الأخضر يواصل تدريباته استعدادا لمواجهة العراق في خليجي 26    نوتينغهام يواصل تألقه بفوز رابع على التوالي في الدوري الإنجليزي    في أدبي جازان.. الدوسري واليامي تختتمان الجولة الأولى من فعاليات الشتاء بذكرى وتحت جنح الظلام    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    السلطات الجديدة في سوريا تطلق عملية بطرطوس لملاحقة «فلول النظام المخلوع»    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    وطن الأفراح    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    المملكة ترحب بالعالم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    مسابقة المهارات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تزور معاملها في فرنسا عطور نينا ريتشي رمزها حمامة وأريجها يفوح على 130 بلداً
نشر في الحياة يوم 15 - 06 - 1992

في كل ثانية من الثواني تباع زجاجة من عطر ريتشي L'AIR DU TEMPS في انحاء العالم ومن الصعب اعطاء المعنى الحرفي لهذه العبارة بالعربية نظراً لشاعريتها وللأجواء التي ولد فيها هذا العطر الاستثنائي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، اي في سنة 1948.
من الممكن ان نطلق عليه تعبير "مناخ الزمن". ومن الممكن ان يحمل معناه لغة العصر ونسمة ثوانيه المتلاحقة على ضربات التطور السريع لأيام تريد ان تخلع كل تعاسة الحرب عن اكتافها وترتدي حلة جديدة فخمة تقوم على الشاعرية والحلم. فهذا العطر الذي ابتكره روبير ريتشي، ابن نينا ريتشي الطموحة، لا يزال يحكي منذ ولادته وحتى الساعة تقاليد اصيلة من الحس الدقيق والذوق الرفيع وشكل زجاجة كريستالية تحنو عليه بسدادتها الحمامة، رمز السلام ولهفة النفوس الدائمة اليه.
طقوس خاصة في تعبئة هذا العطر، في معمل "أوري"، على خطوات من مدينة فونتنبلو الشهيرة عبر التاريخ بغاباتها النقية الخضراء الشاسعة وبتاريخها العريق الذي يختصر بقصرها التحفة. لقد اراد روبير ان يكون هذا المصنع الذي بناه بجمالية هندسية خاصة قبل 18 سنة، على مستوى "مناخ الزمن" في عطره الرائع وفي "كريستاليته" غير العادية.
صرح حديث جداً يتطاول امتداداً في بقعة خضراء تتوزع بين الحشائش المشذبة وبين الاشجار المتناسقة وبين شتلات ازهار تُغاوي المقاعد المتباعدة المنثورة هنا وهناك لكل من يريد ان يأخذ نسمة من راحة. وفي هذا الصرح الواقع على محاذاة الطريق العالمي الجنوبي لفرنسا، تسكن جميع الآلات الحديثة لحضن العطر وتحضيره للتعبئة والتغليف يدوياً.
وربما كانت التعبئة اليدوية هي الخاصية الاساسية لعطر "مناخ الزمن" وللعطور الشقيقة الخارجة من دار ريتشي.
كلام مسؤول
تقول الكونتس الشابة "انجليكا اندلو هامبورغ" المسؤولة عن العلاقات الخارجية في دار ريتشي ل "الوسط": "لقد كثر الطلب على عطر "مناخ الزمن" ولم يعد المصنع القائم في منطقة غارين بالضواحي الباريسية يستطيع تلبية الطلبات فقرر روبير ريتشي ان يبني مكاناً فريداً من نوعه في فرنسا لتعبئة العطر. كان يملك بيتاً ريفياً وملعباً للغولف قريباً من "اوري". وشجعه احد اركان ريتشي في الانتاج، ويدعى "ليمير" على الاستقرار في هذا المكان الجميل. كان ليمير يدير المصنع العطري منذ فترة طويلة. وحين خرج منه الى التقاعد ترك وراءه 36 عاماً من العمل المتواصل".
مصنع العطر الأخضر
اقتنع روبير ريتشي بالفكرة وبنى المصنع الاخضر بمسبحه الذي يستخدم لاطفاء الحريق بواسطة اقنية سفلية ايضاً، على صورة مناخ الزمن. وأقام فيه مكتبه الخاص، واحتل منه شقة صغيرة فوق مكتبه ليكون على مقربة من ال350 عاملة وعاملاً في مجال التعبئة والتوضيب باليد. وجعل المصنع صورة عن المثالية في العمل والتعامل. فالكل مسؤول وشريك في انتاج العطر الكريستالي الانيق. وكل الاجواء مهيأة لكي يكون الانتاج في الافضل الاكيد وتكون العاملة في الاحسن المؤكد.
لذا فان زيارة قاعة التعبئة الواسعة جداً في الطابق الثاني من المصنع تعطي شرحاً فورياً عن اجواء العمل التي تشبه طقوساً احتفالية قائمة بذاتها. مئة وعشرون عاملة في القاعة. شابات ومتوسطات في العمر يرتدين اثواباً من نوع "شميزية" بألوان زهرية وزرقاء مخططة بالأبيض. كل عاملة، حسب ما ذكرته انجليكا، تختار لون الثوب الذي تريده. العنصر النسائي في هذه القاعة هو السائد. تعبئة عطر "مناخ الزمن" له طقوسه الانثوية الرهيفة. من بعيد جداً، هناك مراقب مهمته الاشراف على نقل الزجاجات المعلبة الى قاعات اخرى حيث يجري توضيبها في صناديق خاصة، وللتصدير حسب الطلب.
ذلك انه ليس هناك من مخزون عطري عند ريتشي، لأن التعبئة تجري حسب الطلب. والمخزون المتوافر لهذا الطلب لا يجوز ان يبقى في المصنع اكثر من اسبوعين وهي المدة الكافية للتوضيب النهائي والشحن. وعلى عكس ما يجري في قاعة التعبئة، فان الرجال هم الذين يعملون في قسم التخزين والشحن وبإشراف نسائي هذه المرة. كان روبير ريتشي الذي كان يحب الرولز رويس ولعب الغولف والأناقة الارستقراطية المتناهية يقول: "يجب ان يكون العطر تحفة فنية. فان نقوم بتجميل المرأة وان نبرز جاذبية وسحر شخصيتها، فهذا يعني اننا نقوم بتجميل الحياة بحد ذاتها. لقد كان هذا هو طموحي دائماً، وهذا ما كانت عليه فلسفة والدتي نينا ريتشي".
في قاعة التعبئة
يصل العطر الثمين الى قاعة التعبئة والتعليب الصامتة من براميله اللامعة الحديثة الواقعة في الطابق السفلي من المصنع الى جانب المختبر الذي يشبه غرفة عناية فائقة في احد المستشفيات العالمية المعدة للحالات المرضية المستعصية. هذا العدد القليل الذي يشرف على هذا القسم الهام، يرتدي المراويل البيضاء كالأطباء المهووسين بنظافتهم. درجة الحرارة متوسطة. نسمات العطر تفوح وتصل الى ممر النباتات والازهار الياباني المسقوف، والذي يصل عبر الحديقة بين الاجنحة الاخرى من المصنع في ايام المطر والصقيع.
لا كلام في قاعة التعبئة، مع ان الصمت غير مفروض، تقول انجليكا: "ان العمل اليدوي يفرض الصمت بحد ذاته نظراً لوقته وروتينيته. ثم ان العمل يتم وفق ايقاع شخصي. العاملة تستطيع ان تعمل حتى نسبة 25 في المئة اكثر مما هو مطلوب منها اذا كانت ترغب بذلك من اجل تحسين راتبها. وهي ايضاً تستطيع ان تنتج الكمية المطلوبة في يومين فقط كما يمكنها ان تقوم بذلك على مدى اسبوع كامل. بعض العاملات يعملن منذ 19 سنة في المهنة ذاتها".
منطقة "اوري" منطقة زراعية. ونينا ريتشي ارادت في يوم ان تخلق عملاً للنساء. وها هو روبير يحقق لها الامنية. فثمانون في المئة من مصنع أوري هو من الجنس اللطيف. والجو الذي اوجده مدير الانتاج السابق السيد "ليمير" ومن بعده السيد "فلورون"، هو جو عطري بكل ما في الكلمة من معنى. ستة اشخاص يهتمون بالحديقة. مطعم خاص بالمعمل يشرف عليه طبّاخ مهني وصانع حلوى من مستوى الذين يعملون في المطاعم الباريسية الشهيرة. وكل ذلك شرط ألا تدخل اية تقنية في التعبئة والتوضيب. فقط العمل اليدوي هو شعار المصنع.
والأيادي الناعمة لا تمل ولا تتعب متنقلة بين الزجاجات الكريستالية القادمة من مصنع كريستال لاليك. قفازات تلف الايادي احياناً. الزجاجات بشكلها المكور الاسطواني او المنحني تصطف امام عاملات التعبئة. كل زجاجة لها طقوسها التنظيفية الدقيقة قبل التعبئة. يعاد النظر بمسحها مرات عدة. حتى ذرة الغبار المخفية كالجنية الساحرة يجب ان تغيب. يسقط العطر في الزجاجات. تسجل العاملات ارقاماً على دفاتر امامهن تحمل التاريخ وألغازاً رقمية معنية. كل لمسة محسوبة في هذا المكان. كل حركة لها جمالها في هذا الصرح العطري. مئة الف زجاجة تخرج منه كل يوم. و25 مليون زجاجة تتوزع في العالم كل سنة. من "كور جوا" العطر الاول في دار نينا ريتشي ويعني فرح القلب او قلب فرح او القلب الذي يفرح، الى "مناخ الزمن" و "زهرة الازهار" و "كابريتشي" و "نينا" و "سينيوريتشي" وسواها من انواع عطور ريتشي، يخرج من هذا المصنع.
كل زجاجة لها رقم
تتبادل العاملات العمل في انواع العطور. بعد التعبئة والمراقبة يجري وضع السدادات. وتبقى السدادة الابرز بينها هي سدادة "مناخ الزمن" وهي حمامة مجنحة من الكريستال تقف باحكام على عنق الزجاجة المكورة البيضاوية وتغط عليها بجناحيها الكبيرين. قطعة فنية قائمة بذاتها تلخص ثقافة ما بعد الحرب العالمية الثانية. توق الناس الى السلام والى الانتاج الاقتصادي المرفه والفني العميق. بعد احكام الحمامة على الزجاجة، تجري طقوس إدخال الخيط الذهبي الذي يشد بواسطة قطعة قماش رقيقة كالشفافية المائية حول عنق الزجاجة، الى جميع الزجاجات. ويجري الترقيم من جديد وحتى وضع هذه الزجاجات في علبها الساتانية او الكرتونية الانيقة وحسب النوع والكمية المطلوبة، ووفق سرعة العاملة الخاصة بها والتي يلذ لها ان تعمل بهدوء وصمت، حتى اذا ما تعبت تخرج الى الحديقة لتدخن او تتناول فنجاناً من القهوة وتتأمل الطبيعة. هذا الايقاع في العمل جاء نتيجة تجارب عدة تتعلق بأجواء الانتاج المثلى. وكان آخرها تجربة العمل على انغام الموسيقى. وقد فضل عليها طريقة العمل بصمت.
كل زجاجة مصممة لعطرها بعد دراسة طويلة وشاقة. وهي واحدة في اشكالها لجميع البلدان ما عدا العلب التي تتغير وفق الطلب. فقد خصصت العلب الصغيرة نوعاً ما لليابان، نظراً لقصر قامة اليابانيين مثلاً، كما خصصت علب مذهبة للشرق الاوسط لأن الاذواق تميل الى ذلك.
مع هذا الايقاع الدقيق الذي يسير عليه العمل، يعتقد السيد "فلورون" النحيل الانيق والهادئ جداً، بفاعليته القصوى. يقول: "نحن لا نسجل اكثر من نسبة غياب واحد في المئة فقط. لدينا تقاليد صارمة يجب ان نحافظ عليها. مع ذلك فالعاملات سعيدات. العمل عند ريتشي هو عمل عائلة وهو عمل عائلي. عطر "مناخ الزمن" معروف من علبته الساتانية الصفراء. وقبل فترة اقترح "جيل فوكس" صهر روبير ريتشي ومدير داره العام، انتاج 12 زجاجة كريستالية ملونة لعطر AIR DU TEMPS. الشكل هو ذاته، لكن الحمامة تتلون بألوان زهرية وصفراء وخضراء وزرقاء وحمراء والى آخره. في كل سنة تخرج ثلاثة الوان فقط لعشرين ألف زجاجة مرقمة بأرقام خاصة منقوشة باللايزر. نحن الآن مثلاً في الرقم 8050".
في قاعة تخزين العطور في الطابق السفلي يوجد 160 ألف ليتر من العطر محروس من قبل كيميائيين يحملون شهادات اختصاص عالية. درجة الحرارة 15 درجة فقط. وعطر "مناخ الزمن" أغلى من الذهب لأن العمل اليدوي المطلق فيه يجعل كلفته هائلة. وهذا بغض النظر عن كلفة انتاجه بدءاً من الياسمين والورد ونهاية بالعطر الصرف الذي تبلغ تقنية تصنيعه درجة هائلة من العصرية والحفاظ على التقاليد المتوارثة في عائلة ريتشي.
عصر عطر ريتشي
بدأ عصر ريتشي العطري سنة 1946، ففي هذه السنة خرج اول عطر لريتشي يحمل اسم "كور جوا". باقة من الازهار الرقيقة اعطت نينا ريتشي مركزاً استثنائياً فورياً في عالم العطور. ازهار "الياقوتية" الزنبقية، ازهار بيضاء، ياسمين مدينة غراس، ورد ايار مايو، ازهار السوسن وسواها، تدخل في تركيبته. زجاجة بشكل قلب من كريستال، تحضنه. اللون زهري والرمز هو القلب.
في سنة 1948 ابتكر ريتشي عطر L'AIR DU TEMS. قال عنه: "هذا العطر يجب ان يكون ينبوع حلم". وليس من دون سبب يستمر عطر ما ويكسب نجاحاً عالمياً على مدى الزمن. انه عطر حساس، رومانسي، شاب، حي، متوازن، متماسك في تركيبته القائمة على المسك والعنبر والياسمين والصندال والغاردينيا والقرنفل والورد البهاري والايريزانتيم واليلانغ - يلانغ. زجاجته كريستال من ماركة لاليك تحمل حمامة السلام. اللون اصفر وذهبي. الرمز حمامات السلام.
في سنة 1961 ولد عطر كابريتشي من الياسمين والورد. عطر نسائي وعطر امرأة بكل ما في الكلمة من تعبير. غني بالطبيعة. تناغم استثنائي بين الورد والياسمين والغاردينيا والياقوتية الزنبقية وزهور إبرة الراعي. زجاجة كريستالية الماسية من لاليك. اللون اسمر زملي. الرمز وردة.
في سنة 1974 أطل "فاروش" FAROUCHE برأسه، جاء يحمل غنى نادراً ورهافة مطلقة، وتناغماً مع كل شخصية بمجرد احتكاكه بالبشرة. مزيج أخاذ من الحلبينة صمغ طبيعي راتنجي والليمون الأفندي والليمون البرتقالي واليلانغ - يلانغ والقويصة والهال وزهر العسل وعصير السنديان وأوراق البرتقال وقرنفل الهند والورد والصندال وزهر الوزال والسوسن. اللون مثل الشمس التي تشرق. يترقرق عطره في زجاجة كريستال لاليك التي تحمل رسماً مستوحى من لوحة غراناش. وهو يلخص "الفتك" العطري بكل ابعاده المعنوية التي تنبض من اسمه.
من لون الشمس المشرقة الى اللون الابيض في عطر "زهرة الازهار" ان صحت الترجمة عن اسمه بالفرنسية FLEUR DE FLEURS الذي ظهر سنة 1980. خليط من الياسمين والأزهار البيضاء وياسمين غراس وورد ايار واليلانغ - يلانغ والسوسن. باقة من الروائح المتشابكة ببعضها تكمن في زجاجة كريستالية منقوشة بزهرة. لون زهري وذهبي. الرمز زهرة خيالية.
ثم عطر "نينا" الذي جاء إحياء لذكرى والدة روبير ريتشي، يحمل اسمها الجميل ويلخص سيرة حياتها المناضلة. بزغ هذا العطر في سنة 1987. وتوجه لنساء تبلورت شخصيتهن على الوجه الأكمل، ورد وسوسن وياسمين وبنفسج وميموزا وزهر الليمون والقويصة واليلانغ - يلانغ والصندال والكشميشة السوداء والحبق والمخملية والنجيل الهندي. لون ابيض وذهبي. الزجاجة كريستالية مقلمة من لاليك. الرمز "المرأة المثالية" من نحت جانين جانة.
عصامية أم وابنها
في 8 آب اغسطس من سنة 1988 توفي روبير ريتشي بسكتة قلبية فجائية في الثالثة والثمانين من عمره. بعد ثلاثة اشهر من وفاته، كتبت ابنته آليت ريتشي ما يلي:
"ها هي ثلاثة اشهر مضت على وفاة روبير ريتشي. ومن اعماق الزمن، تبقى السلطة الوحيدة التي تستطيع تحدي ابدية الموت، هي سلطة ديمومة الذاكرة. هذه الفكرة التي ربحت دوماً في معركة النسيان تبقى تكمن في الاساطير والتاريخ. وتنقذ الاحياء والاموات من الموت".
وتتابع: "في النهاية، يجب ان نروي حكاية روبير ريتشي... كانت والدته ايطالية شابة في الواحدة والعشرين من عمرها، تحلم بالخروج من الفقر. كانت تزوجت قبل قليل من لويجي ريتشي. شاب جميل من فلورنسا توفي شاباً وترك ملامحه الدقيقة على وجه ابنه روبير الذي التصق بوالدته وحقق معها حلمه. ابتعد الفقر شيئاً فشيئاً. وبنى روبير لأمه دار ازياء والتفت هو الى العطور.
كان هناك قدر مشترك بين نينا وروبير. وكان حول روبير اولاد وأصدقاء ومستشارون وعمال ومساعدون. وكل واحد كان يعتبر نفسه من عائلة ريتشي، ويعتبر روبير مثلاً له. ان نينا ريتشي تبقى في شخص صاحبة الاسم وفي شخص الابن والشركة، الجبل الذي ينعكس في ماء البحيرة وللأبد. وسواء أكنا نعير انتباهاً لذلك لم لا".
بعد موت روبير ريتشي احتل "جيل فوكس"، زوج ابنته، مكانه. وينحدر "جيل" من عائلة كبيرة لها تاريخ طويل في ميدان العطور بمدينة غراس. درس الحقوق في جامعة اكسفورد بريطانيا ونال الدكتوراه من كلية الحقوق في باريس وعمل في حقل القضاء الدولي. ثم توجه للعمل في دار ريتشي وأسس قسم التصدير الخارجي الذي جعل منتجات الدار تتواجد في 130 بلداً يعمل فيها 24 الف موزع لعطورها. ودفع دار ريتشي الى انتاج مستحضرات التجميل الذي يكمل خط العطور الناجح بنوعيته وتقاليده العريقة، سنة 1992.
يقول جيل فوكس: "ان نينا ريتشي مفهوم عائلي محض. نحن كلاسيكيون وندعي هذه الكلاسيكية. ان امرأة ريتشي حساسة وعصرية ومحافظة. بالنسبة للرجل، نحن نطلب منه ان يملك نظرة مستقبلية".
في سنة 1936، اي بعد اربع سنوات من تاريخ تأسيس دار نينا ريتشي للأزياء في الرقم 20 من شارع دي كابوسين بباريس، اراد روبير ريتشي ان يبتكر شعاراً خاصاً لدار ازيائه. ورغب في ان يكون هذا الشعار رمزاً للانوثة والاناقة ويعبر عن فلسفة نينا ريتشي دفعة واحدة ويكون اعترافاً لها بموهبتها وسحرها. ففكر بلوحة "الربيع" لبوتشيللي، الشهيرة. في اللوحة ثلاث صبايا يرقصن بتناغم وعذوبة. ولم يتردد طويلاً في ان يعهد بتنفيذ الفكرة الى الفنانة الشابة ايليان بونابل. وهكذا تصدر شعار "ربيع الصبايا" جميع علب نينا ريتشي، جميع انتاج دارها على مدى نصف قرن تقريباً في ما بعد، في جميع انحاء العالم.
في سنة 1986 ابتكر روبير ريتشي عطر "فيلياس" للرجال، وبعده فتح مخزناً خاصاً بالأزياء الرجالية اطلق عليه اسم "ريتشي كلوب". وفتح بذلك درباً جديداً في منعطفات دار نينا الواسعة والمتعرجة. أدخل روبير في تركيبة هذا العطر، في ما أدخل: الحوامض التي يسيطر عليها الليمون الهندي، الأنيسون النجمي يشبه الشاي، الطرخون نبات زكي الرائحة، كبش القرنفل، القرفة، البهار الاسود، الهال، خشب الانبياء شجر اميركي، نجيل الهند، خشب الورد والصندال، رغوة السنديان، الباتشولي، فول التونكا ومستخرجات الطحالب. ومن هذه التركيبة ما توزع على العطر الخفيف المريح اللاذع وعلى العطر المثير والآخر الرجالي كثيراً.
في السنة التالية لظهور هذا الخط الرجالي في دار ريتشي، كان جيرار بيبار مصمم روبير المفضل ينتزع له جائزة الكشتبان الذهبي الثانية والعشرين، عن مجموعة ازيائه الراقية لربيع وصيف 1987. كان جيرار دخل "قبيلة" ريتشي سنة 1964 بعد ان خطفه روبير من داري ازياء بالمان وباتو اللتين عمل فيهما لحين.
لقد صادف حصول دار نينا ريتشي على هذا الكشتبان الذهبي الجديد مع نزول عطر نينا الى الاسواق تكريماً لصاحبة الدار. كانت المكافأة لروبير كبيرة وقد توجت مسيرة نصف قرن من حياته في ميدان الصناعة الجمالية الفرنسية، والأعز على قلبه منها هو ميدان العطور. كان روبير يكاد لا يفارق مكتبه وشقته الصغيرة في مصنع "أوري" لتعبئة العطور. مات بين الروائح النادرة التي دفعها الى تعطير اجواء المعمورة في اشد سنوات ظلامها. فعلى عتبة الحرب العالمية الثانية كان 450 شخصاً يعملون في الدار التي اسستها امه والتي بدأت عملها فيها مع أربعين شخصاً فقط.
ترك روبير ريتشي في "أوري" وحده، 350 شخصاً يعملون يدوياً في تعبئة العطور وفق فلسفته الخاصة "العطر يجب ان يكون تحفة فنية". نسبة ثمانين في المئة من العمال هي من النساء، كما جاءت الاشارة، يواظبن على تجميل المرأة وكذلك الحياة. كما كانت نينا ريتشي تريد للمرأة ان تكون، وكما امبراطوريتها قامت بالجهد وعرق الجبين. مكتب روبير ريتشي تحول الى قاعة اجتماع واستقبال. في زاوية "مستحية" منها يقوم سلم ملتو يقود الى شقته الصغيرة في الطابق الاعلى. لم يتغير فيها شيء. البراد والسرير وأدوات الطعام والعطور. وكما قالت أرليت ابنته "ان الجبل ينعكس في البحيرة ابدياً وسواء انتبهنا الى ذلك ام لا"، فان صرح "أوري" لعطور ريتشي ينعكس في بركة الماء الواسعة، كاسطورة تنقذ الاموات من الموت. هكذا يبقى ريتشي حياً في "مناخ الزمن" وفي "زهرة الازهار" و "القلب الفرح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.