رئيس لبنان يطالب رئيس حكومة تصريف الأعمال بالاستمرار لحين تشكيل حكومة جديدة    مادورو يصف تنصيبه بأنه «انتصار» للديموقراطية    اتحاد القدم يختتم المرحلة الثانية من دورة الرخصة التدريبية الآسيوية "B"    جياد ميدان الدمام تتألق وتتأهل لأشواط أبطال بطل الميادين بالرياض    السومة يعود إلى الدوري السعودي    «دوريات المجاهدين» بالمنطقة الشرقية تقبض على شخص لترويجه «الميثامفيتامين»    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يتجاوز 80 دولاراً    عبرت عن صدمتها.. حرائق كاليفورنيا تحطم قلب باريس هيلتون    ثلاث أمسيات شعرية في ختام ملتقى أدبي جازان الشعري    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُقدم مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين    إنتر ميامي يُحدد موقفه من ضم نيمار    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    مجموعة stc تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم خلال بطولة كأس السوبر الاسباني        خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    شفيونتيك تكشف عن شعورها بالحرج خلال فترة إيقافها المؤقت بسبب المنشطات    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    «عباقرة التوحد»..    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    ماذا بعد دورة الخليج؟    الحمار في السياسة والرياضة؟!    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    كُن مرشدَ نفسك    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    لا تحرره عقداً فيؤذيك    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    سالم ما سِلم    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ايران - النووية : الحقيقة ... والوهم . "الوسط" تجري تحقيقاً مع مسؤولين وخبراء اميركيين وتطلع على تقريرين اميركي واسرائيلي حول خطط طهران العسكرية
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 1992

هل صحيح ان ايران أصبحت دولة نووية؟ وهل حصل الايرانيون فعلاً على اسلحة نووية وأصبحوا يملكون صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وتستطيع اصابة اهداف في دول اخرى؟ هذه التساؤلات طرحت مجدداً بعد صدور تقرير اميركي عن لجنة تابعة للكونغرس يحذر من ان ايران اصبحت تملك فعلاً السلاح النووي. اضافة الى ذلك، حصل تطور لافت للنظر اثار قلق الولايات المتحدة الشديد اذ تم التوصل الى اتفاق ايراني - صيني، خلال زيارة الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني لبكين في الفترة بين 9 و12 ايلول سبتمبر الجاري، يقضي بقيام الصين ببناء مفاعل نووي كبير في ايران تبلغ قوته 300 ميغاوات. وتم التفاهم ايضاً خلال هذه الزيارة على ارسال "مئات الخبراء الصينيين" الى ايران للعمل على تدعيم التعاون النووي بين البلدين. وقد حرص الجانبان على القول ان هذا المفاعل النووي سيستخدم لاغراض سلمية ولانتاج الكهرباء، لكن الادارة الاميركية لم تقتنع بذلك بل اكدت، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، ان التعاون الايراني - الصيني "بالغ الخطورة" اذ انه سيتيح لايران تطوير قدراتها على انتاج الاسلحة النووية.
هل صحيح ان ايران اصبحت دولة نووية؟ "الوسط" اجرت تحقيقاً واسعاً في واشنطن حول هذه القضية المهمة، هذه حصيلته:
أثار تقرير جديد صادر عن لجنة تابعة للكونغرس الاميركي اهتماماً كبيراً وتساؤلات عدة بتأكيده ان ايران اصبحت "دولة نووية" وانها تملك اسلحة نووية وصواريخ تحمل رؤوساً نووية.
هذا التقرير اصدرته هذا الشهر لجنة ابحاث تابعة للحزب الجمهوري - الذي ينتمي اليه الرئيس بوش - وتعنى بشؤون "الارهاب والحرب غير التقليدية، ومرتبطة بمجلس النواب الاميركي. وقد حصلت "الوسط" على نسخة منه.
يكشف هذا التقرير ان ايران حصلت على "أربعة رؤوس حربية نووية" من احدى الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى منها اثنان "جاهزان" للاطلاق وزنة كل منهما 40 كيلوطن يمكن ان يحملها صاروخ أرض - أرض من طراز سكود و"قنبلة هوائية" يمكن اطلاقها من طائرة ميغ - 27 بقوة انفجار تتراوح ما بين 50 و500 كيلوطن وقذيفة مدفعية نووية زنتها كيلوطن واحد. ويجدر بالذكر ان القنبلة التي اسقطها الاميركيون على هيروشيما في الحرب الثانية كانت بقوة انفجار احد عشر طناً من المتفجرات التقليدية.
ويوضح التقرير ان الايرانيين حصلوا على هذه "الرؤوس الحربية النووية" من جمهورية كازاخستان، وانهم بدأوا يبنون "مصنعاً" لانتاج الاسلحة النووية سيخضع لاشراف خبراء نوويين من الاتحاد السوفياتي السابق وكوريا الشمالية والصين، وان هذا المصنع مقره اصفهان.
ويعزو التقرير الفضل الى الروس في حل المشكلة الاولية التي نجمت عن وصول الرؤوس الحربية النووية دون "الشيفرة" اللازمة لتنشيطها. الا انه لا يشرح سبب وصولها من دون تلك الرموز، مع ان المراقبين المطلعين يشيرون الى ان اجراءات التنشيط تحفظ عادة في موسكو وليس في كازاخستان.
اما الصواريخ من طراز سكود فهي من صنع كوريا الشمالية والصين. وتحتاج عملية القاء القنبلة الهوائية النووية الى تدريب خاص للطيارين، لا سيما على استخدام الاجراءات والمناورات اللازمة لتفادي المنطقة فور القاء القنبلة لكي لا تقع الطائرة التي تحمل القنبلة ضحية للعملية. وفي هذا الصدد يقول التقرير ان قوة جوية ايرانية من طائرات ميغ - 27 شوهدت والافتراض هنا ان هذا حدث من خلال الصور التي التقتطها الاقمار الصناعية الاميركية وهي تقوم بتدريبات على هذه العملية في قاعدة شيراز الجوية. كما يقول ان الطيارين الايرانيين، تلقوا تدريبات على الهجمات النووية في قاعدة "وان سان" في كوريا الشمالية. ويضيف التقرير ان الرؤوس الحربية وصلت الى ايران عن طريق تركمانستان، لا سيما ان منطقة الحدود مفتوحة بشكل عام، وهناك الآن عملية واسعة النطاق لبناء الجسور ومد الطرق في منطقة الحدود بين ايران وتركمانستان من اجل تسهيل نقل الشحن الثقيل.
وكانت اللجنة نفسها نشرت في وقت سابق من هذا العام تقريراً آخر تحدثت فيه عن "التزام ايران بتزويد سورية بمظلة جوية قبل حلول شهر حزيران يونيو عام 1992".
ويذكر التقرير الجديد ان ايران لديها حالياً ما يكفي من رؤوس نووية حربية "لتزويد سورية بمظلة ضد اي هجوم اسرائيلي مفاجئ" ويؤكد ان ايران تريد الحصول ايضاً على مزيد من الصواريخ الروسية او الاوكرانية القادرة على حمل رؤوس حربية نووية او جرثومية او كيماوية، إضافة الى رغبتها في الحصول على أربع وعشرين طائرة قاذفة بعيدة المدى وعدة اسراب من ميغ 31 وميغ 29.
ويتحدث التقرير عن مفاوضات ايرانية مع الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق لا سيما كازاخستان وطاجاكستان وأذربيجان وتركمانستان.
ويشير الى دور كل من علي اكبر ولايتي وزير الخارجية الايراني والدكتور مهدي شمران في هذا الجهد من خلال زياراتهما تلك الدول الاسلامية والتفاوض معها. ويوصف الدكتور شمران بأنه "ضابط مخابرات وإرهابي" ويحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة كاليفورنيا في باركلي سان فرانسيسكو. كما يرد اسم شخص آخر وهو "قمبيز" الذي يوصف بأنه "خبير في اسلحة الدمار الشامل". ويتحدث التقرير ايضاً عن زيارة الى ايران قام بها دياز بالارت فيديل كاسترو - الابن غير الشرعي للرئيس الكوبي كاسترو - لبحث المساعدات التي يمكن ان تقدمها كوبا الى ايران في برنامجها النووي.
ويقال ان الدكتور شمران عرض على الدول التي زارها "ما بين 130 مليون و150 مليون دولار ثمناً لثلاثة رؤوس حربية نووية" وأنه دفع مبلغ ثلاثة ملايين دولار "عربوناً" في اللوكسمبورغ ودفعات اخرى في المانيا ومونترو. كذلك يقال ان ايران تتوقع استلام ثلاث غواصات هجومية من لاتفيا، كما ان الهند تبني الآن مفاعلاً نووياً في قزوين.
ضرب أهداف اسرائيلية؟
ويذهب التقرير الاميركي الى مدى أبعد من التقارير السابقة حين يقول ان طهران تسعى ايضاً الى الحصول على الصواريخ المتوسطة المدى القادرة على ضرب الاهداف الاسرائيلية من داخل ايران، وهي تفضل الحصول على انواع مشتقة من الصاروخ الصيني م - 11 وهو نسخة محسنة من سلاح سوفياتي مماثل. الا ان هذا النوع من الصواريخ قصير المدى 300 كلم ولا بد من تطويره لكي يصل الى مدى أبعد ويكون قادراً على حمل رؤوس حربية اصغر الى مدى 800 كلم.
ويقول التقرير ان البناء العسكري الايراني الراهن جزء من الخطة التي وضعها آية الله الخميني لاقامة "شبكة من الحكومات الاصولية الاسلامية بقيادة ايران".
"الوسط" اتصلت بمسؤول في وزارة الدفاع الاميركية خبير في قضايا انتشار الاسلحة النووية وسألته عن رأيه في مضمون هذا التقرير فقال: "ان كل ماورد في التقرير قد يكون صحيحاً، ولكنه يتجاوز كل ما لدينا من معلومات حصلنا عليها وتحققنا منها عن طريق الاقمار الصناعية." وأضاف الخبير ان اللجنة التي اعدت التقرير "معروفة بأنها تخضع لقيادة الجناح اليميني في الحزب التي تستغل المعلومات لمحاولة صياغة السياسة. ولكنني لا أريد ان اسجل هنا ان ما ورد في التقرير كلام فارغ. إذ ليس هناك شك في ان ايران تريد امتلاك قدرة نووية ضاربة لكي تسترد مكانتها التي حظيت بها في عهد الشاه، وهي تسعى الى تحقيق ذلك. ولكن عدم ذكر التقرير أي مصادر اطلاقاً يشير الى ان مصادره هي المخابرات الاسرائيلية. ومع ذلك فان المسألة تستحق المراقبة والتدقيق. علينا ان نتذكر ان من مصلحة ايران ان تجعل الجميع يعتقدون انها تمتلك قدرة نووية لأن هذا يثير الخوف والحذر عند اعدائها كما لو كانت تمتلكها فعلاً. ولربما كان نصف ما ورد في التقرير صحيحاً". وذكر الخبير: "ولسوء الحظ، قطعنا علاقاتنا مع ايران بسبب اختطاف الرهائن عام 1979. ولما كانت مخابراتنا البشرية ضعيفة في ايران فان هذا يدفع البعض الى تصدىق ما يقوله الاسرائيليون عن ايران".
وذكر أحد كبار مستشاري شؤون الدفاع، وهو على اطلاع على المعلومات الاستخبارية التي تجمعها الاقمار الصناعية لپ"الوسط": "ليس في ايران حتى الآن اي شيء يشبه مواقع اطلاق الاسلحة النووية. ولكن من الواضح ان ايران تريد الاستفادة من الفوضى في العراق لاستعادة اهميتها القديمة في الخليج والعالم الاسلامي. وإذا ما تمكنت ايران من ان تكون اول دولة تحصل على الاسلحة النووية في هذه المنطقة من العالم، فانها ستعزز مركزها القيادي الى حدٍ كبير".
لا اسلحة نووية... قبل 7 سنوات
ولم نكتف بما قاله لنا هذان المسؤولان، بل رأينا ان القضية تتطلب فتح تحقيق واسع للاجابة عن السؤال الاساسي: هل اصبحت ايران دولة نووية ام لا؟
لا بد، هنا، من التذكير بالشهادة التي ادلى بها امام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الاميركي روبرت غيتس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في آذار مارس الماضي عن ايران.
قال غيتس في شهادته هذه ان نظام الحكم في طهران ينفق حوالي ملياري بليوني دولار سنوياً على مشروعات السلاح على مدى خمس سنوات، من 1990 الى 1994، وإن معظم هذه الاموال تذهب الى روسيا والصين وكوريا الشمالية. وأضاف غيتس ان ايران تستغل ضعف العراق لاعادة بناء القوات المسلحة الايرانية وان المشتريات الايرانية تضمنت صواريخ سكود أرض - أرض قادرة على حمل رؤوس نووية، من الصين وكوريا الشمالية، كما تضمنت غواصتين من روسيا. وأكد غيتس ان ايران تسعى فعلاً الى امتلاك الاسلحة النووية، لكنه قال ان ذلك يتطلب "بعض الوقت".
ويتفق عدد من المسؤولين والخبراء الاميركيين الذين اتصلت بهم "الوسط" في واشنطن على ان ايران تتوق الى الحصول على قدرات نووية ولكن لا يزال امامها سبع سنوات على الأقل حتى تتمكن من انتاج اول سلاح نووي.
وبسبب امتناع الدول الغربية عن تقديم المساعدة الى ايران في هذا الصدد، اضطرت طهران الى الاعتماد على الصين، وربما ايضا باكستان وكوريا الشمالية، في الحصول على التقنية والمعدات. ويعتقد الخبراء ان ايران ربما كانت تهدف الى انتاج قنابل "الثقل الصغيرة" النووية.
وذكر لپ"الوسط" ديفيد آيزنبرغ الذي يعمل في مركز معلومات الدفاع، وهو اكثر مؤسسات البحث في مجال الدفاع احتراماً في واشنطن، ان الزيارة التي قام بها الى طهران في شهر شباط فبراير الماضي هانز بليكس المدير العام الهولندي للوكالة الدولية للطاقة النووية - ومقرها فيينا - كشفت انه "ليس لدى ايران في الوقت الحالي مشروع طموح لانتاج اسلحة نووية". ومع ذلك قالت مصادر وزارة الخارجية الاميركية لپ"الوسط" ان الولايات المتحدة "لا تزال تشعر بالقلق ازاء نوايا ايران النووية". ويقول آيزنبرغ: "ليست ايران بأي حال من الاحوال متقدمة بالقدر الذي حققته كوريا الشمالية، إذ لا يتجاوز ما لديها في الوقت الحالي برنامجاً لبحوث الاسلحة النووية على نطاق صغير".
ويقول تقرير أعده فريق تفتيش تابع للوكالة الدولية للطاقة النووية اطلعت عليه "الوسط" انه ليس هناك دليل على ان كوريا الشمالية تقترب من انتاج سلاح نووي فعّال. ويمكن اخفاء اعمال البحث الاولية، ولكن لا يمكن اخفاء عمليات الانتاج الكامل. ويضيف آيزنبرغ الى ذلك قائلاً: "ان ايران تعتبر انها تحتاج الى قدرات نووية تعادل القدرات الاسرائيلية، وهكذا تظل الشكوك قائمة بشأن مدى التزام طهران بمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية التي وقعتها ايران".
وفي تصريح لپ"الوسط" قال غاري مالهولين، الذي يعمل في مشروع ويسكونسين لأبحاث منع انتشار الاسلحة النووية: "من الواضح ان ايران ترغب في الحصول على الاسلحة النووية، وهي تتلقى مساعدة في هذا الصدد من الصين، وربما ايضاً من باكستان. ولسنا متأكدين اذا كانت تحصل ايضا على مساعدة من كوريا الشمالية ام لا". ويعتقد مالهولين ان ايران كانت تهتم في البداية بانتاج وقود نووي من النوع الذي يصلح لانتاج الاسلحة باستخدام اسلوب القوة المركزية الطاردة، ولكنها حولت اهتمامها الآن الى اسلوب استخدام الكالترونات "اجهزة تحليل الطيف لكتلة المادة، التي يسهل اخفاؤها عن التصوير الجوي والتفتيش الأرضي في مرحلة البحث والانتاج.
وكانت ايران وجهت الدعوة الى فريق بليكس في الوقت ذاته الذي وقعت سورية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية اتفاقاً شاملاً للضمانات. وعلى رغم ان سورية من الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، الا انها كانت ترفض توقيع اتفاق للضمانات التفتيش في الماضي، لأن اسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية. وصرح بليكس بأنه ليس هناك ما يرغم سورية على توقيع اتفاق الضمانات، لأنه ليس لديها برنامج نووي، ولكنها تخطط الآن لبناء مفاعل صغير قدرته 30 كيلووات للأغراض الزراعية والطبية.
وذكر بليكس في تقريره عن زيارة ايران ان فريق الوكالة الدولية للطاقة النووية "تأكد من ان النشاطات التي شاهدها هناك تتفق مع اغراض الاستخدام السلمي للطاقة النووية". وقد زار الفريق المنشآت النووية في بوشهر، وأصفهان مفاعل صيني، وطهران مفاعل اميركي لأغراض البحث تم تسليمه في عهد الشاه، ومفاعل يتم بناؤه حالياً في معلم قلعاية، ومركز البحوث الزراعية والطبية في قاراج، ومنجم اليورانيوم في صغند. وزار الفريق ايضا جهاز تحليل الطيف الصغير الذي اشترته ايران من الصين، ووصفه بأنه من النوع الذي يوضع على مكتب.
وذكر ديفيد أولبرايت من مؤسسة "اصدقاء الأرض" في تقرير قدمه في شهر آذار مارس الماضي الى مركز معلومات وزارة الدفاع الاميركية: "لم تستطع الحكومة الاميركية حتى الآن اكتشاف اية منشآت سرية في ايران يمكن ان تشكل جزءاً من برنامج سري لانتاج الاسلحة النووية". وإذا تمكنت الولايات المتحدة من تحديد اية منشآت نووية من هذا النوع، فان الوكالة الدولية للطاقة النووية تستطيع تفتيشها خلال فترة وجيزة، وفقاً لاتفاقية الضمانات الكاملة التي وقعتها ايران مع الوكالة. وأشار اولبرايت الى ان الفريق التابع للوكالة الدولية للطاقة النووية قام بعمليات تفتيش اثبتت عدم صحة التقارير التي تحدثت عن وجود منشآت سرية لتخصيب اليورانيوم بالقوة المركزية الطاردة في معلم قلعاية وأيضاً في قاراج الواقعة شمال طهران.
وبعد قيام الثورة الايرانية تم ايقاف العمل بالاتفاق الذي عقد في عهد الشاه مع فرنسا، والذي يكفل لايران حق شراء اليورانيوم المخصب للأغراض السلمية من شركة "يوروديف"، وهي شركة متعددة الجنسيات مقرها فرنسا وتعمل على تخصيب اليورانيوم بالانشطار الغازي. وطلبت ايران في الآونة الاخيرة استئناف ارسال شحنات اليورانيوم المخصب اليها، ولكن شركة يوروديف رفضت ذلك بإيعاز من الولايات المتحدة.
وأوضح أولبرايت ان الجهاز الصيني لتحليل الطيف، الذي شاهده فريق الوكالة الدولية للطاقة النووية، مخصص لمفاعل صغير في اصفهان تبلغ طاقته 27 كيلووات وان هذا الجهاز يستخدم في انتاج وقود نووي بسيط. وأشار اولبرايت الى ان الجهاز الصغير لتحليل الطيف يمكن ان يستخدم لتصميم جهاز اكبر يتم صنعه محلياً، لكن ذلك سيتطلب "قاعدة صناعية اكثر تقدماً واتساعاً من القاعدة الصناعية الايرانية، او جهوداً مكثفة لشراء المعدات من الخارج".
وقال أولبرايت ان العراق اشترى من المانيا المراكز المغناطيسية اللازمة لانتاج اجهزة تحليل طيف المادة، كما انه ليس هناك دليل على ما ذكرته بعض التقارير الصحافية من ان ايران اشترت من جنوب افريقيا اليورانيوم المكثف مقابل النفط، وطلبت مساعدة باكستان في تخصيبه. وقد اعلنت باكستان انها رفضت تقديم يد المساعدة في هذا الصدد، كما تقول مصادر وزارة الخارجية الاميركية انه يبدو ان الرفض الباكستاني صحيح.
تقرير للمخابرات الاسرائيلية
ويذهب احد العاملين في مختبر لوس آلاموس النووي، وهو المركز الرئيسي للبحوث النووية في الولايات المتحدة، أبعد من ذلك اذ يقول لپ"الوسط" ان الامر سيستغرق "عشر سنوات من العمل الدؤوب" من جانب ايران حتى تتمكن من انتاج سلاحها النووي الأول. ويقول مالهولين، الذي يعمل في مشروع ويسكوسنين، ان الولايات المتحدة نفسها باعت في العام الماضي الى ايران "صادرات حساسة" تبلغ قيمتها 60 مليون دولار، وتشتمل على 92 ترخيصاً بالتصدير. ويشير مالهولين الى ان هذه الصادرات موجهة الى اغراض مدنية، ولكن بعضها يحتوي على تقنية "مزدوجة الاستخدام" يمكن تطبيقها في الاغراض العسكرية مثل الاسلحة النووية او الصواريخ التقليدية البعيدة المدى. ويقول مالهولين ايضاً ان وزارة التجارة الاميركية وافقت على بعض هذه المبيعات على رغم معارضة وزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين. وتضمنت هذه الصادرات 30 جهاز كمبيوتر، و8 صفقات لمعدات الملاحة وتعيين الاتجاه وأجهزة الرادار يمكن استخدامها في توجيه الصواريخ وتحديد الاهداف، وجهازين لقياس الذبذبات يمكن استخدامهما في تحليل الاشارات الصادرة عن تجارب الاسلحة النووية، ومجموعتين من البوصلات اللاسلكية، وأجهزة حفظ التوازن وتحديد الاتجاه، وأجهزة قياس الزيادة في السرعة يمكن استخدامها في نظم توجيه الصواريخ. ومع ذلك كانت هذه الاجهزة متواضعة بمقاييس الصناعات النووية، اذ كان اكبر جهازين فيها عبارة عن جهاز لتحديد الاتجاه بلغ ثمنه 800،532 دولار، وجهاز كمبيوتر بلغ ثمنه 358 ألف دولار. ويقول مالهولين ان المبيعات الاميركية من المعدات المزدوجة الاستخدام الى ايران في السنوات السابقة تضمنت اجهزة تعيير الكترونية بلغ ثمنها 179 الف دولار، وأجهزة لاسلكية لتحليل الطيف بلغ ثمنها 40 الف دولار. ويشير مالهولين الى انه لم يكن من المفروض عقد هذه الصفقات على الاطلاق. ومع ذلك يقول المراقبون ان الخلافات داخل ادارة بوش بشأن هذه الصفقات مع ايران تثبت ان لا خوف على المستويات العليا في الادارة من نوايا ايران النووية.
وعلمت "الوسط" من مصادر اميركية مسؤولة ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تلقت تقريراً من اجهزة المخابرات الاسرائيلية الموساد يسلط الاضواء على قوة ايران النووية.
وجاء في هذا التقرير ان المعدات التي اشترتها ايران من الاتحاد السوفياتي سابقا جعلتها تحصل على "كل ما تحتاج اليه" لانتاج قنابل الثقل النووية والرؤوس النووية اللازمة للصواريخ أرض - أرض . وقال التقرير ان ايران وعدت بتزويد سورية "بمظلة نووية" تحميها من التهديد النووي الاسرائيلي. وادعى التقرير الاسرائيلي ان مدير البرنامج الايراني لانتاج الاسلحة النووية هو الدكتور مهدي شمران الحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة كاليفورنيا، ومقرها في بيركلي بالقرب من سان فرانسيسكو. وأضاف التقرير ان ايران تعمل على تجنيد 50 عالماً و200 فني من معهد كورتشاتوف في موسكو، وان من بين هؤلاء عالمين مشهورين هما فلادمير كوبوف وفيليب غورخانيان، اللذين سيتوليان مسؤولية الادارة الفنية وتسهيل شراء الوقود والمعدات المختلفة من الاتحاد السوفياتي سابقاً. ومن بين الاسماء الشهيرة الاخرى التي تعمل ايران على تجنيدها - حسبما يقول التقرير الاسرائيلي - آرسين حميدياده الذي كان يعمل في المركز الفضائي السوفياتي السابق في كازاخستان، والكسندر احمدياده من جمهورية تركمنستان المجاورة لايران.
وذكر التقرير الاسرائيلي ايضاً ان ثلاثة آلاف صيني، وفريقاً من كوريا الشمالية وأيضاً فريقاً من كوبا يعملون في البرامج الايرانية لانتاج الاسلحة النووية، وكذلك الاسلحة الكيميائية والبيولوجية. وأشار الى ان هدف ايران المبدئي هو انتاج صاروخ مشابه للصاروخ الصيني متوسط المدى من طراز إم - 11. ولا يفسر التقرير سبب عدم شراء ايران هذه الصواريخ ببساطة من الصين، او من كوريا الشمالية التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ، ولكن من دون رؤوس نووية.
ويقول المحللون العاملون في اجهزة المخابرات الاميركية ان هذا التقرير الاسرائيلي يتضمن "عناصر حقيقية تهدف الى منحه المصداقية". وعلى سبيل المثال ان ابن الرئيس فيديل كاسترو زار ايران بالفعل في الآونة الاخيرة، ولكن من المعتقد انه كان يحاول عقد صفقات لشراء النفط بأسعار مخفضة. ويعتقد الخبراء الاميركيون ان هناك مجالاً كبيراً للشك في أعداد العلماء والفنيين الاجانب الواردة في التقرير، ويقولون ان المرتبات التي يقال ان ايران تعرضها للعلماء والخبراء الروس - وهي تترواح بين 5 آلاف و30 الف دولار شهرياً - غير واقعية بالنظر الى السعر الحالي لتحويل الروبل. ولا تتعدى اعلى المرتبات في روسيا اليوم ومنها مرتب الرئيس يلتسين على سبيل المثال مبلغ 100 دولار شهرياً.
وتحدث التقرير الاسرائيلي عن الجولة التي قام بها مطلع هذا العام وزير الخارجية الايراني علي اكبر ولايتي في بعض الجمهوريات الاسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، ويدعي انه وقع اتفاقاً مع الرئيس التركماني يؤدي من الناحية العملية الى فتح الحدود بين ايران وتركمنستان. وأوضحت مصادر المخابرات الاميركية ان ذلك قد يكون صحيحاً، ولكن التقرير الاسرائيلي يناقض نفسه بقوله انه تم "تهريب" معدات نووية الى ايران عن طريق تركمنستان. وجاء في التقرير الاسرائيلي ايضاً ان ايران تسعى الى شراء 256 طائرة حربية روسية، منها 24 من احدث المقاتلات من طراز ميغ - 31، وعدد غير محدد من طائرات اليوشن المقابلة لطائرات الاواكس الاميركية للرقابة والانذار المبكر، وكذلك طائرات من طراز ميغ - 27 مجهزة لحمل الاسلحة النووية. وقال التقرير ان الاسلحة النووية التي ستحملها هذه الطائرات تسمى في التقارير الايرانية "قنابل الشريعة"، ويعتقد انها قنابل ثقل نووية.
وأشار التقرير الاسرائيلي الى ان الفنيين من روسيا وكوريا الشمالية يساعدون ايضاً في صيانة 91 طائرة حربية سوفياتية الصنع كان العراق ارسلها الى ايران لضمان سلامتها اثناء عملية "عاصفة الصحراء"، ويضيف التقرير ان 85 طائرة "على الأقل" من هذه الطائرات "صالحة للاستخدام". ويصنف التقرير هذه الطائرات على النحو التالي:
24 طائرة سوخوي - 24، و40 طائرة سوخوي - 40، و4 طائرات سوخوي - 20، و7 طائرات سوخوي - 25، و4 طائرات ميغ - 23 بي إن، وسبع طائرات ميغ - 23 إم. إل، وطائرة واحدة ميغ - 23 يو، و4 طائرات ميغ - 29.
وتعليقاً على مضمون هذا التقرير الاسرائيلي قال مسؤول في وكالة المخابرات المركزية الاميركية لپ"الوسط": "ان الاسرائيليين يحاولون عن طريق معلومات كهذه تبرير امتلاكهم اسلحة نووية وامتناعهم عن توقيع معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية في الشرق الاوسط. كما انهم يحاولون اقناع الادارة الاميركية بعدم ممارسة ضغوط عليهم لاخضاع منشآتهم النووية للرقابة الدولية او لوضع حد لانتاج الاسلحة النووية في بلدهم. نحن نتلقى امثال هذه التقارير ونطلع عليها، لكن لدينا مصادر اخرى اكثر دقة لمعرفة حقيقة ما يجري في ايران على هذا الصعيد". ولفت هذا المسؤول الاميركي الانتباه الى ان الايرانيين انفسهم لديهم مصلحة، ايضاً، في تسريب معلومات مضللة عن امتلاكهم اسلحة نووية لاثارة قلق اطراف اخرى او للضغط على بعض الدول للتوصل الى تفاهم مع طهران حول قضايا معينة".
التعاون السوري - الايراني
يبقى سؤال:
- ما حجم وطبيعة التعاون العسكري بين ايران وسورية؟
لا بد، هنا، من العودة قليلاً الى الوراء والتوقف عند حادث غريب وقع في آذار مارس الماضي.
في ذلك الحين قامت ضجة كبرى حول سفينتي الشحن الكوريتين الشماليتين داي هانغ هو وداي هانغ دان اللتين كانتا تبحران في اوائل شهر آذار مارس 1992 نحو مرفأ بندر عباس الايراني وهما تحملان معدات عسكرية. وبعد اتهام السفينتين بأنهما تنقلان الى ايران وسورية صواريخ سكود التي يصل مداها الى 600 كلم، هدّد الاميركيون والاسرائيليون باعتراضهما في عرض البحر. وقد غطّت وسائل الاعلام هذا الحدث تغطية واسعة ناقلة شتّى الاتهامات الخطيرة ومعبّرة عن القلق الذي استبدّ بالاوساط العسكرية الغربية. وبعد ذلك جرى تعتيم شامل. فالسفينتان بلغتا غايتهما وقد تبعتهما - كما يقال - سفن اخرى، ولم يكن هنالك دليل مقنع على حقيقة حمولتهما. هل كانتا تنقلان فعلاً صواريخ سكود اشترتها ايران وسورية من كوريا الشمالية؟ وهل صرف النظر عن اعتراضهما لأنه لا مبرر أو لا حق شرعياً للاعتراض على عملية مماثلة كون كوريا الشمالية حرة في ان تبيع صواريخها لمن تشاء؟
لقد ترك المسؤولون الاميركيون الأزمة تمر معبرين عن قلقهم عن مخاطر الاخلال بالتوازن العسكري الذي يحدثه تزويد سورية بصواريخ بعيدة المدى، وأخذوا علماً بالاحتجاجات الايرانية والسورية التي تنكر على الاميركيين حق التدخل في سياستهم التسليحية.
هذه المسألة ليست مسألة تافهة ولا مجرد حادثة عابرة بسيطة، وهي تظهر بوضوح انه حتى لو اعلنت الولايات المتحدة عن رغباتها في الحد من التسلح في منطقة الشرق الاوسط فانه ليس من السهل عليها تحقيق نتائج مرضية في هذا المجال" والمثل السوري بصورة خاصة يعطي صورة عن الصعوبات الهائلة التي يجب تذليلها للتوصل، كما ترغب واشنطن، الى فرض استقرار عسكري في المنطقة.
والواقع انه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهائه كدولة فقدت سورية حليفاً استراتيجياً ذا شأن كان في وسعه الى حد ما ان يقيم توازناً مع التحالف الاميركي الاسرائيلي. اما الآن فلم تعد سورية تأمل من موسكو في اي دعم عسكري شامل فعّال في زمن الازمة، اضافة الى ذلك فان دمشق لا تملك الامكانات المالية الضرورية لشراء كميات هائلة من الاسلحة تلبي حاجاتها. ويدرك السوريون انهم خلافاً لمصر واسرائيل ودول اخرى لا يمكنهم ان يحصلوا من مصدّري السلاح الغربيين الكبار على كميات كبيرة من المعدات الحديثة التي يرغبون في امتلاكها" وأخيراً خلافاً للعراق لا يملك السوريون المقدرة العلمية والصناعية، ولا الامكانات المالية لكي يضعوا موضع التنفيذ صناعة عسكرية يمكن الوثوق بها، ناهيك عن ان نقل التكنولوجيا المتطورة بعد انتهاء حرب الخليج يخضع لرقابة مشددة للغاية.
وللتعويض عن هذه المعوقات يفتش العسكريون السوريون جاهدين عن الوسائل التي تتيح لهم ان يظلوا قوة عسكرية يحسب لها حساب في المنطقة. وللحفاظ على قوتها من الاسلحة التقليدية التي تتكون بصورة تكاد تكون حصرية من معدات سوفياتية، تشتري سورية من دول اوروبا الشرقية ومن روسيا كميات هائلة من دبابات ت - 72 ومن مقاتلات ميغ - 29 وسوخوي - 24 اضافة الى قطع غيار وغير ذلك. وهي تستفيد من كون دول الاتحاد السوفياتي سابقاً تعرض كميات ضخمة من السلاح الثقيل الذي لم تعد بحاجة اليه بأسعار زهيدة وذلك للحصول على العملات الصعبة.
ولكن هذا المصدر لا يسمح بتلبية حاجات السوريين كافة، خصوصاً حاجاتهم الى الاسلحة الحديثة، لأن روسيا التزمت رسمياً ان تطبق بدقة القيود على نقل الاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية والصواريخ البعيدة المدى، وهكذا يتوجب على سورية ان تتطلع الى شركاء آخرين لكي تتزود بصواريخ أرض - أرض البعيدة المدى، وهي صواريخ تعتبرها سورية عامل ردع فعالاً ضد اسرائيل، وعند الاقتضاء ضد العراق حتى ولو لم تعلن عن ذلك. وفي هذا الاطار تندرج مسألة سفن الشحن الكورية الشمالية وما يمكن ان نطلق عليه "الشبكة الايرانية".
بعد انتهاء حرب الخليج باشرت ايران برنامجاً طموحاً لاعادة تسلحها وقد صرّح روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية امام الكونغرس الاميركي "ان طهران تعيد بناء قوتها العسكرية لا لاعادة التوازن مع العراق فحسب، بل لتزيد من قوة نفوذها في المنطقة". ايران بلد غني يملك طاقة علمية وصناعية بارزة يمكنه ان يجندها في جهوده الهادفة الى اعادة التسلح، اما سورية التي كانت من بين الدول القليلة في العالم، والدولة العربية الوحيدة التي ساندت ايران في الحرب العراقية - الايرانية التي دامت ثماني سنوات وذهبت الى حد امدادها بصواريخ سكود سراً، فهي تعتبر ان المصدر الايراني هو من دون اي شك المصدر الاجدى لحلّ بعض مشاكلها في مجال التسليح. وتؤكد الاوساط الديبلوماسية الغربية ان التعاون العسكري بين سورية وايران تعزز منذ نهاية حرب الخليج، ومسألة سفينتي الشحن الكوريتين الشماليتين احد الادلة على ذلك. ويراقب المسؤولون الغربيون باهتمام تطور العلاقات بين هاتين الدولتين من جهة وكوريا الشمالية والصين والباكستان من جهة اخرى في ما يخص صواريخ ارض - ارض والمجال النووي ويجهد الغربيون لتجنب نشوب أزمة كبيرة عن طريق زيادة الضغوط على كل من بكين وبيونغ يانغ واسلام آباد، وقد توصلوا الى بعض النتائج في المجال النووي، غير ان حصيلة هذه الضغوط كانت ضئيلة في مجال الصواريخ والاسلحة التقليدية.
ويأمل المسؤولون الاميركيون، وفقاً لما اكده لپ"الوسط" مصدر مطلع في وزارة الخارجية الاميركية، بأن يشكل "تطور العلاقات السلمية" بين سورية واسرائيل وبين كل اطراف النزاع العربي - الاسرائيلي "عاملاً اساسياً" لوضع حد لسباق التسلح في المنطقة وتقليص حجم الانفاق العسكري في دولة كسورية. لذلك يتجنب المسؤولون الاميركيون اثارة اية ازمة مع دمشق، سواء بشأن الاسلحة او قضايا اخرى، لأنهم يراهنون على ان نجاح عملية السلام نفسها هي التي ستقلص خطر التأزم او المواجهة العسكرية في الشرق الاوسط.
ماذا يمكن استخلاصه من حصيلة هذه الآراء والمعلومات؟ أبرز ما يمكن استنتاجه هو انه ليست هناك ادلة قوية واضحة تثبت ان ايران تملك، فعلاً، اسلحة نووية، سواء كانت رؤوساً حربية نووية لصواريخ أرض - أرض او كانت قنبلة صغيرة. ومن المرجح ان ايران ستحتاج الى بضع سنوات لتصبح دولة نووية بالمعنى الحربي - العسكري للعبارة. لكن الامر الواضح هو ان القيادة الايرانية مصممة على امتلاك السلاح النووي، وما الاتفاق الذي وقعه الرئيس رفسنجاني مع المسؤولين الصينيين في بكين الا "خطوة جديدة" في مسار تنمية قدرات هذا البلد النووية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.