أمام الرئيس الإيراني حجة الإسلام علي اكبر هاشمي رفسنجاني مشروعان لتحقيق "تحول" في العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة وإنهاء القطيعة بين البلدين: المشروع الأول يحمل اسم "الصيغة السورية"، والمشروع الثاني يحمل اسم "صيغة لاريجاني". والمعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر فرنسية وأميركية وثيقة الاطلاع على الشؤون الإيرانية تفيد أن هاجس رفسنجاني الكبير وغير المعلن، بعدما حقق أنصاره ومؤيدوه انتصارا كبيرا في الانتخابات التشريعية، هو إيجاد "صيغة جديدة واقعية وعملية" للعلاقات بين طهرانوواشنطن تكون مقبولة من الطرفين. وينطلق هذا الهاجس من أن رفسنجاني وعددا من مستشاريه والمحيطين به يعتبرون أن "التقارب" مع أميركا هو "المفتاح" الذي لا بد منه لدخول المجتمع الدولي بقوة، كما أن هذا التقارب يشكل "نوعا من الضمانة" بأن إيران "دولة مسؤولة ويمكن أن تثق بها الدول الأخرى" وأنها، بالتالي، تستحق الدعم والمساندة، خصوصا في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية، تماما كما حدث مع "دول كبرى" أخرى، كالصين والاتحاد السوفياتي السابق في الماضي. هل يعني ما يقوله أننا على أبواب تحول كبير في العلاقات الإيرانية - الأميركية؟ وما هو مضمون "الصيغة السورية" و"صيغة لاريجاني"؟ وهل هناك اتصالات سرية جارية حاليا بين طهرانوواشنطن لتحقيق مثل هذا التقارب بين البلدين؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من طرح سؤال أولي هو: لماذا يعلق رفسنجاني أهمية كبرى على إنهاء القطيعة مع الولاياتالمتحدة، وان كان يحرص كل الحرص على عدم التصريح أو التلميح بذلك علنا؟ هناك، بالطبع، عامل بديهي، وهو أن الولاياتالمتحدة هي اليوم - بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية وما رافق ذلك من تغييرات كبيرة في الساحة الدولية - القوة العظمى الوحيدة في العالم، والقوة الأولى المؤثرة في الشرق الأوسط، تسعى التقارب أو التعاون أو الصلح معها كل دول العالم تقريبا. وهناك عامل شخصي آخر غير معروف لدى الكثيرين، وهو أن بين رفسنجاني والرئيس الأميركي الحالي "علاقة سياسية سرية" تعود إلى الفترة التي كان فيها بوش نائبا للرئيس ريغان. فخلال الفترة بين 1985 و1987 جرت اتصالات سرية عدة، عن طريق أطراف ثالثة، بين رفسنجاني ونائب الرئيس الأميركي بوش، بل نوقشت فكرة عقد لقاء في عاصمة أوروبية بين الرجلين، وذلك في إطار العمل على إطلاق الرهائن الأميركيين المحتجزين في لبنان ومحاولة "فتح صفحة جديدة" في العلاقات بين طهرانوواشنطن. فرفسنجاني وبوش يعرفان يعضهما البعض من خلال تلك الاتصالات السرية، وان لم يلتقيا. وليس مستبعدا أن تكون جرت بين الرجلين "اتصالات هاتفية مباشرة"، خصوصا أن كلا من بوش ورفسنجاني يستخدمان "ديبلوماسية الهاتف" ويحرصان على الاتصال هاتفيا بعدد من زعماء العالم. لكن العامل الأهم والأقوى الذي يحرك الرئيس الإيراني نحو الولاياتالمتحدة ويدفعه إلى البحث عن "صيغة ملائمة" للتقارب معها، هو أن رفسنجاني يريد إعادة بناء الدولة الإيرانية في مختلف المجالات ويريد إقامة "الجمهورية الثانية" فعلا - كما يقول الخبراء في الشؤون الإيرانية - وهو ما لم يستطع تحقيقه حتى الآن على رغم أنه على رأس السلطة منذ حزيران يونيو 1989. والجمهورية "الرفسنجانية" مختلفة، بجوهرها وأهدافها، عن "الجمهورية الخمينية"، من حيث أن الثورة الإسلامية - وفقا لمفهوم الخميني - لن تكون هي المحرك الأساسي لإيران، في الداخل والخارج، بل ستكون مجرد "شعار سياسي وعقائدي كبير" يستعين به رفسنجاني لتحقيق هدف بناء الدولة الإيرانية الجديدة، سواء لمواجهة خصومه في الداخل أو لإيجاد "غطاء ملائم" للعلاقات مع بعض دول العالم العربي والإسلامي. ومن الملفت للانتباه، في هذا المجال، أن رفسنجاني يحاول الآن تفسير آراء وكتابات الخميني بطريقة تخدم أهدافه، فيقول أن الخميني لم يكن يعارض انفتاح إيران على العالم وتكيف المجتمع الإيراني مع متطلبات العصر الحديث، وأن الخميني كان يؤمن بأن الإسلام ديانة معتدلة قادرة على الوفاء بالحاجات المادية والروحية للإنسان. فقد حرص رفسنجاني، الأسبوع الماضي، على إلقاء كلمة أمام مسؤولين يقومون بتنظيم الاحتفالات لمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لوفاة الخميني 4 حزيران - يونيو - 1989 رد فيها على خصومه المتشددين الذين يتهمونه بالانحراف عن خط ومنهج الزعيم الإيراني الراحل، وقال أن "الدعاية المتغطرسة" أعطت العالم صورة خاطئة عن الخميني وعن أفكاره ومعتقداته، وأضاف: "يجب ألا نقدم صورة ذات بعد واحد للإمام الخميني حسب أهوائنا". "الجمهورية الثانية الجديدة" رفسنجاني، إذن، يريد بناء "الجمهورية الثانية الجديدة"، وهو يحتاج قبل كل شيء إلى "إزالة آثار" الحرب الطويلة مع العراق وإعادة اعمار ما تهدم خلالها وتطوير الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية وتقليص حدة البطالة وتأمين انطلاقة جديدة للمجتمع الإيراني. وإذا كان رفسنجاني يؤمن بأن اتباع سياسة اقتصادية ليبرالية والانفتاح على العالم الخارجي وتطوير التعاون معه وتقوية دور القطاع الخاص وتخفيف القيود التي جمدت الوضع الاقتصادي في البلاد... إذا كان رفسنجاني يؤمن بأن هذا هو السبيل لتطوير وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، فان نجاح مثل هذه العملية متوقف على مجموعة أمور أبرزها: الحصول على قروض دولية وتسهيلات مالية من المؤسسات الدولية الكبرى، إقناع المستثمرين الأجانب وكذلك العرب بتوظيف أموالهم في إيران أو تمويل مشاريع كبرى أو المساهمة فيها، إقناع الآلاف من "العقول الإيرانية المهاجرة" التي غادرت إيران بعد الثورة بالعودة إلى بلادها والمساهمة في إعادة البناء، سواء عن طريق الاستثمار أو عن طريق الخبرات، الاستعانة بخبرات أجنبية لتحديث جوانب عدة من هيكلية الاقتصاد الإيراني، وادخال التكنولوجيا المتطورة إلى قطاعات ومجالات حيوية في البلاد. إن تحقيق هذه الأهداف لا يتطلب ، فقط، تغيير وتعديل مجموعة كبيرة من القوانين والقرارات المعمول بها في إيران منذ الثورة وقد بدأ ذلك فعلا بإلغاء قانون يمنع الأجانب من امتلاك أكثر من 49 في المئة من الشركات والمؤسسات في إيران وبإدخال تغييرات على قوانين أخرى، لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب، أولا وقبل كل شيء، أن تكسب إيران ثقة المجتمع الدولي وتحترم قوانينه، وأن تتخلى عن ممارسات جعلت منها "دولة غير مسؤولة" في نظر الكثير من دول الشرق الأوسط والعالم. كما يتطلب تحقيق هذه الأهداف أن تثبت إيران أن انفتاحها على العالم، وامتناعها عن تصدير الثورة وعن التدخل في شؤون الدول الأخرى عن طريق العنف، هي سياسة لا عودة عنها، وليست مجرد خطة تكتيكية مؤقتة. ويبدو رفسنجاني الآن، أكثر من أي وقت مضى، في وضع يؤهله لتنفيذ عملية إقامة "الجمهورية الثانية الجديدة": فالسلطتان التشريعية والتنفيذية وربما القضائي في يده بعدما فاز أنصاره والمؤيدون لخطه بأكثر من 70 في المئة من مقاعد مجلس الشورى البرلمان الإيراني - البالغ عددها 270 مقعدا - في جولتي الانتخابات التشريعية، وهناك انسجام كبير بينه وبين مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي، فيما خصمه الرئيسي - العراق - مهزوم ومعزول وضعيف. إضافة إلى ذلك تمكنت إيران، خصوصا بعد حرب الخليج، من تحسين علاقاتها مع عدد كبير من دول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا والعالم، وأثبتت أنها تحترم - فعليا - قرارات المجتمع الدولي، إذ أنها حرصت على عدم خرق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالعراق وليبيا، واتخذت سلسلة خطوات مثل الإفراج عن الرهائن الغربيين في لبنان والامتناع عن تقديم دعم كبير وحقيقي للشيعة في العراق حين انتفضوا على صدام حسين حاولت من خلالها أن تظهر أنها "بدأت تتغير" وتنسجم أكثر مع متطلبات وقوانين العالم الجديد. الظروف ملائمة جدا لرفسنجاني لكي يبني "جمهوريته الجديدة"، لكن الظروف المعيشية الصعبة في إيران تتطلب منه أن يحقق إنجازات على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية خلال فترة قصيرة نسبيا، وإلا فان الوضع يمكن أن ينقلب عليه. ويعتبر عدد من الخبراء الإيرانيين أن أمام رفسنجاني مهلة سنة على الأكثر لكي يثبت أنه قادر على تحسين الأوضاع في بلده. وإذا لم يحدث ذلك، فان صوت ونفوذ المتشددين - الذين لا تزال لهم مواقعهم ومراكز نفوذهم - سيقوى مجددا، وسيحاول هؤلاء تحريك الشارع ضده وضد سياسته "الفاشلة". وبعد هزيمة المتشددين في الانتخابات، لم يعد رفسنجاني يستطيع تبرير فشله - في حال حدث ذلك - بالقول أن "الأغلبية " في البرلمان تعرقل أعماله وخططه، أو تحميل خصومه مسؤولية عجزه عن تحسين أوضاع الإيرانيين. أميركا والخليج في الدائرة الأولى وبقدر ما يعلق رفسنجاني أهمية على تحرير وتحديث الاقتصاد الإيراني وعلى الانفتاح على العالم الخارجي والاستعانة برساميل واستثمارات وخبرات الدول المتطورة، بقدر ما تبرز ضرورة التقارب مع الولاياتالمتحدة. والواقع أن قضية العلاقات مع أميركا تدخل، مع موضوع الدور الإيراني في الخليج، في الدائرة الأولى من اهتمامات القيادة الإيرانية الحالية. فالتقارب مع أميركا يساعد على تقوية علاقات إيران مع دول غربية وشرق أوسطية عدة، ويفتح الكثير من الأبواب المغلقة في الغرب، ويسهل جذب الرساميل الأجنبية وحتى العربية إلى الساحة الإيرانية. منذ القطيعة عام 1979، نتيجة احتجاز رهان السفارة الأميركية في طهران، بذلت عشرات المحاولات السرية وغير السرية للتفاهم على صيغة معينة لتحقيق التقارب بين البلدين. لكن كل المحاولات باءت بالفشل. فالوضع الداخلي الإيراني والسياسة التي انتهجتها إيران منذ وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 وحتى وفاته في حزيران يونيو 1989 خصوصا سياسة تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج والقيام بعمليات مختلفة لزعزعة الاستقرار في عدد من دول المنطقة ودعم نشاطات إرهابية والقيام بأعمال ضد مصالح أميركا والغرب في الشرق الأوسط واحتجاز الرهائن في لبنان من قبل عناصر مؤيدة لطهران هذه كلها شكلت عقبات أمام أي تقارب مع الولاياتالمتحدة. وبعد وفاة الخميني امتنع الحكم الإيراني عن القيام بخطوات ملموسة للتقارب مع واشنطن تحسبا من ردود فعل المتشددين. في المقابل، سيطرت عقدة "احتجاز رهائن السفارة الأميركية حيال إيران طوال هذه السنوات، ووضع المسؤولون الأميركيون مجموعة شروط لإنهاء القطيعة مع طهران، أبرزها ضرورة إقدام القيادة الإيرانية على إحداث تغييرات جذرية وعميقة في مواقفها وخططها السياسية، خصوصا في ما يتعلق بضرورة وقف تصدير الثورة وأعمال الإرهاب والعنف والامتناع عن العمل على زعزعة الاستقرار في دول المنطقة. لكن خلال العام الماضي، وبعد انتهاء الحرب ضد العراق، أقدم رفسنجاني على خطوة اعتبر أنها يمكن أن تمهد لبدء حوار جدي مع الإدارة الأميركية. وهذه الخطوة هي تأمين الإفراج عن جميع الرهائن البريطانيين والأميركيين في لبنان، بحيث لم يبق إلا ألمانيان قيد الاحتجاز وقضيتهما مرتبطة بقضية الأخوين حمادي المعتقلين في ألمانيا. وهكذا بين 8 آب أغسطس و27 كانون الأول ديسمبر 1991 تم الإفراج عن البريطانيين الثلاثة جون مكارثي وجاك مان وتيري وايت وعن الأميركيين الستة ادوار تريسي وجيسي ترنر وتوماس ساذرلاند وجوزيف سيسيبيو وآلان ستين وتيري أندرسون كما تمت إعادة بقايا الكولونيل وليم هيغنز ووليم باكلي اللذين ماتا خلال احتجازهما. ولعب رفسنجاني دورا مباشرا في الإفراج عن هؤلاء، بل ترددت أنباء أن إيران دفعت لعناصر لبنانية مليون دولار ثمنا لكل رهينة. واعتبر المسؤولون الإيرانيون أن إطلاق الرهائن سيزيل عقبة أساسية أمام التقارب مع واشنطن، لكن ذلك لم يحدث. ويقول مسؤول إيراني بارز: "لقد خدعنا المسؤولون الأميركيون قالوا لنا أن الرهائن المحتجزين في لبنان هم العقبة الأساسية أمام أي تقارب بين البلدين. أطلقناهم، لكن لم تقدم واشنطن على أية خطوة سياسية تجاهنا ولم تبدل طبيعة توجهاتها حيالنا". التسلح والإرهاب وفي الفترة الأخيرة حدث تطوران جعلا القيادة الإيرانية تدرك أن عملية التقارب مع الولاياتالمتحدة لا تزال صعبة ومعقدة: *التطور الأول هو الحملة التي شنها المسؤولون الأميركيون على إيران لإقدامها على شراء كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية. فقد اتهم روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية القيادة الإيرانية بإنفاق ملياري بليوني دولار سنويا لشراء معدات حربية متنوعة من روسيا ودول أوروبا الشرقية سابقا والصين، تشمل طائرات حربية وصواريخ متنوعة ودبابات وغواصات، واعتبر أن هذه الصفقات "ليست فقط للتعويض عن خسائر إيران في الحرب مع العراق ولتحقيق نوع من التوازن العسكري مع بغداد، بل أيضا لزيادة قدرة إيران على التأثير والضغط على الدول المجاورة لها". وتحدث المسؤولون الأميركية، أيضا، عن وجود تعاون نووي بين إيران والصين وعن رغبة إيران في امتلاك الأسلحة النووية، وعن قيامها بتطوير صناعة الصواريخ لديها. ورأى المسؤولون الإيرانيون أن هذه الحملة الأميركية "ظالمة" إذ أن طهران تشتري أسلحة "لأغراض دفاعية ولإعادة بناء قواتها المسلحة". *التطور الثاني هو التقرير السنوي الجديد، لوزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب الصادر في نيسان إبريل الماضي والذي أكد، بصورة رسمية أن الولاياتالمتحدة لا تزال تعتبر إيران "دولة رائدة في مساندة الإرهاب" وترى أن ذلك يتم "بموافقة السلطات في طهران". وذكر التقرير أن إيران "دعمت علاقاتها العام الماضي مع الإرهابيين، وخصوصا الفلسطينيين منهم"، وأن طهران تقدم لهؤلاء "الدعم المالي والمادي والمشورة غالبا عن طريق السفارات". واعترف التقرير بأن إيران ساعدت على تأمين الإفراج عن الرهائن الغربيين في لبنان لكنه أضاف: "أن طهران أقدمت على هذه الخطوة لقناعتها بأن استمرار احتجازهم يسيء إلى محاولات رفسنجاني لتحسين علاقاته مع الغرب والحصول على المساعدة لتطوير وتحديث الاقتصاد الإيراني". وكشف التقرير، أيضا، أن إيران "استقبلت في أراضيها نحو 40 عنصرا من حزب الله الذين شاركوا في خطف الرهائن، وهناك احتمال بان تزودهم بهويات جديدة للحيلولة دون تعرضهم لعمليات انتقامية". إضافة إلى هذا التقرير أعلنت الخارجية الأميركية مطلع هذا الشهر أن "التحقيق السري في حادث تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين يشير إلى تورط إيران، إلا أن الأدلة الكافية ما زالت ناقصة". هل يعني ذلك أن القطيعة بين طهرانوواشنطن ستستمر وأن لا مجال للتقارب بينهما؟ الجواب هو: لا. فعلى رغم ذلك كله، لا تزال القيادة الإيرانية تراهن - وتعمل - على إنهاء القطيعة مع الولاياتالمتحدة. اللوبي الإيراني لكن رفسنجاني يتحرك بواقعية. فهو مقتنع تماما بان المصالحة الكبرى والكاملة مع الولاياتالمتحدة تحتاج إلى وقت طويل والى تغييرات جذرية في إيران وأيضا في السياسة الأميركية نفسها. وعلى هذا الأساس يعتبر رفسنجاني أن من الواقعي التفكير بصيغة تنهي القطيعة وتوفر "حدا أدنى" من التقارب مع الولاياتالمتحدة. وفقا لما ذكرته ل"الوسط" مصادر فرنسية وأميركية وثيقة الاطلاع على الشؤون الإيرانية فان رفسنجاني يدرس حاليا صيغتين: الأولى هي "الصيغة السورية" والثانية هي "صيغة لاريجاني". ولنتوقف عند كل منهما. 1- "الصيغة السورية" مستمدة من تجربة العلاقات بين واشنطن ودمشق، وفحواها أنه ليس من الضروري وجود تفاهم وتطابق كامل في وجهات النظر لكي يكون هناك "تفاهم ما" أو "مصالح مشتركة" حول قضية أساسية ومهمة للجانبين لإيجاد تنسيق وتعاون بينهما. فليس هناك اتفاق أو تطابق في وجهات النظر بين واشنطن ودمشق حول عدد من القضايا، لكن عرى رغم ذلك هناك علاقات جيدة بينهما وتنسيق وتعاون في مجالات محددة أبرزها عملية السلام لحل النزاع العربي - الإسرائيلي. فلماذا لا تتكرر التجربة نفسها بين إيرانوالولاياتالمتحدة؟ ووفقا للمصادر نفسها فان رفسنجاني ناقش هذا الموضوع بالذات في المحادثات الأخيرة التي أجراها مع الرئيس حافظ الأسد. 2- الصيغة الثانية هي "صيغة لاريجاني"، وصاحبها هو محمد جواد لاريجاني مستشار رفسنجاني للشؤون الخارجية وقد فاز في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وقد سبق لاريجاني أن أجرى اتصالات سرية مع مسؤولين أميركيين، كما أنه على اتصال مستمر بمجموعة أميركية تنشط في الولاياتالمتحدة وتشكل نوعا من "اللوبي الإيراني" الذي يعمل لتحقيق التقارب بين واشنطنوطهران ويقدم النصائح والمشورة" إلى المسؤولين الإيرانيين" ويعتبر لاريجاني أن "التقارب مع الولاياتالمتحدة أمر لا بد منه وهو من مصلحة ايران وأميركا" كما يرى أن هذا التقارب "ليس أمرا مستحيلا لكن من الأفضل العمل بسرية لتمهيد الطريق أمام بدء حوار رسمي أميركي - إيراني". ويعتبر لاريجاني أنه "ليس من الضروري التفاهم على كل شيء وإزالة كل العقبات وحل كل المشاكل بين البلدين لكي يحدث تقارب بينهما، خصوصا أن المشاكل متعددة "بل يرى أنه يمكن أن يكون هناك "حد أدنى من التنسيق والتعاون" بين واشنطنوطهران حتى "قبل استئناف العلاقات الديبلوماسية بشكل كامل بينهما" في المرحلة الراهنة. وفي إطار هذا "الحد الأدنى من التقارب" يمكن معالجة وحل المشاكل العالقة بين البلدين، سواء ما يتعلق منها بتوجهات السياسة الإيرانية أو ما يتعلق بالإفراج عن الأموال والممتلكات الإيرانية المحتجزة في أميركا منذ سقوط الشاه، والبالغة قيمتها أكثر من 10 مليارات بلايين دولار، أو ما يتعلق بإلغاء العقوبات الاقتصادية على إيران التي تحول دون وجود علاقات تجارية واقتصادية مع الولاياتالمتحدة. وانطلاقا من هذا "الحد الأدنى" يمكن حدوث تقارب تدريجي، خطوة خطوة، بين واشنطنوطهران. هذه هي صيغة لاريجاني. وتؤكد مصادر غربية وثيقة الاطلاع ل"الوسط" أن هناك اتصالات سرية، مباشرة وغير مباشرة، جارية حاليا بين الإيرانيين والأميركيين لبحث إنهاء حال القطيعة بين البلدين، في ضوء "صيغة الحد الأدنى"، وتتوقع أن تزداد هذه الاتصالات بعدما عزز رفسنجاني مواقعه في إيران. وأشارت هذه المصادر إلى أن اجتماعا سريا عقد في إحدى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية أخيرا بين سايروس فانس وزير الخارجية الأميركي السابق والذي كان مسؤولان عن الملف الإيراني في عهد كارتر وبين مسؤول وزارة الخارجية الإيرانية. هل يمكن توقع حدوث "مفاجأة" في العلاقات الأميركية - الإيرانية قريبا؟ الخبراء في الشؤون الإيرانية يستبعدون حدوث أي تطور مهم قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. لكن الحوار قائم ومستمر، على رغم الظواهر التي توحي عكس ذلك. فإذا كان رفسنجاني يبحث عن أميركا وعن صيغة للتقارب معها، فان بوش، أيضا، يبحث عن صيغة كهذه على أساس أن "جذب إيران" يحقق مكاسب سياسية واستراتيجية مهمة ويساعد على إحداث تحولات جذرية في السياسة الإيرانية.