"... والآن جاء دور تحرير العراق من نظام صدام حسين. والهدف الحقيقي الذي تسعى اليه دول التحالف الثلاث الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا من وراء "عملية الجنوب" هو العمل على اسقاط صدام حسين خلال الشهرين المقبلين، اذا امكن". هكذا يمكن اختصار اجواء واشنطن ولندن وباريس، عواصم الدول الثلاث التي تقف وراء عملية تأمين حماية دولية لسكان جنوبالعراق وهم من الشيعة مما يؤدي، فعلياً، الى انشاء "منطقة آمنة محمية دولياً" في الجنوبالعراقي شبيهة "بالمنطقة الآمنة" في الشمال حيث يعيش الاكراد. وتتخذ هذه العملية الجديدة شكل ابلاغ القيادة العراقية ان عليها التوقف عن ارسال طائراتها ومروحياتها الى جنوب خط العرض 32 ووضع حد لعمليات "القمع والإبادة" ضد اهالي الجنوب. وبعد ابلاغ المسؤولين العراقيين تصبح منطقة جنوبالعراق خاضعة لمراقبة دائمة على مدار الساعة، تتولاها، بشكل خاص، طائرات استطلاع وأجهزة استكشاف اميركية وبريطانية اضافة الى الاقمار الصناعية الاميركية في الوقت الذي تتولى طائرات حربية وهجومية اميركية وبريطانية وفرنسية حماية عملية المراقبة هذه وإسقاط أية طائرة عراقية تحلق في المنطقة المحظورة. وتملك هذه الدول الثلاث القدرات والامكانات العسكرية اللازمة والضرورية في المنطقة لتأمين نجاح "عملية الجنوب" هذه. "عملية الجنوب" توسع نطاق ومدى المواجهة مع صدام حسين وتؤدي الى ادخال عناصر جديدة لم يسبق لدول التحالف ان استخدمتها منذ وقف اطلاق النار في حرب الخليج بعد تحرير الكويت في شباط فبراير 1991. فلم تعد محاور المواجهة تدور فقط حول ارغام صدام حسين على تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 687 الذي يلزمه بأن يقبل ان يتم، تحت اشراف دولي، تدمير او ازالة او تعطيل مفعول كل اسلحة الدمار الشامل لديه، وإرغامه على قبول قرار ترسيم الحدود البرية مع الكويت، كما وضعته لجنة الأممالمتحدة المختصة بهذا الشأن، او ارغامه على تجديد "مذكرة التفاهم" التي تنظم وجود حراس وموظفي الاممالمتحدة في شمال العراق، كما لم تعد المواجهة ناتجة عن محاولة صدام حسين التملص من الالتزام بعدد من قرارات مجلس الامن ولا عن محاولة اعادة بناء قدراته العسكرية، بل ان "عملية الجنوب" اعطت المواجهة مع صدام حسين ابعاداً جديدة ووسعت نطاقها بحيث لن تقتصر على قصف اهداف او منشآت معينة في حال خالف الرئيس العراقي هذا القرار او ذاك. ولا بد من توضيح هذه المسألة والدخول في تفاصيلها. "عملية الجنوب" تستمد شرعيتها من قرار مجلس الامن الرقم 688 الصادر في نيسان ابريل 1991 والذي يدين قمع المواطنين العراقيين في انحاء عدة من البلاد ويطالب النظام بوقف عمليات القمع الموجهة خصوصاً ضد الاكراد والشيعة فوراً ويعرب عن الأمل في فتح حوار بين النظام العراقي والقوى الاخرى لضمان احترام الحقوق السياسية والانسانية للمواطنين العراقيين. القرار 688 لا يجيز، بشكل واضح، استخدام القوة العسكرية ضد النظام العراقي في حال واصل عمليات القمع والاضطهاد ضد مواطنيه، لكن دول التحالف الثلاث اميركا وبريطانيا وفرنسا اعتبرت ان هذا القرار يسمح، ضمناً، باستخدام القوة ضد العراق، من جهة لأنه مرتبط بقرارات مجلس الامن الاخرى المتعلقة بالعراق وبشروط وقف اطلاق النار، ومن جهة ثانية لأن القرار 688 نفسه يحذر من انعكاس ما يجري في العراق على الامن والسلام العالميين مما يبرر استخدام القوة. كما اعتبرت هذه الدول ان "حماية المواطنين العراقيين من الاضطهاد وعمليات القمع" تشكل "حقاً انسانياً دولياً" يبرر استخدام القوة للدفاع عنه. ورأت دول التحالف الثلاث ان مخالفة صدام حسين للقرار 688 ومواصلته عمليات القمع ضد مواطنيه - الى حد ان جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني اتهم الرئيس العراقي بالقيام "بعملية ابادة" ضد الشيعة - تشكل في نظر دول التحالف الثلاث خرقاً وانتهاكاً لشروط وقف اطلاق النار. واعتبرت هذه الدول، انطلاقاً من ذلك، ان لا حاجة لاصدار قرار جديد عن مجلس الامن لتأمين "الحماية الدولية" لجنوبالعراق ولاستخدام القوة العسكرية مجدداً ضد صدام حسين ونظامه. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون في هذا المجال هو: لماذا لم تستخدم دول التحالف القرار 688 لمحاربة صدام والاستناد اليه للعمل على اسقاطه، بعد صدور هذا القرار في نيسان ابريل 1991؟ ولماذا انتظرت 17 شهراً للتحرك على اساس هذا القرار؟ بل لماذا امتنعت الولاياتالمتحدة عن دعم ومساندة وحماية اهالي الشمال والجنوب حين ثاروا وانتفضوا ضد صدام في آذار مارس 1991 فتركت هذه الدول النظام العراقي يقمع هذه الانتفاضة بالقوة؟ هناك 3 اسباب لامتناع دول التحالف عن استخدام القرار 688 في السابق لمحاربة صدام ولامتناعها عن دعم الانتفاضة ضده: 1 - السبب الأول هو ان دول التحالف كانت مقتنعة بأن المعارضة الشيعية او الكردية غير قادرة - على رغم هزيمة صدام في الحرب - على اسقاط النظام، وبالتالي فان دعمها آنذاك "عملية خاسرة لا معنى لها"، بل كانت هذه الدول تخشى ان يؤدي الدعم الدولي للانتفاضة - الشيعية والكردية - ضد صدام الى تفكك العراق ونشوء "دويلات" فيه، واحدة في الجنوب مرتبطة بإيران، وثانية في الشمال، وثالثة "ضائعة" في الوسط. واعتبر عدد من زعماء دول التحالف ان من الافضل "عدم التورط في حرب داخلية اهلية عراقية - عراقية" اذ ان ذلك سيؤثر سلباً على وهج الانتصار في الحرب وتحرير الكويت، كما اعتبروا ان المحافظة على وحدة العراق لها الاولوية. 2 - السبب الثاني ان دول التحالف كانت تراهن على سقوط صدام حسين نتيجة الهزيمة والعقوبات الدولية والعزلة التي تطوق بلاده، وذلك بعد اشهر قليلة من وقف اطلاق النار، وكانت تعتبر، ايضاً، ان من الافضل ان يسقط صدام نتيجة انقلاب عسكري او حركة من داخل النظام، لأن من شأن ذلك ان يحافظ على وحدة العراق. 3 - السبب الثالث، وهو غير معلن ويتجنب المعنيون التحدث عنه، هو ان دول التحالف رأت ان هناك "فوائد ومصلحة" في استمرار نظام صدام لأشهر عدة، الى ان يتم تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل والقضاء على أية امكانية لإعادة بناء قوة عسكرية كبيرة في السنوات المقبلة وانتزاع موافقته على مجموعة اجراءات، منها ما يتعلق بترسيم الحدود نهائياً مع الكويت. والآن نجد انه تم تجريد العراق من اكثر من 90 في المئة من اسلحة الدمار الشامل - وفقاً لما اكده لپ"الوسط" رولف ايكوس رئيس اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية - لكن صدام لا يزال في الحكم، بل انه يحاول التملص من تنفيذ قرارات مجلس الامن ويسعى الى اعادة بناء قوته العسكرية وإلى اعادة "ثقة النظام بنفسه" من خلال عمليات كر وفر مع الأممالمتحدة ودول التحالف. وآخر دليل على ذلك ما اعلنه يان الياسون، منسق النشاطات الانسانية في الأممالمتحدة، بعد انتهاء زيارته لبغداد يوم 21 آب اغسطس الماضي، من ان محادثاته مع المسؤولين العراقيين لم تسفر عن اي اتفاق على تمديد بقاء افراد الأممالمتحدة العاملين في الحقل الانساني في العراق وخصوصاً في الشمال. وفي هذه الاجواء اتخذت دول التحالف الثلاث - اميركا وبريطانيا وفرنسا - قرار استخدام القرار 688 لانشاء "منطقة آمنة محمية دولياً" في الجنوبالعراقي شبيهة "بالمنطقة الآمنة" في الشمال، من دون ان تتجاهل القرار 687 او القرارات الاخرى، بحيث اصبحت هذه الدول تملك اوراقاً عدة في ايديها تستخدمها لمحاربة صدام. وكما قلنا، فان "عملية الجنوب" الجديدة تؤدي الى توسيع نطاق ومدى المواجهة مع النظام العراقي. تقليص سلطة صدام وتحريض الجيش عليه كيف يكون ذلك؟ الواقع ان "عملية الجنوب" تتميز بالأمور الاساسية الآتية: 1 - تؤدي هذه العملية الى تقليص سلطة ونفوذ نظام صدام حسين على الاراضي العراقية. فالمنطقة الجنوبية التي ستخضع للحماية الدولية تشكل مساحتها اكثر من ثلث مساحة العراق. وإذا ما اضيفت اليها منطقة الشمال، "المحمية دولياً ايضاً"، فان ذلك يعني ان اكثر من 60 في المئة من الاراضي العراقية لا تخضع، فعلياً، لسلطة النظام، وان صدام لا يستطيع التصرف فيها وبمواطنيها بحرية، كما كان يفعل في الماضي. وهذه هي المرة الاولى التي يتقلص فيها نفوذ النظام العراقي على اراضيه بهذا الشكل منذ استقلال هذا البلد. 2 - "عملية الجنوب" لا تشكل، فقط، انتقاصاً من سلطة النظام وتحدياً له، بل تهدف، ايضاً، الى "اذلال" صدام حسين ووضعه امام خيارين صعبين للغاية: فاذا ما رضخ صدام لمطالب الحلفاء فان نفوذه لا بد ان يضعف وسيظهر امام شعبه بمظهر من لا يستطيع المحافظة على وحدة العراق وسلامة اراضيه، بل سيبدو ان وجوده في الحكم هو الذي يمكن ان يهدد بتقسيم العراق. وإذا ما قرر صدام تحدي الحلفاء ومواجهة اقامة "المنطقة الآمنة" في الجنوب بالقوة، فستحدث مواجهة عسكرية يتلقى خلالها العراق ضربات عسكرية كبيرة ستستهدف صدام شخصياً. وقد اكدت مصادر اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" ان هناك خططاً عسكرية "جاهزة ومبرمجة" لضرب اهداف ومواقع في العراق "تؤدي الى اضعاف نظام صدام حسين وتمهد لاسقاطه"، في حال تحدى الرئيس العراقي قرار انشاء المنطقة الآمنة في الجنوب او امتنع عن تنفيذ القرار 687. وأبرز هذه المواقع المستهدفة: ثكنات ومواقع الحرس الجمهوري والوحدات الخاصة في بغداد وأماكن اخرى وهي التي تؤمن الحماية للنظام، مراكز وجود صدام حسين وأركان قياداته، قواعد الطائرات والمروحيات، مصانع انتاج الاسلحة والمعدات الحربية، المنشآت الدفاعية المختلفة. ويبدو ان صدام حسين خاسر، سواء رضخ لمطالب الحلفاء او تحداها. 3 - "عملية الجنوب" تحمل في طياتها انذاراً ضمنياً الى القيادات العسكرية والسياسية العراقية مفاده: العراق يمكن ان يكون مهدداً بالتقسيم اذا استمر صدام حسين في الحكم. وكلما طال عمر النظام كلما ازداد الخطر على وحدة العراق وسلامة اراضيه، لذلك فان من مصلحة العراقيين العمل على التخلص بسرعة من صدام. 4 - "عملية الجنوب" تظهر لمعارضي صدام، سواء كانوا داخل الجيش او في مواقع اخرى، ان الرئيس العراقي لم يعد مطلق الايدي في بلده، وأن "الرقابة الدولية" عليه وعلى نظامه لم تعد تقتصر فقط على موضوع ازالة اسلحة الدمار الشامل بل اصبحت تشمل علاقة النظام بشعبه. و"عملية الجنوب"، بعد "عملية الشمال" تظهر انه، من الآن فصاعداً، ،هناك "حماية دولية" لخصوم صدام، وهناك، بالتالي، نوع من "الشرعية الدولية" للتحرك ضد النظام والعمل على اسقاطه. وإذا حدثت انتفاضة شعبية ضد النظام فان دول التحالف ستؤمن لها، هذه المرة، الحماية خلافاً لما حدث في آذار مارس 1991. وبذلك اصبحت المعارضة العراقية - الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال اضافة الى القوى الاخرى - وللمرة الأولى طرفاً مباشراً في المواجهة بين دول التحالف وصدام، وجزءاً من استراتيجية الحلفاء ضد صدام. 5 - "عملية الجنوب" تمهد لايجاد منطقة آمنة ومحمية دولياً يلجأ اليها الضباط والعسكريون العراقيون الهاربون من جيش صدام حسين. وتنوي قوى المعارضة وجهات اخرى توجيه نداءات الى العسكريين العراقيين للفرار واللجوء الى الشمال والجنوب تمهيداً لانشاء قوة عسكرية نظامية تتحرك "في الوقت المناسب" ضد صدام حسين ونظامه. فما تريده دول التحالف هو ان يسقط النظام بأيدي العراقيين انفسهم وليس نتيجة دخول قوات اميركية وأوروبية الى بغداد. هذه العناصر تظهر ان "حجم" المواجهة الجديدة بين دول التحالف ونظام صدام اصبح اكبر وأوسع من حجم المواجهة حين كان محورها الرئيسي قضية ازالة اسلحة الدمار الشامل ومحاولات الرئيس العراقي التملص من التزاماته على هذا الصعيد. عملية الجنوب مستمرة الى ان يسقط النظام هل تؤدي "عملية الجنوب" الى سقوط نظام صدام حسين؟ مصادر اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع على خفايا اعداد هذه العملية اكدت لپ"الوسط" ان الهدف الحقيقي للعملية هو "ايجاد ديناميكية جديدة لاسقاط صدام حسين بسرعة" وعدم الاكتفاء بانتظار "ان يضعف النظام نتيجة العقوبات والعزلة" اذ ان الانتظار "قد يكون طويلاً". وأوضحت المصادر نفسها ان دول التحالف الثلاث، اميركا وبريطانيا وفرنسا، "تأمل" في ان يسقط صدام حسين خلال الشهرين المقبلين وقبل موعد انتخابات الرئاسة الاميركية في مطلع تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وكشفت لپ"الوسط" ان "اجراءات وخطوات عدة" ستتخذ في المرحلة المقبلة لتأمين سقوط صدام بسرعة. غير ان هذه المصادر اشارت الى انه "ليس هناك ما يضمن او يؤكد سقوط النظام خلال هذين الشهرين" لكن عملية الجنوب وما سيرافقها "ستضعفه كثيراً" وتمهد لسقوطه في مرحلة لاحقة وغير بعيدة. وهنا لا بد من التوقف عند الملاحظات الآتية المتعلقة بعملية الجنوب: 1 - هذه العملية ليست محددة بفترة زمنية معينة "بل ستستمر الى ان يسقط صدام حسين" على حد ما اكدته لپ"الوسط" المصادر الاميركية والفرنسية المطلعة التي اضافت: "لقد بدأ العد العكسي الفعلي لاسقاط النظام العراقي ولم يعد بامكان دول التحالف ان تتراجع وتتخلى عن حماية الجنوب والشمال وأية حركة معارضة لصدام، اذ ان التراجع سيشكل هزيمة ذات انعكاسات خطيرة على دول التحالف وعلى المنطقة وسيقوي صدام ويدفعه الى القيام بعمليات قمع اوسع ضد اهالي الجنوب والشمال". وأوضحت المصادر نفسها ان دول التحالف لن تكتفي فقط بتأمين "حماية جوية" للجنوب والشمال بل انها ستراقب عن كثب اية تحركات برية او عمليات قصف بالمدفعية يقوم بها جيش صدام ضد اهالي الجنوب والشمال، وستتخذ "الاجراءات الملائمة في الوقت المناسب" لمنع ذلك. وأبرز هذه الاجراءات دعوة مجلس الامن الى الاجتماع للتشاور مع اعضائه حول الخطوات الواجب اتخاذها لوضع حد لعمليات القمع التي يمارسها النظام ضد مواطنيه. 2 - العراق لا يملك القدرة العسكرية ولا الدعم السياسي والديبلوماسي لمواجهة دول التحالف او منع تنفيذ "عملية الجنوب". فالنظام العراقي لم يكسب "اي صديق جديد" منذ وقف الحرب، بل ان "اصدقاء" النظام العراقي السابقين يحاولون الابتعاد عنه وفتح جسور مع الدول الاخرى ادراكاً منهم ان لا مجال لأية مصالحة عربية ما لم يسقط نظام صدام حسين. لذلك تبقى تهديدات بغداد بمواجهة هذه العملية بالقوة بلا معنى ولا جدوى. 3 - "عملية الجنوب" ليست تقسيمية، بمعنى انها لا تهدف الى تقسيم العراق الى دويلات طائفية، اذ ان لا مصلحة لأية دولة من دول التحالف بأن يتم ذلك فتستفيد ايران من تفكيك العراق ويقوى دورها. عملية الجنوب ليست تقسيمية بل انها توحيدية بمعنى اعادة توحيد العراق في ظل نظام جديد. 4 - لا بد ان ترافق "عملية الجنوب"، لكي تدعمها وتكملها وتعطيها المزيد من القوة السياسية والعسكرية، مجموعة خطوات ابرزها: ايجاد قيادة سياسية وعسكرية موحدة للمعارضة العراقية تشرف على "الوضع الجديد" في الجنوب وتتولى التنسيق بين مختلف القوى المعارضة لصدام، سواء المقيمة في الشمال او في اماكن اخرى. ومن شأن هذه القيادة ان تضبط الوضع الامني والمعيشي في الجنوب. احدى مهام هذه القيادة هي العمل على استيعاب وتنظيم العسكريين الفارين من جيش صدام وتهيئتهم - مع قوات عراقية اخرى - للتحرك والمواجهة "في الوقت الملائم". لا بد من تزويد هذه القوى المعارضة لصدام بالسلاح المتطور وتدريب عناصرها عليه، تماماً كما حدث مع المجاهدين الافغان في مرحلة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. وليس واضحاً حتى الآن اذا كانت دول التحالف اتخذت قراراً بهذا الشأن أو لا. ويبدو من المعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر اميركية وبريطانية وفرنسية مسؤولة، ان دول التحالف، على رغم دعمها المتزايد لقوى المعارضة، لا تزال تراهن على حدوث انقلاب عسكري ضد صدام ولا تزال تأمل بسقوط صدام نتيجة "عمل" تقوم به عناصر من الجيش او من المؤسسة الحاكمة. وفي هذه الحالة تشكل "عملية الجنوب"، وما يرافقها من خطوات لزيادة الدعم للمعارضة وتوسيع نطاقها، "عنصراً ضاغطاً كبيراً وجديداً" لتحقيق "انفجار" داخل النظام نفسه، مما يؤدي الى سقوط صدام. ردود الفعل ما هي ردود فعل دول المنطقة على "عملية الجنوب"؟ بعيداً عن البيانات والتصريحات الرسمية وما تنشره الصحف في هذا البلد او ذاك يمكن تلخيص ردود الفعل هذه في النقاط الآتية: 1 - الدول العربية المعنية مباشرة بالوضع العراقي والمتأثرة بما يمكن ان يقوم به صدام، تؤيد "عملية الجنوب" وترحب بها وتدعمها، خصوصاً ان هذه العملية لا تهدف الى تقسيم العراق او تجزئته بل الى اعادة توحيده في ظل نظام جديد. 2 - بعض الدول العربية المعتبرة جزءاً من التحالف ضد العراق - كمصر وسورية بشكل خاص - تؤيد ضمناً أية خطوة تهدف الى اسقاط النظام، لكنها - مراعاة لظروف داخلية واعتبارات مختلفة - تحرص على التحذير علناً من تقسيم العراق. وهي، بذلك، تساهم في زيادة الضغوط على قوى معينة داخل النظام العراقي للاطاحة بصدام منعاً لتقسيم البلاد. 3 - هناك دول عربية اخرى - بعضها تعاطف مع صدام - تكتفي بإصدار بيانات علنية تحدد فيها مواقف مبدئية - مثل معارضة تقسيم العراق او انتقاد "عملية الجنوب" - لكنها لا تقوم بأي عمل فعلي معارض فعلاً لعملية الجنوب. 4 - بالنسبة الى ايران، فان القيادة الايرانية تؤيد، طبعاً، اية عملية تؤدي الى "حماية اهل الجنوب وسقوط نظام صدام حسين، لكنها لا ترحب بأن تشرف دول التحالف على تغيير النظام العراقي، وتبدي انزعاجاً من مجيء نظام جديد متعاطف مع دول التحالف لا مع طهران. غير ان المسؤولين الايرانيين لا يستطيعون، في أي حال، ان يقوموا بأي شيء لعرقلة "عملية الجنوب" هذه.
وهكذا، يمكن القول ان العد العكسي الفعلي لسقوط النظام العراقي بدأ مع "عملية الجنوب".