منح اميل حبيبي "جائزة الابداع الاسرائيلية". وكان اميل حبيبي منح منذ سنتين "جائزة الابداع الفلسطينية". واميل حبيبي اديب فلسطيني، او هو من "عرب اسرائيل" كما يقول الاسرائيليون، اشتهر كسياسي يساري وعضو في الكنيست في الخمسينات، ثم اشتهر كأديب عربي بعد هزيمة 1967 حين كتب "سداسية الأيام الستة"، وذاع صيته بعد "المتشائل" و"اخطية" اللتين ترجمتا الى غير لغة بينها العبرية، وآخر ما صدر له رواية "سرايا بنت الغول" عن دار رياض الريس للنشر. وحين نال "جائزة الابداع الفلسطينية" وقف اميل حبيبي في القاهرة امام ياسر عرفات وصافحه. ولكي ينال "جائزة الابداع الاسرائيلية" يفترض ان يقف اميل حبيبي امام مسؤول اسرائيلي ويصافحه… وفي اي وقت؟ في ذكرى ما يسميه الاسرائيليون "الاستقلال" في 15 أيار مايو وما نسميه نحن "نكبة فلسطين" التي كانت المقدمة الأساس لنكبات لاحقة. هل يقبل اميل حبيبي ان يصافح مسؤولاً اسرائيلياً في 15 ايار وينال الجائزة الاسرائيلية؟ الجواب لن يكون متسرعاً. فعلى رغم قبول اميل حبيبي الجائزة ودعوة محمود درويش الى رفضها وانقسام الوسط الادبي العربي حول الموضوع مع ميل الغالبية الساحقة الى رأي محمود درويش، فان الوقت متاح لاميل حبيبي ليراجع موقفه ويرفض، حتى في اللحظة الاخيرة. صحيح ان الرجل كان لفترة مديدة عضوا في الكنيست، لكنه الآن اديب يمثل في شخصه وفي أدبه الضمير الفلسطيني والعربي. ولم يحن الوقت، على رغم المفاوضات العربية الاسرائيلية المتواصلة، لكي يقبل هذا الضمير جائزة من يد مسؤول اسرائيلي.
جاء في حيثيات اعطاء اميل حبيبي الجائزة انه "جدير بجائزة اسرائيل الادبية لاعماله التي نشرها في البلاد بدءاً من الستينات. وانتاج اميل حبيب نوعية فنية لغوية خاصة. وهو قصصي تجريبي نجح في صقل اسلوب يجمع التراث العربي الادبي التقليدي مع الاسس العصرية الواضحة، وتتصدى اعماله الادبية للواقع الذي يعيشه عرب البلاد تصدياً مباشراً وحاداً، ولكن كتاباته تترفع عن اسلوب القص الواقعي الساذج، وأعماله وبينها "المتشائل" و"اخطية" ترجمت الى العبرية والى لغات اخرى واستقطبت عدداً كبيراً من القراء". وللجائزة الاسرائيلية قيمة مالية، وتسمي الفائز بها لجنة بينها عدد من انصار السلام مع العرب وانشاء دولة مستقلة للفلسطينيين. لكن الجائزة تتأكد لدى جهة سياسية وزارة الثقافة وتأخذ طابعاً رسمياً. وممن حصل على الجائزة الكاتب عاموس عوز المعروف بمواقفه المعتدلة ودعوته الى الانسحاب من الضفة الغربية وغزة غيّر موقفه بعد حرب الكويت والموقف الفلسطيني منها. ويعتبر اميل حبيبي اول عربي وكاتب بالعربية يمنح هذه الجائزة.
من حيث المبدأ كان لأي اديب ان يحظى بتقدير اية هيئة، ولكن، من حق الاديب ان يرفض جائزة او يقبلها. والوضع في حالة اميل حبيبي دقيق ومعقد. يقول بعض مشجعيه على قبول الجائزة ان ذلك يدعم الموقف الفلسطيني في محادثات السلام ويعزز الصورة الفلسطينية المسالمة والحق الفلسطيني في نظر العالم. وإذا كان هذا التبرير سياسياً فلا بد من الملاحظة ان لاميل حبيبي وزنه الشخصي لدى فلسطينيي الجليل، وقد ساهم مع توفيق زياد في ارساء تقليد يوم الارض والمطالبة بالمساواة في المواطنية بين العرب واليهود داخل اسرائيل. ونعتقد ان السياسة الاسرائيلية تريد ان تقول للفلسطينيين داخل الارض المحتلة وخارجها: هاكم… اننا نساوي اديبكم العربي بادبائنا العبريين… والحال ان المساواة غير موجودة، ويحتاج الشاب الفلسطيني الى معجزة ليبني غرفة يتزوج فيها قرب بيت ابيه، والفلسطينيون الذين تهضم حقوقهم وتصادر اراضيهم وتصم الآذان عن مطالبتهم بالمساواة لن يقتنعوا بأن "المساواة" في جائزة ادبية هي التعويض لهم عن حاضر صعب ومسقبل محفوف بالمخاطر، افكار ووقائع وهواجس عبّر عنها اميل حبيبي جيداً في ادبه.
قد يرفض اميل حبيبي في اللحظة الاخيرة ان يقبل الجائزة. وقد يستمر في القبول فيتسلمها. وخلال شهر ونصف الشهر سيستمر السجال في الوسط الثقافي العربي، والسياسي ايضا. وإذا غلّبنا الثقافي على السياسي، نتذكر كيف رفض جان بول سارتر جائزة نوبل انسجاماً مع رفضه المؤسسات الاوروبية القائمة، وكيف رفض بوريس باسترناك الجائزة اياها انسجاما ولو ظاهرياً مع المصلحة العليا لبلده الاتحاد السوفياتي لأن حيثيات الجائزة عرّضت بنظام ذلك البلد. وإذا غلّبنا الثقافي على السياسي عربياً، نلاحظ ان الثقافة العربية، التقليدية والحديثة، اكثر ممانعة من السياسة والسياسيين في شأن مهم هو القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين. فالثقافة في هذا المجال تعتبر ضميراً اجتماعياً ومجالاً للاحساس بالعدل وحق الانسان الاساسي بالعيش والحرية والانتماء، وحقه بماضيه وحاضره ومستقبله. هكذا، في الثقافة العربية كضمير، يبدو اميل حبيبي الاديب الفلسطيني العربي مدعواً لرفض الجائزة الاسرائيلية، في هذه المرحلة بالتحديد. والأمر عنده. وأدبه في كل حال يحظى بقبول الفلسطينيين والعرب.