تحولت منطقة حلايب الحدودية، الخاضعة للسيادة المزدوجة المصرية السودانية، الى مدخل مناسب لمناقشة كل القضايا التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين، منذ الايام الاولى لتسلم البشير مقاليد السلطة في الخرطوم في منتصف العام 1989. وأدت الرغبة التي اظهرها البلدان، في تجاوز الخلاف العابر حول حقوق السيادة لكليهما على منطقة حلايب، الى اعتماد اسلوب الصراحة خلال المحادثات التي اجراها الرئيس المصري حسني مبارك مع ضيفه السوداني اللواء الزبير محمد صالح، نائب رئيس مجلسي الثورة والوزراء ووزير الداخلية. وكان المسؤول السوداني وصل الى القاهرة في العاشر من الشهر الجاري على رأس وفد ضم وكيل وزير الخارجية السوداني علي محمد عثمان يس. ولوحظ ان القاهرة، حرصت منذ اندلاع ازمة منطقة حلايب، على التعاطي مع الازمة كتوطئة لمكاشفة القيادة السودانية، ممثلة باللواء الزبير محمد صالح الذي كانت زيارته قد تقررت قبل نشوب الازمة الاخيرة، بكل القضايا العالقة بين البلدين، والتي تسببت في شبه قطيعة جمّدت العلاقات بين البلدين في فترة حرب تحرير الكويت. ويعود الاساس القانوني للسيادة الثنائية المشتركة على منطقة حلايب الى الاتفاقية التي انجزتها بريطانيا في العام 1899، والتي تحدد بموجبها خط العرض 22 كحدود سياسية بين البلدين اللذين كانا في حينه تحت السيادة البريطانية. وفي العام 1902، وبهدف تمكين السودان من رعاية مصالح القبائل التي تمتد مراعيها ومضاربها الى ما هو ابعد من الحدود السياسية، قامت سلطات الحماية البريطانية بتوسيع حدود السودان الادارية الى ما هو ابعد من خط العرض 22، اي اضافة مزيد من الاراضي المصرية الى الشريط الحدودي المتاخم للحدود السياسية التي نصت عليها اتفاقية 1899، لتصبح منطقة حلايب الواقعة على البحر الاحمر ضمن شريط الارض الذي تم الحاقه بالسودان. وفي العام 1958 رغبت القاهرة في استرجاع منطقة حلايب، والعودة مجدداً الى التخطيط الاول لاتفاقية 1899 واعتماده خطاً نهائياً للحددو بين السودان ومصر. الا ان حكومة عبدالله خليل في الخرطوم، والمعروفة بحكومة السيدين نسبة الى ائتلاف راعي طائفتي الختمية والانصار، رفضت طلب القاهرة. وكاد الخلاف الناشب حول حلايب ان يتحول الى نزاع حدودي مسلح، لو لم يغلّب الرئيس جمال عبدالناصر منطق التعايش وحسن الجوار على ما سواه، وبقيت منطقة حلايب خاضعة للسيادة المزدوجة. غير ان المثير للانتباه، في حيثيات الخلاف الجديد حول منطقة حلايب، ان الحكومة السودانية عمدت الى منح شركة انترناشيونال كوربوريشن الكندية حق التنقيب عن النفط في المنطقة، من دون اي تشاور مسبق مع الحكومة المصرية، عملاً بنصوص معاهدة 1902. في الوقت نفسه تفاقمت حركة الاحتجاج الشعبي في شوارع الخرطوم وام درمان ضد السياسة الاقتصادية الجديدة التي اعتمدها السودان نزولاً عند نصائح البنك الدولي، ريثما تتم الموافقة على جدولة ديونه.