يجسد اليوم الوطني الكثير من المعاني النبيلة وقيم الخير والبطولة والانتصار ودحر الشر والفرقة والضعف. في هذا اليوم من كل عام نقف لنتأمل ونستعيد قصة أحد أعظم إنجازات العصر، ونرى كيف تكون التضحيات والبذل والعطاء، وتتجلى أمامنا البطولات في أعظم صورها، كما يتجلى لنا الإخلاص لله ثم للوطن، في مثل هذا اليوم اكتملت فصول المعجزة التي تحققت بفضل الله تحت راية التوحيد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. وبعد التوحيد بدأت على أرض هذه البلاد الطاهرة قصة جهاد أخرى انطلقت من قاعدة حضارية وثقافية راسخة اعتمدت كتاب الله وسنة نبيه شرعاً لها وأرست مبادئ العدل والمساواة وتمثلت في مسيرة تنموية ونهضوية شاملة يقف لها العالم احتراماً وتقديراً. فعند توحيد هذه البلاد لم يكن على وجه الأرض أقل منها في ثرواتها ومقدراتها ولكنها كانت غنية برجالها وقوة إرادتهم وعظيم همتهم، فأصبحت الصحاري القاحلة ميداناً لنهضة تنموية هي الأهم في المنطقة وقد شملت جميع القطاعات والمجالات التعليمية والصناعية والزراعية والخدمية، وجعلت المواطن السعودي هدف هذه التنمية وكوّنت منظومة متكاملة جسدت ملحمة تنموية سابقت الزمن، ورسمت معالم حضارية جمعت بين أصالة التراث وديناميكية الحاضر ومتغيراته كما تهيأت للمستقبل ببصيرة نافذة تستشرف الآفاق وتستنير الطريق. ولأن ثروة هذه البلاد في رجالها، فقد استمرت عجلة الإنجازات ووقفت بلادنا حماها الله طيلة عقود في وجه الكثير من العواصف والمتغيرات وقادها طيلة عقود ملوك ميامين حذوا نهج والدهم في إخلاصهم لله ثم لأوطانهم وأمتهم، ولم تكن مسيرة النهضة في بلادنا سهلة بل واجهت تحديات كثيرة وتخطت المملكة محناً وصعوبات خطيرة، وفي كل تحد كانت قيادات هذه البلاد على مستوى المسؤولية لأخذ البلاد إلى شاطئ الأمان منطلقة في سياساتها من مبادئ راسخة مستمدة من تعاليم الدين الحنيف والقيم الإنسانية السامية. وفي العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تعيش هذه البلاد عصرها الذهبي، وفي عهده بلغت النهضة ذروتها وتربعت بلادنا حماها الله على القمة بعد أن أصبحت أحد أهم دول العالم بعد أن منّ الله عليها بقيادة استثنائية أخذت البلاد لآفاق جديدة وبدأت بلادنا عملية تنموية شاملة وكبيرة ومشاريع عملاقة من خلال موازنات لم يسبق لها مثيل شملت جوانب الحياة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والصحية والخدمية لتحقق رؤية خادم الحرمين الشريفين في تحقيق تنمية مستدامة وجعل المملكة العربية السعودية من الدول الأولى عالمياً. وخلال فترات حكمه الرشيد قاد المملكة في مسار آمن لم تؤثر فيها الأزمات الكبرى التي لحقت بجميع دول العالم. ففي المجال السياسي، واصلت المملكة دعم مكانتها الإقليمية والدولية، وتعميق أواصر التعاون مع دول العالم بفضل مواقفها الداعمة للحق والمساندة للخير والسلام، كما واصلت المملكة جهودها في دعم التضامن العربي والإسلامي، وتعميق الروابط الأخوية بين الدول العربية والإسلامية، واستثمرت مكانتها الدولية في تحقيق كل ما فيه الخير للعرب والمسلمين. وعلى الصعيد الاقتصادي، نجح هذا العهد الزاهر في تثبيت دعائم اقتصاد شامخ من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية، وبناء المدن الاقتصادية، وواكب ذلك تعزيز التنمية البشرية بتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتوفير فرص العمل لهم، وذلك بالتركيز على التعليم بجميع قطاعاته والاستثمار في رأس المال البشري لتأخذ المملكة قصب السبق في اقتصاد المعرفة الذي يتصف به العالم اليوم. وعلى صعيد التعليم، تحققت إنجازات عدة انطلقت من اقتناع عميق بدور التعليم العام والتعليم العالي في إعداد الكوادر البشرية المواكبة لأحدث مستجدات العصر، والواعية لدورها في نهضة الوطن، والمساهمة في مسيرة التنمية الشاملة. وقد حظي قطاع التعليم بدعم غير مسبوق بأكثر من 150 بليون ريال مما يعد من أعلى نسب الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي على المستوى العالمي. وهناك عدد كبير من المؤشرات التي تعبر عما يحظى به التعليم والتعليم العالي من دعم باعتبارها قطاعات مسؤولة عن بناء الإنسان السعودي المزود بالعلم والمعرفة، والقادر ? بمشيئة الله ? على المساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية، ومواكبة مستجدات العلوم والتقنية، والوفاء بالحاجات المتجددة والمتطورة لسوق العمل. ففي قطاع التعليم العام حظي مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام بدعم مادي ومعنوي وبدأت نتائجه تتضح على هذا القطاع في بناء المنشآت التعليمية في جميع المدن والقرى وتطوير المناهج والرقي بأداء المعلم وتعزيز الجودة في المخرجات التربوية والتعليمية. كما يساعد هذا الدعم الكبير مؤسسات التعليم العالي على تحقيق رسالتها وأداء دورها الحيوي وتحقيق نقلة نوعية في التعليم الجامعي، ومن بين هذه المؤشرات. - إنشاء الجامعات الجديدة، التي تؤكد حرص هذا العهد الزاهر على إتاحة التعليم العالي في ربوع الوطن كافة ، إذ ارتفع عدد الجامعات الحكومية إلى 24 جامعة في الوقت الحالي فضلاً عن جامعات وكليات أهلية كثيرة أنشئت في السنوات الأخيرة، مما ساهم في زيادة القدرة الاستيعابية للجامعات، والوفاء بالطلب المتزايد على التعليم العالي. - برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي يشمل مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في تخصصات حيوية بجامعات مرموقة في عدد من دول العالم، وهو ما يسهم في توفير كفاءات وطنية تخرجت في أرقى الجامعات، وفي تخصصات تتوافق مع حاجات سوق العمل ومتطلبات برامج التنمية، وتسهم في نهضة الوطن وتطوره. - إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون منارة للمعرفة، وبيئة راقية للعلم، وجسراً للتواصل بين الشعوب، وصرحاً علمياً شامخاً للعلوم والتقنية يستقطب الطلبة والدارسين والباحثين من مختلف دول العالم، ويسهم في توطين التقنيات المتقدمة، التي صارت ضرورة من ضرورات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. - الارتقاء الكمي والنوعي بالتعليم العالي من خلال رفع كفاءته الداخلية والخارجية، وزيادة الاهتمام بقضايا الجودة النوعية، وتعزيز ربط البرامج التعليمية بمتطلبات التنمية، والتوسع في التخصصات العلمية التي تحتاجها مسيرة التنمية. - إطلاق مشاريع ومبادرات مهمة مثل برامج مراكز التميز البحثي، وبرامج تنمية الإبداع والتميز لدى أعضاء هيئة التدريس، وتطوير برامج وخدمات الإرشاد الطلابي، وتطوير الأقسام الأكاديمية، وتطوير الجمعيات العلمية، وبرامج الاعتماد الأكاديمي المؤسسي والبرامجي. - الترخيص بتأسيس شركة وادي الرياض وشركة وادي جدة وشركة وادي الظهران للتقنية، لتعزيز دور الجامعات في الإسهام الفاعل في تطوير اقتصاد المعرفة عبر الشراكة بين المؤسسات التعليمية والبحثية ومجتمع الأعمال ومن خلال الاستثمار في المشاريع المشتركة التي تصقل الخبرات والتطبيق العملي لطلاب الجامعة وأساتذتها، وهو ما يعكس إدراكاً كبيراً لأهمية الاقتصاد المعرفي، ويوفر البيئة المثالية للابتكار، ويساهم في بناء الدورة الكاملة لإيجاد المنتج المعرفي وتطوير التقنية واستثمارها، ويؤكد أن الدور الذي تقوم به الجامعات الحديثة لا ينحصر في تقديم التعليم المتطور ولكن في تفعيل البحوث العلمية التي تجريها الجامعات وربطها بالحاجات الاستراتيجية للمملكة. وعلى وجه الخصوص، حظيت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بدعم لا محدود من لدن قيادة المملكة مما جعلها تحظى بالاهتمام والمقارنة مع الجامعات العالمية المرموقة، وتستمر في تميزها وريادتها على المستوى المحلي والعالمي. وتمكنت الجامعة من إطلاق مبادرات رائدة وفذة لتطوير العملية التعليمية والبحثية وجودة خريجيها بما يسهم باقتدار في مسيرة التنمية الوطنية. واستطاعت الجامعة تحديد معالم المسار المستقبلي لها ومضاعفة الجهد لتحقيق الرؤية الطموحة لقيادة هذا الوطن في ظل متطلبات المنافسة العالمية. وبهذه المناسبة نؤكد أن هذه الجامعة الفتية كانت ? وستظل بمشيئة الله ? قادرة على تخريج الكوادر الفنية القادرة على المشاركة في مسيرة التنمية، المميزة أخلاقياً، والمزودة بالفهم الحقيقي والوسطي لديننا الحنيف، والمستعدة للدفاع عن الوطن ضد كل من تسوّل له نفسه العبث بأمنه والمستوعبة لقيم التفاهم والتسامح والاعتدال والحوار، وبما يعزز مبادئ الشريعة السمحة في النفوس، وما يكرس حب الوطن والمحافظة على مكتسباته. وفي الختام .. يجدر بنا في هذا اليوم أن نتعلم كيف يكون البذل والعطاء، و كيف تتغلب الإرادة على المستحيلات، ولنتعلم أن من زرع الخير والعدل سيحصد نماءً ورخاءً وأمناً وأماناً، وليكن هذا اليوم فرصة لتعلم الدروس وشحن الطاقات والسير على خطى الآباء نحو مستقبل مشرق بإذن الله. * مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن