«الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    جدّة الظاهري    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"إنها لحظة رائعة لا مثيل لها" . مدير عام اليونسكو مايور يكشف ل "الوسط": سنتمكن بفضل الدعم الاستثنائي للملك فهد من إصلاح قبة الصخرة والمسجد الاقصى والاماكن الاسلامية وسنستعين بخبراء مصريين ومغاربة في هذه العملية
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 1992

للمرة الاولى منذ اعلان المملكة العربية السعودية قرار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تحمل نفقات اصلاح قبة الصخرة والمسجد الاقصى في القدس، بعد تلقي الملك رسالة من فيديريكو مايور مدير عام منظمة اليونسكو، يوافق مايور على التحدث علناً الى مطبوعة عربية عن هذه القضية وتسليط الاضواء على جوانبها المختلفة. واستجاب مايور لطلب "الوسط" ووافق على اجراء مقابلة صحافية شاملة مع مراسلها في باريس فيصل جلول.
ولا بد من التذكير، في هذا المجال، ان قرار الملك فهد اعلن في ايار مايو الماضي، وهو يقضي بان تتحمل السعودية نفقات اصلاح وترميم قبة الصخرة من التصدع والتلف، واصلاح وترميم المسجد الاقصى والاماكن الاسلامية الاخرى المحيطة به. وقد كشف مايور في هذه المقابلة الخاصة مع "الوسط" مجموعة أمور ابرزها ان اليونسكو تحاول منذ سنوات إصلاح الاماكن الاسلامية في القدس من دون جدوى وان عملية الاصلاح ستبدأ الآن بفضل دعم الملك فهد وموافقته على تحمل نفقات اصلاح وترميم هذه الاماكن الاسلامية. وذكر مايور ان خبراء واخصائيين مصريين ومغاربة سيساهمون في هذه العملية، واكد انه سيزور اسرائيل مطلع العام المقبل. وقال مايور انه يعتبر نفسه عربياً.
وتوقع عودة الولايات المتحدة الى اليونسكو. وتطرقت هذه المقابلة الى قضايا سياسية وثقافية عدة. وفي ما يأتي نص المقابلة مع مايور:
نعرف أنك ترغب في زيارة إسرائيل اوائل العام المقبل، وقد تلقيت دعوة في هذا الشأن من وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز الذي زارك اخيراً في اليونسكو. هل هذه الزيارة هي الزيارة الرسمية الاولى التي تقوم بها الى اسرائيل؟
- لا. ان كل الزيارات التي يقوم بها المدير العام لليونسكو هي زيارات رسمية. لقد زرت اسرائيل في العام 1989 لحضور ندوة بدعوة من معهد وايزمن في تل ابيب. بالفعل لم تكن تلك الزيارة، "زيارة دولة" بمعنى أنني لم أذهب بنفسي للقاء ممثلين عن السلطات الاسرائيلية. لكن بما ان هؤلاء جاؤوا الى الندوة المذكورة فقد أتاح لنا ذلك تبادل التحيات مع زعيم المعارضة في ذلك الوقت، شيمون بيريز، وكان بين الحضور ايضاً رئيس الوزراء السابق اسحق شامير. لكن صحيح هذه المرة سأقوم بزيارة رسمية لاسرائيل وستتم في مطلع العام المقبل.
هل تقوم بهذه الزيارة بسبب حدوث تقدم في مفاوضات السلام في الشرق الاوسط. قبل ذلك كانت هناك تحفظات معينة على مثل هذه الزيارة؟
- اسرائيل كما تعرف دولة عضو في اليونسكو. والمدير العام لليونسكو يجب ان يكون على صلة وثيقة مع كل الدول الاعضاء، بغض النظر عن انظمتها السياسية وايديولوجياتها، لأن في ذلك فائدة عامة للمنظمة. وانا مهتم الآن بالمساهمة في صورة خصوصية، بالحوار الثقافي في منطقة الشرق الاوسط. صحيح أن للسياسة قواعدها وأطرها في هذا المجال لكن اعتقد ان الصحافيين والفنانين والمثقفين والجامعيين يجب ان يلتقوا ويتقاربوا ويتناقشوا في مسائل تخص نظرة كل منهم للآخر. اعتقد أنه يجب المساهمة في تحقيق التفاهم بين شعوب هذه المنطقة من خلال حوار النخب المثقفة التي تمثلها.
دعم الملك فهد
هل ستكون لهذه الزيارة علاقة بمشروعكم القاضي باصلاح وترميم وصيانة الاماكن المقدسة في القدس؟
- آمل ان تتوضح اشياء كثيرة حول وضعية هذه الاماكن المقدسة في وقت قريب، وربما قبل زيارتي. تحصر اسرائيل الاهتمام بكل ما يتصل بالتراث الاسلامي في القدس بمؤسسة الاوقاف الاسلامية ولا توجد أية مشكلة على هذا الصعيد. ويتولى السيد لومير ممثل المدير العام مهمة استثنائية في هذا المجال، وأنا أرى ان الامور تسير بالاتجاه الصحيح. لقد اقترح الاردن منذ سنوات أن يدرج التراث الثقافي الاسلامي في القدس على لائحة التراث العالمي لليونسكو. وقد قبل هذا الطلب. وعليه صارت الاماكن المقدسة تنتمي اليوم الى الانسانية جمعاء من الناحية الثقافية.
تعني بالاماكن المقدسة، الاسلامية والمسيحية على حد سواء؟
- نعم. المقصود بذلك تراث المدينة القديمة. لقد طلب مني المؤتمر العام لليونسكو أعلى سلطة في المنظمة حماية التراث العالمي للقدس، خصوصاً التراث الاسلامي المعرض للخطر. ولكي أقوم بهذه المهمة على أكمل وجه طلبت دعماً لهذه الغاية من خلال مشروع آرابيا الذي وضعته من قبل يهتم بحماية التراث العربي وقد استجاب لهذا الطلب الملك فهد بن عبدالعزيز ووافق على ان تتحمل السعودية نفقات اصلاح وترميم قبة الصخرة والمسجد الاقصى والاماكن الاسلامية المحيطة بالمسجد. وانا سعيد لاستجابة الملك فهد للطلب الذي قدمته والذي ورد في رسالة بعثت بها الى جلالته. ولا بد من القول، هنا، أن المؤتمر العام لليونسكو يطلب، منذ سنوات، من المدير العام لليونسكو القيام بجهود لاصلاح الاماكن الاسلامية في القدس، لكن هذه الجهود لم تؤد الى أية نتيجة إيجابية حتى الآن. اما الآن، وبفضل الدعم الذي حصلنا عليه من الملك فهد وموافقة جلالته على تحمل نفقات اصلاح وترميم هذه الاماكن الاسلامية المقدسة فانا متأكد أنه يمكن القيام باشياء كثيرة على هذا الصعيد وذلك من خلال مؤسسة الاوقاف الاسلامية في القدس وبضمانة دولية ممثلة في منظمة اليونسكو. ان اليونسكو لا تتدخل في المسائل الدينية وتحترم الجميع بشكل تام وأريد ان أشدد على ذلك بقوة. لكن في الوقت نفسه من واجب اليونسكو أن تطلع على كل الاشغال المتعلقة بمواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي لأن مسؤوليتي تقتضي مني السهر على نوعية هذه الاشغال من الناحية الثقافية.
نحن الآن امام لحظة رائعة لم يتحقق مثيل لها من قبل. لقد اصبحنا نملك وسائل للتحرك في هذا المجال من خلال المساهمة الاستثنائية التي قدمها الملك فهد. لذا اعتقد انه يجب القيام بالاشغال اللازمة وفق الخصائص التراثية للاماكن المقدسة، والحرص على نوعية هذه الاشغال بما يتيح لنا جميعاً السهر على صيانة دائمة لهذا الكنز الثمين للثقافة الانسانية بأسرها.
ولا بد من القول ان الاردن يقوم منذ سنوات طويلة بمهمة المحافظة على قبة الصخرة وان لديه مساهمته في هذا المجال.
خبراء مصريون ومغاربة
ما هي حقيقة حال قبة الصخرة والمسجد الاقصى والاماكن الاسلامية عموماً في القدس؟
- لقد أرسلت البروفسور لومير المشرف على ملف القدس منذ سنوات ومعه بروفسور ايطالي وآخر اسباني، الى القدس في شهر تموز يوليو الماضي، وأعدت إرسالهم مرة أخرى منذ وقت قريب لتقديم تقرير دقيق عن حالة هذه الاماكن. واحب ان أؤكد انه لدينا معلومات تكاد ان تكون يومية عنها. وهنا أريد أن الفت الانتباه الى ان ما يشغلني ليس فقط التراث الاسلامي وإنما ايضاً التراث المسيحي. وقد وجهت كتاباً حول هذا الموضوع الى بطريرك الروم الارثوذكس من اجل ان تدلي اليونسكو برأيها وربما المشاركة ايضاً في الاشراف على نوعية الاشغال التي يجب ان تنفذ في هذا الجانب ايضاً، وذلك مع حرصي الدائم على عدم التدخل في الشؤون الكنسية.
لماذا لم تستشر الفاتيكان؟ هل نفهم من ذلك أن الاماكن الكاثوليكية غير معرضة للخطر؟
- لا. ان الموضوع الذي كتبت من أجله لبطريرك الارثوذكس يتصل بالبطريركية الارثوذكسية وحدها.
لقد جرى الحديث عن دور معين يمكن ان يلعبه تقنيون وخبراء من مصر والمغرب في ترميم الاماكن المقدسة الاسلامية. فما هو هذا الدور؟
- نحن ننوي الطلب الى جميع الاخصائيين والخبراء المعروفين في هذا المجال المساهمة في مشروع اصلاح وترميم قبة الصخرة والمسجد الاقصى والمراكز الاسلامية الاخرى في القدس. لقد تحدثت مع الرئيس حسني مبارك حول موضوع الاستعانة بالتقنيين والخبراء المصريين المتخصصين في العمل بمراكز تراثية إسلامية وعبرّت عن رغبتي في ان يكونوا مستشارين لي وان يتعاونوا معي في انجاز هذا المشروع وقد رحّب مبارك بذلك. وهذا الامر يصح ايضاً على التقنيين المغاربة. ونعرف جميعاً أهمية الدور الذي لعبه الملك الحسن الثاني في هذا المجال. ونتمنى أن تكون مساهمة المغرب في مستوى الدور الذي يلعبه الحسن الثاني وان تكون استمراراً لهذا الدور، في المحافظة على التراث الاسلامي للقدس.
اميركا واليونسكو
هل يمكن أن يأمل الفلسطينيون بالحصول على مقعد دائم في اليونسكو؟
- لديهم الآن مقعد عضو مراقب كما هو معروف. وعلاقتنا معهم جيدة ومثمرة. لقد التقيت بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مرات عدة واقول بصراحة ان التفاهم بيننا كان تاماً للغاية حول هذا الموضوع وحول مواضيع أخرى. وبخصوص المقعد الدائم لفلسطين يمكن القول انني أراهن على مؤتمر مدريد ومفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية. وأود ان ينتهي هذا المؤتمر الى تحقيق الاهداف التي انعقد من اجلها. إن انعقاده في بلدي يذكرني باللحظة التاريخية الرائعة التي التقى فيها في مدرسة طليطلة للترجمة يهود ومسلمون ومسيحيون. أنا أحلم بلقاء من هذا النوع لاننا قريبون من بعضنا البعض قرب أعضاء العائلة الواحدة من بعضهم البعض.
هل توافق شخصياً على منح المنظمة مقعداً دائماً في اليونسكو؟
- لقد أكدت ذلك دائماً وبوضوح تام. اعتقد أنه لا بد من تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني. فهو يحتاج لأن يحتل مكانه الطبيعي في مجتمع الامم. ان حصول الشعب الفلسطيني على ذلك سيؤدي مباشرة الى احتلاله موقعه الطبيعي في المنظمات الدولية ومن بينها اليونسكو.
قدمت تنازلات كبيرة لحمل الولايات المتحدة على العودة الى اليونسكو. فلماذا تستمر واشنطن بمقاطعة منظمتكم؟
- سمّ لي تنازلاً واحداً فقط.
لقد ادخلت تعديلات مهمة على موازنة المنظمة، وكان هذا من بين المطالب الاميركية المعلنة. واجريت اصلاحات ادارية بما يتوافق مع مطلب اميركي معروف. صحيح انك لم تذعن لطلب واشنطن الحصول على حق الفيتو في اليونسكو لكن قدمت تنازلات اخرى.
- مقاطعاً. دعني اوضح لك حقيقة الامور. انا حريص جداً على عودة الولايات المتحدة وبريطانيا الى اليونسكو. انسحبتا منها في العام 1985 احتجاجاً على سياسة المدير العام السابق احمد مختار امبو. انهما دولتان مهمتان ومؤسستان لليونسكو. ولا يمكن ان ننسى ان فكرة اليونسكو ذاتها ولدت في بريطانيا. ولا يمكن للمنظمة أن تكون عالمية إذا ما غاب عنها إثنان من اعضائها الكبار. هذا واضح للجميع واكرر القول انني اتمنى عودة واشنطن ولندن. لقد كنت وسأظل أعمل على بقاء الدول الموجودة والمحافظة على عضويتها في المنظمة.
وكسبت ايضاً اعضاء جدد؟ الدول المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفياتي.
- ضاحكاً... في المقام الثاني. يجب أن نحلّل شكاوى البلدين المعنيين من اليونسكو. لقد تركا المنظمة لاسباب معروفة وكنت وما زلت أرى انه من الطبيعي دراسة هذه الاسباب والعمل على معالجتها.
ما يحيّر في هذا المجال هو أن واشنطن كانت ترغب في رحيل احمد مختار امبو وتشترط عدم انتخابه للعودة. لقد انتخبت بدلاً منه ومع ذلك لم يتغير شيء في الموقف الاميركي، لماذا؟
- اعتقد ان القضية أكثر تعقيداً من ذلك. كان عدد كبير من الدول يدعم امبو. يومها قلت إذا ترشح هو فأنا لن اترشح فقد كان مديري. وهو لم يعلن ترشيحه الا متأخراً وظلت فرنسا تدعمه حتى النهاية. ان ما حدث كان معقداً للغاية. لكن الآن لا يمكن لأحد القول اننا قدمنا تنازلات. من دون ان يعني ذلك ان المدير العام يجب ان يحجم عن التحرك بمرونة لحل مشكلة من المشاكل المطروحة، لكن هذه المرونة تكون مقرونة بالحزم. لا يمكن للمدير العام لليونسكو أن يقدم تنازلات لحمل دولة عضو على العودة الى اليونسكو، خصوصاً ان هذه الدولة يمكنها أن تجد دائماً الاسباب التي تحول دون عودتها. فلنتذكر بداية التدهور. حدث ذلك عندما اعترضت الدولتان على "مشروع النظام الدولي الجديد للاتصال" ثم اشتكت من "تسييس" اليونسكو، ثم من "ادارتها". وقيل لنا يجب تكثيف برامج المنظمة واختصارها، فاختصرنا وكثفناها. وقيل لنا يجب اعتماد اللامركزية... فاعتمدنا اللامركزية. لكن شيئاً لم يتغير. لم اقم انا شخصياً بهذه الخطوات وإنما ارتأت الدول الاعضاء القيام بها. لكن ما لا يمكن القبول به هو محاولة إدارة المنظمة من الخارج، هذا غير مقبول.
واعترضوا أيضاً على "تسييس" المنظمة وهي لم تعد اليوم مسيّسة؟
- سأفاجئك بالقول أن اليونسكو هي اليوم أكثر تسيساً من أي يوم مضى. إن اولئك الذين قالوا بعدم وجوب تسييس المنظمة لا يفهمون شيئاً مما تقوم به. بالطبع لا يمكن أن تكون منظمة الصحة العالمية مسيسة فهي تناقش في مسائل من نوع "اللقاحات" الطبية. وأيضاً لا يمكن تسييس "الفاو" منظمة التغذية والزراعة الدولية لأنها تناقش في قضايا البطاطا والانتاج الزراعي. ولكن هنا في اليونسكو نتحدث عن الهوية الثقافية. إن الاسئلة التي طرحتها عليّ هي أسئلة سياسية. وإن لم تكن هذه كلها سياسة فما هي السياسة إذن؟ إن ما نرفضه في اليونسكو هو استخدام هذه المنظمة كاداة سياسية لتحقيق مصالح هذه الدولة او تلك كما كان عليه الوضع من قبل، وهنا يكمن الفارق الكبير. إن هذا الوضع لم يعد قائماً بعد انتهاء الحرب الباردة، ولا فضل لي في نهاية هذه الحرب، ربما تكون لي حسنات أخرى كأن اعمل بين 18 و20 ساعة يومياً في خدمة اليونسكو، لكن في ما يتعلق بانتهاء الحرب الباردة يجب توجيه الشكر للسيد غورباتشوف ضحك. خلاصة القول ان الظروف الدولية الجديدة سمحت لليونسكو بأن تستعيد مبرر وجودها كمنظمة حرة وكمجال للحرية بشكل تام. وان تكون منظمة للحوار الثقافي المفتوح على الصعيد العالمي وان تكون منظمة سياسية وليس أداة سياسية لتحقيق مصالح معينة.
نفهم من كلامك أنك ترفض المطلب الاميركي بالحصول على "حق الفيتو" في اليونسكو؟
- اعترف لك بأنهم لم يطلبوا مني ذلك وان طلبوا فلا يمكنني أن ألبي مثل هذا الطلب. ذلك لأن القاعدة الاساسية في اليونسكو هي الحرية التامة لجميع الاعضاء. ومنظمتنا هي الهيئة الدولية الوحيدة التي لا تمييز فيها بين دول كبيرة ودول صغيرة لأن من بين معاييرها، الموهبة والخلق وهي صفات لا تتعلق بحجم الدول وقوتها. خذ اليمن على سبيل المثال، إنه بلد صغير لكنه كبير إذا ما نظرنا إليه من خلال صنعاء وشيبام. وهنا أريد أن أروي لك حدّوثة يرويها الاميركيون أنفسهم، لأبرهن أنه لا مجال للحديث عن اليونسكو في احجام الدول وعن القوة العسكرية والفرق العسكرية... الخ الحدوثة تقول ان الرئيس الاميركي الاسبق جون كنيدي دعا الى عشاء في البيت الابيض حضره اميركيون من حاملي جائزة نوبل. وخلال العشاء القى كلمة قال فيها: لم يكن يوجد في أي يوم في البيت الابيض مثل هذه الكثافة من المواهب في المتر المربع الواحد. وأضاف قائلاً: … مع فارق وحيد فقط هو عندما كان بنجامين فرانكلين يتعشى وحده. هذا المثال يبرهن أنه في مجال المواهب لا توجد دول صغيرة ودول كبيرة.
لكن ذلك لا ينفي ان هناك بالفعل ميزان قوى معين في اليونسكو يتحكم بقراراتها؟
- ان وجد فانه غير مقبول على الاطلاق.
اذن لماذا جرى تهميش دول العالم الثالث في اليونسكو بعد نهاية الحرب الباردة. ويتم التطرق الى هذه المسألة من دون مواربة وانت على علم بذلك؟
- أنا انظر الى هذه المسألة من منظار مختلف. لقد استعادت دول العالم الثالث سلطة القرار الذي لم تكن تملكه لاسباب معروفة خلال الحرب الباردة. ان ضعف هذه البلدان مرشح للتحول الى قوة. أنظر الى افريقيا اليوم، ستقول لي أنها فقيرة، وانا أقول ان ما يجري فيها يبعث على الامل. فطريق الحرية يتفتح في كل مكان من هذه القارة ولن تتأخر نتائج ذلك في الظهور. ان دول العالم الثالث باتت اليوم تسيطر على مصيرها وترفض النموذج الذي نصدّره اليها، ونحن ماذا نصدّر لهذه الدول؟ خذ مثلاً النموذج الجامعي، لقد صار عندنا نظاماً ماضوياً ومع ذلك نصدره. اعتقد أنه على كل بلد أن يأخذ مصيره بيده. وانطلاقاً من ذلك، كلي أمل في رؤية تغيرات قريبة، ولهذا السبب اعطيت الاولوية لافريقيا في اليونسكو. يجب ان نقول لهذه البلدان لن نفرض عليك شيئاً بل سنقدم اليك ما عندنا ويمكن ان تأخذي منه أفضل ما يناسب اوضاعك وما يتوافق معها.
لم تجب عن سؤالي بعد، هل هناك عودة محتملة لأميركا الى اليونسكو؟
- ليست محتملة انها قريبة جداً.
ما الذي يحملك على مثل هذا الاعتقاد؟
- انت تعرف ان اميركا خرجت من اليونسكو على اثر تقرير اعدته هيئة رسمية مكلفة بمتابعة شؤون المنظمة. هذه الهيئة فرغت لتوها من اعداد تقرير جديد حول اوضاع المنظمة وقدمته للبرلمان الاميركي في 26 حزيران يونيو الماضي وهو تقرير جيد. انما تأويل الادارة الاميركية له سلبي ومتطلب. واعتقد انه بعد الانتخابات الاميركية سيفكر الاميركيون من جديد بالموضوع وسيقولون: لقد اشتقنا لليونسكو!
هل نفهم من ذلك انك تراهن على كلينتون وليس على جورج بوش؟
- لا. أنا لم أعد اؤمن بالتوقعات السياسية.
أين سيادة الدول؟
يجري الحديث بعد نهاية الحرب الباردة عن حق التدخل في شؤون الدول ذات السيادة للحفاظ على حقوق الانسان في الاماكن التي تتعرض فيها لمخاطر جدية. هل انت مع حق التدخل للدفاع عن التراث الانساني إذا كان هو ايضاً معرضاً للخطر؟
- أنا لست من أنصار التدخل في شؤون الغير. لا في المجال الثقافي ولا في أي مجال آخر. أنا من انصار الحق في مساعدة الآخرين. وأقول أكثر من ذلك انني مع الاصرار على واجب مساعدة اولئك الذين يحتاجون الى المساعدة. إن الممتنعين عن تقديم المساعدة لشعوب تحتاجها يمكن وصفهم بالمتواطئين مع ما يجري. تماماً كما هو الحال في الصومال. اؤكد انني لا استطيع ان انام عندما أرى الصور المرعبة الوافدة من هذا البلد. تجاه حالة مثل الحالة الصومالية لا يمكننا البقاء في موقع المتفرجين والقول لا نستطيع ان نتدخل لأن الامر يتعلق بسيادة بلد. واسألك بدوري ماذا تعني السيادة اليوم. هل هناك سيادة بالنسبة الى مرض الايدز السيدا، هل توجد سيادة بمواجهة التلوث المفاجئ؟ بطبيعة الحال هناك حدود جغرافية لكن الثقافة تتجاوز هذه الحدود ولا تعترف بها. ان الثقافة والمنتجات الثقافية التي تنتجها بكثافة بعض البلدان تجتاح الآخرين. ما اريد التشديد عليه هو أن الامم المتحدة يجب ان تتولى واجب المساعدة الانسانية وتوفير وقف النار في الحروب. خصوصاً الحروب الاهلية في الصومال اليوم وفي ليبيريا. ففي هذه الحروب يحل الحقد محل التفاهم والعنف محل التسامح. ولا يمكن الاكتفاء بفتح رواق انساني هنا او هناك. اننا نعيش اليوم في قرية كونية انسانية شفافة وبالتالي نعرف ما يدور فيها يومياً، لذا لا يمكن البقاء في موقع المتفرجين مع معرفتنا التامة بما يدور هنا او هناك لأن هذا الموقع يعني بطريقة او بأخرى التواطؤ مع ما يدور. يجب تقديم مساعدات حيث يحتاج الناس اليها. ويجب ان نفرض وقف النار في الحروب الاهلية ويجب نشر ثقافة السلام على الصعيد العالمي، وإن تعذر ايقاف الحروب لسبب أو لآخر فانه يجب فرض احترام قوانين الحرب، ومن بينها حماية التراث الثقافي.
ألا يمكن لليونسكو أن تطلع بدور ما في صياغة نظام عالمي للثقافة وهي منظمة ثقافية وعلمية؟ لقد كان متعذراً في السابق القيام بهذا الدور بسبب الحرب الباردة أما اليوم فان الطريق باتت ممهدة لذلك؟
- انا لست من أنصار النظام العالمي الثقافي وإنما من أنصار الفوضى في الثقافة. أنا مع ثقافة الاختلاف والتنوع. أنا مع الحق في الاختلاف. وعندما نتحدث عن "نظام" ما يمكن ان نتخيل فوراً انه يجب فرض موديل معين على الآخرين. اعتقد أنه يجب ان تعبر كل ثقافة عن نفسها وعن تفتحها. انا انتمي الى ثقافة اقلوية على الصعيد العالمي كاتالان. لا اعتقد أن اشعاع ثقافتي يمكن ان يتحقق من خلال نموذج ما أو من خلال تحصينها وعزلها، وإنما من خلال الانفتاح والتعاطي مع الثقافات الاخرى والاعجاب بها واحترامها. لهذا قلت لك ان الاختلاف هو الذي يهمنا وليس النظام في الثقافة. ولا تهمني سرعة نمو الثقافة بقدر ما يهمني اتجاه النمو. لأن بعض الثقافات ينمو بسرعة ولكن الى الوراء. وأقول بصراحة ان ثقافتنا الغربية فقدت الكثير من خصائص هويتها بسبب الاصرار على بناء موديل ثقافي قابل للتصدير. أنا لا اوافق على ذلك. إن ما يهمني هو الحفاظ على ثقافتي ويهمني ايضاً ان تحافظ الثقافات الاخرى على هويتها. ان الشعوب الاخرى تواجه عاصفة ثقافية قوية حيث يتم الخضوع لنمط واحد في الاكل والرقص والعادات، وهذا أمر فيه ضرر كبير. لكن ذلك لا يدعو الى الخوف لأن الانسانية تحتوي على احتياطيات ثقافية ضخمة. عندنا احتياطي الصين واحتياطي اوروبا واحتياطي الدول العربية ايضاً. اقول ذلك لأنني اعتبر نفسي عربياً في جانب كبير مني. اعتقد ان العرب لديهم الكثير من المساهمات التي يمكن تقديمها للانسانية. لا أجد اليوم امكانية خلق اكثر قوة من تلك التي وجدتها في الدول العربية التي زرتها. وكل ذلك يجب الحفاظ عليه. لقد الحق تعبير "نظام" ضرراً كبيراً بالمنظمة يريد الاشارة الى المشروع الذي اعدته اليونسكو في عهد مختار امبو والذي كان يحمل عنوان "نحو مشروع نظام عالمي للاتصال" لذا انا ضد هذا التعبير في المجال الثقافي.
هل لديك الوسائل الكافية لحماية الثقافات الهامشية المهددة بالزوال في افريقيا مثلاً؟
- لدينا مشروع في اليونسكو في هذا المجال ونحن نمثل قوة اخلاقية اعتقد أنها كافية. وإذا كنت تقصد "بالوسائل" الفرق العسكرية فاننا لا نملك مثل هذه الفرق.
كما البابا في الفاتيكان؟
- بالضبط. لدينا قوة اخلاقية تمنحنا اياها الدول الاعضاء. نحن المرآة التي تعكس ثقة الدول الاعضاء. لذا أقول اننا نملك بالفعل وسائل الدفاع عن الثقافات التي تشير اليها في سؤالك. أما مشروعنا المحدد لهذه الغاية فهو يحمل عنوان "مشروع عقد التنمية الثقافي العالمي". هناك نقص في التضامن مع الدول التي تعاني من صعوبات ويجب علينا الآن أن نعمل ما بوسعنا لاعطاء هذه الدول الوسائل التي تتيح لها الانطلاق ولسكانها البقاء في أرضهم.
هل تريد ان ترشح نفسك لولاية ثانية في اليونسكو؟
- في هذه اللحظة بالذات لا اعتقد بأنني سأرشح نفسي.
وإذا طُلب منك ذلك؟
- بصراحة لم أفكر بهذه المسألة بعد. لقد أرسلنا الى الدول الاعضاء مذكرة لاعلامها بان ولاية المدير العام تنتهي خلال سنة وبالتحديد في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1993، وذلك حسب ما تقتضيه قوانين المنظمة. هل تعرف ماذا يعني ذلك بالنسبة الى المدير العام؟ سأفكر في الموضوع. ولا اخفيك انني لن احسم الموقف وحدي. فعلي ان استشير عائلتي ايضاً. هناك زوجتي وأولادي واحفادي الثلاثة ويجب ان اقف على رأيهم جميعاً، لدي حفيدة عمرها عشر سنوات وأنا ذاهب الآن بعد اللقاء بك الى مدريد لأراها ولأتعشى معها. وكما تلاحظ يهمني كثيراً رأي عائلتي.
في كل الحالات انت ما زلت شاباً للقيام بمهمة المدير العام إذا ما تم انتخابك لولاية ثانية؟
- ضاحكاً. لعلمك. يشيخ المدير العام هنا بسرعة كبيرة، جداً، وأكبر مما تتصور!!
فيديريكو مايور
تم انتخاب فيديريكو مايور ولد عام 1934 مديراً عاماً للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1987 خلفاً للمدير السنغالي احمد مختار امبو. ومايور اسباني من مواليد برشلونة، نال شهادة دكتوراه في الصيدلة عام 1958 وعمل في الحقل الكيمائي والعلمي سنوات طويلة. انتخب نائباً في البرلمان الاسباني للمرة الاولى عام 1977 وشغل منصب مستشار رئيس الحكومة ثم أصبح وزيراً للتربية والعلوم. لم تكن "اليونسكو" بعيدة عن اهتمام مايور، اذ شغل منصب نائب المدير العام السابق احمد مختار امبو لمدة 4 سنوات اعتبارا من 1978 وكان معتبراً أحد أقرب مساعدي امبو. وانتقل من هذا المنصب ليشغل مهمة مستشار خاص للمدير نفسه 1983 - 1984 وظل يعمل في ادارة اليونسكو العامة حتى انتخابه في تشرين الثاني نوفمبر 1987 مديراً عاماً لها.
ويعتبر مايور من المقربين من الملك الاسباني خوان كارلوس، وقد دعم هذا الاخير ترشيحه لمنصب المدير لليونسكو بقوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.