كان جمهور التلفزة الجزائرية على موعد مساء الخميس الأول من تشرين الأول اكتوبر الجاري مع حدث سياسي واعلامي مهم: تقديم أربعة متهمين في قضية مطار هواري بومدين، ينتمون كلهم الى الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة، وعلى رأسهم السيد حسين عبدالرحيم الرئيس السابق لمكتب الشيخ عباسي مدني رئيس جبهة الانقاذ ومرشح الجبهة في دائرة بوزريعة في الانتخابات النيابية المعطلة والفائز في الدور الأول منها. وللتذكير فان مطار العاصمة الجزائرية شهد صباح 26 آب اغسطس الماضي مجزرة رهيبة بسبب انفجار قنبلة موقوتة شديدة المفعول، خلفت ما لا يقل عن 10 قتلى وأكثر من 120 جريحاً، اكثرهم من المهاجرين الجزائريين العائدين الى اوروبا. وبهذا الحدث الاعلامي تقدم السلطات الجزائرية الدليل، وبشهادة المتهمين انفسهم، على ان جبهة الانقاذ المحظورة، تقف وراء عملية المطار. وبعد شهر من هذه العملية البشعة استطاعت اجهزة الأمن الجزائرية ان تلقي القبض على اهم حلقاتها: المخطط ومساعده والمنفذ، بالاضافة الى اثنين من عناصر الوصل والاشارة! "العقل المخطط" هو السيد حسين عبدالرحيم، وهو شخصية مهمة اذ يشغل منصب منسق "الحركة الاسلامية المسلحة" على مستوى العاصمة الجزائرية. وتبدو فكرة عملية المطار حسب اعترافات المتهم الرئيسي قديمة، اذ تعتبر حلقة ضمن مسلسل التخريب الاقتصادي الذي اتخذه انصار الجبهة الاسلامية كوسيلة تعبير على غضبتهم وانتقامهم من نظام حرمهم تذوق طعم الفوز بالانتخابات النيابية في اواخر السنة الماضية! وكان القرار النهائي بتنفيذ العملية تم في لقاء في حي المحمدية المجاور لحي الحراش احد الاحياء الشعبية المكتظة بالسكان، حضره بعض "الاخوان" يتصدرهم عبدالرحيم ويوسف بو الأصبع والحاج قطاف المكلف بصنع القنابل الموقوتة. ويقول المتهم الرقم واحد في هذا الصدد: "درسنا الموضوع، سلبياته وإيجابياته، وبدا لنا ان الصدى الدعائي للعملية يبرر الاقدام عليها. وبحثنا احتمال سقوط ضحايا من المدنيين، فتبين لنا ان بامكاننا تفادي ذلك بواسطة انذار مسبق يتيح فرصة اخلاء المكان قبل الانفجار". وسئل الحاج قطاف عن حاجاته. فطلب شيئاً من متفجرات "البلاستيك" و"ت.ن.ت". ويقر السيد عبدالرحيم بأنه سارع الى توفير 5 كيلوغرامات من مادة البلاستيك، كلفته 55 ألف دينار جزائري أي ما يعادل مرتبات شهر لخمسة كوادر متوسطة! وقد حولت هذه المواد الى قنبلة - أو قنابل - على يد عنصر مختص يقيم عند الحاج قطاف في حي بوزريعة. وقبيل تنفيذ العملية استشار عبدالرحيم زميله بپ"النقابة الاسلامية" رشيد حشايشي، وهو قائد طائرة في الخطوط الجوية الجزائرية، حول مكان وضع القنبلة الموقوتة: هل نضع القنبلة في برج المراقبة؟ أم في إحدى الطائرات الجزائرية؟ أم في بهو المطار الدولي؟ فاستحسن قائد الطائرة بهو المطار نظراً الى الصدى الدعائي المهم المنتظر منه! واختير التوقيت فكان الساعة 11 صباحاً. ويبرر ذلك السيد عبدالرحيم بقوله "نظراً الى كثرة الحركة في البهو عند هذا التوقيت"! ويلاحظ عبدالرحيم نوعاً من الاستغراب لدى مستنطقه فيسارع بتدارك الموقف بقوله: "لم نكن نقصد احداث خسائر بشرية ثقيلة"! قبل ان تصل القنبلة الى مطار العاصمة الجزائرية في اليوم المحدد، تكفل السيد السعيد سوسن نائب رئيس بلدية في العاصمة بمتابعة صنعها والبحث عمن يضعها في المطار... وقد استعان في ذلك "بأمير" ناحية بوزريعة المدعو عشير رضوان فدله على شاب من مريدي جبهة الانقاذ في سن الثانية والعشرين يعمل في محل تجاري عائلي. القنبلة أخذت طريقها قبل ان يتسلمها هذا الشاب التاجر الى حي حسين داي على طريق المطار، حيث استقرت بعض الوقت بين أيدي السيد أحمد روابحي مدير مدرسة في شرق الجزائر. الشاب التاجر بدت عليه آثار "الاستنطاق العنيف"، كان يبكي ويسعل، ويحمل بيسراه منديلاً لتجفيف الدموع، وبيمناه مضخة للمصابين بالربو. في صبيحة 26 آب اغسطس اتصل هذا الشاب بالسيد احمد روابحي لتسلم "الأمانة" الثقيلة، وكانت فعلاً ثقيلة، يقدر الشاب وزنها بپ9 أو 10 كيلوغرامات. وكانت مهمة هذا الشاب تقتصر على نقل القنبلة من حسين داي الى المطار، ليسلمها عند الساعة التاسعة تماماً الى شخص يجده واقفاً عند المدخل الرئيسي للمطار الدولي، يدعى جمال ويرتدي بذلة سوداء وربطة عنق حمراء! وضعت القنبلة الموقوتة في بهو المطار الدولي تحت احد المقاعد التي يستريح عليها المسافرون قبل القيام بإجراءات السفر ودخول المنطقة الحرة، وكان مفعولها شديداً، وإذا كانت الخسائر المادية لم تقدر بدقة بعد، فان الخسائر البشرية بلغت عشرة قتلى وأكثر من 120 جريحاً. وتزامن الكشف عن مدبري ومنفذي هذه العملية الاجرامية مع صدور قوانين صارمة لمحاربة الارهاب، يمكن ان تقنن ما اصبح سائداً فعلاً في الميدان وهو قتل كل شخص يشهر السلاح في وجه قوات الأمن! ويمكن ان نستخلص من ذلك ان "حوار السلاح" بات الحوار الممكن الوحيد بين السلطة القائمة والعناصر الاسلامية المسلحة ومن المنتطر ان تظل الجبهة الاسلامية - تبعاً لذلك - بعيدة عن "الحوار الوطني" الجاري منذ 21 أيلول سبتمبر الماضي مع أهم التشكيلات السياسية الأخرى. وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة في الجزائر ان اتهام جبهة الانقاذ بعملية المطار "انهى أية فرصة للحوار مع الجبهة". وقال ديبلوماسي غربي "الخط المتشدد في التعامل مع الجبهة هو المنتصر". وأشار الى تزامن توجيه الاتهام الى الجبهة الاسلامية مع تصديق رئيس المجلس الاعلى للدولة علي كافي على قانون جديد لمكافحة الارهاب يقضي بانشاء محاكم خاصة لمحاكمة "الارهابيين". ويعاقب القانون الجزائريين الذين ينتمون الى منظمات تؤمن بالاعمال الارهابية، ولو لم تكن تستهدف الجزائر، بالسجن من عشر سنوات الى عشرين سنة، وبالسجن المؤبد اذا كانت هذه الاعمال تستهدف الجزائر. كما يعاقب بالسجن المؤبد مؤسس أي منظمة ينطبق عليها قانون مكافحة الارهاب الجديد وبالسجن من عشر سنوات الى عشرين سنة من ينتمي الى هذا النوع من المنظمات. وستحال الجرائم المتعلقة "بالارهاب والتخريب" الى ثلاث محاكم خاصة استثنائية تتألف كل منها من رئيس وأربعة مساعدين. ولا يمكن كشف هويات القضاة تحت طائلة السجن من سنتين الى خمس سنوات.