"اسحق رابين يطلب الكثير لكي لا يقدم الا القليل". هكذا لخص ديبلوماسي اوروبي مطلع على الشؤون الاسرائيلية فحوى الكلمة التي القاها رابين يوم 13 تموز يوليو الجاري امام الكنيست البرلمان الاسرائيلي لنيل الثقة بحكومته. وقد وجه رابين، في كلمته هذه، الدعوة الى الملك حسين والرئيسين حافظ الاسد والياس الهراوي لزيارة القدس و"التحدث عن السلام" في الكنيست و"ابداء الشجاعة نفسها التي ابداها انور السادات لأن لا انتصار اكبر من السلام"، وفي حال رفض الزعماء العرب الثلاثة هذه الدعوة فان رابين "مستعد للتوجه ابتداء من غد الى بيروت وعمان ودمشق". وقد حرص رابين على تأكيد رغبته في تطوير العلاقات مع مصر ومع الرئيس حسني مبارك، واقترح في الوقت نفسه على الوفد الاردني - الفلسطيني "المجيء الى القدس" ايضاً لمناقشة كيفية تحقيق السلام. ووجه رابين كلامه الى فلسطينيي الاراضي المحتلة قائلاً: "لقد فرض على شعبينا العيش على هذه الارض. انكم فشلتم في حروبكم ضدنا ولم تتوقفوا عن التراجع. مضى اكثر من 44 عاماً وأنتم تخطئون. ان قادتكم يخدعونكم ويقودونكم الى الفشل. لقد فوتوا كل الفرص ورفضوا جميع اقتراحاتنا". وأضاف: "اننا نقترح عليكم الحل الاكثر عدالة… الحكم الذاتي بحسناته وحدوده… حان الوقت لكي يترك الفلسطينيون حجارتهم وسكاكينهم. وفي حال استمر العنف سنستخدم كل الوسائل لحفظ السلام". وحرص رابين على التوضيح ان من اولويات حكومته الجديدة تحقيق تقدم في محادثات السلام مع الفلسطينيين والاردنيين واللبنانيين والسوريين، لكنه ركز بشكل خاص على الفلسطينيين فحدد هدفاً للتوصل الى اتفاق بشأن منح الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حكماً ذاتياً محدوداً في غضون تسعة اشهر. وقال مناشداً الفلسطينيين ان يقبلوا خطة الحكم الذاتي: "لن تحصلوا على كل ما تريدون. ومن الممكن الا نحصل نحن ايضاً على كل ما نريد. ولذا فلتحددوا مصيركم بانفسكم بشكل قاطع. لا تضيعوا هذه الفرصة التي قد لا تسنح مرة اخرى". وركز رابين على اوجه الخلاف بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ففي حين يعتبر الفلسطينيون ان الحكم الذاتي مرحلة موقتة على طريق حصولهم على الاستقلال الكامل، اوضح رابين انه ينوي الابقاء على مناطق كبيرة من الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967. وقال "نرى من الضروري التشديد على ان الحكومة ستواصل تعزيز الاستيطان اليهودي على طول خطوط المواجهة نظراً الى اهميته الامنية وفي القدس الكبرى". ودعا رابين الاسرائيليين الى التخلي عن الاعتقاد "ان العالم بأسره يقف ضدنا… يجب ان نتغلب على الشعور بالعزلة الذي استعبدنا لنحو نصف قرن وننضم الى التحرك الدولي نحو السلام والمصالحة والتعاون الذي يشمل العالم بأسره هذه الايام حتى لا نكون آخر من يبقى في المحطة". ونالت حكومة رابين ثقة الكنيست بأكثرية 67 صوتاً من اصل 120 في حين صوت 53 نائباً ضدها. واضافة الى نواب حزب العمل الاربعة والاربعين حصلت حكومة رابين على دعم نواب حزب "ميرتيز" اليساري الاثني عشر ونواب حزب "شاس" الديني المتشدد الستة. كما صوت لصالح حكومة رابين نواب قائمة حداش الشيوعية وهم ثلاثة، ونائب اللائحة الديموقراطية العربية اللذان لا يشاركان في الائتلاف الحكومي. ولا يتوقع المراقبون المطلعون ان يقبل اي من زعماء سورية والاردن ولبنان دعوة رابين لزيارة القدس، كما لا يتوقعون ان يوجهوا اليه الدعوة لزيارة بلدانهم، لكن من المرجح ان يعقد لقاء بين رابين والرئيس مبارك، وليس من المستبعد ان تلتقي شخصيات فلسطينية من الضفة الغربيةوغزة رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديد. لكن على رغم ذلك كله، يبدو واضحاً ان لهجة رابين مختلفة عن لهجة سلفه شامير الذي كان يرفض كل شيء، بينما يبدي رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد "انفتاحاً" على الحوار على الاقل و"استعداداً" للتوصل الى السلام مع الفلسطينيين والدول العربية، وان كان لم يكشف اوراقه في انتظار جولات المفاوضات المقبلة. المسؤولون الاميركيون ردوا بسرعة على كلمة رابين، فاتصل الرئيس بوش برئيس الوزراء الاسرائيلي ودعاه الى زيارة الولاياتالمتحدة في مطلع الشهر المقبل، وأبلغه ان وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر سيتوجه هذا الاسبوع الى الشرق الاوسط فيزور اسرائيل ودولاً عربية اخرى، بهدف تحريك عملية السلام. وقد حرص بيكر على الاشادة بدعوة رابين الزعماء العرب لزيارة القدس فوصفها بأنها "أمر جيد جداً". وأوضحت مصادر ديبلوماسية اميركية مسؤولة لپ"الوسط" ان جولة بيكر لا تهدف الى التمهيد للقاءات بين رابين والزعماء العرب بقدر ما تهدف الى "الاعداد الجيد" للجولة المقبلة من مفاوضات السلام العربية - الفلسطينية - الاسرائيلية. وذكرت هذه المصادر ان المسؤولين الاميركيين يدركون تماماً ان الوقت لا يزال مبكراً لعقد لقاءات بين رابين وزعماء سورية ولبنان والاردن. وقالت هذه المصادر ان بيكر سيشجع خلال جولته هذه على عقد امثال هذه اللقاءات لكنه سيراعي في الوقت نفسه وجهة النظر العربية الرافضة لأي نوع من "تطبيع" العلاقات مع اسرائيل قبل احراز تقدم ملموس وحقيقي في مفاوضات السلام. وبالنسبة الى التشكيلة الحكومية يدل توزيع الحقائب الوزارية على رغبة رابين في الاحتفاظ لنفسه بحق اتخاذ القرارات المتعلقة بمسألتين هما: الامن والمسيرة السلمية. فقد احتفظ بمنصب وزير الدفاع واكتفى بتعيين نائب لوزير الدفاع هو مردخاي غور المحسوب على معسكره - في حزب العمل. بينما عين احد ابرز مناوئيه في الحزب شيمون بيريز وزيراً للخارجية، بموجب اتفاق توصلا اليه عقب مفاوضات مضنية كادت ان تفجر خلافاتهما التقليدية وتهدد بفشل الحكومة في الفوز بثقة الكنيست، ويقضي الاتفاق "بتقاسمهما" مسؤولية تحديد مصير مفاوضات الحكم الذاتي مع الفلسطينيين، بحيث يتولى بيريز ادارة كافة الشؤون الخارجية ويحتفظ رابين بحق اصدار الكلمة الاخيرة في شأن هذه المفاوضات. ولكن المراقبين لتطورات الاوضاع السياسية في اسرائيل اعتبروا هذا الاتفاق بمثابة هدنة موقتة، ويتوقعون نشوب خلافات بين رابين وبيريز مع بدء مفاوضات المسيرة السلمية. ومن المتوقع ان تواجه حكومة رابين ايضا، عقب تجدد المفاوضات السلمية، خطر انشقاق احد اطرافها، نتيجة انعدام الانسجام السياسي بين مواقف حزب "شاس" وتكتل "مير تيز" من مصير الاراضي العربية المحتلة، وحتى تعارضها مع تلك التي يتمسك بها حزب العمل، والذي نجح في تشكيل الائتلاف الحكومي عبر استغلال نقطة الضعف الرئيسية لدى الاحزاب الصغيرة، وهي الفوز بمناصب وزارية لدعم رصيدها الشعبي والمالي. فضلاً عن التجاوب مع مطالبها في المجالات السياسية والاجتماعية والدينية. فقد اختار رابين ثلاثة من اعضاء "القيادة الجديدة" في حزب العمل هم حاييم رامون ودافيد ليفاي وموشي شاحال ليتولوا وزارات العدل والصحة والاتصال والشرطة وكلفهم اعداد "برنامج عمل الحكومة المقبلة"، موصياً اياهم باختيار نصوص عامة قابلة لتفسيرات عدة من اجل تسهيل تشكيل حكومته.