قرأنا بالإنكليزية لصحافي إسرائيلي قوله أنه بعد أربع سنوات ونصف السنة من الانتفاضة أصبح الفلسطينيون يقولن "إنت فوضى" بدل "انتفاضة". وبما أن الفرق بين الكلمتين بالإنكليزية حرف واحد، فهو بنى المقال كله على شعار "أنت فوضى"، إلا أنه لم يجد ما يستشهد به سوى الخلاف بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، واعتبر انتصار القائمتين اللذين دعمتهما حماس في انتخابات غرفتي التجارة في الخليل ورام الله دليلا على قرب نهاية الانتفاضة. طبعا الصحافي الإسرائيلي يتمنى ذلك، أما نحن فنتمنى أن يبقى كلامه أضغاث أحلام، والخلاف بين المنظمة وحماس في النهاية هو على طريقة التخلص من الاحتلال، وعدوهما واحد لا غير. وإن رفع الصحافي الإسرائيلي شعار "أنت فوضى" وحلم بنهاية المنظمة بعد ربع قرن، أو الانتفاضة بعد أربع سنوات ونصف السنة، فهو لم ير كلامه منشورا حتى فازت قائمة فتح في انتخابات غرفة التجارة في نابلس. وجميل أن يتعثر إسرائيلي بشعار، فالشعارات سهلة الحفظ والترديد، حتى يصدقها الناس، ولا يعرفون مدى فراغها من أي محتوى، وقد عانينا منها ولا نزال، فلا بأس أن يختبئ محلل إسرائيلي وراء شعار "إنت فوضى" حتى تخرجه الانتفاضة من الأراضي المحتلة. هذا لا يعني إننا تركنا الشعارات، ففي الأراضي المحتلة نفسها يردد المتظاهرون شعار "بالروح بالدم نفديك يا شهيد". وهو نسخة مرحلية من الشعار القديم "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين". وفدينا بالروح والدم كل بلد عربي تقريبا، وفي كل مناسبة تذكر أو نسيناها. وعندما كان القوميون يهتفون في لبنان "نار، حديد، دم" بصوت كالرعد، كان الشيوعيون يردون عليهم "شاورما"، على اعتبار أن الشعار يذكرهم بالأكل المحروم منه شيوعيو موسكو لا بفداء الأوطان التي فضلوا عليها أممية فارغة. في تلك الأيام كان أحد أكثر الشعارات استعمالا هو "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". وكانت هناك أمة ذات رسالة خالدة يوما إلا أنها بالتأكيد ليست هذه الأمة ولا يمكن أن تكون، ونافسه شهرة شعار "ثورة حتى النصر" ولم يسأل أحد "نصر من؟". هذه الأمة اختلفت هل يكون شعارها بعثيا: "وحدة حرية اشتراكية" أو ناصريا: "حرية اشتراكية وحدة". ولم يحقق الشعاران الوحدة والحرية. أما الاشتراكية فاكتشفا بعد فوات الأوان أنها اشتراكية الفقر. القوميون السوريون كانوا يهتفون "حرية واجب نظام قوة" وهو شعار خلا من أي موسيقى فنسيه حتى أصحابه. وكان شعار حزب الكتائب "الله الوطن العائلة"، وهو أيضا شعار لم يلتزم به أصحابه، وسمعنا منهم بعد ذلك "حبه أو غادره". عن لبنان. والشعار هذا منقول حرفيا عن الإنكليزية ويفتقر إلى موسيقى الشعار الأصلي الذي رفعه الأميركيون. إلا أن مليون لبناني عملوا به فتركوا بلدهم للذين "أحبوه" حتى خنقوه ضما وعناقا. وسمعنا يوما في لبنان شعارا طويلا طول الحرب هو: أيار خبر أيلول / الليل عنا بطوله / فدائيين وحاملين سلاح / نرمي سلاحنا مش معقول. وكان المتظاهرون يرددون بعد ذلك بصوت رهيب "الحل السلمي مش معقول... مش معقول... مش معقول". وعشنا حتى لم يبق شيء معقول غيره. ومع أن اكثر الشعارات العربية كانت مجرد تمنيات، كتمني الصحافي الإسرائيلي اليوم أن تتحول الانتفاضة فوضى، إلا أن أكثر الشعارات خطأ أو بعدا عن واقع الحال كان شعار الشيوعيين العراقيين "وطن حر، وشعب سعيد". والشعار لا يحتاج إلى تعليق. واليوم عدنا إلى حيث بدأنا ونسمع هتاف "بالروح بالدم نفديك يا شهيد". كما يردد أصحاب الانتفاضة شعار "ما في خوف، ما في خوف، الحجر صار كلاشينكوف" ويختار أنصار الجبهة الشعبية القول "بالطول بالعرض / شعبية تهز الأرض". ولعل الأرض تهتز يوما تحت أقدام الإسرائيليين بعد أن اهتزت تحت أقدامنا عقودا.