رداً على الخبر المنشور في"الحياة"، بتاريخ"8 أيار مايو 3102"، بعنوان:"خوجة: مهرجان قس بن ساعدة يربط الجِدّة بالأصالة". مهرجان هنا ومهرجان هناك، ملتقى هنا وملتقى هناك، لكن اللافت للنظر هو أن هذه المهرجانات أصبحت تعزز المناطقية، وأصبحت أيضاً تعزّز في كل منطقة أن تختار لها رمزاً من رموز الماضي لتفاخر به المناطق الأخرى، فمثلاً عبدالله بن جدعان في مكّة، والنجّار في المدينة، ودريد بن الصمة الجشمي في الطائف، والمهلهل في الشمال، وطرفة بن العبد في الشرق، وامرؤ القيس في الوسط، وهكذا دواليك، ثم بعد ذلك نعود إلى عمران جميع هذه الأسواق، ونعود إلى تجسيد جميع مشاهد الحياة فيها وأدوات المعيشة حتى تصبح لكل بقعة من زمن الجاهلية مهرجاناتها وآثارها، وماذا بعد؟ هل يفيد هذا في بعث اللغة العربية من سباتها؟ هل يعيد هذا آثاراً مفقودة، أم أنه فقط يمجّد هؤلاء الرموز الجاهليين، ويرسّخ فينا الجهل باللغة والتاريخ؟ بوّابة الاستفادة من القدماء هي معرفة لغتهم وتاريخهم وأشعارهم، وليس تحويل كل سوق جاهلية قديمة إلى سوق محلّية نصرف عليها الملايين والملايين. في البلدان المجاورة يقومون ببناء هذه الآثار واكتشافها من أجل الاكتساب منها مادّياً، أما نحن فنصرف الملايين على هذه الآثار وعلى هذه الأسواق، ونؤلف المسرحيات ونؤدي التمثيليات، ونستدعي الغربيين وندفع لهم الأموال الطائلة ولا نستفيد من وراء ذلك ثقافة ولا مالاً، فإلى أين الاتجاه؟ لا تكاد منطقة تخلو من أن يكون فيها سوق جاهلية، أو أن شاعراً مرّ بها، وهذا الأمر مدوّن ومشهود، فهل سنتتبع أسواق الجاهلية وآثارها وشعراءها ونقيم لكل منها ملتقى ومهرجاناً؟ مع الأسف حضرت مهرجان قس بن ساعدة متفرجاً في ليلة الافتتاح، وكانت المسرحية بعنوان"شيخ العرب"للشاعر عبديغوث، وكان السبب في حضوري أنني قرأت في إحدى الصحف المحلية في الصفحة الأولى عبارة"بعث يغوث"، فهل علمت هذه الصحيفة أن"يغوث"صنم جاء اسمه في سورة نوح على لسان قومه؟ وهذا هو نص القرآن في سورة نوح: وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً* وقد أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالا* مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا. كانت المسرحية تتحدث عن عبديغوث الحارثي الذي قطع خصومه وريده وتركوا دمه يشخب في الجاهلية، وصار يقول القصيدة التي يرثي بها نفسه"ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا"، وكان المضحك أن الممثلين الرئيسين لم يكونا يعرفان كيف ينطقان الأبيات الشعرية، ولا كيف ينطقان أسماءهما، ولم يكونا حافظين للأدوار، وكانت الفرقة المساعدة لهما فرقة عشوائية لا تجيد أداء الدور المنوط بها في المسرحية، وأدير كل شيء بفجاجة ارتجالية، وعلى رغم ذلك قابله تصفيق وحفاوة من الجمهور، فلم أكن أدري من الخادع من المخدوع، ومن يكذب على من؟ وانصرفت على عجالة من أمري. خالد الحارثي [email protected]