لا يوجد شيء أسوأ من تصريح رئيس لجنة الانتخابات البلدية السعودية برفض إشراك النساء في الانتخابات المقبلة سوى تبريره لسبب الرفض، التصريح الذي أكّد أن لا شيء يمنع من مشاركة النساء، أرجع سبب الرفض إلى عدم الجاهزية - بلا تحديد لطبيعة الجاهزية - في جميع مناطق المملكة لاستقبالهن، وإن افترضنا أن الجاهزية تعني تجهيزات المقار - على أحسن التقديرات - فهناك في سياساتنا الحالية ما يعارض هذه النتيجة في قرار اللجنة، فهل منعت الجاهزية وزارة التعليم من إرسال بناتنا إلى القرى والهجر عبر طرق خطرة وبلا أي استعدادات لائقة للسكن ولمقار العمل حتى حصدت الحوادث أرواحهن على الطرق عاماً بعد عام؟ وهل منعت الجاهزية بناتنا العاملات في وزارة الصحة من مواجهة خطر الأحياء العشوائية والمتهالكة في كل مدينة وقرية لمباشرة عملهن في تقديم الخدمات الصحية، إما المنزلية أو العامة، لكل محتاج بلا أي خوف من العدوى والخطر؟ وهل منعت الجاهزية المتطوعات والعاملات في الخدمات الاجتماعية الخيرية من ارتياد المناطق المنكوبة كافة وتقديم المساعدات وعمل دراسات للحالات ومتابعتها بلا أي ضمان ضد الخطر؟ هل أوقفت الجاهزية الإعلاميات عن اقتحام مجالات العمل الصحافي، وتقديم التقارير الصحافية، والحصول على الأخبار مهما تطلبت من متابعة وتواصل؟ هل انتظرت المرأة السعودية الجاهزية التامة حتى تلتحق بالتعليم وتشد لأجله الرحال محلياً وداخلياً؟ وهل انتظرت الجاهزية لقبول أي وظيفة متوفرة مع التمييز الحادث ضد النساء في القطاعات كافة؟ التصريح الأخير لم يفسر لنا كيف يستطيع أي مواطن فقط لكونه ولداً ذكراً أن يتقدم بالترشيح والانتخاب في النافذة الأولى والوحيدة لممارسة أي عمل سياسي شعبي في البلاد، حتى وإن لم يحمل أي مؤهل علمي أو عملي، وفي الانتخابات البلدية الأخيرة كان هناك عدد كبير من المرشحين الرجال من حملة شهادات الابتدائية وما دونها، وممن لا يملكون أي خبرة عملية سوى التعقيب على المعاملات في الإدارات الحكومية، مع احترامي لكل مجتهد، فكيف يمكن إذن لسيدات سعوديات حصدن أرقى درجات التعليم، وحملن وسام خدمة الوطن في المجالات كافة، أن يحرمن من حقهن في المساحة الوحيدة المتاحة للمشاركة الوطنية؟ إن كان المقصود من الجاهزية هو تأهيل المرأة السعودية أو اختلاطها بزميلها الرجل، فهناك أيضاً من الشواهد ما يؤكد جاهزيتها ونجاح عملها إلى جوار الرجل، المرأة السعودية فاقت الرجل في التحصيل العلمي العالي، بحسب الإحصاءات، ويندر أن تجد سيدة تستغل منصبها الوظيفي للمنفعة الذاتية، أو للاختلاس أو غيره، كما هو حادث في المناصب العامة الكبرى التي يشغلها الرجال هنا، والمجتمع النسائي الذي بات محبطاً من تجاهل مسؤولين لإسهاماتهن، على رغم حملاتهن المتكررة للمطالبة والتنبيه على حقوقهن المسلوبة على مدى العقود الماضية، هو أكثر من جاهز لتولي المسؤوليات المدنية والسياسية كافة، والنجاح والسهولة التي تباشر بها سيدات سعوديات على قلة فرصهن وأعدادهن ممن حملن ثقة المسؤولين في تعيينهن في مناصب كبرى هو الدليل الأفضل على الجاهزية، أما جاهزية المجتمع فليس هناك دليل أفضل لنسف هذه الفرضية سوى استمرار سير العمل بلا أي مشكلات تذكر في كل المجالات التي طرقتها النساء إلى جوار الرجال هنا، إذ تعمل النساء في المستشفيات والإعلام والبنوك جنباً إلى جنب مع الرجال بلا أي تأثير يذكر على سير العمل، فلم نحرم الوطن من إسهاماتهن؟ ولم نجعل مسؤولية تسيير ورقابة مدننا التي ثبت فشلها عاماً بعد عام في مواجهة الكوارث الطبيعية والمكتسبة بواسطة سوء الإدارة والفساد في أيدي اشخاص يتوقف اختيارهم للمنصب على نوعهم البيولوجي وليس على كفاءتهم العملية والعلمية؟ والسؤال الأهم لماذا لم يتم تجهيز المجال لمشاركة النساء - إن كانت هناك أي جدية في التعاطي مع هذا الوضع - منذ الأعوام السابقة، علماً بأن حملات المطالبة بالمشاركة النسائية مستمرة منذ سنوات؟ فهل ذلك دليل على فشل ما في الإدارة الذكورية للعملية الانتخابية هنا، أو على وجود نية مبيّتة بتجاهل مشاركة المرأة؟ لم نقرر أن نخرج عاماً بعد عام بسياسات انتقائية تمنح المرأة فرص التأهيل كافة وتحرمها في الوقت نفسه من حق ممارسة تأهيلها، لم نصل في النهاية في كل قرارات مشاركة المرأة إلى اعتذار ما يحمل في مضمونه الشك من الرجال والإقصاء للمرأة خوفاً عليها من فتنة متخيلة لم تثبت صحتها يوماً في أي مجال طرقته المرأة هنا إلى جوار الرجل؟ أقل ما يمكن أن أصف به شعوري وأنا أطالع في وكالات الأنباء العالمية"رويترز ونيويورك تايمز"خبر تهميش النساء وإقصائهن عن المشاركة هو خيبة أمل كبيرة،تعيين السعودية في مجلس الأممالمتحدة للنساء ومجهودات الناشطات محلياً في حملة بلدي، والمكانة المميزة التي وصلتها النساء هنا في المجالات كافة، لم تصنع أي فرق لدى المسؤولين عن الانتخابات البلدية في دعم مشاركة المرأة، وبدلاً من منح هذا الوطن فرصة حقيقية للحاق بركب الحضارة أتت جملة واحدة لتنتزع من النساء هنا حق المشاركة، وتحكم على الوطن بإلغاء ثمانية ملايين فرصة مميزة للإسهام فيه، ليس هناك شيء مخيب للأمل أكثر من انتظار جاهزية ما لا نعرف محدداتها منذ ما يزيد على ألف عام. * كاتبة سعودية. [email protected]