صندوق النقد : الإصلاحات في إثيوبيا ستجلب "مكافآت هائلة"    باكستان تدين بشدة التصريح غير المسؤول لرئيس الوزراء الإسرائيلي تجاه المملكة    بدء التصويت في كوسوفو في انتخابات تشكل مؤشرا لشعبية رئيس الوزراء    الأسهم تصعد 35 نقطة.. المؤشر فوق مستوى 12,469    وفاة الممثلة السورية إنجي مراد    المديفر: السعودية ملتزمة بدعم قطاع التعدين في أفريقيا    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    وزير الخارجية ونظيره الأرجنتيني يناقشان أبرز المستجدات إقليمياً ودولياً    مجلس الذهب العالمي: الأسعار تستمر بتسجيل مستويات قياسية في 2025    محلل سياسي ل"عكاظ": السعودية.. تعالج المواقف بحكمة وروية وتعقل وعدالة    تحذيرات من تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة أعمال الموظفين    أمير الرياض يرعى استعراض مخطط البنية التحتية.. غدا    أكد هروب عناصر الدعم.. الجيش السوداني يهاجم الفاشر من كل المحاور    مدرسة بنات في وادي الدواسر تُشرك أولياء الأمور في الاحتفال ب "يوم التأسيس"    معرض "آرت نهيل" يواصل فعالياته بحزمة من البرامج الحِرفية والفنون التشكيلية    وكيل إمارة الشرقية يفتتح المؤتمر الدولي الثامن للجمعية السعودية لطب وجراحة السمنة    جيسوس يعترف: نيمار غادر الهلال حزينًا.. أعلن أنني أغضبته!    الإمارات تدين وتستنكر بشدة التصريحات الإسرائيلية تجاه المملكة    العين على «إشبيلية».. هل يعود «برشلونة» للمنافسة على لقب «الليقا»؟    مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول تطورات القضية الفلسطينية    شقيقة زوجة ماهر الأسد: نظام بشار وراء تفجير «خلية الأزمة»    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 500 سلة غذائية في عدة مناطق بجمهورية بنغلاديش    بدرجتين مئويتين تحت الصفر.. طريف تسجل أقل درجة حرارة بالمملكة    من أعلام جازان.. الشيخ العلامة الدكتور محمد بن هادي المدخلي    كرستيانو.. التاريخي والأسطورة الأول    "فريق ليجون 13″ يحقق لقب الفرق.. و"ميرونك" بطلًا لفردي بطولة ليف جولف الرياض 2025    «وجهات تهجير» أهل غزة ترفض مخططات تصفية القضية    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة    سجن محتال 45 ألف سنة بسبب «المزرعة الوهمية»    ثعابين سامة تهاجم مدينة أسترالية    4 برامج في ثلاث جامعات عالمية لتطوير كفاءات قطاع السياحة    مؤتمر "ليب" يستشرف مستقبل التقنية    دنيا سمير غانم "عايشة الدور" في رمضان    علي خضران.. فقيد الأدب والتربية الراحل    رسالة تهدئة من واشنطن للقاهرة.. ومراقبون: «بيان الفجر» يدفع ترمب للتراجع عن تهجير الفلسطينيين    الحجاج في القرآن    في الجولة 19 من دوري روشن.. الهلال يتعادل مع ضمك.. ويهدي الاتحاد الصدارة    «الغذاء والدواء» : لا صحة لتسبُّب الزنجبيل في الجلطات    "المرض الحلو" يتصدر أعمال مؤتمر الغدد    3 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى في العالم    آل بامخير يستقبلون المواسين في فقيدهم    العزلة.. تهدد أمان الأطفال النفسي والاجتماعي    ضمك يعادل الهلال ويهدي الصدارة للاتحاد    يوم التأسيس.. يوم فريد وحدث تليد    التراث الثقافي والهوية    استدامة بيئية    وصفة إلكترونية للأدوية المخدرة والمؤثرات العقلية    الحكمة.. عقل يفهم العواطف    الحرس الملكي يحتفل بتخريج دورات الأمن والحماية واختتام الدوري الرياضي    ماذا في جعبة وزارة التعليم ؟    التسليم على الرغبات المتوحشة    مفتي المملكة ونائبه يتسلمان تقرير نشاط العلاقات العامة والإعلام    محمية تركي بن عبدالله تعقد لقاءً تعريفيًا مع المجتمع    أمانة المدينة تدشن تقاطع الأمير عبدالمجيد مع سعد بن خيثمة    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الخليجي والسيادة الوطنية !
نشر في الحياة يوم 27 - 12 - 2012

أجاب وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل انعقاد القمة الخليجية في دورتها ال33 بالبحرين عن سؤال حول مشروع الاتحاد الخليجي بقوله:"إن سيادة الدول في هذا الاتحاد المنشود لن تُمَسَّ. وهذا أمر يتردد منذ أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوته إلى الانتقال بدول المجلس من مرحلة التعاون إلى الاتحاد".
ويقود هذا التصريح إلى التساؤل عمّا كان يعنيه الوزير، لاسيما أنه ممن يبذلون جهوداً مميزة في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل منذ إطلاق هذه المبادرة. ومنبع هذا التساؤل هو الحرص على تجنب الوقوع في فخ التمسك بمفهوم السيادة الوطنية بأبعاده التقليدية لدى دول الخليج العربية. هذا المفهوم الذي عفا عليه الزمن بحكم ما جرى من تطورات وأحداث وتغيرات وتحولات محلية وإقليمية ودولية في جميع الميادين خلال العقود الماضية. إن التمسك بمثل هذا المفهوم سيعوِّق بلا شك التقدم نحو المستقبل المشترك لهذه الدول، ويسمح للمترددين بالتحجج به"ما يؤخر عملية الانتقال نحو الاتحاد. إن الدول لا تُنْقِصُ من سيادتها عندما تسعى لتحقيق تطلعات شعوبها الواحدة إلى بناء كيان يجمعها تلج به المستقبل بأمل وطمأنينة، بل تعززها وتحميها. والمنطق يقول إن كل من لا يستطيع أن يحمي نفسه ويصونها بمفرده في عالم اليوم، فسيادته منقوصة حتى لو تشدق بها، وفي مثل هذا الوضع، فإن الاتحاد الذي يحقق مثل هذا الهدف هو قيمة مضافة إلى السيادة الوطنية - إن كان لا بد من القول بها - إلى دول وشعوب كلُّ ما بينها على مر الأزمان يجمعُ ولا يُفرِّقُ.
إن السيادة في عالمنا اليوم ليست مطلقة، ولا يمكنها أن تكون كذلك في ظل نظام عالمي متداخل ومتشابك في كل شيء. فالنظام العالمي الحالي، منذ نشأته في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو يتقدم على حساب مفهوم السيادة الوطنية. إن كل اتفاق دولي أو معاهدة أو عهد دولي أو بروتوكول في أي مجال تنضم إليه الدول هو على حساب سيادتها الوطنية. وكل معاهدة أو اتفاق في محيط إقليمي، أو في إطار منظمة إقليمية، هو كذلك مما ينتقص من السيادة الوطنية. وكل اتفاق أو معاهدة بين دولتين هو كذلك انتقاصٌ من سيادة الدولتين. لكنَّ هذا كله هو فعل إيجابي ومحمود لأنه يصب في الصالح الدولي أو الإقليمي أو المحلي"ومن ثَمَّ فإن سمو الهدف والمصلحة هو المُحَدِّدُ لما يمكن أن تتنازل عنه الدول من سيادتها"لأن السيادة ليست بذاك الثور المقدس.
إن دعوة الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد ما هي إلا تعبيرٌ عن رغبة شعوب المنطقة، واستشرافٌ للتهديدات الاستراتيجية التي تحيط بها، وتطلعٌ لمستقبل تكون فيه دول الخليج العربية قادرة على مواجهة التحديات التي تنتظرها في عالم متغير ومتقلب ومتحول"ما يعني أن أهداف هذه الدعوة تتجاوز السياسات الصغرى إلى السياسات الكبرى التي تضع الأساس لبناء كيان يكون قادراً على حماية نفسه، وفاعلاً في محيطه، ومشاركاً في عالمه نحو خير العالم وسلامه واستقراره. إن سمو هذا الهدف، وما يحققه من مصالح لجميع دول الخليج العربية، يتطلب أن نتجاوز بعض المفاهيم المعوِّقة، ونقفز فوق بعض الحساسيات غير المبررة"تلك الحساسيات التي أثبتت تجربة التعاون بين هذه الدول خلال ال30 عاماً الماضية أنها وهمية أكثر منها واقعية. لقد فقدت الكويت سيادتها في عام 1990، وعرَّضت المملكةُ سيادتها للخطر في سبيل استرجاع سيادة الكويت. ولو تحججت المملكة وشقيقاتها دول الخليج الأخرى بالمخاطر التي ستقع على سيادتها لما تحقق ذلك الهدف. وهذا دليل صُلْبُ على أن بقاء كل دولة وأمنها وتقدمها هو من بقاء الدولة الأخرى وأمنها وتقدمها. وفي السياق نفسه لو لم تضحِّ بعض إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة بمفهوم السيادة في سبيل الوحدة لما كنّا رأينا اليوم دولةً فتيةً عزيزةً تتقدم باطراد في جميع المجالات التنموية، وينعم بخيرها جميع الإماراتيين.
إن التجارب الاتحادية الناجحة كثيرة في العالم، ومنها تجربتنا في المملكة العربية السعودية، وتجربة الشقيقة الإمارات العربية المتحدة، والإرث القانوني غنيٌّ في مجال الوحدة والاتحاد وأنواعهما وضمانات تحققهما من دون تمييز بين كبير وصغير، وغني وفقير، وقوي وضعيف. وفيه أيضاً ما يضمن السيادة في جميع الشؤون الوطنية، لذا ينبغي التقدم نحو هذا الهدف السامي من دون أن نقع في استحضار مفاهيم قد تعوِّق مسيرتنا.
إن ما يربط بين دول وشعوب الخليج العربية يتجاوز جميع المفاهيم. وهنا قد يكون من المناسب استدعاء موقف لذلك الرجل الحصيف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله، الذي يذكره الأمير تركي الفيصل، وهو أنه في إحدى زياراته إليه وقد جمع الشيخ أبناءه في اللقاء، وخاطبهم بأسلوبه البدوي الأصيل قائلاً لهم، وهو يشير إلى الأمير، ما معناه:"إن هؤلاء هم عزوتكم إذا ما جار الزمان".
إن هذا القول يختزل كل مفاهيم السيادة في ما بين دول الخليج العربية"فهي عزوةُ لبعضها البعض في السراء والضراء. وعليه ينبغي ومن دون تردد العمل على تحقيق الهدف الذي يجسد ذلك، وهو الاتحاد قبل أن يجور الزمان، وهو لا بد جائر على من لا يستعد له.
عوض البادي - الرياض
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.