لم يرد في لائحة الأندية الأدبية أي وصف تمييزي يحدد الهوية الفكرية لمنتسبيها، كما لم تنص اللائحة على استحقاق تيار وعدم استحقاق آخر، وليس في اللائحة تحديداً أي رفض لمشاركة المتدينين مثلاً، ولا المحسوبين على غيرهم من منتسبي التيارات الأخرى، لأن المطلوب وصول من يدير الأندية بصورة صحيحة، وفقاً للوائحها، وليس وفقاً لأجندة أو أيديولوجيا معينة، وما دام الأمر كذلك فأي ريب في أن ينتمي المثقفون بمختلف أطيافهم لعموميات أنديتهم، لماذا يخاف غير المحافظين منافسيهم الثقافيين والعمل محكوم بلائحة ليس بوسع أحد مخالفتها أو تعطيلها؟ معارك المثقفين حول الحداثة والأصالة في ثمانينات القرن الماضي لا ينبغي أن تغدو سجال ثارات لا تنتهي، وقد انقشع غبارها، وصفت أجواؤها، وباتت مرحلة زمنية، لا ينبغي إحياؤها كلما نسيت واندملت جراحها، ولا تجديد عزاء المكلومين فيها كلما راموا نسيانها، أقول هذا على رغم أهمية المعارك الأدبية في إنعاش مشهدنا الثقافي، وإن احتدمت صداماته أحياناً، بيد أن الاختلاف لا ينبغي أن يتمخض عن إقصاء تيار لتيار، ولا استئثار تيار بالمؤسسات الثقافية من دون بقية التيارات. المحافظون اختاروا دخول الأندية الأدبية لأن الثقافة حق مشترك للجميع، ولأن برامج الأندية الأدبية - وفقاً للوائحها - لا تتعارض مع قناعاتهم الفكرية، ودليل ذلك أنهم منصرفون كلياً عن جمعيات الثقافة والفنون، كون الأخيرة ترعى ضمن مناشطها: المسرح، والتمثيل، والفلكلور الشعبي بما فيه الغناء، وهو ما يتنافى مع قناعاتهم، ولأجل هذا لم يسعوا للاستحواذ أو الهيمنة على جمعيات الثقافة والفنون - كما يروج مخالفوهم - لمنع ما يصادم قناعاتهم في تلك المؤسسة، علماً بأن الأنظمة الثقافية بلا استثناء ليس فيها ما يمنع أي محافظ مؤهل لتولي رئاسة فرع لإحدى جمعيات الثقافة والفنون، ولكن هذا ما لم يحدث للأسباب المذكورة . هناك وبكل أسف من يعمل على جعل المحافظين فزاعة يُخوف بها المثقفين ليبدو لمؤيديه منقذ الثقافة من معوقيها، وذريعته أن خصومه سيلجأون إلى سياسة المنع، والتضييق، وتقييد الحريات، ناسياً أو متناسياً أن من الإدارات السابقة والحالية للأندية الأدبية - وهم من غير المحافظين - من رفض طبع بعض الأعمال الأدبية لمصادمتها للتابو الديني أو الجنسي، وما ذاك إلا لأن للحرية حدوداً، ولأننا مهما تطلعنا للمزيد منها فسنظل محكومين بالحرية كما يقول سارتر. تعطيل اللائحة أو التعسف في تطبيقها هو المرفوض، أيا كان الفاعل، وأيا كان تياره وتوجهه، أما عضوية المثقف في الجمعيات العمومية وعضويته بمجالس إداراتها، وأي منصب إداري آخر فحق تتساوى أمامه كل أنواع الطيف الثقافي دون تمييز، لأن اللائحة لم تميز. * كاتب سعودي