موت ستيف جوبز"المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أبل"سبب حزناً كبيراً للكثيرين على مستوى العالم، وفي الوقت نفسه دفعهم للتفكير، مئات الملايين كانوا يتوقون لمعرفة الأسباب الدافعة إلى وصول أحد الأشخاص الذين تركهم آباؤهم عند ولادتهم، إذ تبنته عائلة متوسطة الحال، معدل دخلها ومستواها التعليمي دون المتوسط، إذ وصل إلى قمة النجاح، وقد تسبب موت ستيف في حزن وحداد كثير من الناس على الصعيد العالمي. بعض أصدقائي من الشرق الأوسط انضموا إلى دردشة حول ستيف، وقالوا إنه يحمل جينات أب سوري الأصل، وكانوا يفتخرون ويعتزون بذلك، في رأيي،"ستيف"ليس فخراً للمسلمين بل عار عليهم. لا تسيئوا فهمي، علينا أن نشعر بالعار من أنفسنا كلما تذكرنا ستيف، وليس أن نشعر بالعار منه، ستيف تربى في عائلة غير مسلمة وهو طفل رضيع، وترعرع في بلد غير إسلامي، وعانى من النمو في ظل أم وأب بالتبني، إمكاناتهما المادية محدودة، وقد التحق بالجامعة لكنه اضطر لتركها وهو في السنة الأولى، ولأنه لم يكن لديه مكان يأوي إليه وهو في سن الشباب كان ينام على الأرض في بيت زملائه، وكان يجمع قوارير الكوكا كولا من القمامة لبيعها بخمسة سنتات للقارورة من أجل الحصول على الطعام، لكن على رغم كل هذه التحديات والصعوبات اكتشف قوته وأسس شركة أبل في المرآب، وبينما كان يحلم بالصعود إلى القمة فصل من الشركة، وعلى رغم كل ذلك لم تثبط عزيمته ونجح بالصعود بشركته التي جعلته يصل إلى القمة بفضل المنتجات التي أثارت الحيرة والإعجاب الشديد في العقول، وبلغت القيمة السوقية لشركة أبل التي أسسها نحو 390 بليون دولار بفضل المنتجات الجنونية، مع أن إجمالي الدخل القومي لسورية، التي يصل تعداد سكانها نحو 24 مليون نسمة - بلد والده الأصلي - بلغ فقط 60 بليون دولار، أي أن شركة ستيف تعادل 6.5 ضعف القيمة السوقية لسورية، وهذا ما يجعلني أخجل وأشعر بالعار. في الواقع منذ بضعة شهور وشعوري بالعار والخجل يزداد كلما تابعت الأخبار المتعلقة بسورية، ويتمعر وجهي كلما شاهدت أولئك الذين عطلوا عقولهم وأضعفوها، وفي أيامنا هذه يُرشق الشعب السوري بالرصاص بشكل جنوني، وكلما استخدمت ال"آيفون"، أقول لنفسي إنه لمن حسن الحظ والطالع أنْ تُرِكَ ستيف من والديه، لو أخذه والده وعاد به إلى بلده لكنا انتظرنا قرناً آخر من الزمان لاكتشاف"آيفون". حسناً، ما الذي يجدر بال 24 مليون إنسان في سورية و1.5 بليون إنسان في العالم الإسلامي أن يقولوا لأمثال ستيف؟ لو لم يتم إضعاف وتعطيل هذه العقول من جانب أنظمة الحكم الاستبدادية، يا ترى أين كنا سنكون في عالم التكنولوجيا في أيامنا هذه؟ يا ترى ما الاكتشافات والاختراعات التي كنا سنراها؟ في ال 12 عاماً التي عشتها في الولاياتالمتحدة الأميركية، فكرت طوال جولاتي ورحلاتي إلى أوروبا والشرق الأوسط في تخلف العالم الإسلامي الذي يسبب الجنون للإنسان، في مقالتي هذه سأناقش العوامل التي جعلت من بلد ستيف الولاياتالمتحدة قوة عظمى، وجعلت سورية والبلدان الإسلامية الأخرى بلداناً متخلفة. في المقام الأول دعونا نبدأ بالاعتراف بأننا جميعاً نأتي إلى هذا العالم بالمستوى نفسه من الجهل، فمن هذه الناحية لا فرق بين الأطفال الذين في الولاياتالمتحدة والأطفال الذين في سورية، فكلاهما على المستوى نفسه من الجهل، وجميع الأطفال يفتحون أعينهم للحياة وهم لا يعرفون سوى الرضاعة والبكاء، إذن ما السر الذي يجعل الأطفال في الولاياتالمتحدة مخترعين وأطفالنا مساكين؟ إما أن نقول إن الله خلقهم أذكياءً جداً وخلقنا أغبياءً، أو أن نعترف بأن ثمة عوامل تجعلنا أغبياء، في رأيي، في حين أن الاختلافات والفوارق في الظروف العائلية، والاجتماعية، والتعليمية والثقافية والسياسية تجعل العقول في الولاياتالمتحدة منتجة، فإنها تجعل العقول لدينا عقيمة، لأنه في الولاياتالمتحدة الأميركية ليست حقول النفط أو الذهب أو احتياطي الألماس هي التي تعد القوة الأصلية ومصدر الثروة"بل احتياطيات العقول هي التي تعد كذلك. ففي حين أن الظروف هناك تسمح باكتشاف الاحتياطيات المذكورة وإدارتها وتشغيلها بالشكل الأكثر فاعلية، بينما في الشرق الأوسط لا يتم تشغيل العقول"بل تطبع فيها أشياء غير لازمة وغير ضرورية وبالتالي يتم هدرها. نجاتي آيدن - الرياض أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود [email protected]