هل حاولتم كجمعية الضغط على حكومة بلادكم لتقديم اشخاص مثل شامير وبيغن الى القضاء؟ - نعم، قبل سنوات زار مناحيم بيغن بريطانيا وكان رئيساً للوزراء وكان مقرراً ان يلقي كلمة في مهرجان اقيم له في فندق كمبرلند وسط لندن، فصدرت مذكرة بتوقيفه ومنع من القاء كلمته. اما عدم اعتقاله فمرده انه كان يحمل جواز سفر ديبلوماسياً يعطيه الحصانة الديبلوماسية. وحصل الشيء نفسه مع اسحق شامير رئيس الوزراء قبل عامين، اذ عندما حضر الى لندن تقدمت بدعوى امام محكمة بو في وسط لندن لاستصدار مذكرة التوقيف، كما انه كان يحمل جواز سفر ديبلوماسياً. ويليام الضرير المقعد وتقول سيدة بريطانية تدعى غلاديس كولز ذهبت الى فلسطين في العام 1931 مع مسؤول بريطاني يدعى ايان كتشنر للاشراف على تربية ابنائه بعدما ارسلته الى هناك وزارة المستعمرات البريطانية بهدف الاشراف على تسوية الحدود، انها عاشت هناك بضعة اشهر في الفترة الواقعة بين شهر تشرين الاول اكتوبر 1931 ونيسان ابريل 1932، ثم عادت الى بريطانيا بعد اغلاق القسم الذي كان يعمل فيه كتشنر في لندن. وعادت غلاديس الى فلسطين ثانية عام 1933 بعدما تزوجت من شرطي يدعى ويليام كولز وعاشت هناك حتى 15 ايار مايو 1948. وكان زوج غلاديس يعمل سائقاً لنائب الحاكم العام في فلسطين روي سبايسا. وعاشا معاً في مدينة القدس بعدما استأجرا منزلاً يعود الى احد افراد عائلة خوري المقدسية. بعد ذلك انتقل ويليام للعمل سائقاً للحاكم العام لفلسطين السير آرير ولكب. وروى ويليام الذي يعيش حالياً في بلدة ويكنهام في مقاطعة سري، انه عمل سنوات في دائرة المرور قبل ان ينتقل عام 1944 للعمل في مركز شرطة حادار كرمل القريبة من وادي النسناس في منطقة حيفا، حيث تعرض لحادث اقعده وأفقده بصره. وشرح تفاصيل الحادث، قال: "اتصلت سيدة تتحدث الانكليزية بطلاقة بمركز الشرطة في اليوم الأول من نيسان عام 1944 لتقول انها من سكان منطقة ايفئيل قرب حيفا، وقد هاجم منزلها ارهابيان وتعرضا لها وكبلاها، فهرعت برفقة عريف يهودي في الشرطة لنجدتها، واذا بالرصاص ينهمر علينا من المنطقة التي حددتها، فقتل العريف وأصبت انا. واستمر علاجي في القدس حتى 1946، وسافرت بعدها في اجازة الى بريطانيا، وبعد انتهاء علاجي عدنا الى القدس في نهاية تشرين الاول 1947. وتعرض المنزل الذي كنا نسكنه لعملية تفجير دمرت شباكه وبعضاً من محتوياته، ومع ذلك اقمنا هناك حتى منتصف ايار 1948". وعن قصة التحاقه بالخدمة في فلسطين قال ويليام انه بدأ العمل في سلاح الجو البريطاني عام 1929، "ولعدم وجود ما يمكن القيام به تشجعت للخدمة في القدس بعدما قرأت اعلاناً في احدى الصحف المحلية، فقدمت طلباً وأرسلت الى القدس في كانون الثاني يناير 1930 بعد رحلة بحرية استغرقت ثلاثة اسابيع. كانت الحياة رائعة، واستمرت الى ان بدأ تدفق المهاجرين اليهود وبدأت الاوضاع تزداد تعقيداً خصوصاً ان العرب كانواً يلوموننا للسماح لليهود بدخول البلاد، وراحوا يهاجموننا". لقاء الحاج أمين ويتذكر ويليام اليوم انه التقى الحاج امين الحسيني، عندما زار مكتب الحاكم العام السير ولكر قبل ان يغادر فلسطين الى المانيا. اما عن عبدالقادر الحسيني، فقال: "كنت اقرأ عنه ما تكتبه الصحف وما يتناقله رجال الشرطة من اخبار عن شجاعته وقيادته المقاومة ضد المنظمات اليهودية". وأشار الى ما كان الشعب الفلسطيني يكنه لهذا الرجل مذكراً بما سمعه عن الجنازة الضخمة اثناء تشييعه بعد استشهاده وقالت غلاديس كولز انها ذهبت العام الماضي في زيارة الى فلسطين وتفقدت كل المناطق التي عاشت فيها منذ ان كانت في الحادية والعشرين. وأضافت: "كنا ننام في عكا بعد تناول العشاء في الخليل او اي مدينة فلسطينية، كانت الحياة جميلة زرت المنطقة التي اصيب فيها زوجي خلال رحلتي هذه، والمفاجأة ان احد سكانها من المتقدمين في السن قال لي انه كان واحداً من افراد المجموعة التي شاركت في الهجوم على زوجي. ان سكان منطقة يافئيل من المعمرين لا يزالون يذكرون تلك الحادثة". وروى روبرت برتغل وهو ضابط شرطة اخر خدم في قسم مكافحة الجرائم لمدة تسعة اشهر في العام 1946 قبل ان يفقد بصره في عملية تفجير مركز قيادة الشرطة في حيفا في التاسع والعشرين من شهر ايلول سبتمبر 1947، انه كان يدرس الطب في جامعة لندن حين ذهب لاداء خدمته العسكرية لمدة سنتين. ولا يجرؤ على الحديث عن تجربته لأنه لا يريد ان يتذكر ما حدث له بعدما امضى اياماً جميلة في جنين وشفاعمرو والقدس. وتقول زوجته انه الى جانب فقدانه بصره يعاني من مشاكل في السمع. ويتذكر روبرت ان زملاءه وضعوه بين جثث الاموات لمدة يومين قبل ان يكتشفوا انه لا يزال حياً. وهو يحمل في داخله كما قالت زوجته "الكثير من الحقد على العصابات الصهيونية لممارستها الارهاب". وتضيف انه لا يريد السفر الى هناك الآن لأنه لا يريد ان يمحي من خياله الصورة التي عرفها عن فلسطين قبل الاحتلال.