ربحت المعارضة معركة الانتخابات النيابية في الكويت، لكنها لم تربح الحكم... ولن تصل الى الحكم: هذه هي، في اي حال، المعادلة الدستورية والسياسية السائدة في الكويت، والمقبولة من مختلف الفئات والقوى والاتجاهات في هذا البلد. وهذا ما يميز التجربة الديموقراطية البرلمانية الكويتية عن سواها من التجارب الديموقراطية البرلمانية في العالم. فالمعارضة الكويتية، بتياراتها واتجاهاتها المختلفة، لا تريد الحكم ولا تطرح نفسها بديلاً للسلطة الحاكمة، بل تريد مشاركة اوسع في صنع القرارات الاساسية في البلاد. ووفقاً لما تقوله شخصية سياسية معارضة: "الوظيفة الاساسية للمعارضة الكويتية تكمن في مراقبة السلطة التنفيذية وتصحيح أخطائها". ولم يشكل الانتصار الكبير الذي حققته المعارضة في هذه الانتخابات مفاجأة حقيقية لها ولقياداتها وللمراقبين السياسيين المطلعين. ففي عددها الرقم 33 الصادر يوم 14 ايلول سبتمبر الماضي ذكرت "الوسط" في تقرير لها من الكويت ان "مصادر المعارضة الكويتية تتوقع الحصول على اغلبية تتراوح بين 25 و35 مقعداً نيابياً في مجلس الامة الجديد". الخامس من تشرين الأول اكتوبر الجاري كان "يوم المعارضة التاريخي" اذ جرت الانتخابات التي شارك فيها اكثر من 80 في المئة من الناخبين الكويتيين المسجلين والذين يحق لهم التصويت ويبلغ عددهم 81440 ناخباً. وخاض هذه الانتخابات 278 مرشحاً وأسفرت النتائج النهائية التي اعلنت يوم 6 تشرين الأول اكتوبر الجاري عن فوز مرشحي المعارضة باتجاهاتهم المختلفة - من ليبراليين وقوميين وإخوان مسلمين وسلفيين وأصوليين ومستقلين مؤيدين للمعارضة - بپ32 مقعداً في 25 دائرة من اصل خمسين مقعداً جرى التنافس عليها بينما كانت المقاعد النيابية المتبقية من نصيب المرشحين الحكوميين او المقربين من الحكم. وقد أسفرت هذه الانتخابات عن النتائج الآتية بالنسبة الى المعارضة ومؤيديها من المستقلين: 1 - الحركة الدستورية الاسلامية تيار الاخوان المسلمين: 4 نواب أبرزهم الدكتور اسماعيل الشطي. 2 - الائتلاف الاسلامي الوطني شيعة: 3 نواب منهم عدنان عبدالصمد والدكتور ناصر صرخوه. 3 - التجمع الاسلامي الشعبي السلف: 3 نواب ومنهم أحمد باقر. 4 - المنبر الديموقراطي اتجاه قومي عربي: نائبان هما أحمد الخطيب وعبدالله النيباري. 5 - تكتل النواب معارضة ليبرالية مستقلة: 10 نواب ابرزهم زعيم التكتل احمد السعدون رئيس مجلس الأمة السابق وحمد الجوعان ومشاري العنجري وعبدالله الرومي. 6 - التجمع الدستوري ليبرالي: نائب واحد هو جاسم الصقر. 7 - المستقلون قريبون من المعارضة: 9 نواب ابرزهم احمد الربعي. وحصل مؤيدو السلطة او القريبون منها على 18 مقعداً في مجلس الامة الجديد بينهم اعضاء في المجلس الوطني السابق فاز ستة منهم من مجموع 34 مرشحاً ووجهاء مستقلون ونواب قبليون. مطالب المعارضة ماذا "ستفعل" المعارضة بانتصارها هذا؟ وماذا تنوي تحقيقه في ضوء هذه النتائج؟ وهل ستحول المعارضة الكويتية انتصارها السياسي والشعبي الى خطة عمل حقيقية - واقعية ومدروسة - تحفظ وحدة الكويت وتؤدي، في الوقت نفسه، الى معالجة المشاكل المختلفة الكبيرة، الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسكانية والسياسية، الناتجة عن الاحتلال العراقي؟ وهل ستؤدي هذه النتائج الى قيام تعاون حقيقي بين "الحكم" و"المعارضة" مما يمهد لبدء حياة سياسية جديدة في الكويت؟ والسؤال الأساسي يبقى: ما هي مطالب المعارضة؟ مصادر كويتية حكومية ومعارضة مطلعة أبلغت "الوسط" ان ابرز مطالب المعارضة في المرحلة المقبلة هي الآتية: 1 - تريد المعارضة، قبل كل شيء، ان يكون مجلس الامة الجديد "مجلس أمة حقيقياً وفعالاً" يراقب الحكومة ويحاسبها، ولا تريد ان يكون المجلس "مجرد ديكور امام الناس". 2 - تريد المعارضة حكومة كويتية جديدة تتمتع بسلطات حقيقية تمثل الشعب وتعكس نتائج هذه الانتخابات وتكون منسجمة معها. وكما قالت لپ"الوسط" شخصية سياسية كويتية بارزة: "نحن لا نريد مجلساً قوياً فقط بل نريد ايضاً حكومة قوية قادرة على تلبية حاجاتنا وحل مشاكلنا". وستحاول المعارضة تنفيذ مطلبها الذي طرحته خلال المعركة الانتخابية وهو ان يكون نصف اعضاء الحكومة الجديدة من داخل مجلس الامة. والهدف من ذلك ان تكون الحكومة منسجمة مع نتائج الانتخابات، والهدف ايضاً "تقليص" عدد "النواب الجدد" الموالين للحكم: فاستناداً الى الدستور الكويتي، فان الوزراء يصبحون، تلقائياً، اعضاء في مجلس الامة، على الا يتعدى عددهم ثلث هذا المجلس. وذهب النائب حمد الجوعان الى حد القول، بعد اعلان النتائج: "يجب تأليف حكومة جديدة تكون غالبية اعضائها من مجلس الامة". وتتوقع مصادر سياسية مطلعة في الكويت ان تضم الحكومة الجديدة عدداً من النواب اكبر مما لمحت اليه مصادر قريبة من السلطة قبل الانتخابات 4 وزراء، لكن ليس من الضروري ان يحصل النواب على نصف الحقائب الوزارية. 3 - تريد المعارضة، او معظم قواها، اخضاع الحكومة ونشاطها لرقابة صارمة وشديدة. وينسجم هذا تماماً مع الدستور الكويتي، لكن ذلك لا يطبق دائماً. فالدستور ينص على وجود ديوان للمحاسبة يختار المجلس رئيسه وتوافق عليه الحكومة، وهذا الديوان - ورئيسه - يعمل بشكل مستقل ويراقب كل الوزارات ويراجع حسابات الحكومة ويقدم تقريراً سنوياً لرئيس مجلس الامة خلال مناقشة الموازنة، كما يقدم تقريراً مماثلاً الى النواب. ووفقاً للمعارضة فان ديوان المحاسبة لا يقوم بمهمته بشكل كامل، وهي تعتبر ذلك "تقصيراً" لا بد من معالجته. 4 - تطالب المعارضة بفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء. ويشرح هذه المسألة بشكل واضح وموضوعي السيد جاسم الصقر، الفائز في الانتخابات عن التجمع الدستوري والذي يرشحه المراقبون لمنصب رئيس مجلس الامة الجديد، فيقول: "أنا أؤيد فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، لأن من صلاحيات المجلس مراقبة الحكومة ومحاسبتها وستكون المهمة صعبة عندما يكون ولي العهد هو رئيس الحكومة، خصوصاً انه سيصبح اميراً للبلاد في يوم ما. كما ان الدعوة لحجب الثقة عن الحكومة لأي سبب من الأسباب سيكون محرجاً في حال بقاء ولي العهد رئيساً للوزراء ولذلك افضّل فصلهما". وأحد الشعارات التي رفعها جاسم الصقر - وهو شقيق الزعيم الفعلي للمعارضة السيد عبدالعزيز الصقر رئيس غرفة التجارة والصناعة ووالد الزميل محمد جاسم الصقر رئيس تحرير "القبس" - خلال المعركة الانتخابية: "وطني الكويت دائماً على حق". 5 - تطالب المعارضة بفتح ملف "غزو العراق للكويت" ومحاسبة الحكومة والمسؤولين على ما جرى قبل الغزو وخلاله وحتى تحرير الكويت. ويقول احد قادة المعارضة: "ان المطلوب ليس الانتقام من شخص معين او اشخاص بالذات بل معرفة حقيقة ما جرى والافادة من دروس هذه التجربة الرهيبة التي عشناها. وينبغي اجراء مناقشة في مجلس الامة حول ملف غزو الكويت، بجوانبه المختلفة، لمدة اسبوعين، ثم احالة القضية كلها الى لجنة نيابية يتم تأليفها خصيصاً لذلك وتستطيع استجواب من تشاء والتحقيق مع من تريد. وبعد انتهاء عملها، تصدر هذه اللجنة تقريراً مفصلاً يتضمن كل شيء عن غزو الكويت. وفي ضوء مضمون هذا التقرير تتم محاسبة هذا المسؤول او ذاك او هذا الشخص او ذاك. وهذا ما حدث في اسرائيل بعد حرب 1973 اذ ألفت الحكومة لجنة تحقيق لمعرفة لماذا فوجئ الاسرائيليون بالهجوم المصري - السوري عليهم. وأصدرت هذه اللجنة تقريراً ضخماً يحمل عنوان: التقصير. وهذا ما ينبغي ان تفعله لجنة التحقيق النيابية الكويتية". وقد ترك الشيخ سعد العبدالله ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الكويتي الباب مفتوحاً لفتح ملف الغزو، اذ قال في مقابلة بثها تلفزيون الكويت في مطلع هذا الشهر: "ان الحكومة لن تقف في طريق فتح ملف الثاني من اغسطس آب 1990". 6 - تطالب بعض القوى الاسلامية المعارضة بتعديل المادة الثانية من الدستور التي تعتبر ان الاسلام "مصدر رئيسي للتشريع" بحيث تصبح هذه العبارة "الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع". لكن قوى معارضة عدة، ليبرالية ومستقلة، لا تؤيد هذا المطلب. 7 - بعض القيادات والشخصيات المعارضة ينوي اثارة موضوع الاستثمارات الكويتية في الخارج وفتح تحقيق حول ما جرى وما يجري على هذا الصعيد . وهناك، بالطبع، مطالب اخرى للمعارضة او لبعض قواها - كالمطالبة بمنح المرأة حق التصويت وهو ما يعارضه ممثلو التيار الاسلامي - لكن هذه هي المطالب الأساسية والتي ستكون "محور" الحياة السياسية في الكويت في المرحلة المقبلة وليس واضحاً، او اكىداً، بالطبع، ان تتمكن المعارضة من تنفيذ كل هذه المطالب او معظمها. ولعل المحك الأول سيكون كيفية تأليف الحكومة الجديدة. وهل ستضم هذه الحكومة عدداًَ من النواب البارزين ام لا؟ ويتوقف نجاح المعارضة في تحقيق مطالبها على مدى تماسكها وعلى الطريقة التي ستعالج بها السلطة عدداً من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة. اما بالنسبة الى معركة رئاسة مجلس الامة، التي ستجري في العشرين من الشهر الجاري، فيتنافس عليها جاسم الصقر وأحمد السعدون اضافة الى عبدالعزيز العدساني وصالح الفضالة. يبقى ان الاوساط الاقتصادية والسياسية عموماً تعلق آمالاً كبيرة على مجلس الامة الجديد. وقالت مصادر اقتصادية ومالية مطلعة ان "الاقتصاد الكويتي يمر بمنعطف خطير. ومعظم المشاكل تفاقمت بسبب غياب الرقابة السياسية وتعطيل الحياة النيابية وعدم اعطاء ديوان المحاسبة حق الرقابة على ممارسات الدولة. ان الرقابة المكثقة على السياسات المالية العامة او النفطية يجب ان تكون من اولويات المجلس الجديد". وأوضحت المصادر نفسها ان الاقتصاد يمر بمرحلة صعبة للغاية وان العجز المتوقع في موازنة العام 1992 - 1993 بحسب الارقام الرسمية مؤشر على ذلك. وقد زاد هذا العجز عن ملياري دينار 6،6 مليار دولار وهو تقريباً نصف حجم النفقات العامة المتوقعة للسنة المالية نفسها. وقالت المصادر ان محفظة الكويت الاستثمارية الخارجية انخفضت كثيراً بعدما كانت تقدر بنحو مئة مليار دولار صرف منها النصف تقريباً اثناء الاحتلال العراقي وبعده. وساهم احراق العراقيين لآبار النفط وتوقف الانتاج في خفض قيمة المحفظة.