الاحد 12 نيسان ابريل الجاري لم يكن يوماً عادياً لرئيس الجمهورية الياس الهراوي. والسبب يعود بالدرجة الاولى الى الانذار او بالاحرى الى التحذير الذي حمله اليه سفير الولاياتالمتحدة في بيروت ريان كروكر... ويقع التحذير الاميركي، في اسطر عدة، وملخصه ان الولاياتالمتحدة ليست قادرة على ضبط اسرائيل بعد الآن، وان الوضع على حافة الانفجار ولم يعد يحتمل اي شكل من اشكال التصعيد على جبهتي الجنوب والبقاع الغربي، وان اي عمل عسكري قد يجر اسرائيل الى توجيه ضربة لا نعرف مكانها ولا زمانها. واستدعى الهراوي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ميشال المر، وعدداً من الوزراء وقائد الجيش العماد اميل لحود ومدير المخابرات العقيد ميشال رحباني وضباطاً آخرين، حيث عقد اجتماع ماراثوني سري لم يتسرب منه شيء، واستعيض عن تنظيم الحملات الاعلامية للرد على الانذار الاسرائيلي، باتصالات اقليمية ودولية جرت بالدرجة الاولى بين بيروتودمشق حيث ظل رئيس الجمهورية ووزير الدفاع على اتصال مع القيادة السورية، فيما تولى قائد الجيش العماد لحود وكبار معاونيه متابعة الموقف على الارض داعياً وحدات الجيش المنتشرة في الجنوب والبقاع الغربي الى الدفاع عن النفس، والتصدي بامكاناتها المتواضعة، لمحاولات التسلل التي يمكن ان تقوم بها القوات الاسرائيلية. وتأكد ان اكثر من اتصال جرى بين الرئيس الياس الهراوي والرئيس حافظ الأسد، لبحث الموقف الخطير في ضوء التحذير الذي نقله السفير كروكر، الذي لم يغرق في شرح تفاصيل الانذار بقدر ما ركز على وجود قرار لدى تل ابيب بشن عمليات عسكرية غير محددة الاهداف في عمق الاراضي اللبنانية. والشيء الوحيد الذي تسرب عن الانذار الاسرائيلي للبنان هو ان تل ابيب ستضطر للرد بكل انواع الاسلحة في حال تكررت العمليات العسكرية التي تقوم بها المقاومة على جبهتي الجنوب والبقاع الغربي، لا سيما ان هناك مجموعات غير لبنانية تشارك في هذه العمليات. ويقصد بهذه المجموعات، منظمة الجهاد الاسلامي في فلسطين التي كانت اعلنت مسؤوليتها عن نصب الكمين الذي استهدف دورية اسرائيلية - لحدية مشتركة في بلدة حولا المحتلة في قضاء مرجعيون - حاصبيا وعلى مقربة من الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. كما يقصد من وراء الانذار الاميركي، الرد على عودة بعض المنظمات الفلسطينية الى الجنوب ومنها حركة "فتح - المجلس الثوري" بزعامة ابو نضال، فضلاً عن استمرار تغلغل المسلحين في منطقة العمليات التابعة للقوات الدولية لحفظ السلام في الجنوب. وبكلام آخر، فإن واشنطن اعتبرت ان هناك مجموعة من المؤشرات الميدانية التي تدل على عودة "الفوضى المسلحة". واقترحت واشنطن بلسان سفيرها في بيروت، على الدولة اللبنانية، ان تبادر الى ضبط الوضع الميداني عبر تنفيذ مجموعة من التدابير والاجراءات الكفيلة بعدم تقديم ذرائع الى اسرائيل لتبرير اي عمل عسكري، تلجأ اليه، كرد على تصاعد العمليات ضد الجيش الاسرائيلي وأدواته في الحزام الامني. كما نصحت واشنطن بممارسة اقصى درجات الحيطة والحذر، حتى نهاية شهر حزيران يونيو المقبل، كي يستطيع لبنان اجتياز هذه المرحلة من دون حصول تطورات دراماتيكية في الجنوب، خصوصاً ان ما يهم الادارة الاميركية في الوقت الحاضر هو تأمين كل الشروط لاستئناف المفاوضات الثنائية في نهاية الشهر الجاري، ناهيك عن ان واشنطن تعتبر ان دخول اسرائيل في مرحلة انتقالية في ظل الاستعدادات الجارية لخوض معركة الانتخابات النيابية في حزيران يونيو المقبل يحتم على الجميع عدم السماح لزعيم تجمع الليكود اسحق شامير، بأن يستغل اي تصعيد في الجنوب للقيام بعمليات عسكرية واسعة يوظفها في معركته السياسية ضد حزب العمل. لكن سؤالاً يبقى مطروحاً: هل قرر لبنان ان يتعاطى بجدية مع التحذير الاميركي من قيام اسرائيل بتوجيه ضربة موجعة الى العمق اللبناني، ليس من باب الرد على تفجير السفارة الاسرائيلية في العاصمة الارجنتينية، وانما لاستعادة زمام المبادرة بحيث تتيح التطورات لاسرائيل اجراء تبديل في جدول اعمال المحادثات الثنائية؟ يجيب على هذا السؤال وزير لبناني بارز بقوله ل "الوسط" ان الانذار الاسرائيلي الذي نقله بلهجة تحذيرية حيادية السفير كروكر الى المراجع اللبنانية، لاعتقاد بيروت انها بحاجة الى دعم سوري مباشر في حال تقرر قطع الطريق على تل ابيب ومنع شامير من تسجيل انتصارات انتخابية، قبل بدء عملية الانتخاب، ويؤكد الوزير اللبناني البارز ان الاتصالات التي تولاها الرئيس الهراوي والتي شملت القيادة السورية اثمرت عن نتائج طيبة، اقلها ان دمشق سارعت الى الاتصال بالفصائل الفلسطينية، وأطراف لبنانية، بينها اطراف اصولية على علاقة وثيقة بالجمهورية الاسلامية في ايران التي تعاطت ايضاً بواقعية مع الجهود الهادفة الى ضبط الارض. ويعتقد الوزير اللبناني البارز ان دورة الاتصالات التي جرت بين دمشقوبيروت كانت مفيدة للغاية، وان الاجهزة الامنية اللبنانية - السورية نقلت الى جميع الاطراف وجود رغبة مشتركة بقطع الطريق على اسرائيل باحداث ارباكات على الساحة اللبنانية، يمكن ان تتسلل منها الى عمق القضية اللبنانية.