التقرير الذي نشرته"الحياة"في ملحق آفاق بتاريخ 14- 6- 2011 بعنوان:"جدل حول أول مثقفة تصعد إلى المنصة أمام الرجال"والذي يشير إلى خلفيات وسجالات حول موقع المرأة والأماكن المخصصة لها، مثل هذا التقرير - وكل ما نسمع عنه ونراه من وقائع عجيبة - يجعلنا مشدوهين مما يحدث، نتأمل الكثير من السلوك الاجتماعي ومنه السلوك غير السوي تجاه المرأة في بلادنا. لنفترض أن إحداهن أرادت الذهاب إلى البقالة التي تبعد خمس دقائق عن البيت. ما الذي يعوقها عن فعل ذلك؟! أتذكر الآن قول الشاعر: تقطعين القلب والبصل الطريًّ. هناك تكريس لسلوكات مشينه وأفكار رديئة مريضة لا تليق بالرجولة ولا تليق بالمروءة بدأت تأخذ مكانها في المجتمع وتستشري بين الناس، وبخاصة الشباب منذ بداية الصحوة ويتم تكريسها والدفاع عنها بطرق وصلت إلى حد الترهيب. مصدر مثل هذه الأفكار يعود في الماضي إلى عصور الانحطاط ويعود مصدرها في الحاضر إلى تسييس الدين وجماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. فقد كان الناس في الماضي يتمثلون العقلاء وأهل الرأي، أما اليوم فهم يسمعون وعاظاً بسطاء جهلاء ورجالاً مدّعين لا يمتون إلى الحكمة والمعرفة، ولا إلى القيم النبيلة بصلة فيصبحون مرجعاً وقدوة، وهو ما جعل المجتمعات العربية تغرق في الجهل والتخلف وتهضم من الدين قشوره. لماذا القيم الفاضلة إذاً؟ ما جدواها؟ القيم النبيلة والفضائل تُغرس في النفوس وتصان بالقوانين لكي تتبدى في الأماكن العامة وفي حياة الناس اليومية. أما أن تقام الجدران والعوائق ضد بديهيات الحياة الإنسانية السويّة باسم الفضيلة فإنه توجه يؤدي إلى وأد القيم بدلاً من غرسها الذي هو ممارستها ويؤدي إلى تشويه النفوس بدلاً من تشذيبها بالممارسة. وهو ما حدا بمؤسسة الفكر العربي التي يديرها الشاعر خالد الفيصل إلى أن تقترح على جامعة الدول العربية تخصيص قمة عربية للثقافة لكي تضع القادة العرب أمام جوهر المشكلة. *** لا يختلف اثنان في أن الوضع الاجتماعي في المنطقة العربية هو وضع متخلف. هذا ما يتفق عليه الجميع بكل ما لديهم من خلافات وتيارات وصراعات. فقبل سنوات سمعت الشيخ القرضاوي ورأيته يقول على الشاشة بانفعال واضح وهو يصف الوضع العربي هذا تخلف فكنت مذهولاً ساعتها! حسبتها كلمة تخص اللبراليين والمثقفين وأهل الفكر. وبعدها بعدة سنوات، في أول دورة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، أشار أحد الحضور في ندوة للشيخ سلمان العودة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني فوافق الشيخ سلمان بهدوء وقبول لم أكن أتخيله من أحد شيوخ الصحوة. أما الرسميون العرب وبخاصة الضالعون منهم في السياسة من أمثال سعود الفيصل وعمرو موسى فهم يعبرون بصراحة عن أن الوضع العربي لا يسر. وأما المفكرون والكتاب العرب فإنهم من فرط العذاب يأملون لو أنهم يمسكون البرق ساطعاً خمس دقائق لكي يقولوا لنا: شوفوا. هكذا يتفق الجميع إذاً. ولكن ما معنى ذلك؟ ما معنى وضع متخلف؟ هنا يسود الصمت المطبق والهروب أو يسود الضجيج والتناحر والقتل أيضاً ما يثبت أن الوضع متخلف حقاً. مسكين هو المثقف العربي النبيل. هل يستطيع أن يقول للديناصور أنت منقرض!؟ حسناً ما معنى وضع متخلف؟ سأحاول فقط. وسيكون لي أجران كما أعتقد وسيكون لي أجر واحد كما قد يعتقد من لا تعجبه هذه المحاولة وقد أستحق العقاب كما يعتقد أصحاب الحريق في نادي الجوف وأشباههم هنا وهناك. الوضع المتخلف هو الاستمرار في زراعة ثقافة اجتماعية تناوئ العقل الذي يجب أن يكون به يقظة وتناوئ الضمير الذي يجب أن يكون به عافية. *** المطلوب الآن هو العودة إلى ثقافة المروءة أي نفض الغبار عن عقولنا وعن ضمائرنا. والمروءة لها جذر لغوي يصب في جذرها الإنساني وجذرها الديني. وهي خلاصة الحديث النبوي: إنما بعثت لأتمم مكارم ا لأخلاق ولأن المروءة جماع مكارم الأخلاق فهي جوهر الإسلام. نادراً ما يكون الكلام بسيطاً ومكثفاً ومختصراً ودلالاته ساطعة مثلما هو في هذه العبارة الخالدة. ففي هذا الحديث الشريف اختصار لجوهر الإسلام وتعريف به وإشارة لا تقبل الشك إلى أسباب البعثة النبوية وبه أيضاً اعتراف بتراكم الخبرة البشرية ووجوب الأخذ بها في الفعل المضارع أتمم. وفي اللغة العربية الإنسان المذكّر امرؤ والإنسان المؤنّث امرأة. والمرء والمرأة والمروءة من جذر لغوي واحد فالمروءة هي الرهافة الإنسانية. * شاعر سعودي.