أكد جوهر نامق سالم رئيس البرلمان مجلس النواب الكردي في مقابلة خاصة مع "الوسط" ان الاكراد متمسكون بالصيغة الفيديرالية في العراق "ولو تبدل نظام صدام حسين وحكم البلاد نظام آخر"، لكنه شدد على ان ذلك لا يعني انشاء دولة كردية مستقلة. وقد تم انتخاب اعضاء البرلمان الكردي في ايار مايو الماضي ويبلغ عددهم 105 اعضاء 50 لكل من الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني و5 للآشوريين. "الوسط" التقت جوهر نامق سالم خلال زيارته للندن الاسبوع الماضي بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية حيث اجرى محادثات مع عدد من المسؤولين والنواب البريطانيين. وفي ما يأتي الحوار مع رئيس البرلمان الكردي: ما هي ابرز المهام التي قام بها برلمانكم منذ انتخابه في التاسع عشر من ايار مايو الماضي؟ - البرلمان جاء نتيجة انتخابات ديموقراطية جرت في كردستان العراق بعد ان قررت الجبهة الكردستانية، وهي المظلة التي تجمع 8 احزاب كردية، اجراء انتخابات لتشكيل اجهزة تتولى ادارة مناطقنا بعد فشل المفاوضات مع النظام في بغداد اثر وقف الحكومة العراقية المفاوضات من جانبها وعندما سحبت كل اداراتها من كردستان العراق وفرضت عليها حصاراً اقتصادياً. وعلى اثر الانتخابات الكردية تأسس هذا البرلمان وباشر مهامه في الرابع من حزيران يونيو عام 1992. واهم مهمة قام بها هي تسمية الادارة في كردستان وتشريع قوانين عدة تلبي احتياجات المنطقة الكردية، كما قمنا بترسيخ التقليد الديموقراطي وتأكيد الحريات الديموقراطية. هناك من وصف اجراء انتخابات في كردستان بأنه خطوة نحو تقسيم العراق. ما رأيك؟ - الواقع هو عكس ذلك. فالبرلمان ولد نتيجة انتخابات حرة، لقد كنا نعيش اجواء سيطرة الميليشيات وبما اننا مسؤولون عن حياة ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن، ونواجه اوضاعاً اقتصادية سيئة وأوضاعاً سياسية صعبة، كل هذه العوامل كانت وراء اتخاذ قرارنا بإجراء انتخابات، لان البديل عن هذه الخطوة هو ايجاد فراغ قد يدفع الناس لتأكل بعضها بعضاً. هل نفهم من كلامك انه في حال عودة الاوضاع الى طبيعتها في العراق، ستعمدون الى حل البرلمان الكردي؟ - البرلمان هو ممثل الشعب الكردي، ومن اهداف الحركة الكردية دائماً ايجاد نظام ديموقراطي، الآن نحن متفقون مع بقية فصائل المعارضة العراقية على مستقبل العراق ما بعد صدام حسين، وعلى ان يكون النظام الجديد نظاماً تعددياً وديموقراطياً برلمانياً. خلال انعقاد مؤتمر المعارضة في مدينة صلاح الدين شمال العراق قبل بضعة أسابيع ابدى بعض فصائل المعارضة المشاركة تحفظه حول مطالبتكم بتطبيق الفيديرالية في العراق بعد ان اتخذ برلمانكم قراراً بهذا الشأن. ما مصير برلمانكم ومشروع الفيديرالية اذا رفضت بقية قطاعات الشعب العراقي هذا المشروع؟ - ما نأمله هو ان يسود العراق نظام ديموقراطي وان يقوم كل الشعب العراقي بانتخاب ممثليه الشرعيين، ونعتقد ان الفيديرالية اليوم هي افضل نظام للعراق، على اعتبار انه بلد مكوّن من قوميات وطوائف عدة، وهذا امر واقع وموجود، وهو ما اكدناه في برلمان كردستان العراق عندما تم اعلان الفيديرالية في الرابع من تشرين الاول اكتوبر الماضي. ان العيب ليس في النظام الفيديرالي، فهناك امثلة في العالم تؤكد نجاحه، حتى في الدول ذات القومية الواحدة واللغة الواحدة. ولكن من الامثلة هناك تفكك الاتحاد السوفياتي وظهور دويلات جديدة، وكذلك يوغوسلافيا وغيرها، فما الذي سيمنع ان يواجه العراق المصير نفسه في المستقبل اذا تم اقرار الفيدىرالية؟ - لماذا تأخذ السلبيات ولا تأخذ الايجابيات، هناك تجارب ناجحة، وسبب تفكك الاتحاد السوفياتي لم يكن نتيجة للفيديرالية بل بسبب ممارسة الديكتاتورية من قبل الحكومات التي تعاقبت عليه. المانيا دولة واحدة وقومية واحدة ولغة واحدة كذلك، وهناك 16 مقاطعة فيديرالية فيها، الولاياتالمتحدة وسويسرا هما مثلان ناجحان في هذا المجال. الدور التركي كيف يقبل اكراد العراق بالفيديرالية ويتعاونون مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالفيديرالية في تركيا؟ - ان ما تقوله يؤكد مصداقية توجهاتنا في اقامة فيديرالية ضمن ارض العراق ويدعمها شعب العراق. الاخوان في حزب العمال الكردستاني حاولوا تجاوز الحدود الدولية التي تربطنا مع تركيا للقيام بنشاطات عسكرية وما شابه ذلك، وبما اننا مسؤولون عن هذه الحدود ونحترم قواعد القانون الدولي فقد قمنا بوقف نشاطاتهم من داخل الاراضي العراقية، باعتبار ان هذا العمل مخالف لقواعد حسن الجوار. وقد ابلغنا المسؤولين في حزب العمال مراراً بأنهم اذا ارادوا القيام بعمل ضد الحكومة التركية فليذهبوا الى كردستان تركيا حيث مجال عملهم هو هناك. لكن الذي حصل هو ان حزب العمال الكردستاني رفض السماح لسكان القرى الحدودية بالعودة الى قراهم التي كان نظام بغداد اجبرهم على مغادرتها والذي حصل هو ان الاخوان في حزب العمال رفضوا الانصياع لقرارات الادارة في كردستان العراق، ولهذا اضطررنا، بعد حوار طويل استمر اكثر من عام، لاستخدام قوات البشمركة، الى ان قبلوا بما عرضناه عليهم. وهل يسمح لحزب العمال الموجود في اراضيكم بمزاولة اي نشاط سياسي حالياً؟ - نعم لقد قبلوا بشروط حكومة اقليم كردستان العراق ونقلناهم الى مناطق بعيدة عن الحدود التركية. هل انسحبت القوات التركية من شمال العراق بالكامل؟ - لقد بدأ انسحاب هذه القوات في السادس عشر من الشهر الماضي، واعتقد انها انهت انسحابها اخيراً. لكن تقارير لا تزال تتحدث عن وجود مواقع تركية داخل أراضيكم؟ - لقد انسحبوا من شمال العراق. ماذا كانت حصيلة الاتفاقات والاتصالات التي تمت بين مسؤولين اتراك وممثلين عن الجبهة الوطنية الكردستانية في شمال العراق، لا سيما وان تصريحات رئيس الوزراء التركي سليمان ديميريل اكدت عدم سماح تركيا بقيام دولة كردية في المنطقة؟ - نحن لم نعلن دولة في شمال كردستان العراق، بل اكدنا اننا جزء من العراق ونعمل مع المعارضة العراقية للحفاظ على وحدة العراق. ولذا فليس هناك اي سبب لوجود اي مخاوف من هذا النوع لدى رئيس وزراء تركيا. نحن جزء من العراق وما عندنا ليس اكثر من ادارة اقليمية تمارس مهماتها في الحفاظ على وحدة الشعب العراقي. وليس هناك سبب يجعل لدى الرئيس ديميريل اية مخاوف من قيام دولة جديدة في المنطقة. نعم هناك تنسيق مع تركيا، وقوات الحلفاء الموجودة لحماية شمال العراق موجودة في تركيا، وتركيا ايضاً عضو في حلف شمال الاطلسي وتربطها بدول اوروبا الغربية تحالفات وطيدة. كل هذه الخلفية، اضافة الى كونها ابرز نوافذ كردستان العراق على العالم الخارجي، تحتم ايجاد نوع من التنسيق والتفاهم. وهل ستبقى قوات الحلفاء في تركيا لحمايتكم الى ما لا نهاية؟ - لا اتصور ذلك، لكن بالتأكيد فإن المعلومات التي لدينا تقول انه طالما هناك خطر يهدد الشعب الكردي ستبقى هذه القوات متواجدة عندنا. ترددت انباء عن محاولة من قبل النظام في بغداد لاعادة الحوار مع الجبهة الكردستانية، ما صحة هذه الانباء؟ - بعد سحب الحكومة العراقية لادارتها من اقليم كردستان حاولنا في الجبهة الكردستانية، وعن طريق لجنة التنسيق التي انبثقت من لجنة المفاوضات، اقناع الحكومة العراقية بالكف عن هذه السياسة ورفع الحصار عن المنطقة الكردية، لكن مع الاسف رفضت ذلك، بل شددت الحصار يوماً بعد يوم، وهذا مخالف للقرارات الدولية. كيف تمولون ادارتكم؟ - هناك اوضاع صعبة جداً نمر بها، والمساعدات الانسانية التي تصلنا لا تزال قليلة جداً، والمواطنون الاكراد بدأوا بالعودة الى مناطقهم لكن ليس بالشكل المطلوب. ان عدم وجود الامكانات اللازمة للتعمير هو ما يمنعهم من العودة، اضف الى ذلك ان هناك ملايين الالغام التي لا تزال موجودة في الاراضي الصالحة للزراعة. هناك رسوم نتقاضاها مقابل الخدمات التي تقدمها الادارة اضافة الى رسوم الترانزيت المفروضة على طرقاتنا الدولية. ان مواردنا لا تتلاءم مع احتياجاتنا، وفي جولتنا هذه نؤكد ضرورة مساعدتنا ونطالب بمشروع لتعمير كردستان. وهل تلقون تجاوباً من الاوساط الغربية؟ - نعم نلقى تجاوباً وعطفاً حول هذه المسائل. لكن العملية تحتاج الى وقت. وقد تلقينا وعوداً بالاسراع في تقديم بعض الاحتياجات التي تساعدنا على مواجهة فصل الشتاء. مستقبل العراق والفيديرالية من الذي اوفدته الحكومة العراقية اخيراً للتفاوض مع القيادة الكردية؟ - لقد سمعت ان هناك محاولة من هذا القبيل، ولكنها لم تثمر شيئاً، والسبب تعنت الحكومة العراقية ورفضها للخطوات التي تمت اخيراً في مناطقنا. ألا تعتقد ان المعارضة العراقية التي اجتمعت في مدينة صلاح الدين فشلت في توحيد المعارضة بجميع فصائلها الفاعلة؟ - حسب القرارات التي اصدرها المؤتمر الوطني الموحد للمعارضة العراقية، فقد تم تشكيل لجنة تنفيذية وهيئة رئاسة، وهناك اوراق عمل عدة تم انجازها، وما نأمله هو ان يتم تطبيق ما اتفق عليه في اسرع وقت ممكن. ما تحقق من خلال المؤتمر الاخير كان مهماً، اذ انه للمرة الاولى تجمع المعارضة العراقية على اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بمستقبل العراق، اضافة الى اجماع على مستقبل العمل وحشد الطاقات. اعتبر المراقبون الدخول التركي العسكري الى شمال الاكراد والاجتماع الذي تلاه بين وزراء خارجية سورية وتركيا وايران بأنه رسائل موجهة الى المعارضة العراقية التي اجتمعت في صلاح الدين والى القيادة الكردية التي بنت الفيديرالية، فما رأيك؟ - بالتأكيد اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية الدول التي ذكرتها والتصريحات التي اعقبته اقلقتنا كثيراً، لان مستقبل الشعب العراقي يجب ان يترك للشعب العراقي. ومن يمثل الشعب العراقي هو المعارضة العراقية بكل اجنحتها. ولا اعتقد انه من المصلحة ان تلجأ دول اقليمية لمناقشة مستقبل العراق بمعزل عن ابنائه. لقد ابدينا قلقنا، كمعارضة، مما تم اخيراً. نحن نمر بمرحلة خصوصية وبظروف استثنائية، ولكن بعد تثبيت التغييرات المطلوبة، فإن الشعب العراقي هو الذي يقرر. كل الاطراف متفقة على ان مستقبل العراق هو مستقبل ديموقراطي فيديرالي برلماني تعددي. وعندما نصل الى هذه المرحلة يجب ان نترك للشعب العراقي مهمة تثبيت مسؤوليه وممثليه في انتخابات ديموقراطية. في هذه المرحلة يجب ان نكون حريصين على وحدة المعارضة. لو تولى الحكم في العراق نظام غير النظام الحالي الذي يرأسه صدام حسين وعارض الفيديرالية التي تنادون بها، هل ستتخلون عنها؟ - ان النظام الذي سيطالب بهذا الامر حتماً هو نظام غير ديموقراطي، لقد اقرت المعارضة العراقية بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره ضمن عراق ديموقراطي برلماني تعددي. وبصفتنا ممثلين للشعب الكردي، انتخبنا بحضور ومراقبة اكثر من 200 منظمة وشخصية اجنبية تمثل دولاً وبرلمانات مختلفة، نرفض اي نظام لا يحترم حق تقرير المصير للشعوب. ولكن هناك من يقول ان اعطاء شعب حق تقرير المصير لا بد وان يقود الى دولة مستقلة، ماذا سيكون موقفكم في ظل المعارضة الدولية لهذه المسألة؟ - نحن ممثلو الشعب الكردي نفسر حق تقرير المصير بحقنا في ادارة ضمن دولة فيديرالية وليس من حق جهة اخرى ان تحدد هذا الحق. ونحن اخترنا هذه الصيغة الفيديرالية مع المركز. هناك قوى فاعلة في المعارضة العراقية تحفظت على مطالبتكم بالفيديرالية في العراق، ماذا لو ترجمت هذه القوى موقفها بالرفض؟ - نحن نفهم تحفظات هذه القوى، والبلاغ الختامي لمؤتمر المعارضة العراقية في صلاح الدين والذي صدر اخيراً اكد مسألة تأييد وضمان الفيديرالية. عندما يصل الامر الى البرلمان، هل هناك معارضة داخل البرلمان الكردي؟ - نعم، في البرلمان اربعة احزاب، وهناك نقاشات تدور حول المشاريع المقدمة، وحسب التصويت تقرر الاكثرية ما يجب ان يكون عليه الموقف من اي مشروع. وهل هذه المعارضة من داخل الحزبين الرئيسين؟ - البرلمان الكردستاني فيه اربعة احزاب، بينها حزبان رئيسيان، لكن 55 في المئة من اعضاء البرلمان هم من المستقلين، وقد اشتركوا في الانتخابات ضمن قوائم الحزبين الرئيسيين، الحزب الديموقرطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.