متى أُخذت استقالة ديفيد ليفي وزير الخارجية الاسرائيلي، هذا اذا تمسك بها الى النهاية، في سياق العملية السلمية، تبدو هذه الخطوة اكثر من طبيعية، خصوصاً ان ليفي تحول الى مؤيد لاستمرار العملية في حين ان "بيبي" مصرّ على افشالها. تحرك ليفي المولود في المغرب، الذي جاء الى اسرائيل عام 1957، في الوقت المناسب، أي قبل اسبوعين من اللقاء المتوقع بين الرئيس بيل كلينتون ورئيس الحكومة الاسرائيلية. وقد سبق لوزير الخارجية الاسرائيلي ان ساهم في عام 1992 في ايصال حزب العمل الى السلطة عندما اعلن عشية الانتخابات ان تكتل ليكود الذي كان يتزعمه وقتذاك اسحق شامير يتخذ موقفاً عنصرياً من اليهود الشرقيين الذين يُعتبر ليفي احد ابرز وجوههم في اسرائيل. لم ينس وزير الخارجية المستقيل اصوله المغربية، وربما تذكر ان الملك الحسن الثاني الذي كان يعتبر ابرز الذين عملوا من اجل التعايش بين الاديان المختلفة في المنطقة، رفض حتى الآن استقبال بنيامين نتانياهو، بل رفض الرد على اتصالاته الهاتفية. بالطبع لم يتحرك ليفي فقط من زاوية حرصه على عملية السلام فحسب، بل انه اخذ في الاعتبار مصالحه ايضاً اذ تبين انه الخاسر الأول من اقرار الموازنة الجديدة بعدما حصلت كل الاحزاب المشاركة في الائتلاف على مكاسب باستثناء حزبه، ومن خلف ظهره. لقد شبع ليفي من اكاذيب نتانياهو ولم يعد امامه سوى الاستقالة التي سبق ان هدد بها ست مرات منذ تشكيل الحكومة في حزيران يونيو 1996. والأمل الآن هو ان تكون السابعة ثابتة مع ليفي الذي سبق لشامير ان همّشه عندما كان وزيراً للخارجية في حكومته وحضر مؤتمر مدريد للسلام مكانه، فكان ان ردّ عليه في الوقت المناسب اي بعد اكثر من سنة من انعقاد المؤتمر. والواضح ان الوزير المستقيل من اولئك الذين يؤمنون بأن الانتقام طبق يؤكل بارداً... وهو بالفعل كذلك! الآن، ماذا بعد الاستقالة، اذا تأكدت؟ لا شك ان حكومة نتانياهو لن تسقط غداً. ولكن ما لا يمكن تجاهله هو ان ارييل شارون، وهو المهندس الحقيقي لعودة ليكود الى السلطة اذ اقنع حزب ليفي مع حزب رفول ايتان بالانضمام الى ليكود قبل الانتخابات، بات يعتقد ان "مصير الحكومة معلق بخيط". ولم يتردد شارون في دعوة "بيبي" الى المبادرة الى اجراء انتخابات مبكرة. صحيح ان مثل هذه الانتخابات يمكن ان تكون مبرراً لتأجيل اتخاذ قرارات اساسية على صعيد عملية السلام، الا ان الصحيح ايضاً هو انها ستساهم في توضيح الصورة، اي في اعطاء جواب عن السؤال الحقيقي وهو هل ان في اسرائيل اكثرية تريد السلام بعدما تبين ان بنيامين نتانياهو ليس قادراً على ذلك وان كل همه محصور في كيفية التحايل على العملية وتدميرها على رغم ان مشروع السلام مشروع اميركي أولاً؟ لا شك ان قضية السلام في الشرق الأوسط دخلت مع استقالة ليفي مرحلة جديدة، والمرجح ان هذه المرحلة ستظهر ان العملية التي بدأت بمؤتمر مدريد اقوى من "بيبي" وان لا مجال لاستمرار لعبة التفاوض من اجل التفاوض... وان ما أقدم عليه وزير الخارجية الاسرائيلي خطوة طبيعية، بل اكثر من طبيعية