سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ العتين أكد ل "الحياة" أن تقنين الأحكام يساعد القضاة ... وليس جديداً على الفقه الإسلامي . قاض : الاستفادة من السجناء ب "العقوبات البديلة" ... أجدر من تسليمهم لليأس والإحباط
تعلّق طموحه بالثريا، واصل خطاه بلا كلل. درس في"الكتاتيب"فكان قلمه من الخشب ومحبرته من سناء السراج، تألق في انتهال العلم إلى أن تحققت له الدراسات العليا فتجاوز مرحلة الماجستير ثم الدكتوراه فكان غراسه مناراً للقضاء. فقد جمع بين العلم والعمل فزاد من خبراته وتجاربه. ضيفنا أكمل الأربعين عاماً في خدمة العدالة وأشرف على عدد من الجمعيات الخيرية ومراكز الدعوة. حمل حواره الكثير من الآراء والتطلعات، فكانت فرائد مستجدة، مواكبة للنوازل والتطوّرات. وفي حواره مع"الحياة"فتح القاضي المتقاعد الدكتور محمد بن عمر العتين قلبه لها، وأكد انتصاره للأفكار التنويرية التي ضجّت بها"العدالة"في بلاده أخيراً مثل العقوبات البديلة، مشيراً إلى أمور عدة تعلّمها من القضاء، من بينها"أن الفراسة في وجوه الخصوم، تسهم بقدر وافر في معرفة الحقيقة، حتى تتبين المجرم من البريء. ثم ضرورة الاطلاع الواسع في بطون كتب الفقه، حتى يتمكّن القاضي من القدرة على الاستقراء والاستنباط واستخلاص الحكم الشرعي الذي يطمئن إليه. وقد كان للاسترشاد بمسيرة القضاء والقضاة والخلفاء الراشدين المهديين، أثراً فعّالاً في الاهتداء إلى الحكم الشرعي الصحيح بقدر الإمكان من المؤاساة بين الخصوم في المجلس والوجهاء. كذلك كان لعنصر التحكيم الشرعي بين المتداعيين دور مهم في اختصار مراحل الدعوى وتطييب النفوس في المجتمع، والشعور بالطمأنينة بالعدالة، فيحصل التصافي ويعم السلام". في ما يأتي نص الحوار. بداية، كيف كانت النشأة، ومتى بدأتم في طلب العلم؟ - هيأ الله لي سبيل العلم باكراً والحمد لله، فقد دخلت الكتاتيب التي كانت تعلّم في حينه القرآن الكريم ومبادئ الكتابة، وتستخدم في تعليم ذلك الألواح الخشبية، وكان القلم الذي نكتب به مصنوعاً من الخشب، وأما الدواة أو المحبرة فكانت من دخان السراج سباء. ثم قيّض الله لنا الأستاذ المربي الفاضل أحمد مطيع هروبي، وكان تعلّم في مدارس الشيخ الداعية الجليل عبدالله بن محمد القرعاوي الذي أسهم في نشر العلم في منطقتنا في جازان، وكان من ثمرات غرسه، الدعاة والمرشدين الذين أضاءوا سرج المعرفة وقناديل الهداية، كما كان لتوجيهات أستاذنا الشيخ أحمد مطيع غفر الله له، أثر كبير في ترغيبنا في مواصلة التعليم في تلك السن المبكرة، فالتحقنا بالمدرسة السلفية بصامطة، فكانت تلك بداية الرحلة المباركة في ذلك الزمان المبارك، وانطلقنا نخب السير ونستشرف المستقبل ونرقبه بعيون بصيرة، وهمم وثابة، تعلقت بالثريا، فكانت الخطى التي مشيناها بلا كلل أو ملل تصحبنا العناية الإلهية، وتحفنا رعاية ذلك الجيل المثالي من شيوخنا الكرام. علمنا أنكم تحصلتم على الشهادات العيا وأنتم على رأس العمل القضائي، ولكن ما هي سيرتكم العملية في القضاء؟ - بعد أن يسّر الله لنا التخرج في كلية الشريعة، مشينا الخطى في دروب العدالة والقسطاس، إذ صدر قرار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله بتعييني ملازماً قضائياً في المحكمة الكبرى بالرياض اعتباراً من 1-7-1388ه، ثم قاضياً منتدباً إلى دولة الإمارات العربية في محكمة إمارة الفجيرة، وكان ذلك في الثامن من صفر لعام 1390ه لمدة عامين، انتقلت بعدها إلى محكمة الخبر في المنطقة الشرقية ومكثت بها زهاء العشرة أشهر. إلى أن تم نقلي إلى محكمة رأس تنورة، وظللت بها إلى أن تمت ترقيتي عضواً قضائياً في محكمة التمييز بالرياض عام 1425، ثم تمت إحالتي إلى التقاعد لبلوغي السن النظامية، فكان انتهاء العمل مصادفاً لتمام الأربعين عاماً في خدمة العدالة. بماذا خرجتم بعد تقاعدكم سواء من خبرات وتجارب وعلاقات؟ - علمتني السنون الطوال في هذا المجال الكثير مما قد لا يتاح لغير من عمل في هذا المجال أن يكتشفه، ومن هذه الخبرات، وجوب التوكّل على الله حق توكله، واللجوء إليه طلباً للاهتداء إلى الحق في ما أصدره من الأحكام، مستذكراً دوماً مراقبة الله للعبد في سره وجهره. والقضاء أمانة شاق حملها، ولهذا فهو يقتضي العلم الراسخ، والفهم الثاقب، والذكاء اللماح، وحفظ الأسرار والهم الدائم من الوقوع في الزلل، والاستعانة بالدعاء لرفع ما تحدث به النفس من وسواس خناس، ثم فضيلة الصبر، التي أكد عليها الكتاب والسنة، ومن ذلك التهيئة النفسية لتحمل ما يصدر من الخصوم قولاً وفعلاً، والتأني في إصدار الأحكام، وعدم التعامل برد فعل الخصوم"فإن لصاحب الحق مقالاً"والفراسة في وجوه الخصوم، تسهم بقدر وافر في معرفة الحقيقة، حتى تتبين المجرم من البريء. ثم ضرورة الاطلاع الواسع في بطون كتب الفقه، حتى يتمكّن القاضي من القدرة على الاستقراء والاستنباط واستخلاص الحكم الشرعي الذي يطمئن إليه. وقد كان للاسترشاد بمسيرة القضاء والقضاة والخلفاء الراشدين المهديين، أثراً فعالاً في الاهتداء إلى الحكم الشرعي الصحيح بقدر الإمكان من المؤاساة بين الخصوم في المجلس والوجهاء. كذلك كان لعنصر التحكيم الشرعي بين المتداعيين دور مهم في اختصار مراحل الدعوى وتطييب النفوس في المجتمع، والشعور بالطمأنينة بالعدالة، فيحصل التصافي ويعم السلام،"والصلح خير". وقد رأيت أن للعرف الاجتماعي أهمية لا تدانى وهو ما يوجب مراعاته، خصوصاً ذلك الذي يقره الشرع، فكثير من المشكلات يمكن أن تحل عبر هذا الطريق، لاسيما في الجرائم ذات الطابع الخاص. ولتجدد أساليب الجريمة وتشابك طرقها فلا بد من الإلمام بالمستجدات ومتابعة التطورات العصرية من جانب القاضي خلال اللقاءات العلمية والاطلاع على المستجدات في ذلك. خلال مسيرة عملكم القضائي ما هي أبرز وأهم القضايا التي عالجتموها؟ - القضاء أمانة عظيمة، تجب المحافظة على ما يجري في أحشائها من أسرار، فهي تلامس أعراض ومشاعر بل حياة الناس بتفاصيلها، التي يحرصون على كتمانها، وعدم البوح بها، من هنا تتضاعف مسؤولية القاضي في البحث عن أنسب الحلول الشافية لهذه الأعراض والأمراض، كما هو شأن الطبيب الحاذق والمؤتمن، وبالطبع فقد مرت عليّ العديد من القضايا التي أخذت من الأخذ والرد الكثير، وأذكر هنا قضية ولاية وميراث لرجل كان الوالي على أبنائه القصر أخاهم الأكبر من الأب، وقد كان رجلاً حاذقاً فطناً، لا يفرط في تسجيل شيء يصرفه على القصّر وأمهم، فحصل النزاع وطال ثم حكم فيه وحصل الأخذ والرد مع التمييز، وبعد التصديق من التمييز، إذا بأم الأطفال تشكو القرار إلى المقام السامي، فتمت إحالة الأمر إلى مجلس القضاء الذي أحالها لمحكمة الموضوع مرة أخرى، وتدخلنا فيها بالصلح فأصلح الله بين الخصوم، وعادوا بعد الجفاء إخواناً. وقضية أخرى مشهورة نتجت من حادثة مرورية، تسبب فيها سائق أجنبي، على مواطن تعطلت لديه آلة السمع والبصر والشم، وقدرة اليدين والرجلين واللسان، وفقد التحكّم في المخارج جميعها، وجاء التقرير الطبي شارحاً ومبيناً لكل ذلك، ما دعا لجنة تقدير الشجاج بالمحكمة في الرياض، إلى تقدير ذلك بمبلغ كبير مقداره"975 ألف ريال"، وتحمل الكفيل هذا المبلغ بسبب كفالته للسائق الأجنبي. ومن الصعوبة بمكان إحصاء القضايا التي نظرتها، وفيها الكثير من الحكم والدروس. ما هي نظرتكم في استعانة القاضي بوسائل الإثبات الحديثة كالبصمة والحمض النووي وغير ذلك من الوسائل الطبية؟ - صلاحية الإسلام عبر المكان والزمان لا تناقض الهدف الأساسي من خلق العقل البشري ومخترعاته الفكرية والمادية، ولا تناقض بين العلم والإيمان، فالوسائل الحديثة لإثبات الجريمة كالبصمة والحمض النووي تعتبر قرائن مهمة تقود إلى معرفة الجاني في غياب البيّنات الظاهرة والمعتبرة والتي بموجبها يسترشد القاضي والمحقق إلى أدلة التجريم، أو إثبات الحقوق، ومن ثم يهتدي بالأدلة الشرعية لإصدار ما يراه مناسباً من الأحكام. ما رأيكم في تضييق الاجتهاد عبر تقنين الإحكام؟ - تقنين الأحكام من الأمور المتعارف عليها في فقه الإسلام، كما أنه أمر متعارف عليه في عالمنا العربي والإسلامي، وتدعو إليه الحاجة لعجز الكثيرين عن استنباط الحكم الشرعي الصحيح من بطون كتب الفقه، والأحكام الشرعية المتناثرة فيها، وكذلك لاختلاف الأحكام في الموضوع الواحد من قاضٍ إلى آخر. فلما كان ذلك كذلك فقد رأى ولي الأمر ضرورة ضبط الأحكام بقدر الإمكان مع توافر الفرصة لإصدار الحكم الذي يرتئيه القاضي مناسباً لمختلف الحالات عند تسبيبه لما يصدر من أحكام، مع الاهتداء بما هو موجود عنده من الإرشادات المقننة، فالأمر ليس بدعاً، فقد ظلت مجلة العدل ترفد هذا المجال بعدد من الأحكام الشرعية، وفي التاريخ ثبت أن الإمام مالك طلب منه أن يضع كتاباً في الحديث ليكون مرجعاً للناس فكان الموطأ، وقيل له: أنحمل الناس عليه ونلزمهم به؟ فقال لا. وتختلف الآراء في شأن التقنين فمنهم من يجيزه، ومنهم من لا يرى ذلك. ما نظرتكم حيال تعدد وقوة الأنظمة مع ضعف التطبيق؟ - القول يجب أن يقترن بالفعل، والأحكام يجب أن يصحبها التنفيذ، وإلا سادت الفوضى وعمت الشرور والأحقاد، وعلى رغم تعدد الأنظمة فإن كثرتها لا تغني، إذا لم يتبعها تطبيق يطمئن إليه الجميع، والملاحظ أن كثيراً من المعاملات خصوصاً المالية تشهد البطء الواضح في عدم تنفيذ الأحكام الصادرة عن جهات الاختصاص، ولعل مرجع ذلك إلى تعدد جهات التطبيق وعدم حصرها في جهة واحدة لكي تحاسب عن التقصير. ولا شك أن كثيراً من المعاملات وبخاصة تلك التي تُنظر أمام الشرع، تجد حظها أكثر من غيرها لطبيعة المحاكم الشرعية في تدعيم أطر العدالة. يمر القضاة بعدد من المواقف المعبّرة، فهلا ذكرتم شيئاً من تلك المواقف؟ - الحياة مليئة بالمواقف المتباينة، من فرح وحزن، وهذه سنة الله في الخلق، ومن ذلك خلق الزوجين الذكر والأنثى، والليل والنهار، والخير والشر، وهكذا هي الحياة، فتتنوّع المواقف، ولعل من أشد ما أحزنني منعي من التفرغ لدراسة الماجستير عقب الفراغ من الدراسة الجامعية في كلية الشريعة، إذ صدر الأمر بأن أباشر العمل ملازماً قضائياً. ما رأيكم في بدائل السجن بالأعمال الاجتماعية وبخاصة للأحداث؟ - بدائل السجن أصبحت من النظريات التي ينادي بها كثير من علماء الإصلاح الاجتماعي في عصرنا الحاضر، وقد ساقوا لها المبررات والأسباب التي تدعم الحجج وتقوي التطبيقات المقترحة. ومن تلك الحجج الاستفادة من الطاقات المعطّلة التي يصيبها الترهل واليأس والإحباط داخل الجدران، ومنها تفادي الأمراض الأخلاقية الناتجة من اختلاط الشرائح والأطياف الإجرامية ببعضها، وتوارث الأمراض البدنية والنفسية وتوفير ما يصرف على هؤلاء الأحداث من مصاريف يمكن أن تسهم في تطوير قدراتهم عندما تنتهي فترة محكوميتهم، وغير ذلك الكثير من الأسباب الداعمة لهذا التوجّه، مع وضع الضوابط الكفيلة لنجاح الفكرة، ولعلنا نكون من الداعمين للمشروع وتوجهاته من خلال طرح المشاريع التي تتناسب وسن الأحداث وتعويدهم على العمل الاجتماعي المفيد لهم ولمجتمعهم كتنظيف المساجد والشوارع وسقي الأشجار ونحو ذلك. ما هو منهجكم في المبالغة في الحكم والتفاوت فيه؟ - لكل قضية ملابساتها وظروفها، ومن هذا المنطلق يحصل التفاوت في الأحكام، وذلك وفق ما يترجح للقاضي من قوة الدليل والبيّنات والقرائن، ولعلنا لا نحمل إلا على حسن الظن بالقاضي وأن هدفه تحقيق العدالة وحماية المجتمع وتأمين سلامته وعافيته، فهو غير محسوب على طرف أو خصم ولا ينبغي له ذلك وإلا رد من موقعه بحسب النظام. ولعل تقنين الأحكام يسهم في التخفيف من ثقل المبالغة أو التفاوت في هذا الشأن، وتسهم في ذلك إقامة ورش العمل التدريبية وإقامة الندوات والمحاضرات، والمنشورات النظامية، والتفتيش القضائي في شقه التوعوي والثقافي.