تتبدّى كعبة المسلمين هذه الأيام بأبهى حلة أمام زرافات الحجيج الوافدين إليها من كل الأرجاء، تقصدها أقدام الملايين وترقبها الأعين في مشهدٍ مهيب يؤكد أنها مركز الكون وقلبه النابض. ها هي الكعبة المعظمة ترفع ثوبها في كل عام محرمة بإزارٍ أبيض هو اللباس الرسمي المعتمد في كل شبرٍ في مكةالمكرمة والمشاعر متهيئةً لموسم الخلاص من الذنوب، فيما يغطي البياض أجساد الحجيج، يتهيأون به لتبييض صحائفهم أمام الخالق في بعثٍ جديد إلى الدنيا بلا ذنوبٍ ولا خطايا. وفيما يفاخر المسلمون بأن لكعبتهم ثوباً أسود من حرير، طرز بخيوط الذهب، ويحاك بأغلى الأثمان، يلتف الإزار الأبيض على جسد الكعبة المكتسي بالسواد كل عام في ثنائيةٍ فريدة هي نهاية الألوان ورمزية يتفطن لها الراسخون في الإيمان، فالأسود منتهى الألوان وسيدها به تظهر عزة المسلمين وعنايتهم وفخارهم بها كرمزٍ ألفت بين قلوبهم ووحدت قبلتهم. وفي الإزار الأبيض تنزيه لها من العبث بكسائها وحماية لها من تمزيقه من الطائِفين الذي يفعلون ذلك رغبةً في أخذ شيء من بركتها. ترفع الكعبة ثوبها المسبل في صرحٍ يغص بالطائفين والعاكفين، وبعد أن ينهي الحجاج رحلتهم إلى البيت بصحائف بيضاء كبياض ثيابهم تطهرت من سواد الذنوب، تعود الكعبة إلى إسبال ثوبها الأسود الممتلئ مهابةً وعزة، بعد أن خلعت مع الحجيج إحرامها.