العلاقة بين بعض الأندية الأدبية وبين إمارات المناطق، من بين الأمور التي يراها عدد من المثقفين، تؤثر في استقلالية المؤسسة الثقافية، هذه الاستقلالية التي طالب بها المثقفون وما يزالون، استقلالية حتى من وزارة الثقافة والإعلام نفسها. لكن ولئن اعتبر البعض أن الأندية الأدبية مستقلة ولا ينبغي أن تتبع إمارات المناطق، فهناك من الرؤساء من يسعون إلى إمارة المنطقة سعياً لا حباً في الثقافة، وبالتالي الحصول على الدعم من الحاكم الإداري مثلاً، إنما تقرب وحرص على الوجاهة وتحقيق المصلحة الشخصية. يلح الأدباء على أن تبقى المؤسسات الثقافية بعيدة عن إمارات المناطق، من وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، ومن الإدارة العامة للأندية الأدبية، وإلا سيتحول العمل الثقافي إلى بيروقراطي بامتياز. ولأن هذه العلاقة بين الأندية وإمارات المناطق، أصبحت تشغل المشهد الثقافي، فقد سعت"الحياة"إلى استطلاع عدد من المثقفين عن آرائهم حول هذه القضية الجوهرية، فإلى ما أدلى به هؤلاء المثقفون من شهادات: محمد العلي: إعاقة للنشاط الثقافي إن تعلق الأندية الأدبية بإمارات المناطق والرجوع إليها في فعالياتها وأنشطتها الثقافية خوفاً من الخروج عن الإطار المرسوم لها، يجعل الأندية الأدبية ليست ذات فعالية وفيه إعاقة للنشاط الثقافي. وكوني بعيداً عن الأندية ولا أعرف هل يجب أن يكون ذلك أم لا، ولكنني أجد أن في هذا الأمر نوعاً من الالتزام تجاه الإمارة فقط لا غير. ففي الوقت الحالي أصبح السقف التعبيري أعلى مما كان ولكن الإخوان في الأندية الأدبية يرون أن هذا السقف لا يزال مرتبطاً بإمارة المنطقة. عبدالله الخشرمي: وجاهة ليست تزلفية أُعطيت الثقة الكاملة وعبر انتخاب مجلس إدارة وأعضاء، لرئيس مجلس إدارة النادي في أية منطقة، وبالتالي الموافقة الرسمية من الدولة على هذه الثقة، وأجد أنه وبكل تأكيد وضع شرط مرجعية الموافقة على الأنشطة ورهنه بموافقة الإمارة، يعني الانتقاص من هذه الثقة التي تمت بالانتخاب على المستويين الرسمي الثقافي الأدبي - المدني، ولا أجد مسوغاً أو مبرراً لها، لأنه كان من الأولى في هذه الحال أن تكون وزارة الثقافة والإعلام المرجعية والوصي على الأندية بكل تأكيد. أعتقد أن كل إمارة يجب أن تسعى لمنح الأندية الأدبية الاستقلالية التي سعت إليها، وإذا كان من وجاهة لرئيس النادي، فهي يمكن أن تتحقق له ولأعضاء النادي من خلال تحقيق النادي لرسالة نوعية وحضور فعال يميزه عن بقية الأندية، مما يكون مثار تقدير وإعجاب ليس الإمارة وحسب بل المجتمع الذي ينتمي إليه النادي أيضاً. وسعدت كثيراً بمشاركتي العام الماضي في"مهرجان قس بن ساعدة"بنجران والذي كان محط تقدير واحترام للجميع، ليس ل"إمارة نجران"فقط، وإنما للمهتمين كافة بالشأن الثقافي والإبداعي، ومثل هذا الدور يحقق وجاهة حقيقية وليست"تزلفية"تفقد رئيس النادي صدقيته أمام الغير. علي الموسى: لائحة خفية رسمياً لا يوجد في اللائحة المعلنة ما يدعو إلى بطركية الإشراف الثقافي، ولكن في المجتمع الثقافي السعودي هناك لائحة خفية، وبعض رؤساء الأندية يرغبون في محاباة بعض أمراء المناطق، وما ينطبق على الصحف أيضاً ينطبق على الأندية أيضاً، فالرقيب الخفي يتحكم ويحدد الخطوط الحمراء والخضراء، وأمراء المناطق ليس منوطاً بهم هذا الأمر، ولكنه إفراز طبيعي لما يحدث بعد أن وضعت الأندية شروط عضوية الأندية الأدبية وحصرتها في كتاب، أو أن يكون خريج لغة عربية، فهبط بذلك المستوى الثقافي للعضوية، وأصبح أصحاب الفكر والمستوى العالي من له علاقة بالعمل الثقافي والقيمة الأدبية خارج النطاق. والدولة في كل الأحوال لا يجب أن تتولى العمل الثقافي، فإن كان لديّ كتاب فسوق الكتاب مفتوحة، وإن كان لديّ محاضرة فأساليب الثقافة تغيرت وأصبحت لها قنوات جديدة بعيدة عن الأفكار المحنطة وأماكن الأندية الأدبية التي هي مجالس لسواليف الضحى. إبراهيم طالع: الحل في الانتظار بكل موضوعية وإنصاف، لم أرَ أو أجد من الإمارة هنا أي تدخل أو محاولة للتدخل، وكل ما رأيته هو زيارة أدبية قرر الزملاء المنتخبون لمجلس الإدارة القيام بها لأمير المنطقة واستقبلنا بكل رقيّ وأدب. أما ما نسمعه من تدخّل بعض الإمارات والأمراء في فعاليات الأندية، فلا أظنّ سببها عائداً إلى أي أمير، بل إلى نوعية الشخصية الأدبية المتعاملة معه. فقد يرى بعضهم بأن التنسيق مع الأمير مقرّباً إياه إليه زلفى، وأن مجال النادي الأدبي يمكن أن يكون وسيلة تربطه بصاحب السُلطة من باب فكره بأنها مصدر لفائدة أو وجاهة، وأظن هؤلاء قلة جداً إن وجدوا. أما حين يقيم النادي فعالية دولية مثلاً تحتاج دعوات مشاركيها إلى دعم أمير المنطقة مادياً أو في قوانين التأشيرات، والاعتماد الرسمي للفعالية، فقد لا تكفي وزارة الثقافة والإعلام في بعض هذه الإجراءات، وفي العالم الثالث عموماً لا أعرف دولة تستطيع فيها مؤسسة ثقافية دعوة مشاركين دوليين من دون دعم السلطة السياسية، والذين يأملون أو يحلمون بهذا ليس أمامهم سوى الانتظار الطويل حتى تصبح دول هذا العالم دولاً مؤسساتية ذات قوانين واضحة حرة. سارة الأزوري: إلغاء الوصاية الأندية مؤسسات مدنية ليس لوزارة الثقافة والإعلام عليها سوى الإشراف التنظيمي، فهل يعقل أن يكون هذا الإشراف من جهة الوزارة ومن جهة الإمارة؟ من المفترض عدم تدخل الإمارة لأن هذا التدخل يعوق الفعل الثقافي وينم عن عدم الثقة في المثقف! ما الذي سيأتي به؟ ماذا عساه يقول؟ والحجر عليه والحد من إبداعه من جهة أخرى. تدخل الإمارة فيه إساءة أيضاً، فهل هنالك تجاوزات في قطاعات الدولة ويخشى من أن المثقف يكشف عنها؟ ولهذا أطالب بإلغاء هذه الوصاية على الأندية الأدبية، فحتى لو افترضنا وجود تجاوزات فوزارة الثقافة والإعلام هي المسؤولة عن ذلك. حسن الزهراني: الثقة في مجالس الإدارة معدومة الأدب والثقافة والفكر لا يعيشون في القيود، لأن رسالتهم السامية تدعو إلى الانطلاق والحرية والرقي المستمر، فمتى قُيدت وأحيطت بالأوامر والنواهي ماتت. لا أعلم لماذا يكون تدخل المسؤول - بأية صفة كان - في نشاطات الأندية الأدبية؟ إن هذا التدخل يشعرنا بأن هذا المسؤول ليس لديه ثقة في مجلس إدارة النادي ولا في الوزارة بصفتها الجهة المسؤولة عن ما يحدث في الأندية ولا في وطنية وخلق الضيوف الذين يدعوهم النادي أو أية جهة ثقافية أخرى ولا في الوقت الذي نزعم فيه أننا الآن نواكب كبريات الدول في تقدمنا المعرفي والثقافي. وفي الوقت الذي نزعم فيه أننا شركاء مخلصون على حد سواء خدمة وحماية لهذا الوطن العزيز، إنها حسرة وألم ونكوص سيبقينا في الصفوف الخلفية مادمنا بهذا التفكير القاتل. ونحن في"نادي الباحة"لم نمر بهذه المعضلة، ربما لأن أمير منطقة الباحة مشاري بن سعود مثقف بطبيعته ويحب المثقفين ويشاركهم في بعض نشاطات النادي، وأدهش المثقفين العرب الذين شاركونا في ملتقى الرواية الرابع ومهرجان الشعر العربي الأول بحديثه عن الثقافة. الشريف: جو طارد للإبداع نتمنى أن تكون الأندية الأدبية مستقلة، وأن تقوم بفعالياتها وما يعنيها من برامج في شكل مستقل، حتى موازنة النادي كان من الأولى ألا تكون من الدولة لضمان الاستقلالية، ولكن النوادي الأدبية خلقت في ظرف جيلاً من الرواد ومن الأدباء كان لهم ارتباط مباشر بالدولة وكانوا في وقت هم أقوى من أن يردوا هذا الارتباط، وكان الدور الإشرافي للوزارة وما يحدث في النادي مرتبطاً بالإمارة، ومنذ أن عرفت النادي وهو يجب أن يأخذ الموافقة على قيام فعالية أو استقطاب ضيف محليين أو من الخارج ولا بد فيها من قرار رسمي، ولن يستطيع أحد أن يقول إن هناك استقلالية. ولكن مع هذه الإجراءات، صارت هناك قيود أخرى شعبية، فعلى رغم موافقة الإمارة على المناشط الثقافية، إلا أننا أصبحنا نجد رقابة أخرى شعبية وتدخلاً سافراً عن جهات أخرى. وفي تاريخ الأندية كنت أجد أن الاستقلالية كانت موجودة وواضحة لدى عبدالفتاح أبومدين، الرجل القوي والواثق الذي كان يدافع عن هذا وذاك ويصطدم بهذا وذاك، ولكنه كان قادراً على إدارة النادي وكان حتى يطبع العديد من الأعمال من دون الرجوع إلى الوزارة، فهو رقيب على ذاته من دون رقابة غيره ويعرف كيف يدير الأمر، ومع ذلك ومنذ ذلك الوقت كانت الإمارة تطالب بأسماء المتحدثين للندوات وتأذن لهم أو تمنعهم.