، موفد "الوسط" الى ليبيا، امضى 3 اسابيع في هذا البلد "المحاصر" نتجة ازمته مع الدول الغربية الثلاث اميركا وفرنسا وبريطانيا ومع المجتمع الدولي بعد صدور قراري مجلس الامن 731 و748، رافق خلالها الليبيين والعرب والاجانب في حياتهم اليومية وسجل انطباعاته في التقرير الآتي: حين توقفت الحافلة بالقرب من طائرة التورنر الصغيرة، في رحلتها العادية الرقم 446 من مطار قرطاج الدولي الى مدينة جربة في اقصى الجنوب التونسي، مال الليبي البدين الى صاحبه، وهمس في اذنه بكلام مسموع: - والله زمان! لم يبق لنا سوى هذه الطائرات؟ تتردد عبارة "والله زمان" أينما اتجهت في ليبيا. ولا فرق ان تكون للاستنكار او الدهشة، ما دامت تختصر الوضع الليبي تحت الحصار. فالمواطن لا يملك الا ان يطلقها كلما فاجأته حمى السوق وتدني العملة، وكلما وجد الطريق عسيراً للانتقال الى أقرب جيرانه من الدول العربية. لقد ولّى زمان كان فيه السفر ميسوراً، ولوحة الاسعار ثابتة على مسمارها، ولّى الى حين ليس بالامكان تحديده ورسم ملامحه بدقة. وجاء زمان القلق والتوجس من مصير مجهول يجعل كل شيء في بلاده عرضة للفوضى والاضطراب. ومظاهر هذا الزمان المباغت تتجلى في اندفاع المواطن الى تخزين المواد الغذائية الاساسية من دون ان يدرك انه سيساهم في اختفائها، وبالتالي في رفع اسعارها. ومواد اخرى كثيرة تكاد تختفي او تخضع للمضاربة، كالأدوية وقطع غيار السيارات. لكن رجل اعمال يرى ان السبب لا يعود الى الحصار وحدة، وانما الى السياسة الاقتصادية التي سمحت بالاستيراد من دون تدخل من الدولة. فكان ان اختفت انواع عديدة من المضادات الحيوية، ودخلت السوق مواد وأجهزة من مناشئ عرفت بتقليد كل ما هو ياباني على رغم انها تباع بأسعار مرتفعة. وكان من نتائج هذه السياسة، يقول رجل الاعمال، انفتاح الباب واسعاً امام السوق السوداء حتى اصبح الدينار يساوي دولاراً، بعد ان كان اكثر منه بثلاثة اضعاف، واذا استمر الحصار طويلاً، وبقيت سياسة الاستيراد على حالها، فان الدينار معرض لكارثة حقيقية. لكن الصورة ليست قاتمة تماماً. فالجمعيات التعاونية التي تديرها الدولة تتكفل باحتياجات المواطنين من المواد الاساسية، والألبسة وقطع الاثاث احياناً، وبأسعار تكاد تكون رمزية. وكمثال على ذلك، فان شوال السكر الذي يصل سعره في السوق الى اكثر من ثلاثين ديناراً يحصل عليه المواطن من الجمعية بستة دنانير. وهكذا الامر بالنسبة الى المواد المدعومة الاخرى، الرز والدقيق والشاي والقهوة والزيت. وتسأل: كيف ستواجه ليبيا احتياجاتها من هذه المواد اذا تقرر فرض الحظر الشامل؟ يرى الاخ المسؤول في جهاز الرقابة المشرف على المكاتب الشعبية الوزارات: "ان مخزوننا منها يكفينا لعشر سنوات قادمة" ويصمت ثم يضيف: "لقد كشفت لك عن واحد من اسرارنا الاستراتيجية". لقد بات مألوفاً مشهد الليبيين وهم يعقدون المقارنة بين ازمة الخليج وأزمة بلدهم مع دول الغرب الثلاث، اميركا وفرنسا وبريطانيا. فما دامت المقدمات واحدة - وان اختلفت طبيعة القضيتين - فلماذا لا تكون النتائج واحدة؟ ومع كل يوم تدخل فيه الازمة نفقاً مسدوداً، يطغى على التفكير احتمال توجيه ضربة عسكرية، خصوصاً ان سابقة 1986 ما زالت ماثلة في الاذهان. وبموازاة هذا المشهد اليومي، تتوالد الاشاعات على نحو غير مسبوق عن الجسور الممتدة حديثاً بين طرابلسوبغداد، ويدور الحديث عن نقل قطع من السلاح العراقي كانت مخبأة في السودان الى ليبيا، وعن الاستعداد الذي ابدته الحكومة العراقية لتعويض ليبيا باحتياجاتها من الخبرات العسكرية والنفطية اذا ما اجبر الخبراء العرب والاجانب على مغادرتها. واذا كانت بعض الاشاعات غير قابلة للتصديق كتلك التي روجت لخبر زيارة سرية قام بها العقيد معمر القذافي الى بغداد، على رغم ان المصادر التي سربتها كانت غربية، الا ان من المؤكد وحسب ما توفر لنا من معلومات، ان العراق يسعى الى استغلال الازمة القائمة بين ليبيا والغرب للخروج من عزلته، وقد نجح حتى الآن، اذا جاز التعبير، في ان يبدو بنظر الليبيين البلد العربي الوحيد الذي رفض الالتزام بتطبيق العقوبات ضد بلدهم. وفي طرابلس الآن حركة مكثفة لوفود عراقية متخصصة تبحث امكانية اقامة مشاريع مشتركة بين البلدين. ولأن العراق غير قادر الآن على استيعاب الآلاف من خبرائه، فان ليبيا تبدو المكان المناسب لاستيعابهم. ولعلها هي الاخرى تسعى الى ذلك، نظراً الى حاجتها اليهم في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها. غير ان ذلك لم يمنع موسى زلوم الديبلوماسي الليبي السابق من القول: "لولا خطأ صدام حسين بغزوه الكويت لما تجرأ الغرب على معاقبة ليبيا". ويضيف: "الآن بدأنا نشعر كم كان الخطأ فادحاً". محمد الغول مدير عام اذاعة "صوت الوطن العربي" ورئيس تحرير المجلة الشهرية التي تحمل الاسم نفسه يؤكد هو الآخر الاضرار التي احدثتها ازمة الخليج في الصف العربي ويقول: "اصبح من الصعب على الدول العربية ان تتخذ موقفاً موحداً في مواجهة الادعاءات الغربية". الشباب عيون النظام والواقع، ان الليبيين ينظرون بكثير من الشك الى الشعارات الوحدوية المرفوعة في كل مكان من بلادهم. ولا يقلل وجود حوالي مليوني عربي على الاراضي الليبية من وطأة شعورهم بالمرارة من التزام الدول العربية بالعقوبات. وإذا كان من الصعب ملاحظة ردود الفعل ضد الدول التي طبقت الحظر الجوي، فان المواطن لا يخفي امتعاضه منها اذا سنحت له الفرصة للتعبير عن رأيه. وعندما كان العقيد القذافي يقترح الوحدة الاندماجية مع السودان، كان الليبيون يدركون استحالة تحقيقها، لكنهم يرون فيها نكاية بالموقف المصري. وثمة، على ما يبدو، محاولة لاعادة صياغة العلاقات الليبية - العربية من جديد على اساس الموقف من الازمة القائمة مع الغرب. واذا كان القذافي لم يشر صراحة في دعوته الى ضغط الانفاق لعقوبات محتملة ضد الدول التي التزمت بالقرار 748، فان الليبيين على مختلف مستوياتهم يفسرون هذه الدعوة بمثابة عقاب لها. فقطاعات التعليم والصحة والخدمات التي يشغلها المصريون بالدرجة الاولى ستكون عرضة للانخفاض، وبالتالي ستكون تمويلاتها السنوية البالغة مئات الملايين من الدولارات عرضة للانخفاض ايضاً. ولعل ليبيا تدرك الآن، امام احتمال بقاء المواجهة مفتوحة مع الغرب لفترة طويلة ضرورة اعادة النظر في سياستها الاقتصادية وتنظيم سوق العمل المفتوح على مصراعيه للعمالة الوافدة من كل مكان، فالملاحظ ان هناك نشاطاً اقتصادياً وتوسعاً في مجالات كثيرة، انتاجية وخدمية، لكن نتائجه المباشرة انعكست على حجم الواردات. حيث اصبحت ليبيا تعتمد كثيراً، بل اكثر من السنوات القليلة الماضية، على استيراد الكثير من السلع الاساسية الجاهزة او قطع الغيار او الآلات ومواد التشغيل. ويلوح من الآن العجز في موازنة السنة المقبلة التي عرضت على المؤتمرات الشعبية الاساسية لإقرارها، وهو ما يعني استنفاد موارد النقد الاجنبي التي تأتي من النفط اساساً. كان هذا النشاط سريعاً وغير منظم، والخطوات بدأت من الآن لترشيده، والسؤال الذي يطرحه الليبيون هو: الى اي حد يمكن لهذه الخطوات ان تنجح؟ ذلك ان التجربة الليبية ذاتها تتميز بالكثير من الفرادة والخصوصية. ويحلو لليبيين ان يصفوا مجتمعهم بالمجتمع التكافلي، فحتى الآن يوجد في قائمة النفقات باب العلاج على نفقة المجتمع، اي ما تدفعه الدولة من موازنتها لهذا الغرض، كما توجد نفقات المكاتب الشعبية، وهي في النهاية نفقات سياسية اذا جازت التسمية، الهدف منها كسب المزيد من التأييد للنظام. وأتذكر الآن حديث التونسي محمد مصدق مدير احدى الشركات الصناعية العاملة في ليبيا، وتأكيده حالة الوفاق القائمة بين الشباب الليبي والنظام. فقد ظل يشير دائماً الى الامتيازات التي ينالها هؤلاء الشباب، وأقلها السيارات الحديثة. وإذا كان الزائر يعجز عن تفسير ظاهرة السيارات المهشمة وهي تجوب شوارع طرابلس، فأنه يستطيع بعد مضي قليل من الوقت ان يعرف السبب تماماً. فالشباب دائماً وراء الكثير من حوادث السير. والشباب هم عيون النظام وأذرعته. وإذا كنت لا تشعر بوجودهم فهم موجودون بالفعل في كل مكان. وفي فنادق الدرجة الاولى حيث الوفود والصحافيون من كل الالوان والجنسيات، يتحول العديد منهم الى مرافقين، وفي احدى المرات كانوا خمسة وكنا اربعة صحافيين فقط عندما ذهبنا لزيارة مدرسة ابتدائية نموذجية. لم يدهش محدثي الليبي. وهو يقرأ تساؤلاتي بعين يقظة، وقد رد بطريقة قاطعة: وكيف تظن ان يستمر النظام كل هذه السنوات؟ يوضح الأخ عبدالحميد عمار أمين المؤتمرات في امانة مؤتمر الشعب العام جوانب من التجربة السياسية الليبية، ويقول: "في ليبيا اسلوب سياسي جديد يختلف عن كل الاساليب في العالم. ففي ليبيا لا يوجد رئيس او حاكم، ولا مجلس وزراء او نواب، بل انصهرت كل هذه الادوات في الشعب، فالسلطة في ليبيا هي سلطة الشعب. والذين يعتقدون ان القذافي هو رئيس ليبيا خاطئون. هو قائد الثورة لكنه لا يستطيع ان يتخذ قراراً بمفرده". والقذافي من جانبه لا يدع اية مناسبة تمر من دون التذكير بدوره كقائد للثورة فقط، وقد استطاع ان يلهب حماس الجماهير وهو يعهد اليها بمهمة اتخاذ قرار الرد على مطالب الغرب بتسليم المواطنين الليبيين المتهمين بتفجير الطائرة الاميركية فوق لوكربي. فقبل ان تبدأ الجماهير مؤتمراتها الشعبية الموزعة على 237 مؤتمراً للرجال ومثلها للنساء وحوالي 1047 مؤتمراً متفرعاً عنها، كان الرد جاهزاً بعدم التسليم. فالاذاعة والتلفزيون والصحف الليبية استغرقت كل وقتها في تقديم الاسانيد على استحالة تسليم المتهمين الى الغرب. وقد لخص ميلود عرفة المستشار القانوني الليبي لي الأمر على النحو الآتي: "قانون العقوبات الليبي، كأي قانون آخر باعتباره ينظم علاقات افراد مجتمع واحد، يعد قانوناً اقليمياً صرفاً، اي ان اختصاصاته لا تمتد الى خارج الحدود الليبية، باستثناء بعض الحالات كقيام ليبي بتزوير العملة الليبية في الخارج او الاعتداء على علم البلاد وسيادتها، مثل الانضمام الى احدى الدول العدوة او الانخراط في جيشها. كما يمتد سريان قانون العقوبات على كل ليبي يرتكب جناية او جنحة في دولة اخرى غير ليبيا ولم يحاكم فيها فان القانون الليبي تكفل بمحاكمته انطلاقاً من المبدأ الذي ينص على معاقبة كل مرتكب جريمة. وفي هذه الحالة فان على اجهزة شرطة الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة وكذلك اجهزتها القضائية تقديم الدليل القطعي على ادانة من ارتكب الجناية او الجنحة في بلادها. ومن هنا، لا يمكن التسليم بالمبدأ القائل بضرورة تسليم المشتبه بهم في قضية لوكربي بحجة قصور وضعف القضاء الليبي الذي تزيد تجربته على 40 عاماً والذي هو نسخة طبق الاصل من قانون العقوبات الايطالي، والاوروبيون اكثر دراية بخبايا هذا القانون". وينهي عرفة حديثه بالقول: "هذا ما سأقوله ايضاً في مؤتمر الشعب". والواضح ان كل المشاركين في هذه المؤتمرات اتخذوا الموقف نفسه، فغالبيتهم اعضاء في اللجان الثورية التي تحولت الى حزب النظام الوحيد من دون اعلان رسمي، ذلك ان ظاهرة الغياب عن هذه المؤتمرات غدت ظاهرة لافتة، اشار اليها القذافي اكثر من مرة. وعلى رغم اغلاق الاسواق مساء كل يوم تعقد فيه المؤتمرات، فان التجار والباعة لا يتوجهون اليها الا نادراً، وقد رأيت من يغلق حانوته على نفسه، وأكد لي سائق تاكسي انه لم يحضر مؤتمراً شعبياً منذ سنوات، فهو لا يفكر بالسفر خارج ليبيا، فمن العقوبات التي يمكن ان تطال الغائبين حرمانهم من جواز السفر. العاصفة لم تصل بعد وللجان الثورية صحيفة ناطقة باسمها هي "الزحف الاخضر" التي تصدر كل يوم اثنين، وهي اكثر الصحف الليبية حدة في معالجتها لأزمة لوكربي ومهاجمة الغرب في الوقت الذي اختفت كل الشعارات المعادية له وللولايات المتحدة على وجه الخصوص. ولا تزال لوحات كبيرة تتوسط الساحات وجوانب الشوارع لكنها لا تحمل شيئاً فقد طليت باللون الاخضر ومن دون عناية احياناً لاخفاء تلك الشعارات. وتكاد تكون الصحف الاخرى، وهي اسبوعية في غالبيتها مغرقة في محليتها، كونها تصدر عادة عن لجان الاعلام في البلديات، عدا صحيفة "الفجر الجديد" اليومية التي تصدرها وكالة انباء الجماهيرية حيث التركيز دائماً على اخبار التضامن مع ليبيا في ازمتها الحالية. والتلفزيون بقناتيه يكتفي بنقل اصداء الازمة وتفاعلاتها وعرض الموقف الليبي منها على نحو هادئ ومغاير لما اعتاد عليه الاعلام الليبي من قبل. بل ان الولاياتالمتحدة حاضرة بأفلامها. وفي صالتي عرض سينمائيتين كان هناك فيلمان اميركيان، ولا يرى عمران راغب المدنيني مدير ادارة البرامج المرئية في التلفزيون اية مفارقة في الامر، ويوضح قائلاً: "لا توجد عداوة بين الشعبين الليبي والاميركي، ونحن علاقتنا مع الشعوب دائماً". ومسلسل "حرب السنوات الاربع" هو الوحيد الذي يشكل مادة المواجهة الاعلامية مع الولاياتالمتحدة، فهو يتعرض للصدام الذي دار بينها وبين ليبيا عام 1905 عندما اسرت البحرية الليبية السفينة الاميركية "فيلادلفيا" التي كانت تعد آنذاك عماد الاسطول الاميركي. لكن الاعلام في ليبيا ليس الصورة او الكلمة فحسب، فهناك سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت في طرابلس للتعبير عن تضامن العالم معها، ولا يكاد يمر يوم من دون مظهر من مظاهر التضامن هذا. وإذا كان من الصعب تقييم ما تحقق عملياً من هذه الاجتماعات او المؤتمرات، فالأكيد ان ليبيا لم تنقطع عن العالم على رغم الحصار. والحصار، وان انعكست آثاره على قطاعي الصحة والخدمات، الا ان ايقاع الحياة العادية لم يتغير، وقطاع النفط الاهم والاوسع بين كل القطاعات تتولاه ثلاث شركات المانية بعقود طويلة الأمد، اضافة الى شركة النفط الليبية. فشركة "فنترشل" ما زالت تحافظ على نسبة انتاجها اليومي المقررة ب36 الف طن. ويفكر العرب والليبيون العاملون فيها بتأسيس شركة مستقلة اذا ما اضطرت الشركة الى المغادرة تحت ضغط الظروف المقبلة لضمان استمرار انتاج النفط حتى لو كان للاستهلاك المحلي. شركة "سيمنس" الالمانية وحدها التي اغلقت ابوابها بعد تعذر استمرار اعمالها نتيجة الحظر الجوي، وعلى العكس كان تدفق رجال الاعمال ملحوظاً لعقد صفقات مضمونة الربح. ويحدثني البرتغالي انتوني كايرو عن اهمية السوق الليبي وامكاناته الواعدة، ووفاء الليبيين بالتزاماتهم المالية، وهو وان كان يدير شركته من لندن الا انه لا يجد مبرراً لمقاطعة بعض الشركات الغربية تعاملها مع ليبيا. وفي الواقع لا يبدي احد من الخبراء الاجانب العاملين في ليبيا رغبة في مغادرتها، انهم يعيشون حياة مرفهة، ويتمتعون بالعديد من التسهيلات وبحق استخدام الصحون الهوائية لالتقاط محطات التلفزيون. وعندما أسأل مهندس النفط الالماني بوركن متى سيغادر ليبيا؟ يرد بضحكة مجلجلة: "حتى لو اضطررت لمغادرتها فسأعود اليها مرشداً سياحياً. سأجلب السياح الى صحراء ليبيا، فهناك الكثير من المجانين الالمان الذين يلهثون وراء ما هو نادر وغريب". في ليل طرابلس الساكن الا من امواج المتوسط، كان منظر الجنود جديداً على عين المواطن الليبي. لقد اعتاد من قبل رؤية الطلبة والطالبات يتنقلون الى مدارسهم بملابس الجندية، اما الجنود فكانوا في الثكنات. ولا احد يعرف بالضبط ماذا يفعل الجنود في شوارع طرابلس، وربما في شوارع المدن الليبية الاخرى. لا احد يستطيع طرح مثل هذا السؤال. لكن الحذر واجب كما يقول العرف العسكري. وليبيا كلها في حالة حذر وترقب، وكل الاحتمالات تبقى مفتوحة. ومن دون شك فان ازمة بحجم الازمة الليبية مع الغرب تستدعي حماية المؤسسات ودوائر الدولة، وقبل ذلك حماية المواطنين، الهدف السهل لكل عدوان. ومنذ اندلاع الازمة بدأت تعبئة المواطنين وتدريبهم عسكرياً، خصوصاً الطلبة منهم، على رغم ان جميع المواطنين يتلقون تدريبات سنوية، فالمواجهة الجديدة الناشئة بسبب تفجير الطائرة الاميركية عام 1988 والطائرة الفرنسية فوق النيجر عام 1989 ليست الا واحدة من سلسلة المواجهات الطويلة مع الاعداء والخصوم، ويقول عبدالحميد العمامي امين شؤون المعاهد العليا والمراكز المتقدمة وعضو الامانة العامة لاتحاد طلاب الجماهيرية "ان التعبئة كانت قائمة منذ الايام الاولى للثورة، وعملية تجييش الطلبة بدأت في 1970، وكانت الحاجة اليهم ضرورية لحماية القلعة القومية من الصهاينة والامبرياليين". ويضيف العمامي: "ان ليبيا تدفع الآن ثمن مواقفها القومية" لكنه يشيد بمواقف الطلبة العرب وروابطهم واتحاداتهم من بلاده، كما يأمل ان يتحقق الحوار الذي دعا اليه اتحاد طلبة الجماهيرية مع طلبة الولاياتالمتحدة، لكن الامر يظل مرهوناً بتطورات الازمة. كما يؤكد العمامي ان اي طالب من 15 الف طالب عربي واجنبي يدرسون في الجامعات الليبية لم يغادرها ابداً، كما لم يغادرها الاساتذة ولم ينقطع عنها الاساتذة الزائرون من الدول الاوروبية واميركا، وهو ما يؤكده ايضاً عبدالله علي رئيس قسم التعليم الثانوي في الامانة العامة للتربية والتعليم. والواقع يبدد كل الشكوك. فها هي الجامعات الليبية العشر على اعتاب نهاية السنة الدراسية. وها هي الشوارع تزدحم بالمارة. والاسواق؟ انها تضج بصخب الباعة من كل مكان. وتكاد لا تصدق ان العاصفة التي عبرت كل تخوم العالم لم تصل الى ليبيا بعد.