كان المشهد مهيبا حقا، صالة فخمة واسعة ممتدة الأرجاء ببهو عال وأضواء متوازنة هادئة في صبيحة يوم ليس كالأيام المعتادة لدينا نحن السعوديين من أيام واشنطن؛ فهو يوم زفاف، أو ولادة من جديد، أو حياة تبدأ في تسجيل خطوتها الأولى بعد أن تعلمت فنون العدو والسباق؛ وليس المشي المعتاد فحسب! ما ينيف على خمسة آلاف متخرج بحضور عوائلهم واعتذار ما يقرب من ثلاثة آلاف متخرج عن الحضور لأسباب مختلفة توافدوا على واشنطن للمشاركة في يوم من أيام الوطن العظيمة واستقبلهم فندق جاي لورد على مختلف مستوياتهم بدءاً بالبكالوريوس ثم الماجستير ثم الدكتوراه في كل التخصصات العلمية والنظرية من شبان وشابات، وكان المنظمون من مسؤولي السفارة وعدد من طلابنا النشطين باشين مرحبين عند مداخل الصالات الواسعة والممرات الطويلة المزينة بالورود والمفروشة باللون الأحمر وابتسامات الترحيب واللوحات الإرشادية التي تشير إلى القاعة الكبرى حيث مقر الاحتفال. الأغاني الوطنية بموسيقاها الحماسية تصدح وتملأ قلوب وآذان المدعويين وتغمر أجواء المكان قبل بدء الاحتفال بهالة عظيمة شذية زاهية فواحة عبقة مشرقة بحب الوطن وقائده، وشاشتا عرض كبيرتان تنتصبان على واجهة القاعة الفخمة من اليمين ومن الشمال تصوران حداء الراقصين بحب الوطن في الفيديو كليب المصاحب للأغاني الوطنية، ثم تنقل فقرات الاحتفال مباشرة بصورة مكبرة وواضحة لكل الحاضرين الذين يمتد جلوسهم إلى آخر القاعة في مقاعدهم المرتبة بإتقان وتوزيع دقيق؛ حيث جلس في الصف الأول كبار المسؤولين والضيوف يتقدمهم معالي وزير التعليم العالي د. خالد العنقري، ومعالي سفير المملكة في الولاياتالمتحدةالأمريكية الأستاذ عادل الجبير، ومندوب المملكة الدائم لدى الأممالمتحدة المهندس عبدالله بن يحيى المعلمي، والملحق التعليمي في أمريكا د. محمد العيسى، والمدعوون من المملكة من مسؤولي وزارة التعليم العالي ومدراء ووكلاء الجامعات والعمداء، وعدد من أعضاء هيئات التدريس والكتاب والإعلاميين وغيرهم. وفي غمرة عنفوان وهدير المشاعر المنبعثة من حرارة كلمات الأناشيد والأغاني الوطنية وموسيقاها الحماسية ابتدأت مسيرة الخريجين من ذكور وإناث بدءا بحملة شهادة الدكتوراه ثم الماجستير ثم البكالوريوس، وهم يرتدون أرواب وقبعات التخرج، وامتدت تتوافد طوابير ما يزيد على خمسة آلاف، تضع خطوتها الأولى على أرض هذه القاعة الفخمة أمام الصف الأول من كبار المسؤولين والضيوف، تبدأ من هنا ولكنها تكاد لا تنقطع أبداً من المدد المتواصل المتدافع في انتظام وترتيب دقيق متقن، تسير مسيرة الخريجين في خطواتهم بإيقاع يتوافق مع نغمات الأناشيد المنبثقة من الشاشات العملاقة والتي تشع بأضوائها على المكان فتغمره بصور القائد والوطن والمستقبل، والتحايا وكلمات الشكر وعبارات الابتهاج تبدو واضحة على شفاه الخريجين والخريجات، هؤلاء هم مستقبلنا، هؤلاء هم الوطن البهي المتقدم المختلف الذي بدأ يتخلق من جديد بانطلاقات جديدة ورؤى تستجيب لدواعي العصر ومتطلباته وأدواته، يمر خمسة آلاف ويمر أمامنا خمسة آلاف طيف حلم بهي قادم معهم، ينشدون وتشع وجوههم بألوان أفراح تبدأ في زرع شتلاتها على أكتافهم وفوق خطاهم وهم يفرشون لنا ولهم ولأبنائنا طرقا محفوفة بالأنوار والبهاء والثقة بأننا سنكون شيئا جديدا لا يشبه الماضي وإنما يحفر صورة جديدة لوطن ما زال يتخلق في أحلام قائد يخطط له ويريده وطنا لا يشبه غيره! تقاطرت دموع فرح مترف بالزهو والاعتزاز والفخر والامتنان لوطني ولقائده؛ انسكبت من عيني فواريتها، لكنني لم أستطع إخفاءها، وحين التفت إلى جاري فإذا هما ليسا بأحسن مني حالا؛ فقد تقاطرت بسخاء دموع فخر وزهو لم يستطيعا منعها كما لم أستطع! هنا وحده «أبو متعب» سيد المكان والزمان؛ امتلأت به القلوب والحناجر، وصدحت بحبه الأناشيد والألحان؛ تصدح باسم قائد غيرنا، انتزعنا من الغفلة والغفوة ووضع أقدامنا على مدارج النور، وفتح أمامنا أبواب الحياة مشرعة بعد أن أغلقها الظلام واليأس والتزمت. [email protected] mALowein@