القيادة الكويتية تهنئ خادم الحرمين بمناسبة اليوم الوطني ال (94) للمملكة    المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون يشيد بالمنجزات المحققة للمملكة بمناسبة اليوم الوطني ال 94    فيصل بن سلطان: المملكة نجحت في صناعة نهضة فريدة في مختلف الأصعدة    سقوط 17 قتيلاً.. إسرائيل توسع التوغل في رفح    الأرقام ترجح كفة ميتروفيتش على رونالدو    سلطان عمان يهنئ خادم الحرمين الشريفين بمناسبة اليوم الوطني ال (94) للمملكة    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور "سليمان بن علي بن محمد الفيفي    تأهب إسرائيلي .. هل حانت «ساعة الصفر»؟    السعودية تشارك في جلسة الآمال الرقمية ضمن مؤتمر قمة المستقبل    شيخ شمل قبيلة السادة والخلاوية: نستلهم في اليوم الوطني ال94 النجاحات المُحققة للمملكة على مرّ الأجيال    إيران: 51 قتيلاً ضحايا انفجار منجم الفحم    "فلكية جدة": اليوم "الاعتدال الخريفي 2024" .. فلكياً    البديوي يؤكد أهمية دور المجتمع الدولي في دعم الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها الأممية    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    أخضر تحت 20 عام يبدأ التصفيات الآسيوية بالفوز على فلسطين    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    صناديق التحوط تتوقع أكثر السيناريوهات انخفاضاً للديزل والبنزين    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    مسيرة أمجاد التاريخ    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على الحملات التي تعرضت لها بسبب نشرها رسائل كنفاني اليها . غادة السمان لپ"الوسط": لم أتآمر على غسان كنفاني ولم أسهر مع بوش في واشنطن وأنا عميلة علنية ... للحقيقة !
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 1992

غادة السمان الكاتبة والأديبة والروائية المعروفة ترد، في هذا الحوار الخاص مع "الوسط" على الحملات التي تعرضت لها بسبب نشرها، في كتاب صدر حديثاً، رسائل الاديب والصحافي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني الشخصية والحميمة اليها. "الوسط" طرحت على غادة السمان 3 أسئلة فأجابت عنها كالآتي:
منذ اصدارك لكتاب "رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان" حتى الآن، دارت معركة أدبية بين مؤيدي هذا العمل الذين يجدون فيه خطوة بيوغرافية أدبية جريئة، وبين الذين يجدون انك قمت بتشويه رمز نضالي فلسطيني. بل ان البعض اتهمك بالعمالة للنظام العالمي الجديد. ما رأيك؟
- هذا السؤال طرح اتهاماً يمثل ظاهرة عامة لا حالة خاصة فردية تخصني وحدي. لذا أرجو ان تعذرني لأنني سأتوقف طويلاً عنده. انها نظرية المؤامرة الشهيرة التي يواجهها كل من يجرؤ على اقلاق راحة المستنقع بادخال قطرة ضوء من خرم الابرة، وظاهرة الاستبداد الثقافي باسم القضية.
تهمة المؤامرة والعمالة وسهرتي الشهيرة مع الرئيس بوش في البنتاغون مقر وزارة الدفاع الاميركية في واشنطن كما كتب احدهم!، هذه كلها صارت تثير السخرية لكثرة ما اسيء استعمالها على ايدي اشخاص هم انفسهم في حاجة الى من يشهر فيهم. أقول ببساطة ان هذه التهمة جزء من "أدبيات" هزائمنا، وتعبير عن العقل اللاعقلاني الذي قادنا اليها. انه الارهاب الثقافي كامتداد لارهابات أخرى في الحقول كلها.
الحقائق محتقرة ومستبعدة سلفاً باستمرار عن هذا النمط من الخطاب لأنها - اي الحقائق - عدوة له. تهمة "الامبريالي" و"المبرجز" تحولت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الى تهمة "عميل للنظام العالمي الجديد". انا مجرد عميلة علنية للحقيقة وللامانة الادبية لا اكثر.
لنتفحص الوقائع: لم أصدر هذا الكتاب كمن يحيك مكيدة. بل اعلنت عن رغبتي بذلك على صفحات الصحف منذ يوم 3/8/1988. وفي تاريخ 3/4/1989 وجهت نداء في مجلة مقروءة الى من بحوزتهم رسائلي الى غسان اناشدهم اعادتها اليّ لأنشرها مع رسائله كي لا تصدر الرسائل حاملة احد وجوه الحقيقة بدلاً من وجهيها. ولم يرد احد على النداء، ولم يطلب مني احد عدم نشر الرسائل، والا لفعلت اكراماً للذين تجمعني بهم محبة غسان وقضيته.
الاصداء كلها على هذا الاعلان على صفحات الصحف كانت ايجابية وكثيرة في منابر متعددة من ارجاء الوطن العربي، وتصادف الاعلان عن الكتاب والتشجيع على اصداره قبل حرب الخليج وسقوط الاتحاد السوفياتي وبالتالي فالحقائق تثبت ان لا علاقة بين النظام العالمي الجديد واصدار الكتاب!! والسؤال هو: لماذا لم يعترض صوت واحد على اصدار الرسائل وقتها، ثم قامت القيامة بعد نشرها؟
لن ألعب ورقة السذاجة وأدعي انني فوجئت بردود الفعل كلها، لأنني اعرف ان الكتاب مس مرة واحدة مجموعة من المحرمات. وكنت اتمنى ان يدور الحوار حولها من دون رياء بدلاً من ممارسة الارهاب الفكري بأقنعة سياسية او العكس! ما يلفت النظر اكثر من كتاب الرسائل هو ردة الفعل على صدورها في كرنفال لأمراضنا الثقافية العربية وغير الثقافية، وهو كرنفال هائج يجسد محنة العقل العربي، وبعض النقد الادبي المتهافت في ظل طغيان السياسي والولاءات الحريصة على اسكات اي صوت يشهد عكس الريح. وبالرغم من ذلك كله كانت الشهادات كثيرة لصالحي لا اكراماً لي ولكن قرفاً من التزوير والارهاب والنضال الملتبس والقمع ومنطق "المؤامرة" الذي قادنا الى متاهات الالتهام الاخوي واستعداء الصديق. كل الموسوعات الغربية الادبية تصنفني في خانة اصدقاء القضية الفلسطينية لكن شيمة تهمة "المؤامرة" الاستغناء عن النص الادبي اي عن "الحقيقة". وهكذا لم يكلف احد اقطاب نظرية "المؤامرة" من المهاجمين نفسه عناء العودة الى اعمالي الروائية ليرى البراهين على ضلوعي في "المؤامرة" وسهرتي الشهيرة المزعومة مع بوش في البنتاغون! ولو فعل لوجد انني قد اكون الكاتبة العربية الوحيدة غير الفلسطينية التي حملت رواياتها ذلك الهم ونجحت في الخروج به الى النطاق العالمي في ترجمات عديدة. ولكن على من تقرأ مزاميرك ايها المقموع باسم "النضال"، والنصال تنهال عليك تشهيراً وأذى. من قال ان "الوطنية" هستيريا جماعية؟ وهكذا تعاقبت مشاهد الكرنفال التقليدي بكامل طبوله ونغماته: اغتيال الحوار. الحاجة الماسة لاختراع اعداء - هم غالباً اصدقاء - مع التلهي عن العدو الحقيقي. احد المهاجمين مثلاً قرر ان اصدار الرسائل هو الاغتيال الثاني لغسان، وأنا أرى ان خسارة فلسطين الممكنة والمحتملة هي التي قد تكون الاغتيال الحقيقي له وليس نشر رسائل كان هو يباهي باذاعتها وقراءتها على الاصدقاء. وتتابع الكرنفال بكل مشاهده المألوفة المتكررة: تنفير المثقفين من القضية خصوصاً الجيل الجديد الاكثر قطرية منا والاقل ارتباطاً بهاجس فلسطين، وذلك بفعل فجاجة هذا الخطاب واحتقاره للعقل. تقديس الازدواجية والرياء، فالذين يمارسون القمع على زملائهم هم انفسهم الذين يحاضرون عن الحرية والتطور والادب المعاصر وربما عن اهمية ادب المراسلات ايضاً!! ولم يخل الكرنفال من السرقة الادبية، حيث يسرق الذي لم يطلع على الكتاب بعض مقاطع الهجوم من نصوص أخرى، هي محرفة اصلاً! كما لم يخل النقد من تسجيل موقف سياسي باعتبار الرسائل مكسر عصا جاهز للتنفيس عن خيبة او عن غضب مكبوت ضل طريقه، ومناسبة لتملق بعض الفئات، خصوصاً وأن الهجوم على الكتاب لا يكلف احدا شيئاً فأنا امرأة وعربية ومتزوجة وأم وليست لديّ ميليشيا! وعامت العوامل الذاتية فوق النقد العشوائي فوق القضية واختلط الحابل بالنابل في حمام السوق الفكري، وتعالى الضجيج، فمن حاسد او حاقد وجد فرصته، الى آخر يريد رشوة صديق وتسديد فاتورة، الى كاتب يريد تبييض صفحته مع بعض النافذين، الى حريص على ازدواجيته، الى غاضب لذكورته الشهريارية. وكنت وغسان والادب خارج القضية، الا في ما ندر من مقالات جادة بعيدة عن الذاتيات المتخفية بالقضية وعن الحماقات التي تظن سوق المزايدات مكاناً صالحاً للاعلان عن برنامجها السياسي حيث يتم عزف اهازيج تخوين الآخرين كأن ذلك يمنحهم صكوك براءة وغفران او بدل اعفاء عن العمل المجدي الجاد. ان قراءة بعض مقالات الهجوم على الكتاب المنادية بنظرية "المؤامرة" هي في جوهرها قراءة لمحنة العقل العربي وللمؤامرة على النقد الادبي، وسأكتب حول ذلك بالتفصيل فيما بعد اذا لم يفعل سواي وأخط نظرة هادئة الى قضية ساخنة بعد انقضاء مرحلة الصخب والعنف فنحن حين نعيش في بحر من الاكاذيب، تبدو الحقيقة عملاً عدوانياً!!… ذلك كله لا ينفي وجود اصوات عاقلة وصادقة مع ذاتها خالفتني الرأي في نشري للرسائل وأنا شبه عاتبة عليها لأنها لم تفتح حواراً معي قبل النشر حول رسائل غسان خاصة والادب البيوغرافي عامة خصوصاً وأن المشجعين لي على نشر الرسائل لم يكتبوا في منابر مغمورة بل في صحف معروفة على طول الوطن العربي وعرضه.
وليس بوسع احد الادعاء بأنه كان يجهل طبيعة هذه الرسائل ويظنها مثلاً محاضر لجلسات حركة القوميين العرب التي كان غسان ينتمي اليها!
لقد قمت بنشر الرسائل للأسباب التي اعلنت عنها في تقديمي للكتاب مجتمعة، مؤكدة انني ما كنت لأقدم على نشر تلك الرسائل التي تعود بتاريخها الى ما قبل ربع قرن من الزمن لو لم اجد فيها وثيقة ادبية وسيرة ذاتية نادرة الصدق لمبدع عربي، ثرية بأدب الاعتراف الذي تفتقر اليه مكتبتنا العربية. هذا هو الاطار الذي كنت اتمنى ان يدور فيه الحوار، لكن الاسلوب الشتائمي التخويني في كتابات البعض فرض عليّ مواجهة لم اكن راغبة فيها. بل انني لم اعد في حيز الدفاع عن نفسي بقدر ما صرت في حيز الدفاع عن الادبي بمواجهة طغيان سياسي، اي الدفاع عن حرية الرأي الديموقراطي بمواجهة منطق الغوغاء الرعاعي.
لماذا رسائل غسان بالذات؟ لأنها لم تكن رسائل خاصة في اي يوم، وهو الذي ظل ينشرها على الملأ على طول ثلاثة اعوام على الاقل، وقد استطاع المناضل الفلسطيني الاستاذ رفعت صدقي النمر التقاط جوهر الرسائل كتعبير ابجدي مبدع يجسد حاجة الشاعر الى ملهمة كمجانين الحبر جميعاً.
غسان قدم خلال حياته وبسلوكه الاكثر اهمية من الصكوك المكتوبة، دليلاً على اعتباره لهذه الرسائل بمثابة نصوص ادبية، والا فلماذا كان ينشرها في الصحف ويقرأها على الاصدقاء الادباء؟ بل انه في رسائله اليّ في الكتاب يستشهد بما كان يخطه لي على صفحات الصحف، ونجد مثالاً لذلك في الصفحات رقم 41/44/48/54/73 وغيرها من كتاب الرسائل، وهي العبارات التي وضعها ضمن اقواس. ثم انه كان بعد نشره لبعض رسائله لي في زاويته الشهيرة في جريدة "المحرر" اوراق خاصة يحمل اليّ الاصل لأطلع عليه قبل صدوره على الناس، وما زلت احتفظ الى اليوم بتذكارات بخطه حملها لي بعد صفها في المطبعة مباشرة. وبالرغم من الارهاب التخويني في الحملة المناهضة لنشر رسائل كان صاحبها يكتبها اصلاً للنشر وينشرها كجزء من تراثه الفني، قدم بعض رفاق درب غسان ورفيقاته شهادات صدق حول هذه النقطة بالذات انحني لها اجلالاً، لأنه ليس من السهل ان يحافظ المرء على ولائه للحقيقة - كما فعلوا - في ظل "همروجات" توزيع صكوك الوطنية والخيانة. انها شهادات عكس الريح وضد التيار.
وأذكر على سبيل المثال اول شهادة تجرأ على الادلاء بها احد رفاق نضال غسان الصحافي الاستاذ محمد زيد حيث كتب في احدى الصحف حين اختارت حملة التخوين انكار الرسائل بالرغم من انها منشورة في الكتاب حرفاً حرفاً بخط غسان - وأعلن حباً بالحقيقة لا بي "كان غسان يقرأ علينا نتفاً من رسائله الى غادة في مكتبه في جريدة "المحرر" التي كان ايضاً يرأس تحريرها. وكنا نصاب بما يشبه الوجوم ونحن نراه يكاد يذوب في كل كلمة، في كل حرف". أديب فلسطيني شجاع آخر هو الاستاذ عيسى الشعيبي كتب يقول: "وجدت لديّ تسامحاً تجاه غادة التي كثيراً ما كان غسان يبثها حبه النبيل من على صفحات "المحرر" و"ملحق الانوار" وغيرهما من الصحف والمجلات اللبنانية، ورأيت في ما صنعته في هذا الكتاب شكلاً من اشكال الوفاء ولو كان متأخراً، لذكرى الرجل". ولا مجال لتعداد عشرات الشهادات الأخرى الشجاعة في هذا المجال وابرزها شهادة الصحافية المعروفة ليلى الحر زميلة غسان وصديقته ايضاً "عاطفة غسان كانت مشاعاً بقلمه وعلى لسانه… بدأت جدياً على صفحات الجريدة التي كان يرأس تحريرها المحرر من خلال عمود شبه دائم يسمى "اوراق خاصة" كان يبثها به مشاعره فينسخ عنه آلاف القراء… وأجد نفسي ملزمة بالقول بأن غادة السمان لم تقم بفضح علاقة خاصة سرية… وكانت هذه العلاقة الادبية التي تتوسل العاطفة في سبيل الابداع وليس العكس مفضوحة بقلم غسان نفسه ولسانه".
غسان لم يعرف الازدواجية حياً، فلماذا نفرضها عليه بعد رحيله ونزوّر حقيقته الانسانية الرائعة ونصادر بعض تراثه الادبي المنشور في ملحق "الانوار" و"المحرر" وسواهما من الصحف لمجرد انها نصوص وجدانية توهم البعض انها لا تليق بمناضل! ألم يكن بعض عظماء التاريخ اطفالاً في بلاد الامبراطور الحب؟
وهكذا فأنا بنشر هذه الرسائل لا أخالف ارادة غسان بل أدفع ثمناً باهظاً انقاذاً لسطور احببناها معاً وكنا فخورين بجمالها الفني، فمن يتوسط للافراج عنها ونشرها خصوصاً وأن الناسخات لم تكن شائعة الاستعمال في ذلك الزمان ولا متوافرة وبالتالي ليست لديّ اية نسخ عنها. ولو كانت الناسخات يومها كما هي اليوم لتزايد الامل بايجاد "فوتوكوبي" عند غسان عن رسائله المحروقة لي.
أدب الاعتراف والمراسلات
من المؤكد انه كان من الافضل نشر هذه الرسائل بعد موتنا جميعاً، ولكن، في غياب تقاليد ادبية تعترف بفن الرسائل دفن السيرة المعاصرة لا استطيع ان اطالب ورثتي بما اعرف انهم لن يلبونه، ولن ادع احداً يتولى "تأديب" هذه الوثائق الادبية والرسائل الجميلة الصادقة بشطب اجزاء منها او اعدامها بأي ثمن، وقد دفعت ثمناً باهظاً لنشرها ولست بنادمة بل ممتنة للذين شجعوني على ذلك ولو رجع الزمان لأعدت الكرة فأنا فخورة بوفائي لحرف غسان وحقيقته الجميلة معاً، ولو لم يرتفع صوتي لضاع الكثير منهما.
كثيرون مثلي كانوا يستشعرون حاجتنا لأدب بيوغرافي عصري يرتكز على شهادات حية كالمراسلات، ولكن من يعلق الجرس؟ كل ما فعلته هو انني تجرأت على ان اكون البادئة. فحتام نمزق احلى سطورنا وأصدقها؟ ألم يحن الوقت لمواجهة شجاعة مع حقيقة محزنة وهي ان احراقنا لمئات الوثائق الادبية يعود بالخسارة على ادبنا العربي؟ وبعد انتهاء مرحلة الصخب والعنف ألسنا بحاجة الى حوار هادئ حول ادب الاعتراف والمراسلات وحياتنا العربية وهل يمكن ان يتعايشا؟ ام ان ذلك من المحال؟ وما هي الضوابط لهذا التعايش، وبالمقابل ما هي الضمانات؟ أليس في تراثنا شيء من ادب السيرة والاعتراف والمراسلات بالمعنى العصري؟
اشعر مثلاً بالحاجة الى مؤسسة عربية ترعى هذا النمط من الوثائق لأضع الرسائل الادبية لي في حوزتها وبعضها لا يقل اهمية عن رسائل غسان، وذلك بمأمن من الحريق والنهب والتشطيب على ان تنشر بعد موتي في الوقت المناسب للجميع. ولكن اين؟ وهل معنى واقعنا المر ان علينا ان نحرق اوراقنا الادبية كلها او نهرب بها الى مكتبات جامعات الغرب؟ حين نشرت رسائل غسان التي لم تتعد حدود الحب العذري العربي لم اشوه صورته بل اخرجت الى النور وجهاً اضافياً مشرقاً له هو وجه الشاعر المرهف معلنة حقيقة بسيطة بدهية وهي تكراراً ان العظماء كلهم كانوا اطفالاً امام الحب وأن لكل شاعر ملهمة ادبية بطلاً كان ام لا. وهو امر لا يجهله حتى الصغار الذين صاروا في زماننا يعرفون ان الاولاد لا يولودون من قلب الخس والملفوف، كما لا يجهل الجيل الجديد ان بلاد الدنيا تحتفي بأدب المراسلات ويقبل الدارسون بنهم على مراسلات جورج صاند والفريد دي موسيه، وهنري ميلر وأناييس نين، وسيمون دي بوفوار وسارتر وسواهم كثير.
اردت من نشر هذه الرسائل الى جانب المساهمة المتواضعة في التأسيس لفن الاعتراف ولأدب السيرة بالمعنى العصري لا بمعنى العصور الوسطى، أموراً عملية أخرى:
1 - تكرار الرجاء الى الذين بيدهم الامر ان يقوموا بجمع بقية الانتاج الشعري الوجداني لغسان ونشره في مجلد جديد يضاف الى اعماله الكاملة بعدما تم صرف النظر عن ذلك طوال عقدين من الزمن وربما كان سيتم تجاهله لولا ما "اقترفت" بالرغم من مطالبة العديد من المثقفين بنشره في السنوات الماضية.
2 - القيام بمحاولة جادة لاستعادة رسائلي الى غسان ونشرها من قبل مؤسسة كنفاني التي هي في وضع يؤهلها للحصول عليها اكثر مني خصوصاً وأن احداً لم يلب نداءاتي العديدة. وبوسع مؤسسته نشرها ورسائل غسان معاً، فأنا لا اريد من تلك الرسائل اي ربح مادي ولذا رصدت ريع الكتاب لهم وكان من واجبي ان اعرض ومن حقهم ان يرفضوا. انني أرى في هذه المراسلات جزءاً من تراث غسان سيضم عاجلاً او آجلاً الى اعماله الكاملة.
3 - أتمنى ان تساهم هذه الضجة في تنبه عربي شامل الى اهمية فن السيرة العصري للنقد الادبي، بحيث يتم ادراج مشاكلها وقضاياها في ندوات الاتحادات الادبية العربية وغيرها بحثاً عن وسيلة لصيانة وثائق هامة مع تقديم ضمانات بنشرها بعد موت اصحابها والمذكورين فيها. فأدب المراسلات والاعترافات البيوغرافية في نظري ليس دخيلاً على الحياة العربية، وليس نزوة غربية بلكنة عربية. واذا لم ندخل العصر ظللنا خارج التاريخ كل في مجاله، وكل من يعادي الحرية ويجافي المستقبل ينقرض. وختاماً، بعد نصف قرن سنكون جميعاً امواتاً، وستبقى كلمات غسان. وهذا عزائي عن كل ما مر بي!
مشروع روائي كبير
حدثينا عن مشاريعك الادبية عربياً.
- منذ ثلاثة اعوام وأنا اعمل في مشروع روائي كبير يقع في اجزاء عدة دعوته "الاعمال الروائية غير الكاملة". وهو صياغة روائية لسيرتي الذاتية. انجزت الجزء الاول منه "الرواية المستحيلة" وأكاد انجز الجزء الثاني. اتصور - مبدئياً - ان "الاعمال الروائية غير الكاملة" ستكون في اربعة اجزاء: مرحلة دمشق في جزءين - بيروت في جزء واحد - ثم مرحلة لندن. وحين اقول صياغة روائية فذلك معناه ان الشخصيات لن تكون منقولة حرفياً عن الواقع كما يحدث في المذكرات، كما ان الحقيقة الروائية هي التي ستكون لها الغلبة على الحقيقة المعاشة. افكر بانجاز الاعمال الروائية هذه كلها قبل نشر اي جزء منها، فهي بمعنى ما وحدة لا تتجزأ.
الى جانب عملي الروائي هذا، انجزت توضيب حوالي ستة كتب للنشر بينها عمل شعري وهي اجزاء جديدة اضيفها الى سلسلتي الاولى "الاعمال غير الكاملة" التي صدر منها حتى الآن 13 جزءاً.
وأعيد الآن طباعة اربعة كتب من اعمالي هي: الجسد حقيبة سفر. مواطنة متلبسة بالقراءة. رحيل المرافئ القديمة. اشهد عكس الريح.
وماذا عن مشاريعك الادبية غربياً؟
- آخر ما صدر لي مترجماً كان مجموعة قصصية بالايطالية بعنوان "ارملة الفرح" ونشرت معظم الصحف الايطالية مراجعات مسهبة لها في جرائد: يونيتا - لينيادومربي - المانيفستو - الماساجيرو - جازيتا دلسود - كالابريا - كما كتب البروفسور ايروس بالديسيرا عنها في صحف سويسرا الايطالية طياً فوتوكوبي عن تلك المراجعات. وهذا الصدى الطيب ساعدني وهكذا، ستصدر لي خلال اشهر روايتان بالايطالية عن منشورات ابرامو ميلانو وجوفانس روما هما كوابيس بيروت وبيروت 75. وقد قبلت القيام بسلسلة من المناظرات في ايطاليا في جولة لتوقيعها ايضاً وقت صدورهما. في باريس انجزت المستشرقة فرانس مايير ترجمة كوابيس بيروت الى الفرنسية وتصدر عن منشورات لاتيس. وانجز الروائي بالفرنسية الشاب فريد عباش ترجمة بيروت 75 وتصدر مع مجموعة قصصية لي عام 1994 في باريس بعد صدور بيروت 75 بالفرنسية في الجزائر.
في هولندا، تصدر عن منشورات شيبا ترجمة لقصتي فزاع طيور آخر وسبق ان قدمتها اذاعة البي بي سي في لندن في مسرحية اذاعية من 13 حلقة تمثيل عماد حمدي وأمينة رزق. وهذا اول عمل يصدر لي بالهولندية وأتمنى ان يلفت انظار المستشرقين ليصار الى ترجمة المزيد.
في المانيا صدرت هذا الشهر الطبعة الثالثة بالالمانية من كوابيس بيروت عن منشورات DTV وكانت الاولى قد صدرت عن منشورات لاموف عام 1984 والثانية عن منشورات اوفباو 1990. وتصدر بالالمانية الطبعة الثانية من روايتي بيروت 75 ربيع 1993 عن دار النشر نفسها DTV وكانت الاولى قد صدرت عن منشورات اورينت برلين، وقد تلقيت الدعوة من دار النشر لجولة لقاءات ثقافية ولتوقيع الكتاب، كما تلقيت دعوة ثانية لحضور مؤتمر عالمي لتكريم ذكرى الفائز بجائزة نوبل هاينريتش بول وكان ابنه الفنان رينيه بول ناشري الاول الالماني وسألبي الدعوة على الاغلب. لقد ترجم بعض اعمالي الى 11 لغة عالمية حتى الآن هي: الفرنسية، الانكليزية، الالمانية، اليوغوسلافية، الرومانية، الفارسية، الايطالية، الروسية، البولونية، الاسبانية، الهولندية. لكن اهتمامي الاكبر منصب دائماً على القارئ العربي، وهاجسي هو محاولة الوصول بكتبي الى اكبر عدد ممكن من القراء بالرغم من الحواجز العديدة التي تعترض سيرة الكتاب العربي عامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.