تدرك المرأة السعودية مفهوم النسبية ربما أكثر من أي امرأة في العالم، فكل ما يتعلق بها هو في حقيقة الأمر نسبي، لأن لها"وضعاً خاصاً"، ذلك الوضع الذي صنعه إرث من الخوف والشك في زمن سابق، شاعت فيه الفوضى وانعدام القوانين ولم يعد موجوداً الآن، ولا أجد أي اختلاف في حاجات المرأة السعودية الرئيسة في الحياة عن حاجات أي امرأة أخرى في العالم. في تقرير نشرته"الحياة"أخيراً عن اللجنة السعودية للشراكة بين الجنسين التابعة للاتحاد البرلماني الدولي - لم أدرك أساساً أن لدينا مثل هذه اللجنة - مع البرلمانيين الدوليين، كان المنشور شيئاً يغالط كثيراً ما نراه على أرض الواقع، على رغم اختيار السعوديين الرد"بشفافية وموضوعية"على الأسئلة، كان رد اللجنة يشف بوضوح عن محاولة تبرير وضع المرأة السعودية، فكانت هناك"لكن"إلى جوار كل إجابة. ذكر أعضاء الوفد أن نظام الانتخابات لا يستثني المرأة،"لكن"ذلك يحتاج إلى توفير البيئة الملائمة لمشاركتها من جهة المقار والرقابة على عملية التصويت - وهل لا يحتاج انتخاب الرجل الشيء نفسه؟ -"لكن"الإسلام كفل للمرأة حقوقها ودورها في المجتمع، وأن المرأة في المملكة عضو فاعل ومشارك في صنع القرارات في مجالات عدة،"خصوصاً"في مجلس الشورى، إذ إن المجلس لديه ست مستشارات دائمات"لكن"غير متفرغات، وانتهى الاجتماع بذكر أن لجنة الشراكة الدولية"أشادت"بالتقرير الذي قدمه الوفد السعودي. كل ما يذكر عن المرأة السعودية بواسطة الرجل السعودي في المحافل الدولية، يعكس في مجمله أن النساء في أفضل وضع يمكن أن يكن فيه من وجهة نظر الرجل السعودي وهو أمر نسبي، ومسألة تكريم المرأة التي نرددها دائماً في كل محفل دولي، هي ذلك التكريم الذي يناسب الرجل وفهمه لوضع المرأة، وليس التكريم كما تحتاجه هي، المرأة السعودية في أفضل حال بحسب الولي حقيقة، والذي قد يختار أن يكرمها ويمنحها الفرصة للتنقل وللتعلم والعمل وبناء حياتها، وقد يختار أن يمنعها مجبراً لمسايرة نمط ما أو بسوء نية من كل ذلك، المرأة السعودية اليوم تُمنح الفرص بناءً على مناسبتها"لوضعها الخاص"، ويتم دائماً الربط بين أي مطالبة لرفع قيد ما عن حياة المرأة بمدى تناسبها مع الحفاظ على"خصوصيتها"والتي تعني دائماً ضمان عزلها عن الرجل. وبات ذلك مطلباً أكثر من تنمية حياتها ومصادر قوتها واعتمادها على نفسها، والأدلة حولنا كثيرة تنبئ بها ردود الأفعال التي تواجه أي محاولة لفتح الفرص للمرأة وتمكينها إذا ما تعارضت مع قانون العزل، وأكثرها ضجة تلك التي واجهت النساء المطالبات بالقيادة أخيراً، وهو أمر يدعو للدهشة حقيقة في مجتمع مسلم، يعرف رجاله قبل نسائه آداب الدين ونواهيه، أن نخشى فيه على المرأة أن تعمل إلى جانب الرجل أو تواجهه في الشارع أو في القيادة، ثم لا نعتقد - وقد سلمنا بحتمية إساءته للمرأة حال اختلاطه بها في الشارع والعمل - بأن الرجل يمكن أن يسيء لها وهي في بيته وتحت حكمه، فلا نفعل القوانين لحمايتها أو لضمان عدم استغلال الولي لسلطته. ومع أن المرأة لدينا قد تتعرض للمضايقات حال اختلاطها بالرجل، إلا أن ذلك أمر يمكن تقنينه ومراقبته بدلاً من منعها هي شخصياً من التطور الطبيعي في ممارسة الحياة الحديثة بأمن وسلامة، والحياة حولنا مليئة بالعديد من النساء في منتصف العمر أو خريفه ممن تعرضن لتقلب الزمان والولي، في الوقت الذي أصبحن فيه غير قادرات على ممارسة عمل كريم أو متابعة تعليم ما للحصول على فرصة أفضل، وانتهين بكونهن عبئاً ما على أحد أفراد العائلة أو على الضمان الحكومي الذي لا يسد حاجاتهن، وكيف يمكن أن تشارك المرأة وهي تمثل أكثر من نصف المجتمع في صناعة القرار والمشاركة فيه، إذا كانت بعيدة عن المشاركة في ممارسة الحياة العامة اليومية والانخراط فيها؟ وحتى عند عزل عمل المرأة عن الرجل، فهي تتبع وظيفياً رئيساً ما من الرجال حتى في حال تأهيلها علمياً للمنصب بأعلى الشهادات، وهناك بيننا الكثير ممن يتهم كل مطالب بتمكين النساء وفتح الأبواب المغلقة لهن بالعلمانية والدعوة إلى الفتنة، فهل تستطيع النساء بعد ذلك أن يتواجدن مع الرجل للمشاركة في تقرير مصير مجتمعاتهن وتقرير ما يصلح لهن، وأن يتمتعن بثقة الرجال في قدرتهن على التمييز، وبإنسانية ودعم الرجل السعودي، وأن يشاركن في صناعة القرار بالفعل وليس للترويج الإعلامي، وهل نستطيع أن نجيب بشفافية حقيقية بأن المرأة لدينا، بحماية الدولة وبحماية شريكها الرجل، تتنقل وتتعلم وتعمل في المهن التي تتميز فيها، وتصل إذا أبدت كفاءة إلى المناصب العليا"بتفرغ تام"لتسن التشريعات والقوانين وتراقب تفعيلها ويؤخذ فعلاً برأيها في المحافل الدولية، فلا يتحدث ولا يقرر بالنيابة عنها الرجل، ولا نجد لجنة شراكة بين الجنسين أعضاؤها من الرجال فقط، بل توجد النساء فيها أيضاً ليظهر الوجه المشرف الحقيقي للمرأة السعودية التي توجد وتعيش في وطنها كما الرجل. عندها لن يحتاج الرجل إلى إثبات شراكة المرأة، وإلى الدفاع عن غيابها بعدد من المبررات والأوضاع الخاصة، التي وإن أفردت لها الصحف آلاف الذرائع فلن تقنع أحداً وعلى الأخص لن تقنع المرأة السعودية التي أمضت حياتها تناور القيود وتتعلم وتعمل وتنظر الآن بتفاؤل إلى شريكها الرجل لتحصد ثمرات مشوارها الطويل. * كاتبة سعودية - مقيمة في الولاياتالمتحدة.