يبدي المسؤولون التونسيون ارتياحاً كبيراً ازاء تطورات الاوضاع في الجزائر بعد "استقالة" الرئيس الشاذلي بن جديد وتمكن الجيش والسلطات المدنية من ضرب الجبهة الاسلامية للانقاذ والحيلولة دون وصولها الى الحكم واقامة "جمهورية اسلامية" في الجزائر. واذا كانت السلطة في تونس تبدي كثيراً من التحفظ في التعبير عن ارتياحها للتطورات التي حصلت في الجزائر الا ان هناك على الاقل سببين لذلك الارتياح: الاول، ابتعاد شبح قيام نظام اصولي في الجزائر اعلن صراحة انه سيسعى الى تصدير نمطه الى الدول المجاورة مع كل ما يعنيه ذلك من ضرورات امنية ودفاعية يفرضها الوضع على حدود تمتد مئات الكيلومترات. الثاني، اعتبار السلطة التونسية ان احداث الجزائر جاءت مؤكدة لصحة النظرية الرسمية التونسية بمنع قيام احزاب تستند الى الدين، على اساس ان الدين الاسلامي هو قيمة مشتركة بين كل افراد المجتمع وانه القاسم الاعظم بين كل الفئات ولا يحق لأحد ان يقول انه يتكلم باسم الدين او يحاول احتكار الحديث باسمه. وكانت النظرية التونسية تأكدت بضعة اشهر بعد تغيير السابع من تشرين الثاني نوفمبر 1987 حيث بدا ان السلطة كانت مستعدة لمنح الاصوليين ترخيصاً لجمعية ثقافية، قبل ان تكتشف مؤامرة ربيع 1991 التي تورطت فيها رموز مهمة من القيادة النهضوية. ولم يكن وارداً قط اعطاء النهضويين التونسيين رخصة حزب، خصوصا ان قانون الاحزاب التونسي ينص صراحة على منع قيام احزاب دينية. وتبدو السلطة التونسية اليوم فخورة، ولو دون اعلان ذلك، لما بدا من صحة موقفها في هذه المسألة مقارنة بما حصل في الجزائر. ولعل المرة الوحيدة التي شهدت خروجا على هذا التحفظ والتعبير عن صحة الموقف التونسي هي تلك التي تولى فيها الوزير الاول التونسي الاعلان عن صحة القرار في تونس بهذا الشأن، وان كان حدث ذلك في اجتماع مغلق مع الولاة. والواقع ان اعتراف السلطة الجزائرية في ايلول سبتمبر 1989 بحزب جبهة الانقاذ فاجأ تونس والمغرب، اذ يبدو ان الدول المغاربية كانت اتفقت بمناسبة القمة التأسيسية لاتحاد دول المغرب العربي في 17 شباط فبراير 1989 على ان يقع التشاور بشأن احتمالات الاعتراف بأي حزب ديني في بلدان المغرب العربي الكبير وعلى اساس استبعاد مثل ذلك الاعتراف. وكان الرئيس بن جديد قال للرئيس التونسي زين العابدين بن علي وللملك الحسن الثاني بمناسبة قمة تونس لدول اتحاد المغرب العربي في كانون الثاني يناير 1990 ان الاعتراف بحزب جبهة الانقاذ حصل دون علمه وبقرار من رئيس الوزراء الجزائري قصدي مرباح. وقد ادى هذا القرار فوراً الى اقالة رئيس الوزراء آنذاك في شهر ايلول سبتمبر 1989. غير ان بعض الاوساط التونسية المطلعة تقول ان بن جديد لم يكن ليخلو من ميول اصولية، وان زوجته الثانية السيدة حليمة بن جديد كانت تعلن صراحة وبدون مواربة عن تلك الميول. وتضيف تلك الاوساط ان الاتصالات كانت دائمة ومستمرة بين اسرة بن جديد ورموز جبهة الانقاذ. ويبدو ان هذه الاتصالات التي كانت تتم من وراء ظهر الحكومة هي التي زادت في تصميم قيادة الجيش الجزائري على التدخل قبل فوات الاوان وارغام الرئيس بن جديد على الاستقالة.