أحياناً يكون الرمز في الاحتجاج أبلغ من ألف تظاهرة واحتجاج! مبادرة الأعمدة البيضاء التي شارك فيها كتاب أعمدة في صحف مصرية خاصة قبل أيام، لاعتراضهم على ما سمّوه «عودة الرقيب والمصادرة وحظر النشر»، ليتها تتكرر بين أصحاب الكلمة المسموعة والمرئية. لم يحدث أن لعب التلفزيون المصري دوراً حيوياً ومحورياً – ولا نقول بالضرورة وطنياً أو محقاً – كما يلعب الآن! «كارثة ماسبيرو» أمعنت في كشف الغطاء عن الساحة التلفزيونية، فتعامُل التلفزيون الرسمي مع الكارثة كاد يقف على قدم المساواة مع الحدث نفسه في كارثيته. مناشدة التلفزيون عبر مذيعيه – ولو كان ذلك بمبادرة شخصية منهم وليس توجهاً رسمياً - للمواطنين بالنزول لمساندة الجيش يجب ألا تمرّ مرور الكرام. أصوات كثيرة تطالب بتقديم المذيعين للتحقيق ومحاسبتهم على أسلوب تغطيتهم للكارثة، بل وصل الحدّ إلى المطالبة بوقف عمل قطاع الأخبار تماماً لحين إعادة النظر في ما يقدمه. وإذا كان التلفزيون الرسمي لعب – بوعي منه أو من دونه – دوراً تحريضياً في مثل هذا الوقت العصيب، فإن دور التلفزيون الخاص لا يقل خطورة، وذلك بين قنوات دينية متطرفة أسهبت في لعب الأدوار التحريضية التي كانت منعت منها عنوة قبل ثورة يناير، ثم عادت لتمارسها بكل ما أوتيت من قوة. الغريب أن قرارات الإغلاق أو مطالبات الكفِّ عن التحريض لم تطل أياً من تلك القنوات. ورغم أن «لفتَ نظرٍ» وُجِّه غير مرة إلى قنوات مثل «دريم» و «أون تي في» في شأن محتوى برامجهما السياسية! لفت النظر الذي جاء في صورة إنذار رسمي موجَّه من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى القناتين بسبب «عدم التزامهما بما ورد في المحتوى الفني والوصف التفصيلي المقدم من أجل قيامها بمزاولة النشاط»! وسواء استلمت هذه القناة أو تلك إنذاراً رسمياً أو تهديداً معنوياً أو حتى تلقت هجوماً منتقداً أداءها الإعلامي، يبقى هناك الكثير من التشكيك حول طبيعة الأدوار التي تلعبها في مثل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها مصر! فهناك من يتهم بالصيد في المياه العكرة لأغراض إقليمية، وهناك من يصنف تحت بند تهييج الرأي العام ضد المجلس العسكري، ومنهم من يُتهم بتغليب طرف لحساب آخر استعداداً للانتخابات المقبلة. لهذا تبدو مبادرة «البرامج البيضاء» أو «البث الأبيض» فكرة طيبة تروق لبعض من أعياهم الركض بين مئات القنوات التي لا تعد أو تحصى! فماذا لو بادر عدد من القائمين على أمر البرامج التي باتت تشكل الوعي العام بتبييض برامجها، والاكتفاء بالجلوس أمام الكاميرا في الاستوديو على الهواء من دون أن ينبسوا ببنت شفة ولو لليلة واحدة؟ أغلب الظن أن النتيجة ستصب في مصلحة الجميع، إذ سيرتاح المشاهد من الشحذ النفسي المستمر لليلة، كما ستتاح للمذيعين فرصة للسكوت والتقاط الأنفاس في هدوء الاستوديو المكيف الصامت، ولعلها تكون فرصة لمراجعة الحسابات. قديماً قالها جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر حكمة: «أعطني إعلاميين بلا ضمير، وخذ شعباً بلا وعي».