الخطة التي وضعتها اسرائيل لتحويل قسم من الجنوب والبقاع الغربي الى "أرض محروقة" أحبطتها او أوقفتها الى حين، مداخلات قامت بها الولاياتالمتحدة لدى الحكومة الاسرائيلية واتصالات لبنانية - سورية ومساع لبنانية وسورية لدى القيادة الايرانية. وقال وزير لبناني بارز شارك في الاتصالات المحلية والخارجية لپ"الوسط" ان طبيعة الحشود الاسرائيلية لم تكن بهدف القيام باجتياح واسع النطاق، بقدر ما كانت لتحويل بعض المناطق في الجنوب والبقاع الغربي الى ارض محروقة، تريد من خلالها اثارة البلبلة واحداث ارباكات بوجه الحكومة اللبنانية. واضاف الوزير ان الخبراء العسكريين، رأوا في طبيعة الحشود الاسرائيلية التي ينقصها الاعداد الكافية من المشاة، بداية الاعداد لتطبيق سياسة الارض المحروقة، والا لما كانت اكتفت بحشد الآليات والدبابات وزرع بطاريات المدفعية ما بين "الشريط الحدودي" والحدود الدولية بين البلدين. وأوضح "ان الوضع في الجنوب يختلف كلياً عن الاوضاع التي كانت سائدة قبل عام 1982، ناهيك عن ان اسرائيل تعرف قبل سواها ان دخولها الى مناطق جديدة لن يكون اشبه بنزهة سريعة تقوم بها من دون ان تلقى مواجهة عنيفة من قبل المقاومة الوطنية والاسلامية ومن جانب وحدات الجيش اللبناني التي لديها من الاوامر الصريحة ما يجيز لها الرد على مصادر النيران. كما ان تل ابيب تخشى ان تتسبب العملية الكبيرة بانزال خسارة في القوة المجتاحة لا تحتملها الحكومة الاسرائيلية بصرف النظر عن النتائج التي ستحققها". من هنا فان الدوائر الديبلوماسية الغربية في بيروت، تعتقد ان الجنوب تجاوز لعبة الخطر من دون ان يتجاوز استمرار التوتر العسكري المترتب على تصاعد العمل المقاوم، وهي لا تؤيد في المطلق المخاوف التي كان عبّر عنها رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري في احاديثه امام زواره لجهة خشيته من ان تأتي الهدنة غير المعلنة، بالنتائج نفسها التي جاءت بها الهدنة التي كانت ابرمتها منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت مع الاممالمتحدة بالنيابة عن تل ابيب وقادت الى تحضير اسرائيل للاجتياح الواسع الذي قامت به للبنان في حزيران يونيو 1982. لذلك فان بري نشط باتجاه حزب الله، والسفارة الايرانية في بيروت وتوصل معهما، حسب اوساطه، الى وقف التراشق بالصواريخ، بغية اسقاط الذرائع الاسرائيلية التي تستهدف ضرب الفرصة الجديدة التي تتمثل بالحكومة الحريرية لانقاذ الوضع الاقتصادي واعادة لملمة الحالة السياسية التي بدأت تشهد تراجعاً من شأنه ان يهدد مسيرة الوفاق الوطني. وشارك على خط الاتصالات وزير الدفاع السيد محسن دلول، الذي انتقل الى دمشق وطلب منها القيام بدور ضاغط لمنع حصول مضاعفات جنوبية يترتب عليها انعكاسات سلبية على مجمل الوضع اللبناني، كما شارك في الاتصالات الدولية وزير الخارجية فارس بويز. ولم تثمر الاتصالات عن نتائج ملموسة، الا بعدما تقرر القيام بدور لبناني - سوري لدى طهران، التي يبدو انها استجابت لمتطلبات الساحة اللبنانية وبادرت الى التدخل لدى "حزب الله" لوقف التراشق بالصواريخ، والاستعاضة عنها بمواصلة العمليات العسكرية داخل "الحزام الامني". وعلمت "الوسط" ان رئيسي الجمهورية الياس الهراوي والحكومة رفيق الحريري شاركا في الاتصالات، بعدما تبلغا من الجانب الاميركي ان واشنطن مستعدة للتدخل، لكنها تطلب مساعدة لبنانية لدى الاطراف المحلية بحيث تكون قادرة على الضغط على اسرائيل. ويبقى السؤال المطروح: هل توقفت الحرب في الجنوب، من دون ان يتوقف التراشق اليومي والامتناع عن مواصلة التصدي للاحتلال الاسرائيلي، وما هي النتائج التي حصدتها الاطراف المعنية على كل الصعد الخارجية والمحلية؟ يبدو ان كل طرف من الاطراف المحلية والاقليمية والدولية حقق مايهدف اليه، من خلال وصول الوضع الى التصعيد الاقصى قبل ان يحل مكانه الانفراج الذي تجلى في سحب الحشودات الاسرائيلية. فبالنسبة الى طهران، فانها استجابت للاتصالات التي تولتها دمشق بناء على طلب الحكومة اللبنانية بعدما شعرت بأن المشكلة لا تعالج في استخدام الادوات المحلية من دون استقدام مداخلات دولية واقليمية، خصوصاً ان الاتصالات التي قامت بها الحكومة اللبنانية، وبالتحديد في اعقاب الاشتباك الذي وقع بين الوحدة الفيدجية وعناصر من "حزب الله" في بلدة صديقين في منطقة عمليات القوات الدولية، لم تؤد الى نتائج ملموسة، لا بل ابدت الخارجية اللبنانية تخوفها على مصير قوات "الطوارئ" في ضوء البيان الذي صدر عن "حزب الله" وتعرض فيه لدورها "غير الحيادي في منع المقاومين من تأدية واجبهم". ولم تكن الاستجابة الايرانية على وجه السرعة، الا بعدما شعرت بأنها نجحت في تمرير رسالة الى واشنطن اعلمت الرئيس الجديد بيل كلينتون بدورها الاقليمي في المنطقة. كما ان دمشق قررت التدخل في الوقت المناسب، لتأكيد رغبتها القاطعة في مساعدة رئيس الحكومة رفيق الحريري، وعلى خلاف ما يتردد بأنها وافقت على مجيئه بهدف احراقه. فدمشق ليست بحاجة لتأكيد دورها الفاعل والمميز على الساحة اللبنانية، ولا تشعر بحرج تجاه التعاون مع الحكومة التي يرئسها الحريري الذي تؤكد اوساطه انه لن يختلف في السياسة مع سورية لا بل سيستمر في التعاون معها على غرار تعاونه الذي سبق تكليفه تشكيل الحكومة. كذلك نجحت دمشق في تمرير رسالة الى كلينتون واشعار الاطراف المحلية ومن ثم ايران بأن الساحة اللبنانية غير متروكة لتسديد حسابات اقليمية وان كانت تتقاطع مع طهران في عدم التفريط بورقة المقاومة على قاعدة اشعارها بأن دورها في بيروت يمر عبر البوابة السورية. واوقفت هذه الاتصالات الاستمرار في ممارسة لعبة الحسابات الاقليمية بعدما نجحت الحكومة اللبنانية في قطع الطريق على اية محاولة للايقاع بينها وبين "حزب الله" على رغم ان نوابه حجبوا الثقة عن الحكومة ولم يحجبوا الابقاء على التواصل والاتصال معها، والدليل اللقاء الذي عقد في نهاية جلسة المناقشة بين الحريري والنائب السيد ابراهيم امين السيد في حضور بري، وظل بعيداً عن الاضواء. وبالعودة الى الموقف السوري فان دمشق اظهرت للجميع رغبتها في عدم ممارسة لعبة الاحراج بوجه الرئيس الحريري تمهيداً لاخراجه وفي افهام الجميع بعدم القفز فوق الخطوط الحمر او تجاهلها، حتى انها توجهت بعتاب الى بعض النواب لغيابهم عن جلسة الثقة او بسبب عدم منح الحكومة الثقة، وطاول العتاب وزير الداخلية السابق اللواء سامي الخطيب. وهكذا فان الاتصالات ادت الى حماية ورقة المقاومة وعدم التفريط بها في الهواء الطلق ومن دون اي ثمن طالما ان تل ابيب تصر على التوصل الى اتفاق امني مع لبنان، على حساب تطبيق القرار 425. وهناك من يذهب في معرض تبريره للاسباب الكامنة وراء ضبط الموقف في الجنوب وعلى وجه السرعة، الى ان دمشق ارادت بدورها ان تختبر كلينتون لمعرفة ما اذا كانت مواقفه الانتخابية ستبقى ملزمة له، ام انه سيبادر الى تعديلها مع تسلمه مهامه الرئاسية بحيث لا تبقى منحازة لصالح تل ابيب. وسبقت تدخل دمشق "اتصالات سرية جرت بين فريق من المسؤولين الاميركيين الذين يستعدون لمعاونة الرئيس الاميركي الجديد والقيادة السورية وفي مقدمهم الرئيس السابق جيمي كارتر. وقد اظهرت هذه التطورات ان وصول "حزب الله" الى مجلس النواب لا يعني امكان ترويضه بسهولة، فيما المفاوضات تتعثر ولم تستقر على حد ادنى من النتائج السياسية التي تفترض البحث عن وضعية جديدة للجنوب، مما يعني ان لعبة شدّ الحبال ستتجاذب الارض، وستتراوح بين هبّة باردة واخرى ساخنة.