"هذا مقعد أمي". يقولون: إنه لم يعُد مناسباً ليتصدر البهو الرئيس في منزلي، وإن عاديات الزمن جَرت عليه، فباتت مُشاهدته مثيرة للاكتئاب، أكثر مما تعكس البهاء. لكنه مقعد أمي! جَلست عليه أياماً طويلة مُضجرة. كان مجلسها للنقاهة، كما كان ركنها للصلاة. عليه كانت تلتصق بالنافذة تستطعم سماع المطر ينسكب فوق السقف، وعليه كانت تصعد بأنفاس عصَّية الالتقاط، تتبع على امتداد الممر، آثار خطواتنا التي ابتلعها الطريق. وعليه ترنحت لحظاتها الأخيرة... وغفت. في هذا الموضع كانت تُسند رأسها، وعلى هذه الحشايا الجلدية على الجانبين كانت تُريح ساعديها، وهنا مددت ساقيها المتعبتين. هنا احتضنتني ذات خيبة، فوكزتني ضلوعها الناتئة كأطراف الخناجر، فغمرتني رعشة غامرة، وطوقها قلبي. صنعتُ كُرةَ عنفوان، وشغف بالحياة في يدي الغارقتين في الحُلم وألقيتها عليها. سقطت دون أن تنالها. وهذا الخدش الذي يمكن رؤيته بزاوية حادة إلى اليسار، هو آثار أظافرها حين كانت تتأكد من أصالة الخشب، وهذه البقعة الضاربة إلى الحمرة، هو حناؤها اندلق في غمرة عجزها عن كبت سرورها بزواج أخي الأصغر. ارتباطي بهذا المقعد أمر لا يُنكر، ولا أظنني أتذوق بوجوده ذلك الخيط المرير من الحنين، لكنني أشعر، وإن يكن على نحو غامض، أن على هذا المقعد حياة تسمح لي بالتحديق إلى ما لا نهاية. * كاتبة سعودية.