استحوذت محافظة اسيوط صعيد مصر على اهتمام وسائل الاعلام المصرية والعربية والاجنبية في الايام القليلة الماضية بعدما بدأت السلطات المصرية عمليات واسعة النطاق يشارك فيها اكثر من الفي شرطي ورجل امن لوضع حد لنشاطات العناصر الدينية المتطرفة اثر تجدد احداث العنف الطائفي وسقوط عدد من القتلى والجرحى من مسلمين واقباط. وتحولت اسيوط إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وشهدت بعض قراها ومراكزها مواجهات بين اجهزة الامن والجماعات الدينية المتطرفة التي تؤكد المصادر الامنية المصرية انتماءها إلى تنظيم الجهاد الديني المحظور. وعلى رغم المواجهة المستمرة في اسيوط التي تقع على بعد 600 كيلومتر جنوبالقاهرة، الا ان العاصمة المصرية شهدت اخيراً مواجهات اخرى بين الشرطة والمتطرفين مما دفع الحكومة المصرية إلى الاعلان عن اعداد قانون جديد للارهاب سيقدم في وقت لاحق إلى مجلس الشعب لاقراره، بعد ان ثبت ان قانون الطوارئ المعمول به في مصر حالياً اصبح لا يكفي لمواجهة عنف الجماعات الدينية. ويؤكد مصدر رسمي مصري ان بعض المناطق في القاهرة وبعض المحافظات الاخرى اصبحت مركزاً رئيسياً لتصدير الارهاب والتطرف الديني، وان الطبيعة الاجتماعية والجغرافية لهذه المناطق ساعدت على ازدياد حدة التطرف فيها لدرجة وصلت إلى حد الصدام المسلح ضد الاهالي والشرطة بشكل شبه يومي، وان وجود هذه المناطق الساخنة يسبب قلقاً بالغاً لأجهزة الامن والحكومة على حد سواء، نتيجة تلاصقها مع احياء هادئة ذات مستويات اجتماعية مرتفعة، اضافة إلى سيطرة بعض الجماعات المتطرفة على احياء كاملة وقيامها بتشكيل "حكومات ظل" داخلها ومجالس للشورى يتولى "الامراء" قيادتها واصدار الفتاوى من خلالها. ويضيف المصدر ان السيطرة على تلك المناطق وصل إلى حد تغيير اسماء الشوارع باسماء تحمل طابعاً اسلامياً او اسماء ضحايا حوادث العنف من المتطرفين، اضافة إلى مطاردة المتطرفين لكل من يرون انه خرج على "ميثاق العمل الاسلامي" الذي يمثل استراتيجيتهم. ويشير المصدر إلى ان نزوح مجموعات من المتطرفين في هجرة جماعية من المناطق الساخنة في الريف إلى المدن وبعض اطراف القاهرة ادى إلى تمازج وتداخل الملامح المميزة للمتطرفين في كل مناطق التوتر، كما ان الجماعات الوافدة من الريف إلى المدن ظلت تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد الريفية، وتتركز في بعض المناطق ذات المستوى الاجتماعي المحدود لكي تضمن الاستقرار الدائم. ويشير المصدر إلى صعوبة حصر هذه الجماعات التي هاجرت من الريف بسبب اتخاذها اساليب غير شرعية في الاستقرار في المدن حيث تستخدم غالباً وثائق رسمية مزورة وتقوم بوضع يدها على اراضي الدولة وتشيد احياء ذات طبيعة عشوائية تتحول في ما بعد إلى مراكز لاستيراد وتصدير التطرف والاسلحة والارهاب. ويؤكد المصدر حدوث تزاوج "غير رسمي" بين الجماعات الدينية المتطرفة الوافدة من الريف وبين جماعات العنف الجنائي والخارجين على القانون والهاربين من احكام القضاء وتجار المخدرات لتتشكل في النهاية "توليفة" تتسلح بالعنف لتحقيق اهدافها المختلفة. وعلى رغم جهود الحكومة المصرية واتخاذها اجراءات للحد من الهجرة المنتظمة من الريف وزيادة دخل الفرد لسكان القرى واحداث تغيير جوهري في البيئة الاقتصادية الريفية وتشجيع ونشر الصناعات الريفية، الا ان هذه المبادرات لم تسفر عن نتيجة مؤثرة نتيجة لبعض العوامل التي ساعدت على دعم وجود الجماعات الدينية في بعض المناطق. ووفقاً لما قاله مصدر امني فان هذه العوامل هي: - ارتفاع نسبة الامية بين سكان الريف وسهولة التأثير عليهم ببعض العبارات والشعارات. - سيطرة مفهوم القضاء والقدر على السلوك اليومي لسكان الريف. - ازدواجية الثقافة الريفية الناتجة عن الصراع بين الحاضر والماضي واختلاف الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية في الريف والتي تتطور بصورة سريعة. - قيام الجماعات الدينية باستثمار بعض القيم الريفية لصالحها، ومنها مفهوم البر والمجاملة والتعاون. - فلسفة الموت السائدة في الريف المصري والتي ترجع جذورها إلى عصر الفراعنة، وهي ادت إلى انتشار سلوك تشاؤمي من الحياة ساعدت الجماعات على دعمه بالاساليب والعبارات المثالية. - رفض المشاركة النسائية في التنمية الريفية اعطى للرجل السلطة المطلقة في ادارة كل امور الحياة في الريف. قانون الارهاب وعلى رغم اتفاق جميع الاحزاب والتيارات السياسية المصرية على ضرورة اقرار قانون الارهاب الا ان الدوائر المصرية تتوقع مناقشات حادة داخل اللجان المتخصصة التي تم تشكيلها لاعداد القانون برئاسة الدكتور احمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والتي تضم في عضويتها عدداً من اعضاء هيئات التدريس بكليات الحقوق المصرية وخبراء التشريع واعضاء في اجهزة الامن وممثلين عن الهيئات القضائية وخبراء في مكافحة الارهاب. وقال مصدر مصري مسؤول ان نقاط الخلاف التي لا تزال تحتاج إلى بحث ودراسة حول القانون هي الآتية: * تعريف ماهية الارهابي والمتطرف في ضوء التعددية الحزبية والفكرية وكيفية طرح تعريف جامع لهذه المصطلحات. * مدى ملاءمة هذا القانون الجديد وانسجامه مع الشريعة الاسلامية والدستور. * ان القانون الجديد سيكون اشد صرامة من قوانين الطوارئ التي من المتوقع الغاؤها مع بدايات الدورة البرلمانية الجديدة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. * وبدأ اعضاء هذه اللجان الاستعداد لمناقشة مواد القانون الجديد في الوقت الذي تشدد فيه اجهزة الامن قبضتها لمنع الاخلال بالنظام العام وسعي بعض الفصائل السرية المسلحة للقيام بأية اعمال ارهابية كنوع من الاعتراض على القانون على طريقتها الخاصة. وأوضح احد كبار اساتذة القانون الدستوري المشاركين في مناقشة مواد القانون الجديد ل "الوسط" اهمية هذا القانون الذي يصدر للمرة الاولى في مصر ويخصص لمكافحة التطرف والارهاب السياسي، مؤكداً ان اهميته ستمتد إلى محاور اخرى تتمثل في الآتي: - اصدار هذا القانون يستتبع اجراء تعديلات عاجلة وسريعة لبعض مواد قانون العقوبات والاجراءات الجنائية ولائحة السجون وقانون الادارة المحلية. - القانون الجديد سيكون اكثر شمولية من قانون الطوارئ، مما يحتم بعد اقرار الاول برلمانياً الغاء الثاني لتفادي ازدواجية القوانين التي تحاكم المجرد بأكثر من مادة في واقعة واحدة. - يسعى القانون الجديد في الاصل إلى اعادة سيطرة الامن ووقف عمليات الاخلال به، وستكون المكافحة للارهاب الملموس الذي يصدر في صورة اعمال سلوكية خارجة عن نطاق التفكير وتتجاوزه، اما الصراعات الفكرية او الايديولوجية فهي مكفولة بنص الدستور ولا عقاب عليها. - مناقشات اللجان يجب ان تمتد إلى ما يسمى البعد النفسي في الافعال الارهابية وتضم اللجان اطباء نفسيين لوضع اسس خاصة بالمخالفين المصابين بأمراض نفسية مثل ايداعهم مصحات نفسية وتخفيف العقوبات عليهم وعزلهم داخل محبسهم. - الارهاب المراد مكافحته ليس ارهاباً دينياً فقط وليس ما يقوم به تنظيم الجهاد الاسلامي منفرداً بل ممتد لكل زمن وكل اسم او فعل او منظمة بصورة عامة دون التطرق إلى الخصوصيات. وعلمت "الوسط" من مصادر قضائية مصرية ان الملامح الرئيسية لقانون مكافحة العمليات الارهابية ستتمثل في النقاط التالية: * الاستناد في الاصل إلى مواد الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة وامتداد هذه السلطات إلى المحافظين لمعالجة كل الاعمال المخلة بالأمن، كل حسب ظروفه الداخلية، بالتنسيق مع السلطات المركزية بالقاهرة. * امتداد الادارة المركزية للمحافظات إلى العاصمة في معالجة الازمات واصدار القرارات مباشرة لتجاوز السلطات المحدودة للمحافظين. * اخضاع عمليات الضبط والتفتيش والحبس الاحتياطي للضمانات القضائية الواردة في الدستور والقائمة على الجريمة والعقاب. * تحديد الجهاز التنفيذي المنوط به تنفيذ هذا القانون وتحديد الجهة القضائية الموط بها اختصاص فض المنازعات الناجمة عن القانون. * عدم مخالفة القانون الجديد للدستور وعدم النيل من حرية الفكر والتعبير والعقائد السياسية والدينية وحرية انشاء الجمعيات والاحزاب، وهي حريات منصوص عليها في الدستور. * القانون الجديد سيحدد للمرة الاولى الجريمة الارهابية او السياسية حيث كان قانون العقوبات يقف حائلاً في هذه التفرقة وتعريفها والمعيار الذي ستطبق عليه، هل هو المعيار الشخصي او الموضوعي. * في الوقت الذي سيلجأ فيه القانون إلى التشدد بهدف الردع والحفاظ على الامن، سيمنح فرصاً لتقبل العودة الصحيحة للمجتمع بعد او قبل ارتكاب الجرائم. * سيمهد القانون الطريق لما يسمى ثورة تشريعية لبعض القوانين المعاونة، بناء على قاعدة البقاء للعقوبة الاشد والاستغناء عن بعض قوانين السبعينات التي شكلت نوعاً من التضخم التشريعي. وعلى رغم بوادر الامل بتهيئة المناخ الملائم لتحرير هذا القانون على ارضية رافضة لكل اشكال التطرف والارهاب والعنف الدموي، الا ان مصدراً امنياً مصرياً قال ل "الوسط": "بعض التيارات الاصولية تتربص حالياً لهذا القانون وتستعد لمواجهة قانون الارهاب بأعمال ارهابية جديدة لايقاف مفعوله حيث تستشعر هذه التيارات انه موجه في المقام الاول اليها، وانه يمثل عقبة تشريعية كبيرة امام نشاطها ويفتح المجال لزيادة احكام الاعدام على المخالفين، وهو الامر الذي كان غير مطبق في الاحكام القضائية السابقة التي لم تتضمن اي حكم بالاعدام منذ حادث اغتيال الرئيس انور السادات وحتى اليوم، اذ تمثل التشدد بصدور احكام الاشغال الشاقة المؤبدة فقط". وعلى الجانب الآخر يرصد بعض كبار المحامين القانون استعداداً للطعن فيه بعدم دستوريته، وعلمت "الوسط" ان بعض الشخصيات الدينية المعتدلة تقرر ضمها إلى عضوية هذه اللجان للوقوف على آرائها في مواد هذا القانون من منطلق ان الشريعة الاسلامية ترفض كل اشكال العنف والارهاب ويقتصر دور رجال الدين في ابداء الملاحظات حول النقاط التالية: - ملاءمة مواد القانون لمبادئ الشريعة الاسلامية باعتبارها المصدر الرسمي للتشريع في مصر. - تشديد العقوبة لكي تصل إلى الاعدام في حالة تعدد الجرائم وامتدادها لنطاق آخر. - الاسس التشريعية التي يقوم عليها مبدأ التوبة وشروطه، سواء اقدم المتهم عليه قبل اتمام العملية الارهابية او بعدها. - تصنيف المذنبين داخل السجن حسب ظروفهم الاجتماعية والنفسية وحسب تشديد العقوبة او تخفيفها والاخذ بمبدأ الافراج تحت شرط التوبة او الانخراط في المجتمع او حسن السلوك وضمانات ذلك.