لم ينس المصريون اي "سيدة" تولت حكمهم من قبل، فالتاريخ يذكرهم بان حتشبسوث وكليوباترا وشجرة الدر جلسن يوما على عرض مصر، الا انه في التاريخ الحديث وبالتحديد منذ قيام ثورة تموز يوليو العام 1952 وحتى الان، فان الكلام والجدل قائمان حول صورة السيدة الاولى في مصر اي زوجة رئيس الجمهورية ودورها. التحقيق التالي يروي قصة زوجات رؤساء الجمهورية منذ عهد جمال عبدالناصر حتى وقتنا هذا مسلطا الضوء على دور كل منهن. لم تظهر تحية محمود كاظم في الحياة العامة ولم تسلط عليها الاضواء منذ تزوجت الضابط المصري جمال عبدالناصر في العام 1944. وطوال تاريخ حياة الزوج الذي اصبح في ما بعد زعيما لاكبر دولة عربية كانت تحية عبدالناصر افضل تعبير للقب "ست البيت"، ولم تهتم على الاطلاق بان يحولها وضعها كزوجة لرئيس الدولة "سيدة مجتمع" او "سيدة مصر الاولى". اهتمت بتربية اولادها وبناتها، وفي ليلة 23 تموز يوليو 1952 خرج جمال عبدالناصر يقود الثورة تاركا معها ثلاثة اطفال هم خالد ومنى وهدى، وبعدما صارت تحية زوجة "الزعيم ناصر" حيث انجبت له عبدالحكيم وعبدالحميد وظلت ترعى "الريس" وضيوفه من كبار رجال الدولة في منزلها البسيط بمنطقة منشية البكري بعيدا عن الاضواء. لم تدل تحية عبدالناصر باي حديث صحافي سواء للصحافة المحلية او الاجنبية، فتمتعت بما لم تتمتع به اي سيدة اخرى في موقعها حيث كانت تخرج بحرية وتشتري احتياجات منزلها واولادها وزوجها من دون طابور من الحرس او موكب رسمي، وظلت تمارس حياتها تماما كما كانت تفعل عندما كان زوجها "اليوزباشي" جمال الضابط الصغير في الجيش المصري. ظهرت مرتين ظهرت تحية عبدالناصر مرتين فقط في الصحف المصرية: الاولى في صورة نشرت اثناء استقبال الرئيس ناصر للامبراطور الاثيوبي هيلا سيلاسي العام 1960 وبدت في الصورة واقفة خلف عبدالناصر فيما لم يوضح التعليق المكتوب اسفل الصورة صفة السيدة التي تقف خلف "الزعيم". والمرة الثاني: كانت بعد وفاة عبدالناصر في ايلول سبتمبر 1970. وعن تحية عبدالناصر تقول باولين فريدريك المراسلة الصحافية في الاممالمتحدة عام 1968 في كتابها "اكثر عشر سيدات في العالم تعبيرا عن المرأة في بلدانهن": كان اهتمام تحية عبدالناصر بالرئيس ان تكون زوجة واما ومديرة منزل وكانت تفضل ان تنادي زوجها بپ"الريس" وهذا هو كل ما تريده. خرجت السيدة تحية عن صمتها عام 1986 حينما اثارت الصحف المصرية موضوع مخصصات رؤساء الجمهورية السابقين، وطالب بعض الكتاب باسترداد ما خصص لاسرتي السادات وعبدالناصر، ووصل الامر الى ساحة مجلس الشعب فارسلت السيدة تحية خطابا الى رئيس مجلس الشعب المصري تعلن فيه تنازل اسرة عبدالناصر عن استخدام استراحة المعمورة بالاسكندرية التي كان مجلس الامة خصصها للاسرة، وقالت في رسالتها: "اظن في ذلك انني اعبر عن القرار الصحيح الذي كان جمال يبادر باتخاذه لو انه كان في موقفي، واضعة تحت تصرف المجلس النيابي وفقا لقاعدة ان من يملك حق المنح يملك حق المنع، فالحملات الشرسة التي تعرض لها جمال عبر سنوات مضت حاولت استغلال القانون المذكور، ولكني لست على استعداد لان يحاول البعض تحويل تلك الرغبة او ذلك التقدير الى معابر للنيل من اسرة جمال". "سيدة مصر الاولى" ظلت السيدة جيهان السادات تثير الجدل داخل مصر وخارجها قبل وبعد رحيل زوجها محمد انور السادات في تشرين الاول اكتوبر عام 1981. فخلال حكم زوجها برزت كپ"نجمة" تسلطت عليها الاضواء واحتلت صورتها الصفحات الاولى في الصحف المصرية كما ان التلفزيون المصري لم يتوقف عن متابعة نشاطها بل وكثيرا ما كانت ضيفة في برامجه تتحدث فيها عن اسرتها وزوجها ورأيها في قضايا المرأة وايضا الامور السياسية سواء الداخلية او الخارجية. تعرفت السيدة جيهان صفوت للمرة الاولى على الضابط محمد انور السادات بالمصادفة خلال زيارته لصديقه حسن عزت في مدينة السويس حيث كانت هي ايضا تزور ابنة عمتها زوجة حسن عزت، وكانت يومها في السادسة عشرة من عمرها. وتقدم السادات بعد مدة قصيرة لخطبتها على الرغم من وجود زوجة له. وبعد التغلب على هذه القضية واقتناع اسرتها تزوجا في ايار مايو 1949 بعدما انفصل السادات عن زوجته الاولى بحوالي شهرين. وبعد نجاح ثورة تموز يوليو 1952، ونجاح السادات في التقدم الى الصفوف الامامية سعت جيهان السادات الى ان تكون صورتها تتناسب مع الاوضاع الجديدة. وبعدما كانا يسكنان منزلا صغيرا في منطقة الهرم تم تخصيص "بيت مناسب" للسادات واسرته كان من قبل احد بيوت الضيافة المطل على النيل، وكان يملكه قبل الثورة احد الاثرياء اليهود ثم فرضت الثورة الحراسة عليه وظل السادات في هذا المنزل حتى بعد انتخابه رئيسا للجمهورية خلفا لعبدالناصر في منتصف تشرين الاول اكتوبر 1971. وبعد تولي السادات حكم مصر عرف الشعب المصري للمرة الاولى لقب "سيدة مصر الاولى" الذي اختاره السادات لزوجته وردده بنفسه في اكثر من مكان علانية بعد نجاح حركته "التصحيحية" في آيار مايو 1971. وخرجت جيهان الى الحياة العامة بقوة وشمل نشاطها جوانب اجتماعية ومشاريع اقتصادية وعندما سئل السادات عن الترف الذي تعيش فيه اسرته قال: "ان زوجته من اصحاب الاعمال والمال فقد كان لها العديد من المشاريع الاقتصادية التي تدر عليها ارباحا داخل مصر وخارجها". نشاطات متعددة وفي الميدان الاجتماعي لم يتوقف التلفزيون المصري عن بث برامج وحملات اعلانية لمشروع "دار الوفاء والامل" بعد حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 الذي اقامته جيهان وترأست مجلس ادارته، وخصصت جهود هذه الدار لمساعدة جرحى الحرب واسر الشهداء والمعوقين من الاطفال. وفي وقت لاحق اصبحت جيهان السادات رئيسة للمجلس الشعبي لمحافظة المنوفية التابعة له قرية ميت ابو الكوم مسقط رأس زوجها. وكان لجيهان السادات نشاط كبير في مجال قضايا المرأة وبذلت جهودا كبيرة لاقناع السادات باصدار قرار رئاسي باضافة 30 مقعدا للمرأة في مجلس الشعب وتخصيص من 10 الى 20 في المئة من جميع المقاعد في المجالس الشعبية للمرأة وهو ما حدث بالفعل، ولعبت "سيدة مصر الاولى" الدور الرئيسي في تغيير قانون الاحوال الشخصية الذي صدر في 3 تموز يوليو 1979 واعطى المرأة المصرية حقوقا لم تكن في القانون القديم وتصدرت "السيدة الاولى" مقاعد مجلس الشعب اثناء مناقشة القانون لتعلن صراحة دعمها له وموقفها الواضح واصرارها على اصداره. واقتحمت جيهان السادات مجال التعليم وحصلت على شهادة الثانوية العامة اثناء تولي زوجها رئاسة الجمهورية ثم التحقت بقسم اللغة العربية في كلية الاداب في جامعة القاهرة وحصلت على درجة الليسانس عام 1974 وتم تعيينها "معيدة" بالكلية وحصلت على درجة الماجستير عام 1980، ومن بعده حصلت على الدكتوراه عام 1986، وخلال فترة حكم السادات لم تتوقف جيهان عن الادلاء بتصريحات واحاديث صحافية للصحافة المحلية والاجنبية، بل انها كانت ضيفة في بعض برامج المنوعات وتتحدث احيانا عن "الكرة" وتفخر بانها تشجع النادي الاهلي ويعجبها اداء اللاعب محمود الخطيب! وعلى مستوى الديبلوماسية الخارجية شاركت جيهان زوجها في معظم رحلاته الى الخارج بالاضافة الى نشاطها الخاص، ودعت في العام 1974 زوجات الرؤساء الافارقة والعرب لزيارة مصر واستجاب للدعوة ما يزيد على ثلاثين دولة، وتحدثت جيهان في اكثر من موقف في قضية فلسطين ومبادرة السلام وزيارة السادات للقدس وعلاقة مصر باسرائيل. وبعد اغتيال زوجها سافرت "السيد جيهان" الى الولاياتالمتحدة وعملت هناك في احدى الجامعات الاميركية، وهي جامعة "نورث كارولينا" لالقاء محاضرتين اسبوعيا عن النساء والحضارة المصرية. السيدة "المتوازنة" ترقب المصريون بعد وفاة انور السادات في تشرين الاول اكتوبر 1981 وابتعاد زوجته عن بؤرة الضوء موقف السيدة سوزان عقيلة الرئيس محمد حسني مبارك. وفي الوقت الذي كان الحديث والجدل مستمرين حول دور اسرة السادات اثناء فترة حكمه وانباء سفر جيهان للاقامة الدائمة في الولاياتالمتحدة، لم تظهر السيدة سوزان مبارك كوريثة للقب سيدة مصر الاولى كما كان يتوقع البعض، بل على العكس تماما لم تقدم على اي نشاط ملفت خلال العامين الاولين بعد تولي زوجها الحكم في نهاية العام 1981. وسقط لقب سيدة مصر الاولى من عناوين الصحافة ونشرات الانباء، وعاد لقب "قرينة السيد الرئيس" ليعبر عن صفة صاحبته وليس مكانتها او وضعها الاجتماعي، وبدأت السيدة سوزان مبارك قرينة السيد الرئيس في العام 1983 نشاطا اجتماعيا محدودا تركز في الاهتمام بجمعيات رعاية الامومة والطفولة والهلال الاحمر والمكتبات العامة وحدائق الاطفال والمدارس ودور الحضانة. وعلى الرغم من اتساع عملها الاجتماعي فان السيدة سوزان ظلت محافظة على عدم التحدث في امور بعيدة عن نشاطها، ولم تتناول الجوانب الخاصة بالسياسة المصرية الداخلية او الخارجية في اي حوار او لقاء وحصرت توجهها في نشاطات خاصة بالمرأة والطفل والبيئة. وفيما كان المصريون ينتقدون اسلوب السيدة جيهان السادات في الظهور وكثرة الكلام والوجود المستمر على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون، فانهم يشعرون بكثير من الرضا نحو السيدة سوزان مبارك، ويرون انها نجحت في خلق حالة من "التوازن" بين ادائها لرسالتها الاجتماعية بحكم انها زوجة رئيس الدولة وفي الوقت نفسه المحافظة على تقاليد وعادات مصرية قديمة وكذلك البعد عن مظاهر الترف وحب الظهور والبحث عن النجومية والاضواء.