إكمالاً للمقالة المنشورة في 30 -10-2013، أقول إنه في الوقت الذي تتزايد فيه يومياً معاناة الشعب السوري الإنسانية تنتقل الثورة السورية إلى درجات أعمق من التعقيد وتداخل المصالح، سواء في الداخل السوري أم في منطقة الشرق الأوسط، في علاقة جدلية غير طبيعية في مثل هذه الظروف حين تنشأ الاضطرابات في بلدٍ ما، فإنها تتجه إلى الانفراج والخروج من المأزق بعد كل يومٍ يضاف إلى معاناتها، بعكس الوضع السوري الذي يزداد تأزماً وسوءاً من ناحية إنسانية على الأرض، ويعود ذلك إلى أن الثورة السورية خرجت من بين الشوارع ومن مشكلات البلد المتراكمة منذ عهد الأسد الأب، انطلقت الثورة على أيدي الثوار من عامة الشعب ممن كانوا لا يحملون من الأجندة السياسية إلا البحث عن مساحة حرية وكرامة تعيد للشام مكانتها في الذاكرة الإسلامية والعربية، لكنّ الثورة السورية تأخرت كثيراً في حصد ثمارها بخلاف دول الربيع العربي، وذلك لبعدها الجوجيوسياسي في المنطقة، ومحوريتها في الصراع العربي ? الإسرائيلي وفي المشروع الصفوي في المنطقة، فبدأ الإنسان السوري تنحسر أهميته في مقابل طغيان المشاريع المتقاتلة على الأرض، فالمأساة الإنسانية في سورية تسوء يومياً في مقابل صمت مطبق وعجز القوى الإقليمية والدولية عن التدخل، لإنقاذ الأرواح الجائعة التي تعاني لوعة الفقد وصقيع الشتاء الذي يطرق الأبواب، وذكرى الأهل والجيران الذين رحلوا على يد الطاغية الأسد، كل ذلك يحدث وأنظمة مجلس الأمن وهيئات حقوق الإنسان الدولية تفعل كل شيء إلا إنقاذ الإنسان، ولا غرابة في ذلك فإن الضمير الإنساني أحد الأبعاد الغائبة في تركيبة القوانين والتشريعات الدولية التي من النادر أن تشير أو تهتم في الشعوب أو الإنسان كمعادلة حقيقية أمام الدولة، فهي تنحاز في جانب الدول على حساب الشعب والإنسان اللذين اعتادا أن يغادرا الحياة كضحية لمواقف سياسية أو نيران صديقة! المشهد السوري على الأرض أصبحت تتحكم فيه قوى عدة ومتداخلة، ابتداءً من النظام الذي يتقدم في الأيام الأخيرة في مناطق حيوية في ريف دمشق، إلى الأكراد الذي بدأوا عملياً بتشكيل أقاليم إدارية في الشمال الشرقي من سورية كقوة جديدة، وانتهاء بالثوار والمجموعات المسلحة التي تتنوع، وتنتشر تحت ألوية ومسميات وتوجهات مختلفة! فالقاعدة تختلف تنظيمياً على الجهة الممثلة لها على الأرض بين جبهة النصرة وداعش في الوقت الذي تتمد فيه داعش في بعض المناطق، وتجعل منها امتداداً لدولتها في العراق كما تسميها، والأكراد يحاولون الاستقلال بأنفسهم، تمهيداً لالتقائهم بأكراد العراقوتركيا! كل هذه التكتلات داخل الأرض أفقدت الثورة السورية بوصلتها، حين تداخلت الأهداف، واختلفت التوجهات بين القوى الثائرة على الأرض، هذا من ناحية الداخل السوري، أما في الخارج فإن إيران نجحت بالدعم الروسي والصيني أن تحوي الموقف الأميركي تجاه سورية، وأن تضغط تجاه الحل السياسي للأزمة في ذات الوقت الذي تجتمع فيه مع قادة دول"خمسة زائد واحد"، من أجل التفاهم حول الملف النووي الإيراني وتخفيف العقوبات على النظام الإيراني الذي بدأ قريباً من تملكه السلاح النووي بحسب تصريحات عدد من الساسة الأميركان الذين يرون أن الموقف الأميركي من إيران كان نتيجة لمعلومات أميركية عن قرب تملك طهران سلاحها النووي. في الجهة المقابلة، فإن مصر كقوة إقليمية خرجت من الصورة تماماً، لتنشغل بمعاجلة شأنها الداخلي، تاركةً إرث المرحلة الحالية للسعودية كقوة كبرى في المنطقة وأحد أكبر المؤثرين في المحور السني في المنطقة. ونظراً لتراجع الموقف الأميركي عن التدخل العسكري والتعامي عن المعاناة الإنسانية في سورية فإن أحد أكبر السيناريوهات الآن هو مواصلة واشنطن في غض طرفها عن مجازر النظام السوري وتدخلات حزب الله وطهران لحسم المعركة لمصلحة نظام الأسد، لا سيما والجماعات المسلحة في سورية بوعي أو من دون وعي تتناسى الهدف من وجودها في الداخل السوري، لتنشغل بعداوات وقضايا إقليمية تفقدها القبول داخل سورية وخارجها. الرياض أبدت انزعاجها تجاه بوادر التحول في الموقف الأميركي من طريق الاعتذار عن مقعدها في مجلس الأمن، في الوقت الذي تراجع فيه دور تركيا في الأزمة السورية، نتيجة للضغط الإيراني عليها بورقتي الاقتصاد والأكراد، ومن هنا فإن الأزمة السورية بكل هذه التحالفات والمشاريع الإقليمية تخسر الإنسان بفعل الاختلاف بين قادة الثورة ومجموعاتها المسلحة وبين مصالح الدول الإقليمية والعالمية في المنطقة. ما يهمنا هنا هو أن الرياض تعي جيداً، إضافة إلى موقفها المشرف بدعم إرادة الشعب السوري وحراكه بالتخلص من نظام الأسد، أن انتهاء الأزمة السورية لمصلحة الأسد يشكل خطراً على الشعب السوري الأعزل وعلى أمن المنطقة والخليج، نظراً لأطماع التمدد الإيراني وسيطرته سياسياً على المشهد العراقي ولموقف نظام الأسد المتوتر من الأنظمة الخليجية بعد تأييدها لخيار الشارع السوري. إن أهم الأولويات في هذه المرحلة تكمن في الموقف الخليجي الضاغط تجاه دعم صمود الشعب السوري ودعم النشاط الإغاثي والإنساني بالتوازي مع الدعم اللوجستي والميداني، وكذلك احتواء الموقف التركي ضمن المسار الخليجي والسني مع أهمية العمل على احتواء الفصائل المقاتلة وترشيدها حتى لا تفقد بوصلتها، فتكون كالدب الذي حاول إنقاذ صاحبه فجلس عليه وقتله! * محام وكاتب سعودي. [email protected]