الصفقة التي توصل اليها رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق شامير مع وزير الخارجية دافيد ليفي لحمل الاخير على التراجع عن استقالته من منصبه نجحت حتى الآن في تخفيف حدة الازمة التي فجرتها بين صفوف كتلة ليكود، ولكنها لم تنجح في وضع حد نهائي لها، فما زالت هذه الازمة تهدد بالانفجار مجدداً واحداث شرخ فعلي في صفوف الكتلة بفعل الانتقادات والتحفظات العديدة التي اتسمت بها ردود فعل انصار كل من شامير وليفي على هذه الصفقة. انصار شامير لم يبدوا ارتياحهم لتعهد الاخير باستمرار ليفي وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الحكومة في حال عودة الليكود الى السلطة، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في حزيران يونيو المقبل، فضلا عن منحه صلاحية اختيار منصب وزاري لأحد مقربيه، وتعيين آخرين في امانة كتلة ليكود، وفي لجنة اعضاء ليكود في الكنيست، وفي الوكالة اليهودية المعنية بصورة اساسية بتنظيم عمليات الهجرة اليهودية. ولم يكن من المستغرب ان تصدر اشد الانتقادات الموجهة الى هذه الصفقة عن وزير الدفاع موشي ارينز الذي يعتبر الخاسر الاكبر، من الناحية النظرية، من جراء هذه الصفقة، نظرا الى انها اتاحت لليفي فرصة الالتفاف على الهزيمة التي مني بها وانصاره في الانتخابات التي تمت في اواخر شباط فبراير الماضي لاختيار مرشحي كتلة ليكود للكنيست وتمخضت آنذاك عن فوز ارينز بالمرتبة الثانية على قائمة مرشحي ليكود بعد شامير، مؤكدا لنفسه بذلك الفوز بزعامة ليكود في حال نهاية عهد شامير. فالصفقة تمنح ليفي، من الناحية النظرية، المكانة الثانية في كتلة ليكود بعد شامير. ومن شأنها، في حال اتفاق ليكود وحزب العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية عقب جولة الانتخابات المقبلة، ان تزيح ارينز بعيدا عن اهم المناصب الوزارية وهي رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة المال، نظرا الى ان اي اتفاق على تشكيل مثل هذه الحكومة سيتركز على اقتسام هذه المناصب بين كبار مسؤولي كتلة ليكود وحزب العمل، اي بين شامير وليفي من جهة وبيريز من جهة اخرى. المراقبون لتطورات استقالة ليفي يؤكدون ان شامير وليفي توصلا في آخر لحظة وبعيداً عن المقربين منهما الى هذه الصفقة انطلاقاً من حرصهما على مصالحهما الشخصية. اذ يعلم شامير جيداً ان كتلة ليكود تمكنت من الوصول الى السلطة ومواصلة التمسك بها حتى اللحظة الراهنة بفضل فوزها بدعم ابناء الطوائف الشرقية السفاراديم الذي يدينون بالولاء لليفي. وبالتالي فان من شأن اصرار ليفي على استقالته ان يقضي على فرص فوز ليكود في الانتخابات المقبلة، والتي تعتبر فرصة شامير الاخيرة لتبوء منصب سياسي. وبالنسبة الى ليفي فان انشقاقه عن ليكود وخوضه الانتخابات في قائمة مستقلة يقضي على طموحاته مستقبلاً للفوز بمنصب رئيس الحكومة. ومن هذا المنطلق يعتقد هؤلاء المراقبون ان هذه الازمة اضرت بمركز ليفي محليا ودولياً، نظرا الى عدم تطرق صفقته مع شامير الى الاسباب الرئيسية الثلاثة التي كان علل بها استقالته، وهي: موقف حكومة شامير من العملية السلمية، واكثار وزراء كتلة ليكود من التهجم على الادارة الاميركية بسبب قضية ضمانات القروض، والمعاملة العنصرية التي يواجهها من الوزراء ذوي الاصل الاوروبي الاشكناز في حكومة ليكود بسبب اصله المغربي، وتشكل هذه المعاملة اهم الخلفيات التي افرزتها ازمة الاستقالة على الصعيد المحلي، اذ لم يسبق ان اقدم مسؤول من اليهود الشرقيين على التعبير عن حقده والمه من هذه المعاملة بالصورة التي تحدث بها ليفي امام مؤيديه، عندما ذكر ان ارينز وصفه مرة بانه "قرد نزل لتوّه عن الشجرة"، مردداً بذلك احد مصطلحات الاهانة والاحتقار المتداولة بين اليهود الغربيين حول اليهود الشرقيين. ولقد رسخت استقالة ليفي حقيقة طالما حاول المسؤولون الاشكناز في اسرائيل، بانتماءاتهم الحزبية المتعددة، طمسها، وهي ان ظاهرة الصراع الطائفي - العنصري ما زالت تلازم كافة جوانب الحياة في اسرائيل، بما فيها الجانب السياسي، فقد اوضحت هذه الاستقالة ان هناك قاسماً مشتركاً بين قيادتي العمل وليكود، هو منع ابناء الطوائف اليهودية الشرقية من الوصول الى السلطة، وابقاؤها حكراً على الاشكناز، تطبيقاً للمخططات الاولى التي رسمها قادة الحركة الصهيونية بتشكيل كيان يهودي اوروبي في المنطقة العربية.