ربما يكون الفن السعودي الآن من المواضيع الأكثر تغريداً على"تويتر"أو نشراً على صفحات المجلات الفنية المصقولة الفاخرة، فازدادت شعبية الفن السعودي من ناحية الكم المنتج والإقبال الجماهيري عليه، كما أن تضاعف عدد القاعات الفنية التي تعرض للفنانين السعوديين الشباب ساعد في خلق"مشهد فني مزدهر"، كذلك لا يمكن إنكار الحس الجمالي المتزايد لدى جيل الشباب وسعيهم إلى استكشاف الفنون الحديثة والمعاصرة. وبينما لا أوافق على اعتبار الفن"موضة"إلا أنني لا أستطيع المجادلة مع الادعاء أن حركة الهوية الذاتية أو ظاهرة"الفن السعودي"هي بالفعل موضة، لكنني لست مع الادعاء أن هذا الحدث هو"إزاحة للحدود"وتحدياً للمحظورات. ربما يكون هناك عمل أو آخر حوى درجة تحدٍ مقبولة اجتماعياً للثوابت أو به أفكار تستفز المشكلات الثقافية أو الاجتماعية إلا أنها تظل موجهة إلى جمهور محدد، حتى إن أكثر الأعمال إثارة للجدل واستفزازاً لردود أفعال هذا الجمهور المحدد التي تنال الترحيب على المستوى العالمي تظل بعيدة عن العرض العام. لذا فإن ما يطلق عليه"الفن المعاصر"في السعودية - في رأيي المتواضع - خلق علاقات عامة أكثر مما فعلته بقية أنواع الفنون، وهو ما يجعل لديّ تحفظات على تعريف"الفن السعودي". لا يمكن التقليل من فوائد المعارض والمهرجانات الفنية وصالات العرض الخاصة، فهي تلعب دوراً مهماً في اكتساب المعلومات والثقافة ومشاركتها مع الآخرين، ولكن مثل هذه المعارض الفنية الخاصة تخدم أهدافاً مختلفة وتخاطب جمهوراً معيناً، وبالتالي لا يمكن أبداً مساواتها أو مقارنتها بما يتم عرضه في الأماكن العامة. فإذا كان هناك شيء يحتاج إليه السعوديون بشدة فهو ليس المزيد من تلك المعارض والقاعات الفنية الخاصة بل المزيد من الحوار والتفاعل الجدلي البنّاء لعلاقات اجتماعية وهو ما يتم في الأماكن العامة. وقد تكون هذه اللقاءات المشتركة عابرة وقصيرة الأمد إلا أنها تثير المزيد من الانتباه والتواصل مع محيطنا، إذ يمكننا فيها استعادة الحوار والإحساس بالانتماء، وانعدام هذا النوع من الحوار هو ما يجعلنا نفتقد العلاقات الواضحة في حياتنا العامة. وفي مجال الفن المعاصر هناك شخصيات محددة عبّرت بصدق عن خصائص هذا الفن، منها على سبيل المثال عبدالله العثمان الذي دأب على التجريب والاستقصاء وإشراك جمهوره في كل المراحل. اعترض عبدالله الحياة اليومية وفرض أفكاراً ومشاهد أبعد ما تكون عن الروتين المعتاد، وهو ما يمثل لي أنقى أشكال الفن، فهو فوضوي وذو حراك وملهم ولم يحصر نفسه في نمط أو أسلوب فني محدد. خلال 2012 استخدمت كلمت"شبوك"على نطاق واسع للإشارة إلى عملية الاستيلاء على الأراضي من طريق تحديد أطرافها بأسيجة سلكية أي شبكها، وهو ما يقوم به فقط موظفو المحافظة الرسميون السعوديون. وشاعت كلمة"شبوك"على"تويتر"وأصبحت"الهاشتاق"الرسمي الذي تنقل عنه المعلومات المتعلقة بالممتلكات العامة والخاصة، قد يكون من غير المفهوم مباشرة كيف لجملة"أمان مشروط"أن تلمح لكلمة"شبوك"، خصوصاً بالنسبة إلى شخص عابر لا يدرى شيئاً عن الموضوع، ولكنها مثلت وعبرت بدقة عن هذا النوع من التساؤل وإثارة الفكر الذي يخلق الفن. إنه نوع من الفحص الفلسفي للحاضر، عندما يدخل تعبير الفردانية للفنان إلى الحياة العامة ويصبح جزءاً من الإنتاج الجماعي للثقافة من الصعب قراءة الثقافة السعودية ولمسها لأنها ثقافة خاصة ترقد في طيات العزلة، وهذه هي الحدود التي يجب إزاحتها، فوجود أماكن مخصصة نتشارك فيها الأفكار والخبرات لا يضع فقط حدوداً لإبداعنا وخيالنا ولكن الأخطر من ذلك أنه يضع حدوداً لضميرنا ووعينا. لا تقدم شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حلاً لهذه المشكلة، فهذه الوسائل لا تستطيع أبداً تشكيل هويتنا الجماعية وسلوكنا ومُثلنا العليا بالطريقة نفسها التي يقوم بها النشاط الإنساني التفاعلي أثناء حياتنا اليومية، يمكنني أن أكتب تدوينة عن عبدالله العثمان وأن أضع تويتة عن الشبوك وأن أنشر صوراً لجرافيتي على"إنستجرام"ولكن لا يستطيع أي من هذا أن يحل محل خبرة إنسانية مكتسبة. يقول عبدالله فى كلمات له:"الجمال ليس منتجاً لتركيبة بسيطة، فأكثر الأشياء جمالاً تنبع عادة من الحدود والهوامش ومن أقل الأماكن يتوقع وجودها فيها". إذا كان بإمكاني ادعاء شيء عن الفن السعودي فهو ما قاله عبدالله وما يسهم به هو وأمثاله من الفنانين، فالفن والجمال ليسا موضة أو ظاهرة وقتية بل جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية. * كاتبة سعودية.